| علماء الحديث | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: علماء الحديث الجمعة 25 أكتوبر 2013, 1:24 am | |
| لقد منّ الله سبحانه وتعالى علينا بأن جعلنا خير أمة أُخرجت للناس، وأرسل إلينا أفضل رسول، وأنزل علينا أفضل كتاب، ولم يمُت رسولُ الله - صل الله عليه وسلم - إلا وقد بلغ الرسالة بلاغًا تامًا كاملاً على خير وجه، وقد حفظ الله تعالى للمسلمين دينَهم وسنةَ نبيهم؛ فأما القرآن فإنَّ الله تعالى تَولّى حِفظه بنفسه ولم يَكِلْ ذلك إلى أحد من خلقه، فقال سبحانه:{إِنّا نَحْنُ نَزّلنا الذِّكرَ وإِنّا لهُ لحافظون}، فظهر مِصداقُ ذلك مع طول العهد، وتوالي الأيام، وتعاقبِ الشهور والسنين، واتساعِ رُقعة الإسلام.
وأما السُّنَّةُ فإنَّ الله تعالى قد وفَّق لنقلها صحابةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فنقلوها إلى التابعين لهم بكل أمانة، والتابعون لم يألوا جهدًا في تبليغها إلى أتباعهم، ثم ما زال يأخذ اللاحق عن السابق حتى وصلت السنة إلينا. ولكن مع توالي العصور وتعاقب الدهور دعت الحاجةُ إلى ظهور أنواعٍ من العلوم المتعلقة بدراسة هذه الأسانيد عن رسول الله - صل الله عليه وسلم -، وكذلك المتون التي تُدلي بها تلك الأسانيد، وقد وَفَّق الله تعالى لهذه الدراسة حُفَّاظاً عارفين، وجهابذةً عالمين، وصيارفةً ناقدين، ينفون عن سنة الرسول الكريم تحريف الغالين، وانتحال المُبْطلين، وتأويل الجاهلين؛ فتفرغوا لها، وجابوا الأرض في طلبها، وأفنَوا أعمارَهم في تحصيلها، وأجهدوا ذهنهم في بيان عللها وأحوالها، وتمييزِ صحيحها من سقيمها، فجزاهم اللهُ عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاءِ!
من أجل ذلك كان حقيقًا بمن جاء بعدهم أن يعرف لعلماء الحديث قدرهم، وينزلهم منزلتهم، ويتعرف على جملةٍ من أحوالهم، وأن يذب عنهم ويرد غيبتهم؛ برًا بهم واعترافًا بجميلهم ..
فلولا الله ثم تضحياتهم ما وصل إلينا هذا الدين! وتأمل ما أسنده الإمام الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية في علم الرواية) عن الإمام أبي زرعة الرازي حيث قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حقٌ والقرآنَ حقٌ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله - صل الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولَى، وهم زنادقة".
ثمرات دراسة أخبار أعلام المحدثين: وفي مطالعة أخبار هؤلاء الأعلام وما بذلوه في خدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوائد عديدة، منها: الثقة بما في أيدينا من نصوص السنة، وأن أعلام الحديث قد نقدوها ونقدوا أسانيدها حتى صح لنا نسبتها لرسول الله - صل الله عليه وسلم - .. ومنها أن في أخبار القُدوات الكبار والمصلحين العظام من علماء الحديث مادةٌ للتجديد والبعث الجديد في حياة الأمة، ويستعان بها في إيقاظ هِمم المسلمين وإلهاب قلوبهم بجذوة الإيمان والحماسة للدين، قال تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب"، وقال الإمام أبو حنيفة: "الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها من آداب القوم وأخلاقهم"، وقال الجنيد رحمه الله تعالى: "الحكايات جندٌ من جنود الله يثبت الله بها قلوب أوليائه، فقيل له هل لهذا من شاهد؟ قال: شاهده قوله تعالى: {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}". فما أعظم تلك الثمرات التي يجنيها المطالع في أخبار أعلام المحدثين! فإن النفس تتوق إلى محاكاة العظماء واقتفاء آثارهم والنسج على مِنوالهم، حتى يخرج إلينا جيلٌ حريصٌ على العودة بالأمة إلى ريادتها وسابق عهدها.
الإمام البخارى
الإمام مسلم
الإمام الترمذى
الإمام النسائى
الإمام ابن ماجة
الإمام الألبانى
الإمام عبدالرازق
الإمام ابن عبدالبر
الإمام الحافظ بن حجر العسقلانى
الإمام ابن الجوزى
الإمام أبو داوود
الإمام الدرامى
الإمام الدراقطنى
الإمام الحاكم
الإمام النووى
الإمام البيهقى
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: علماء الحديث الجمعة 25 أكتوبر 2013, 1:27 am | |
| |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: علماء الحديث الجمعة 25 أكتوبر 2013, 1:33 am | |
| الشيخ الألبانينعيش في هذه الصفحات مع بقية المحدثين ومحيي السنة وناصر الدين وجهبذ العصر، الذي نذر حياته دفاعًا عن السنة ومحاربا لأصحاب الأهواء والمبتدعة، لقد كانت حياته صورة صادقة لعلماء الحديث الذين هم جهابذة أزمانهم .. إنه الشيخ الإمام المحدث ناصر الدين الألباني.نسب الشيخ الألباني الإمام الكبير والعالم الرباني ومحدث العصر وجهبذ العلماء ومحيي السنة أبو عبد الرحمن ناصر الدين محمد بن نوح بن آدم بن نجاتي الألباني. المشهور بالشيخ ناصر الدين الألبانينشأة الشيخ الألباني ولد الشيخ الألباني رحمه الله في عام 1332هـ/1914م، في مدينة أشقودرة عاصمة ألبانيا يومئذ، ومن نعم الله تعالى عليه أن جعل نشأته في أحضان أسرة متواضعة متدينة يغلب عليها الديني العلمي، فقد تخرج والده الحاج نوح نجاتي الألباني في المعاهد الشرعية بعاصمة الخلافة العثمانية الأستانة التي تُعرف اليوم بإسطنبول، ورجع إلى بلاده في خدمة العلم وتعليم الناس ما تلقاه حتى صار من كبار مشايخ ألبانيا ومرجعا للمسلمين بها [1].الألباني والهجرة إلى الشام كأن أحمد زوغو الذي تولى حكم ألبانيا في الفترة من (1922-1924م) مغرما بالحياة الغربية والمدينة الأوروبية التي تعتمد على السفور والخلاعة والتحلل الأخلاقي، فبدأ أحمد زوغو ينحو بألبانيا المسلمة ناحية الغرب، واقتفى في ذلك أثر أتاتورك في تغريب تركيا عقب إلغاء الخلافة العثمانية1343هـ/ 1924م ففرض أحمد زوغو القوانين الوضعية على الشعب الألباني المسلم، وألزم المرأة المسلمة بنزع حجابها، وألزم الناس وخاصة الجيش بلباس القبعة والبنطلون، وساد في البلاد الطابع الغربي على الطابع العربي والإسلامي.نظر والد الشيخ الألباني إلى هذه المستجدات التي تبعد عن الدين نظرة المتوجس الخائف على دينه ودين أهله وأبنائه، فأخذ قراره بالهجرة إلى بلاد الإسلام وما تهوى إليها الأفئدة، فهاجر بأهله إلى بلاد الشام وبالتحديد إلى دمشق، لما ورد في فيها من أحاديث شريفة فضلا عن معرفته بدمشق أثناء رحلته في الحج، وفي هذا الوقت بلغ الألباني التاسعة من عمره.الألباني وطلب للعلم لم يكن الشيخ الألباني عند هجرته إلى الشام يعرف من اللغة العربية شيئًا، فبدأ بدراسة اللغة العربية والتحق بجمعية الإسعاف الخيرية ولما أصاب المدرسة حريق التحق بمدرسة أخرى بسوق ساروجه بدمشق وهناك أكمل المرحلة الابتدائية وحصل عليها في أربع سنوات، ويبدو أن الله تعالى فطر الألباني رحمه الله على حب اللغة العربية فكان متفوقا على زملائه السوريين في اللغة العربية وغيرها.وكان الألباني رحمه الله في مقتبل شبابه مغرما بالقراءة، إلا أن قراءته كانت عادية فكان يأخذ من الباعة قصص أرسين لوبين، اللص الأمريكي، عنترة بن شداد، وغيرها من القصص البوليسية والمثيرة [2].تلك كانت حياة الألباني رحمه الله الأولى في القراءة وطلب العلم، ولكن الله عز وجل أراد للألباني شيئا آخر، كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" [3]، فنظرًا لسوء رأي والده في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال ولده الألباني الدراسة، ووضع له برنامجا عمليا مركزا، قام من خلاله بتعليمه القرآن والتجويد والصرف، وفقه مذهبه الحنفي [4].كما تلقى الألباني بعض العلوم الدينية والعربية على يد مجموعة من الشيوخ والعلماء من أصدقاء والده، مثل الشيخ محمد سعيد البرهاني، فقرأ الألباني عليه كتاب (مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح) في الفقه الحنفي، وبعض كتب النحو والبلاغة العصرية، فضلا عن حضوره دروس العلامة بهجت العطار مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق منهم عز الدين التنوخي رحمه الله إذ كانوا يقرءون كتاب الحماسة لأبي تمام [5].مهنة الألباني النجارة أول ما امتهن الشيخ الألباني من المهن العملية مهنة النجارة، أخذها عن خاله وشخص سوري يدعى (أبي محمد)، وقد عمل بها سنتين، ثم لا حظ أنها مهنة تهد القوى وتشغل الوقت فلم ينجذب إليها.تصليح الساعات وكان عمل الألباني رحمه الله في النجارة يتعطل في الشتاء، فمر على والده في ذات يوم في دكانه وكان يعمل في تصليح الساعات، فاقترح عليه والده أن يمتهن مهنة إصلاح الساعات، فأخذ الشيخ الألباني رحمه الله عن والده مهنة إصلاح الساعات، فأجادها حتى أصبح من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يتكسب منها، وقد وفرت له هذه المهنة قوته وقوت أسرته، ووفرت له كذلك فراغا من الوقت ملأه رحمه الله بطلب العلم وتحصيله [6].الألباني وطلب لعلم الحديث توجه الألباني -رحمه الله- إلى علم الحديث وهو في العشرين من عمره، متأثرا بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا.وأما عن صلته بالشيخ محمد رشيد رضا وبمجلة المنار، فيذكر الشيخ الألباني أنه كان مولعا بقراءة الروايات التاريخية، وفي ذات يوم لاحظ من بين الكتب المعروضة عند أحد الباعة جزءا من مجلة المنار، وقرأ فيها فصلا للشيخ رشيد رضا يتكلم فيه عن كتاب الإحياء للغزالي، ويشير إلى محاسنه ومآخذه وذكر أن للحافظ العراقي كتابا وضعه على الإحياء، خرّج فيه أحاديثه وميَّز صحيحها من ضعيفها، وهو كتاب (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار).وقد جذب كتاب المغني للحافظ العراقي الشيخ الألباني فسعى لاقتنائه، واستأجره من مكتبة الحلبي، وقد استهواه الكتاب فعمل الشيخ الألباني على نسخه، وتم له نسخ 2012 صفحة، وقد استعان بشتى المؤلفات اللغوية والبلاغة وغريب الحديث لتفهم النص إلى جانب تخريجه، وكان ذلك هو أول عمل حديثي قام به الشيخ الألباني، وهو بعدُ لم يتجاوز العشرين من عمره. وكان ذلك العلم فاتحة خير كبير للشيخ الألباني، ولا زال الشيخ الألباني يعرف لمحمد رشيد رضا هذا الفضل ويشير في ذلك في مؤلفاته، وقد ازداد الألباني إقبالا على علم الحديث ودراسة السنة بشغف شديد، وذلك مع رد الفعل السلبي لأبيه، الذي لم يحبذ اشتغال ولده بالحديث وكان يقول له: (علم الحديث صنعة المفاليس) [7].الألباني في المكتبة الظاهرية المكتبة الظاهرية هي واحدة من أهم الخزائن العامة في دمشق، تحتوي على الآلاف من المحفوظات والمؤلفات والنوادر، وهي من نعم الله تعالى التي أنعمها على الشيخ الألباني -رحمه الله- في مقتبل عمره، فقد وجد فيها ما لا يستطيع شراءه من الكتب.وقد أصبح علم الحديث شغل الألباني الشاغل حتى كان يغلق محله ويذهب إلى المكتبة الظاهرية ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتر عن المطالعة والتعليق والتحقيق إلا أثناء فترات الصلاة، ولجهوده هذه خصصت له إدارة المكتبة غرفة خاصة به يقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة [8]، وكانت معظم هذه الأبحاث التي يكتبها الألباني في محاربة البدع وتصحيح مفاهيم الناس عن الإسلام الصحيح وتصحيح الخلل والأخطاء الموجودة أمامه في البيئة التي يعيش فيها على ضوء الأحاديث التي يدرسها، خاصة أنه عاش في بيئة مليئة بالتعصب المذهبي، ومن أوائل ما ألفه الألباني في هذا الصدد كتابين: الأول: " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"، وهو كتاب فقهي، والثاني: "الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير"، وهو كتاب حديثي، وقد ألفه الألباني وهو في 22 من عمره [9].الألباني .. ابتلاءات ومحن لم يقتصر نشاط الألباني رحمه الله على قراءة الكتب وكتابة التعليقات والحواشي وإنما تعدى ذلك إلى العمل والنشاط الدءوب في الدعوة إلى الله تعالى، وبدأت المناقشات بين الألباني والمشايخ وأئمة المساجد، ولقى الشيخ معارضة شديدة من بعض المشايخ الذين أنكروا عليه انصرافه إلى علم الحديث، وجعلوا يثيرون عليه العامة والغوغاء، ويشيعون عنه بأنه (وهابي ضال)، وهاجموه على المنابر، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل وصل إلى حد أن منعوه من المساجد ومن إلقاء الدروس في دمشق وحلب واللاذقية وغيرها من مدن سوريا.ووصل الأمر بهؤلاء الحاقدين على الشيخ إلى حد الوشاية به وقول الزور إلى الحكام فتعرض بذلك إلى الاعتقال ما يقارب ثمانية أشهر حيث اعتقل في قلعة دمشق عام 1967م، وهي القلعة التي سجن فيها ابن تيمية رحمه الله وأقام فيها الألباني صلاة الجماعة وصلاة الجمع، التي قيل إنها ما صليت من أيام ابن تيمية حتى سجن الألباني [10].الألباني ورحلاته العلمية والدعوية للشيخ الألباني سفرات ورحلات في داخل القطر السوري وخارجه، وقد زار معظم المدن السورية مثل: حلب، وإدلب، واللاذقية، وحماة، وحمص، والجزيرة، وغيرها.كما قام برحـلات خارج القطر شملت الأردن ولبنان والكويت والإمارات وقطر والسعودية وفلسطين ومصر والمغرب وإسبانيا وغيرها.وكان في كل هذه الرحلات يعقد الندوات، ويلقي الـدروس والمحاضرات، ويجيب عن الأسئلة والاستفسارات، ويصدر الفتاوى والأجـوبة مسموعة ومكتوبة ومسجلة على الأشرطة، كما يجيب عن الرسائل الواردة من أنحاء العالم، وكذا الاتصالات الهاتفية.وقد وفقه الله تعالى للصلاة في المسجد الأقصى، كما انتُدب للتدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من بداية سنة 1381هـ/ 1961م إلى نهاية 1383هـ/1964م، كما حضر مؤتمر الطلبة المسلمين بغرناطة بإسبانيا سنة 1392هـ / 1972م مع الشيخ زهير الشاويش.ولقد وفق الله الشيخ الألباني لإحياء كثير من السنن التي هجرها الناس ومنها: صلاة العيدين في المصلى، وليس في المساجد بالتعاون مع الإخوان المسلمين في منطقة الميدان بدمشق، ثم في بيروت، وبعد ذلك شاعت في البلاد سنة العقيقة للمولود وسنة قيام الليل في رمضان، بإحدى عشرة ركعة فقط، وسنة خطبة الحاجة واستهلال خطبة الجمعة، وسنة جلباب المرأة، والتحذير من بناء المساجد على القبور، والصلاة فيها، كما كان للشيخ الألباني الباع الطويل في توجيه كثير من الشباب للعناية ببحوث السنة وتطويع الأجهزة الحديثة والمبتكرات العلمية الجديدة لخدمة السنة النبوية الشريفة وتيسيرها للناس [11].الألباني وصلته بأهل العلم التقى الشيخ الألباني بكثير من العلماء وطلبة العلم، الذين أخذ عنهم وأخذوا عنه، ومنهم: مؤرخ حلب ومحدثها الشيخ راغب الطباخ الذي أجاز الألباني بمروياته يوم أجاز صاحبه الشيخ زهير الشاويش بوساطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م [12]. كما التقى بالشيخ حامد الفقي رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمصر، والمحدث المحقق أحمد شاكر. كما كان للشيخ صلة وثيقة بالشيخ ابن باز –رحمه الله، وكانت بينهما جلسات علمية نافعة مراسلات مفيدة. كما التقى بالأديب الشيخ محب الدين الخطيب والمحدث الهندي حبيب الرحمن الأعظمي، والعلامة يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزاليوالدكتور أحمد العسال والدكتور عمر الأشقر والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم كثير في بلاد الهند وتركيا والشام ومصر والمغرب العربي [13].
الألباني وخبرته العلمية ومكانته لكثرة مؤلفاته العلمية الدقيقة في تحري السنة وتحري الحق وسمعته العلمية الكبيرة، صار الشيخ الألباني مرجعا في الحديث يأتيه العلماء والأساتذة وطلبة العلم من مختلف البلاد؛ ليستفيدوا من علمه، وقد انتشرت مؤلفاته انتشارا واسعا، حتى ترجم بعضها إلى لغات مختلفة.ونظرا لهذه الخبرة العلمية الكبيرة أصبح الشيخ الألباني محل نظر وتقدير من المراكز العلمية العالمية في الشرق والغرب: -فاختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955م. -وطلبت منه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر.-و اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من قبل الملك خالد بن عبد العزيز ملك السعودية من عام 1395هـ / 1975م إلى 1398هـ/1978م. -واختارته إدارة البحوث العلمية و الإفتاء بالرياض للسفر إلى مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى عقيدة التوحيد والمنهج الإسلامي الحق. -وغير ذلك من الأعمال العلمية والدعوية في أنحاء العالم الإسلامي [14].الشيخ الألباني .. أخلاقه وصفاته وقد لخصها الشيخ علي بن حسن الحلبي في نونيته عن مآثر الشيخ الألباني وآثاره ورثائه، فيقول:أخلاقه في ذروة بتأدب *** من نور أحكام من القرآن فتواضع في الشيخ خلق واضح*** لا يختفي إلا على العميان والصبر منه شعاره ودثاره *** فتأدب وتجلد نوران ورجوعه للحق نهج ظاهر *** في كتبه ومجالس الخلان لا ليس يحقد أو يكن بقلبه *** غلا به يعلوك كالبركان زد فوق هذا رقة رقراقة *** بالدمع تغرق منه ذي العينان [15]الألباني .. عبادته كان الألباني رحمه الله من أحرص الناس على أن تكون عبادته موافقة للسنة في صفتها وعددها ووقتها، فقد قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: "فالذي أعرفه من الشيخ من خلال اجتماعي به –وهو قليل- أنه حريص جدًا على العمل بالسنة، ومحاربة البدعة، سواء كانت في العقيدة أم في العمل".فقد كان الألباني رحمه الله سريع التأثر والبكاء عند سماع آيات القرآن أو تلاوته، أو سماع الأحاديث النبوية التي فيها الوعد والوعيد.وكان الألباني رحمه الله يحرص على صيام الاثنين والخميس صيفا وشتاء، إلا أن يكون مريضًا أو مسافرًا. وكان إذا دخل يوم الجمعة لا يزال يصلي ركعتين ركعتين حتى يصعد الإمام المنبر. وكان يحج ويعتمر كل عام ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وربما اعتمر في السنة الواحدة مرتين، وحجّ الألباني أكثر من ثلاثين حجة [16].
الألباني .. آثاره العلمية ترك الشيخ الألباني رحمه الله ذخيرة علمية نفيسة جلها في خدمة كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صل الله عليه وسلم، وهي تزيد عن مائتي كتاب بين تأليف وتحقيق وتعليق وتخريج، ونذكر منها على سبيل المثال:آداب الزفاف في السنة المطهرة، أحاديث الإسراء والمعراج، أحكام الجنائز، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الأسئلة والأجوبة، صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، صحيح وضعيف الجامع الصغير وزياداته، صحيح السيرة النبوية، صحيح وضعيف الترغيب والترهيب، جلباب المرأة المسلمة، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، منزلة السنة في الإسلام.تلامذة الشيخ الألباني تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله في العالم العربي والإسلامي، وسنذكر المشهورين منهم في عالمنا الآن، ومنهم: عبد الرحمن الباني وزهير الشاويش وعصام العطار وهم من الرعيل الأول للإخوان المسلمين في سوريا.الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والدكتور عمر الأشقر ومحمود مهدي الإستانبولي والشيخ محمد عيد عباسي والشيخ محمد إبراهيم شقرة والشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ علي خشان والشيخ محمد جميل زينو، وحسين العوايشة، وعلي الحلبي، ومشهور حسن، ومحمد إبراهيم الشيباني، وحمدي السلفي [17]. الشيخ الألباني .. ثناء العلماء عليه قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة عن الشيخ الألباني –رحمهما الله: "للرجل من رسوخ قدمه في السنّة ما يعطيه هذا الحق.. إني عظيم الحفاوة بهذا الاستبحار العلمي، وهو يمثل وجهة نظر محترمة في تمحيص القضايا الدينية، وشكر الله له جهده في المحافظة على تراث النبوّة، وهدانا جميعا سواء السبيل" [18].وقال عنه الشيخ العلاَّمة عبد العزيز بن باز: «الألباني مجدد هذا العصر في علوم الحديث».وقال عنه الشيخ محمد صالح العثيمين: «إن الألباني ذو علم جم في الحديث دراية ورواية وهو محدث العصر».وقال العلاَّمة المحقق محب الدين الخطيب: «إن الألباني من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها».وقال عنه الأديب العلامة علي الطنطاوي: «الشيخ ناصر الدين الألباني أعلم مني بعلوم الحديث، وأنا أحترمه لجده ونشاطه وكثرة تصانيفه التي يطبعها له أخي وولدي النابغة زهير الشاويش، وأنا أرجع إلى الشيخ ناصر في مسائل الحديث ولا أستنكف أن أسأله عنها معترفاً بفضله، وأنكر عليه إذا تفقه فخالف ما عليه الجمهور لأنه ليس بفقيه» [19].الألباني والإخوان المسلمون إنها لصورة قاتمة تلك التي يصورها البعض عن علاقة الشيخ الألباني بجماعة الإخوان المسلمين، صورة مليئة بالاتهامات والتضليل المتبادل بين الطرفين، والحقيقة غير ذلك على الإطلاق.لقد كانت العلاقة بين الشيخ الألباني والإخوان المسلمين ملؤها الحب والتآزر والتلاحم، وهذا ما توضحه حقائق التاريخ، فمن بين تلك الحقائق أن الشيخ الألباني -رحمه الله- نال إجازة الحديث الشريف على يد الشيخ راغب الطباخ مؤرخ حلب ومحدثها يوم أجاز صاحبه الشيخ زهير الشاويش بوساطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م [20]، والأستاذ المبارك من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.كما أصدر الدكتور سعيد رمضان (مجلة المسلمون) بسوريا فترة من الزمن بإشراف الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين بسوريا، وكان من هدي المجلة أن أي سؤال في علم الحديث يحال مباشرة للشيخ الألباني، كما كان للشيخ الألباني بعض المقالات والتعقيبات في بابه الثابت بعنوان: (عودة إلى السنة) [21].كما أرسل الإمام حسن البنا رحمه الله رسالة إلى الألباني يشجعه ويحثه على الاستمرار في منهجه العلمي السليم، ويقول الألباني: وللأسف هذه الرسالة قد ضاعت مني، وكانت هذه الرسالة بعد أن نشر الألباني في مجلة الإخوان المسلمين سنة 1947م، بعد التعليقات على مقالات الشيخ سيد سابق في فقه السنة التي كانت تنشر بمجلة "الإخوان المسلمون" [22].وفي سؤال وجه للشيخ الألباني عن الإمام حسن البنا رحمه الله قال:" لو لم يكن للشيخ حسن البنا-رحمه الله- من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي في السينمات ونحو ذلك والمقاهي، وكتّلهم وجمعهم على دعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام..لو لم يكن له من الفضل إلا هذا لكفاه فضلاً وشرفاً..هذا نقوله معتقدين، لا مرائين، ولا مداهنين".مرض الشيخ الألباني كان الألباني رحمه الله في الأيام الأخيرة من عمره يعاني من عدة أمراض وكان مع كل ذلك صابرا محتسبا، وقد نحل جسمه كثيرا، ومن تلك الأمراض التي عانى منها الألباني رحمه الله: فقر الدم والكبد وإحدى كليتيه.ومع ذلك كان الألباني رحمه الله لا يهدأ عن البحث والمطالعة، وكانوا يسمعونه وهو نائم يقول: هات كتاب الجرح والتعديل، جزء كذا صفحة كذا، ويسمى غيره من الكتب، وذلك لشغفه –رحمه الله بالعلم نائما ويقظانا [23].وفاة الشيخ الألباني وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة والمرض والصبر توفي الشيخ الألباني رحمه الله في عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة 1420هـ/ 2 أكتوبر 1999م، وفي اليوم نفسه تم تجهيز جنازته والإسراع بها حسب ما أوصى به رحمه الله، وكان ذلك، فقد حملت جنازته من بيته إلى المقبرة، وصلى عليه تلميذه محمد إبراهيم شقرة، ودفن بعد صلاة العشاء [24].فرحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته على ما قدمه من خدمات جليلة في خدمة السنة النبوية المطهرة. ______________[1] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص44، محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص8، عطية عودة: صفحات بيضاء من حياة الألباني ص19، عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان: الإمام الألباني دروس ومواقف وعبر ص13. [2] محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص9. [3] الترمذي: السنن (2645)، قال الألباني: صحيح. [4] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص45. [5] عودة: صفحات بيضاء من حياة الألباني ص22، ص71- 72. [6] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص48، محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص11، عطية عودة: صفحات بيضاء من حياة الألباني ص22- 23. [7] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص46- 51، محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص10- 11، عطية عودة: صفحات بيضاء من حياة الألباني ص24 – 26. [8] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص51- 52. [9] عطية عودة: صفحات بيضاء من حياة الألباني ص29، محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص12. [10] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص54- 56، محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص20- 21. [11] عبد الله العقيل: أعلام الدعوة .. محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر.. وناصر السُّنَّة ص1063- 1064. [12] عبد الله العقيل: أعلام الدعوة .. محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر.. وناصر السُّنَّة ص1062. [13] انظر بالتفصيل محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص64- 73. [14] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص75- 76. [15] علي بن حسن الحلبي: المنظومة النونية في مآثر وآثار ورثاء محمد ناصر الدين الألباني ص14- 15. [16] عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان: الإمام الألباني دروس ومواقف وعبر ص88. [17] انظر تفصيل ذلك محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص94- 106. [18] محمد الغزالي: فقه السيرة ص11- 14. [19] عبد الله العقيل: أعلام الدعوة .. محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر.. وناصر السُّنَّة ص1068. [20] عبد الله العقيل: أعلام الدعوة .. محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر.. وناصر السُّنَّة ص1062. [21] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص73. [22] محمد إبراهيم الشيباني: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ص68. [23] عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان: الإمام الألباني دروس ومواقف وعبر ص292، عطية عودة: صفحات بيضاء من حياة الألباني ص93- 94. [24] عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان: الإمام الألباني دروس ومواقف وعبر ص292، محمد صالح المنجد: أحداث مثيرة في حياة الشيخ العلامة الألباني ص46. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: علماء الحديث الجمعة 25 أكتوبر 2013, 1:36 am | |
| احتل الحافظ ابن حجر العسقلاني مكانة مرموقة في تاريخ الفكر الإسلامي، وتعد مؤلفاته واحدة من أمهات الكتب والموسوعات العلمية التي تقوم عليها المكتبة الإسلامية، وابن حجر واحد من علماء المسلمين الموسوعيين الذين كتبوا في علوم الإسلام المختلفة، فنبغوا ووصلوا فيها إلى القمة.نسب ابن حجر العسقلانيهو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد [1] بن حجر الكناني العسقلاني [2] الشافعي المصري القاهري المولد والمنشأ والدار والوفاة. المعروف بالحافظ ابن حجر العسقلاني.مولد ابن حجر العسقلانيولد ابن حجر –رحمه الله- في الثاني والعشرين من شعبان سنة 773 هـ [3]، في منزل كان يقع على شاطئ النيل، بالقرب من دار النحاس والجامع الجديد، وظل ابن حجر –رحمه الله في بيته هذا حتى انتقل منه في أواخر القرن الثامن الهجري إلى القاهرة، حيث تزوج بأم أولاده فسكن بقاعة جدها منكوتمر المجاورة لمدرسته المنكوتمرية داخل باب القنطرة، بالقرب من حارة بهاء الدين، واستمر بها حتى مات [4].أسرة ابن حجر العسقلانينشأ ابن حجر في أسرة تشتغل بالعلم وتشجع عليه، فقد اشتغل أبوه بالعلم والفقه ومهر بالآداب، موصوفاً بالعقل والمعرفة والديانة والأمانة ومكارم الأخلاق ومحبة الصالحين والمبالغة في تعظيمهم، وأما أمه فهي من بيت عُرف بالتجارة والثراء والعلم، ولابن حجر أخت اسمها (ست الرَّكب)، قال عنها ابن حجر: "كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي"، ويذكر ابن حجر –رحمه الله- أن له أخًا من أبيه، قرأ الفقه والفضل،وعرض المنهاج، ثم أدركته الوفاة، فحزن عليه والده حزنا شديدا، وذكر ابن حجر –رحمه الله- أن والده حضر إلى الشيح يحيى الصنافيري، فبشَّره بأن الله تعالى سيخلف عليه غيره ويعمره، فكان مولد ابن حجر- رحمه الله- بعد ذلك بقليل. وذكر السخاوي أن الشيخ الصنافيري بشَّر والد ابن حجر –رحمه الله- بقوله: "يخرج من ظهرك عالمٌ يملأ الأرض علمًا" [5].نشأة ابن حجر العسقلانينشأ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- في أسرة تحب العلم وتشجع عليه، وهذا قدر الله له أن يهيئ له جوًا علميًا وبيئة صالحة تأخذ بيده إلى العلم، حتى صار له شأن عظيم بين الناس، وشاء الله -تعالى- كذلك أن ينشأ ابن حجر- رحمه الله- يتيمًا أباً وأمًا، فحُرم من عطف أبيه وعلمه كما حرم من حنان أمه، إلا أنه –رحمه الله- تغلب على ظروفه وكافح في حياته حتى نال السؤدد بين الناس بالعلم والحديث.نشأ ابن حجر –رحمه الله- مع يتمه في غاية العفة والصيانة والرياسة في كنف أحد أوصيائه زكي الدين الخروبيّ، وهو من كبار التجار في مصر، ولم يألُ الخروبي جهدًا في رعايته والعناية بتعليمه، فأدخله الكتاب بعد إكمال خمس سنين، وكان لدى ابن حجر ذكاء وسرعة حافظة بحيث إنه حفظ سورة مريم في يوم واحد [6].وأكمل ابن حجر حفظه للقرآن على يد صدر الدين السَّفطي المقرئ، وهو ابن تسع سنين. واصطحب الزكي الخروبي ابن حجر معه في الحج عند مجاورته في مكة أواخر سنة 784هـ، وفي سنة 785 هـ أكمل ابن حجر اثنتي عشرة سنة، ومن حسن حظه أن يكون متواجدًا مع وصيه الخروبي في مكة، فصلى بالناس التراويح في تلك السنة إمامًا في الحرم المكي. ويمكن أن نستقرأ من هذه الأخبار بوادر نبوغ الحافظ ابن حجر المبكرة، والتي تتمثل في إتمامه القرآن صغيرا وإمامته للناس في الحرم المكي وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وهو سن ربما يعتري الأطفال فيه رهبة وخوفا، إلا أن نبوغ الطفل الصغير وذكائه وحسن تربيته ونشأته أهلته لأن يكون كذلك في غاية النباهة والثبات.وبعد رجوع ابن حجر –رحمه الله- مع وصيه الخروبي من الحج سنة 786 هـ حفظ عمدة الأحكام للمقدسي وألفية العراقي في الحديث والحاوي الصغير للقزوينبي ومختصر ابن الحاجب في أصول الفقه ومنهج الأصول للبيضاوي، وتميَّز ببين أقرانه بقوة الحفظ، فكان يحفظ الصحيفة من الحاوي الصغير من مرتين الأولى تصحيحا والثانية قراءة في نفسه ثم يعرضها حفظا في الثالثة ، ويذكر السخاوي أن حفظ ابن حجر –رحمه الله- لم يكن على طريقة الأطفال في المدرسة، وإنما كان حفظه تأمُّلا على طريقة الأذكياء.وظل ابن حجر في كنف وصيه يرعاه إلى أن مات الزكيّ الخروبي سنة 787هـ، وكان ابن حجر قد راهق، فلم تعرف له صبوة ولم تضبط له زلة.وفي سنة 790 هـ أكمل ابن حجر –رحمه الله- السابعة عشرة من عمره، فقرأ القرآن تجويدا على الشهاب الخيوطي، وسمع صحيح البخاري على بعض المشايخ، كما سمع من علماء عصره البارزين واهتم بالأدب والتاريخ. وفي هذه الفترة انتقل ابن حجر –رحمه الله- إلى وصاية شمس الدين بن القطان المصري فحضر دروسه في الفقه والعربية والحساب، وفي سنة 793هـ نظر في فنون الأدب، ففاق أقرانه فيها، حتى أنه لا يكاد يسمع شعرا إلا ويستحضر من أين أخذ ناظمه وطارح الأدباء. ونظم الشعر والمدائح النبوية [7].وتمثِّل سنة 793 هـ منعطفا ثقافيا في حياة ابن حجر –رحمه الله، فمن هذه الثقافة العامة الواسعة واجتهاده في الفنون التي بلغ فيها الغاية القصوى أحس بميل إلى التخصص فحبّب الله إليه علم الحديث النبوي، فأقبل عليه بكليته، ويذكر السخاوي أن ابن حجر –رحمه الله- لم يكثر في طلب الحديث إلا في سنة 796 هـ، وكتب بخط يده: "رفع الحجاب وفتح الباب وأقبل العزم المصمم على التحصيل ووفق للهداية إلى سواء السبيل" [8]. فكان أن تتلمذ على خيرة علماء عصره، ويذكر السيوطي أن ابن حجر –رحمه الله- لازم شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي عشر سنين، وبرع في الحديث وتقدم في جميع فنونه، وحكي أنه شرب ماء زمزم ليصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ، فبلغها وزاد عليها [9].وهكذا فإن ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- لم يبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة حتى جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد في عصره، في علوم القرآن والتفسير والفقه واللغة والأدب والتاريخ والحديث والنحو، وجمع بين علوم النقل والعقل، وأخذ عن عدد جمّ من المتخصصين في علوم المعارف كلها، ولا يتوفر ذلك إلا لشاب ذو همة عالية وعزيمة قوية ورغبة حقيقية في طلب العلم والانتفاع به، ولا نجد أبلغ تعبير عن هذه الدرجة من العلم والفقه من تلميذه السخاوي، حيث يقول واصفًا حال شيخه: "فجدّ بهمة وافرة وفكرة سليمة باهرة، في طلب العلوم منقولها ومعقولها، حتى بلغ الغاية القصوى، وصار كلامه مقبولا عند أرباب سائر الطوائف، لا يعدون مقالته لشدة ذكائه وقوة باعه، حتى كان حقيقًا بقول القائل:وكان من العلوم بحيث يقضي *** له في كل علم بالجميع [10].زواج ابن حجر العسقلاني وأولادهتزوج الحافظ ابن حجر –رحمه الله- من أنُْس خاتون، وكانت تحدث بحضور زوجها، وقرأ عليها الفضلاء، وكانت تحتفل بذلك وتكرم الحاضرين. وكان ابن حجر يكن لها الاحترام الكبير.كما أن ابن حجر –رحمه الله تسرَّى من جارية زوجته واسمها خاص ترك، ووطئها فأنجبت له ولده بدر الدين أبي المعالي محمد. كما تزوج ابن حجر –رحمه الله- من أرملة الزين أبي بكر الأمشاطي بعد وفاته سنة 834 هـ، ومن ليلى ابنة محمود بن طوعان الحلبية سنة 836 هـ.أما أولاده فهم خمسة، أربع بنات وولد واحد ذكر، فأما البنات فهن من زوجته الأولى أُنس: زين خاتون، وفرحة وعالية، ورابعة وفاطمة، وأما الولد الذكر من سريته خاص ترك، وهو: أبو المعالي بدر الدين محمد [11].رحلة ابن حجر العسقلاني في طلب العلم كان ابن حجر –رحمه الله- مع صغر سنه لا يألو جهدا في الرحلة إلى طلب العلم وتحصيله، مهما كلفه ذلك من بعدٍ عن أهله وأولاده وأصحابه، ومهما عانى من سفره من تعب ونصب. وقد عبَّر عن ذلك ابن حجر نفسه بقوله:وإذا الديار تنكرت سافرت في *** طلب المعارف هاجرا لدياريوإذا أقمت فمؤنسي كتبي، فلا *** أنفك في الحالين من أسفاري [12]فكانت أول رحلته إلى قوص وهو في العشرين من عمره، وبالتحديد سنة 793 هـ، حيث حطت رحاله في قوص في صعيد مصر [13].وفي أواخر سنة 793 هـ كانت لابن حجر –رحمه الله- رحلة إلى الإسكندرية، والتقى فيها ابن حجر بمجموعة من المحدثين والمسندين، منهم ابن الخراط، وابن شافع الأزدي، وابن الحسن التونسي، والشمس الجزري. وقد أورد ابن حجر ما لقيه من العلماء وما سمعه منهم وما وقع له من النظم والمراسلات وغير ذلك في كتاب سماه "الدرر المضيئة من فوائد إسكندرية" [14].ثم كانت له رحلة إلى بلاد اليمن، وقد طاف ابن حجر –رحمه الله- معظم بلاد اليمن طلبا للعلم وملاقاة لعلمائها، ومنهم شيخ اللغويين في زمانه الفيروزآبادي، وقرأ عليه أشياء، وأعطاه النصف الثاني من تصنيفه "القاموس المحيط"، لتعذر وجود باقيه حينئذٍ، وأذن له مع المناولة في روايته عنه. ويذكر السخاوي أن ابن حجر –رحمه الله- كانت له رحلة ثانية إلى اليمن وذلك سنة 806هـ، بعد أن جاور بمكة، فلقي فيها كثير من العلماء، فحمل عنهم وحملوا عنه [15].وكانت لابن حجر رحلة إلى الحجاز للحج والمجاورة، حيث الفرصة سانحة للاشتغال والمذاكرة على ما يصادفونه هناك من العلماء والشيوخ والمحدثين والمسندين، وكان آخر حجة حجها –رحمه الله- سنة 824هـ، وفيها نزل بالمدرسة الأفضلية، أنزله فيها قاضي مكة المحب بن ظهيرة. والتقى ابن حجر –رحمه الله- في منى ومكة والمدينة جمعا كبيرا من العلماء والمحدثين والقضاة والأعيان، فقرأ عليهم وقرءوا عليه، وأخذوا عنه بعض تصانيفه، وأجاز لهم بالرواية عنه [16].ورحل ابن حجر –رحمه الله- إلى بلاد الشام في سنة 802هـ، وحثه على الرحلة إليها شيخه محمد بن محمد بن محمد الجزري، وصحبه فيها قرينه الزين شعبان، وسمع بسرياقوس وغزة ودمشق ونابلس وبيت المقدس والخليل والصالحية، وغيرها من بلاد الشام، والتقى هناك بعدد غفير من العلماء والمسندين، وفي رحلته لبيت المقدس يقول:إلى البيت المقدس جئت أرجو *** جنان الخلد نزلا من كريمقطعنا في مسافته عقابا *** وما بعد العقاب سوى النعيموفد برهن الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في رحلته إلى الشام على كفاءة نادرة تثير الدهشة، فلقد حصّل -مع قضاء أشغاله- ما بين قراءة وسماع من الكتب والمجلدات، منها: المعجم الكبير والأوسط للطبراني، والمعرفة لابن منده، والسنن للدارقطني، وصحيح ابن خزيمة وابن حبان، والاستيعاب لابن عبد البر وفضائل الأوقات للبيهقي ومكارم الأخلاق للخرايطي والطهور لأبي عبيد، ومسند أبي يعلى. وغير ذلك كثير [17].شيوخ ابن حجر العسقلانيقدّر للحافظ ابن حجر –رحمه الله- أن يجتمع له من العلماء والشيوخ والحفاظ ما لم يجتمع لأقران زمانه، وأدرك من الشيوخ جماعة كل واحد رأس في فنه الذي اشتهر به، "فالتنوخى في معرفَة القراءات، والعراقي في الحَدِيث، والبلقيني فِي سعة الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقن في كثرة التصانيف، والمجد الفيروزآبادي صاحب القاموس في حفظ اللغة، والعز بن جماعة في تفننه في علوم كثيرة، بحيث كان يقول: (أنا أقرأ في خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها)" [18].وقد بلغ عدد شيوخه بالسّماع وبالإجازة وبالإفادة على ما بيَّن بخطه نحو أربعمائة وخمسين نفسا، وإذا استثنينا الشيوخ الذين أجازوا عموما فقد ترجم في "المجمع المؤسس" لأكثر من ستمائة شيخ، وذكر بعضهم أن عدد شيوخه بلغ ستمائة نفس سوى من سمع منه من الأقران [19].[color:95f8=rgb(139, 0, 0)]تلاميذ ابن حجر العسقلانيظل ابن حجر –رحمه الله- في تفرده حتى أجمع العلماء على أنه حافظ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث، الذي انتهت إليه معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة علل الحديث، وغير ذلك، وصار هو المعوّل عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار [20]، فأقبل عليه طلبة العلم ينهلون من علمه ونهره، ولقد سرد السخاوي في الجواهر والدرر أسماء جماعة كبيرة ممن أخذوا العلم على يد ابن حجر –رحمه الله- دراية ورواية، وقد بلغوا ستمائة وست وعشرين اسما، وكان يذكر ما قرأه أو ما سمعه التلميذ على الحافظ ابن حجر –رحمه الله [21].وأبرز ما يلاحظ على هذه الأسماء التي أوردها السخاوي وغيره، أنهم جاءوا من بقاع شتى من العالم الإسلامي، فمنهم المكي والشيرازي والهروي والغرناطي والبغدادي، فضلا عن الشاميين والمصريين. كما يلاحظ أنهم من مختلف المذاهب الفقهية، فمنهم الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، علمًا بأنه الحافظ ابن حجر شافعيّ المذهب.ويمكن أن نبرز أشهر من تتلمذ على يد الحافظ ابن حجر –رحمه الله- وشاع علمه في الآفاق، ومنهم:ابن قاضي شهبة (ت 851 هـ)، صاحب طبقات الشافعية.ابن فهد المكي (ت 871 هـ) صاحب لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ.ابن تغري بردي (ت 874 هـ) صاحب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة والمنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي.محمد الكافيجي الحنفي (ت 879 هـ)، صاحب المختصر في علم التاريخ، والتيسير في قواعد علم التفسير.وأخيرا تلميذه الوفي النبيه شمس الدين السخاوي (ت 902 هـ)، صاحب الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، وكتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، والجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر [22].وظائف ابن حجرتصدر ابن حجر –رحمه الله- للإقراء والإملاء والتدريس والخطابة والقضاء، على هذا النحو:أولًا: الإملاء شرع ابن حجر –رحمه الله- الإملاء في سنة 808 هـ، حيث أملى كتاب: ""الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع"، من حديثه عن شيوخه، في ستة عشر مجلسا بالشيخونية. وكان آخر مجلس أملاه سنة 850 هـ. بدار الحديث الكاملية، وجملة ما أملاه 1150 مجلسا، وبلغت عدد مجلدات ما أملاه عشرة مجلدات، أملاه من حفظه مهذبة محررة متقنة [23].ثانيًا: التدريس اختص ابن حجر –رحمه الله- بالتدريس في أماكن متعددة كانت محلا لتداريس في علوم شرعية، منها: اشتغل بتدريس التفسير بالمدرسة الحسينية، والقبة المنصورية، وتدريس الحديث بالشيخونية، وقبة الخانقاة البيبرسية، والمدرسة الجمالية المستجدة، ودرّس الحديث كذلك بجامع ابن طولون سنة 833 هـ، والقبة المنصورية، ومشيخة الحديث بالمدرسة الزينية سنة 851 هـ.وتدريس الفقه بالشيخونية والمدرسة الشرفية الفخرية ، والمؤيدية سنة 822 هـ، والمدرسة الخروبية البدرية بمصر، والمدرسة الصالحية المجاورة للإمام الشافعي سنة 846 هـ [24].ثالثًا: الإفتاء والخطابةولي ابن حجر –رحمه الله- إفتاء دار العدل سنة 811 هـ، واستمرت هذه الوظيفة معه حتى مات، فكان إلى فتاويه النهاية في الإيجاز مع حصول الغرض، ولا سيما في المسائل التي لا نقل فيها. وكان يكتب في اليوم أكثر من ثلاثين فتيا، وكان يكتب فتاويه ويجب على الأسئلة حتى وهو على راحلته، دليل على تمكنه [25]. وأما الخطابة فقد تولى ابن حجر –رحمه الله- الخطابة بالجامع الأزهر سنة 819 هـ، عوضا عن خطيبه تاج الدين بن رزين، ثم تولى الخطابة بجامع عمرو بن العاص سنة 838هـ، وخطب بجامع القلعة بالسلطان، وخطب بـ الجامع الأموي بدمشق.وكان لخطبه وقع في القلوب وتأثير بعيد المدى،جعل السخاوي يقول: "وأما خطبه فكان لها صدعا في القلوب، وتزداد وهو على المنبر في المهابة والنور.. ما لا أستطيع وصفه بحيث كنت إذا نظرت إليه وهو على المنبر يغلبني البكاء" [26].[color:95f8=rgb(139, 0, 0)]رابعًا: القضاء عرض على ابن حجر –رحمه الله- القضاء قبل انقضاء القرن، أي وله من العمر سبع وعشرون سنة، إلا أنه امتنع؛ لأنه حينئذ كان لا يؤثر على الاشتغال بالحديث شيئًا. وقد فوّض إليه الملك المؤيد القضاء بالشام مرارا فأبى وأصر على الامتناع [27]. بيد أن موقفه –رحمه الله- تغير نتيجة لإسناد بعض المهام المتعلقة بالقضاء إليه، وأيًا ما كان الأمر فقد تولى الحافظ ابن حجر –رحمه الله- القضاء نيابة، وثم ما لبث أن تولاه استقلالا في السابع والعشرين من المحرم سنة 827هـ ، وذلك بتفويض من الملك الأشرف برسباي [28].فباشر ذلك الحافظ ابن حجر –رحمه الله- بنزاهة وعفة وتواضع زائد، واستجلاب لخاطر الصغير قبل الكبير، وتصميم في الأمور، وإحسان للفقراء والطلبة، لكن كان بنكدٍ وعنادٍ وتعب وكثرة مُعارض وقلة إنصاف. إلا أنه أحس بالندم بعد توليه القضاء؛ لأن أرباب الدولة لا يفرقون بين أولي الفضل وغيرهم، ويبالغون في اللوم حيث ردت إشاراتهم .. واحتياج القاصي إلى مداراة الكبير والصغير، بحيث لا يمكن مع ذلك القيام بكل ما يرومه على وجه العدل [29]. ولم تدم مدة ولايته الأولى هذه في القضاء، فقد صرف نفسه في ذي القعدة 827هـ، ويعلق ابن فهد المكي على ذلك فيقول: " ولو استمر على ذلك لكان خيرا له في دينه ودنياه" [30].وعلى كلٍ فإن ابن حجر –رحمه الله- ظل يولّى ثم يُصرف في منصب قاضي القضاة، حتى صرف نفسه في السنة التي مات فيها، وذلك في يوم الاثنين الثامن من ربيع الآخرة سنة 852هـ [31].تبيَّن لنا أنا الحافظ ابن حجر –رحمه الله- كان يقوم بدور إصلاحيّ كبير في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح ما أفسد في الحياة الاجتماعية والسياسية والعامة، كل ذلك يحمله شعور بالمسئولية عظيم، حتى أنه إذا رأى مع شخص وظيفة لا يستحقها اجتهد في استنزاله عنها، ويباشرها قليلا ثم يرغب عنها لمن يستحقها ممن يكون فقيرا [32].[color:95f8=rgb(139, 0, 0)]جهود ابن حجر العلمية ومصنفاتهبدأ الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في التصنيف في السنة التي جدّ فيها في طلب الحديث النبوي وفنونه، أي في سنة 796 هـ، وظل يصنّف حتى قبيل وفاته –رحمه الله. قال السخاويّ: "انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر"، أما تصانيفه فكثيرة جليلة، منها:فتح الباري شرح صحيح البخاري - وتهذيب التهذيب - وتقريب التهذيب - ولسان الميزان - الإصابة في تمييز الصحابة - وإتحاف المهرة بأطراف العشرة - والنكت على مقدمة بن الصلاح - وأمالي الأذكار المسمى: نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار- وتغليق التعليق - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس - الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر- شرح نخبة الفكر: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر - الإيثار بمعرفة رواة الآثار - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه - نزهة الألباب في الألقاب - إنباء الغمر بأنباء العمر - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. رفع الإصر عن قضاة مصر - بلوغ المرام من أدلة الأحكام - المجمع المؤسس بالمعجم المفهرس، وغيرها كثير [33].[color:95f8=rgb(139, 0, 0)]صفات ابن حجر العسقلاني الخَلْقِيَّة كان ابن حجر –رحمه الله- ربعة، أبيض اللون، كثّ اللحية، ووجه صبيح، للقصر أقرب، وفي الهامة نحيف، جيد الذكاء، فصبح اللسان، شجي الصوت، صحيح السمع والبصر، صغير الفم، قوي البنية، عالي الهمة، خفيف المشية، عظيم الحذق لمن ناظره أو حاضره، هذا مع سكون ووقار وأبهة وثبات، تاركا لما لا يعنيه، طارحا للتكلف، كثير الصمت إلا لضرورة، شديد الحياء [34].[color:95f8=rgb(139, 0, 0)]أخلاق ابن حجر العسقلانيتمتع ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- بجملة من الصفات والأخلاق كانت مثالًا ونموذجا للعالم العامل، فكان محلّ قدوة لتلاميذه ومريديه، وقد وصفه ابن تغري بردي في المنهل الصافي،فقال:"وكان ذا شيبة نيرة ووقار وأبهة، ومهابة، هذا مع ما احتوى عليه من العقل والحكمة والسكون والسياسة والدربة بالأحكام ومداراة الناس، قبل أن يخاطب الشخص بما يكره، بل كان يحسن لمن يسيء إِلَيْهِ ويتجاوز عمن قدر عليه" [35].وقد أفرد له السخاوي بابًا كاملا ذكر فيه أخلاق شيخه، ونذكر منها:1-[color:95f8=rgb(139, 0, 0)] الورع عند ابن حجرفقد روي أن عياله أحضروا له شيئا فأكله واستطابه، وقبل تمام أكله، ألقى الله تعالى في خاطره السؤال عنه، فذكروا له جهة لا يحب الأكل منها، فاستدعى بتشط، وقال: أفعل كما فعل أبو بكر الصديق –رضي الله عنه، ثم استقاء ما في بطنه [36]. ولا شك أن الورع خير ما يتخلق به العلماء.2- [color:95f8=rgb(139, 0, 0)]الحلم في حياة ابن حجر فقد روي أن بعض الشعراء هجاه وبالغ في هجاه، فما احتمل محبيه وتلامذته ذلك، فأحضروا الشاعر وأرادوا أن ينالوه منه، وبلغ ابن حجر –رحمه الله- ذلك، فتغيظ عليهم، وأمر بصرفه مكرما، بل أنعم عليه بشيء من الدنيا [37].3- تواضع ابن حجر مع معرفته لقدر نفسه فقد سئل –رحمه الله: هل رأيت مثل نفسك؟، فقال:قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32].وسأله بعض أصحابه: أنت أحفظ أم الذهبي؟، فسكت –رحمه الله- تواضعا. وكان رحمه الله- لا يتكثَّر بعلومه ولا يتبجح بها، ولا يفتخر، ولا يباهي بمعارفه، بل كان يستحي من مدحه ويطرق، ولقد قال له بعض تلاميذه مرة: يا سيدي، إن لك بفتح الباري المنة على البخاري، فقال له: قصمت ظهري [38].4- أدب ابن حجر مع العلماء وأما كثرة أدبه مع العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين، فمشهور بحيث كان إذا تعقّب النووي –رحمه الله- بشيء، يقول: وعجبت للشيخ مع سعة علمه كيف قال كذا، أو ما أشبه ذلك من العبارات [39].5-[color:95f8=rgb(139, 0, 0)] عبادة ابن حجر فقد كان الحافظ ابن حجر –رحمه الله- ملازما للتهجد وقيام الليل في مقامه وسفره، ولم يترك قيام الليل حتى مرضه الذي مات فيه، فكان يتّكأ على ولده. وأما صومه، فكان –رحمه الله- يصوم يوما ويفطر يوما، محافظا على أوقات الفضائل في الصيام. وأما قراءته للقرآن فكان –رحمه الله- مكثرا من قراءة القرآن لا سيما في حال ركوبه، وعقب صلاة الفجر بتدبر وتأن وسكون، إذا مرّ بآية رحمة سأل، أو عذاب تعوّذ. وأما عيادته للمرضى وشهود الجنائز، فكان حريصا على ذلك، لا سيما من يلوذ به، ومن لم يتيسر له عيادته منهم، تفقده بشيء من الدنيا. وأما اتباعه –رحمه الله- للسنة فهو شيء لا يُسأل عنه؛ لأنها عنه تؤخذ ومنه تُعرف، ويحرص بلسانه وقلمه على جذب الناس إليها، وتحذيرهم من مخالفتها، حتى كان يتأثر من تأخير الفطر وتقديم السحور [40]. ولعل ما ذكرناه من جملة عبادته –رحمه الله- ما دفع ابن تغري بردي أن يقول فيه: "وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد" [41].6-[color:95f8=rgb(139, 0, 0)] الموضوعية والإنصاف في البحث على الرغم من أن علوم ابن حجر –رحمه الله- كانت سلفية، وغالب قضايا وتصرفات مجتمعه كانت كذلك، فإنه قد انسلخ بفكره من بيئته وصار سباقا لعصره في التحرر، والتحرز عن التعصب والانقياد للإجماع الخاطئ، الذي كثيرا ما أهلك العلماء، فكان الحافظ ابن حجر –رحمه الله- ميالا للحق بل والمعاداة فيه، منصفا في البحث ولو على نفسه، لا يستنكف من سماع الفائدة ولو من صغار الناس أو آحاد الطلبة، بل يستحسنها ويأمر الحاضرين بسماعها [42].وفاة ابن حجر العسقلاني رحمه الله بدأ المرض بالحافظ ابن حجر –رحمه الله- في ذي القعدة سنة 852هـ، ومع مرضه –رحمه الله- إلا أنه كان يواصل أعماله ويحضر مجالس الإملاء، يعلِّم الناس أحكام دينهم وأمور دنياهم، وفي يوم الثلاثاء الخامس عشر من ذي القعدة حضر مجلس الإملاء وقد زاد عليه الإرهاق والتعب، فتغيّر مزاجه وضعفت حركته، إلا أنه –رحمه الله- ما ترك صلاة جمعة ولا جماعة، ولكن مع مرور الأيام اشتد مرضه حتى ما استطاع أن يؤدي صلاة عيد الأضحى، إلا أنه صلى الجمعة التي تليه، ثم توجه إلى زوجته الحلبية، فاستعطف خاطرها في انقطاعها عنها، واسترضاها. وكان –رحمه الله- قد استشعر بالوفاة، فكان يقول: "اللهم حرمتني عافيتك، فلا تحرمني عفوك".وقد تردد الأطباء عليه، وهرع الناس والقضاة والعلماء والصالحون أفواجا أفواجا لعيادته، واستغاثوا مبتهلين إلى الله تعالى في طلب عافيته. وقد طال مرضه –رحمه الله- شهرا، إلى أن كانت ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة 852 هـ، وبعد العشاء بساعة جلس حوله بعض أصحابه يقرءون (يس) مرة، ثم أعيدت إلى قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]، حتى فارقت الروح إلى بارئها.وترك وصيته التي نقل السّخاوي نصها، عن سبطه يوسف بن شاهين، ومما ورد فيها أنه أوصى لطلبة الحديث النبوي والمواظبين على حضور مجالس الإملاء بجزء من تركته [43].وكانت هذه ساعة عظيمة وأمرا مهولا، ودفن من الغد وصلى عليه بمصلاة بكتمر المؤمني بالرميلة، ومشى أعيان الناس من بيته داخل باب القنطرة إلى القرافة حيث دفن، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه، ومشى الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان، والقضاة، والعلماء، والأمراء، والأعيان بل غالب الناس في جنازته حَتَّى قيل أنه قُدّر من مشى في الجنازة بأكثر من خمسين ألفًا. وكان لموته يوم عظيم على المسلمين، حتى على أهل الذمة. وقيل صلى عليه الخليفة العباسي، وقيل صلى عليه قاضي القضاة علم الدين البلقيني. وأقيمت صلاة الغائب عليه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، في مكة وبيت المقدس وحلب والخليل، وغيرها من بلاد المسلمين [44].فرحم الله الحافظ شيخ الإسلام أبا الفضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، وجزاه الله خيرا على ما قدم للإسلام والمسلمين. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
| علماء الحديث | |
|