بأسهم بينهم شديد
أُعلن أمس عن استقالة نائب مساعد وزير خارجية أمريكا للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في أحدث خلاف بين أعداء الله بشأن قضية غزة، وقد سبقتها استقالات عدة جلها في جسم الخارجية الأمريكية، ولا تخفى أخبار الخلافات بين صهاينة الكيان الغاصب سياسيين وعسكريين، وما من صهيوني أمريكي ولا “إسرائيلي” إلا وهو مشغول بتحقيق الهدف الأسمى لهم وهو تأكيد وجود يهود في فلسطين وسيطرتهم على المنطقة كلها، فمن يملك القدس يملك المنطقة ومن يفقدها يفقد المنطقة كلها، مثلما فقدنا كل شيء نحن العرب، فقدنا ذاتنا وهويتنا وريحنا عندما فرطنا ببيت المقدس ودفعنا بها دفعا بسوء سلوكنا لتصبح نهب الأسر ورهن الهوان.
لقد زرع الله الخلاف بين يهود وكتبه عليهم، فبرغم سعيهم لهدف واحد وحرصهم على تحقيقه ولو بإراقة دماء العرب والمسلمين جميعا، برغم ذلك فإنهم منابت شتى في المزاج وطرائق العيش، تحكمهم الأنانية ويستولي عليهم الحرص على “حياة”، يمكن أن يَقتل أحدهم أباه أو أخاه لتحصيلها، ولا يجمعهم مع ذلك إلا هدفهم الأوحد: بناء دولة صهيونية على جماجم سكان الأرض الأصليين ورغم أنوفهم.
سؤال ملحّ يقض مضجع كل من يخطر على باله:
تُرى ما دام عدونا بهذه الهشاشة وهذا الضعف البنيوي فما الذي يغري المتعاونين معهم والمتهاونين في ردهم عن غيهم، ما الذي يغريهم بمسلكهم هذا وهوانهم هذا وتفريطهم وبلوغهم حدّ التآمر على وجودنا ؟! والأصل أنهم منا ووظيفتهم في ما أقامهم الله فيه أن يتبنوا الدفاع عن مظلمتنا ويضربوا بسيف عدالة قضيتنا ؟
لماذا يمدّ اليهودَ فريقٌ من بني جلدتنا بالطمأنينة إذ يدعمونهم معنويا بموافقتهم على إبادة غزة وتوصيتهم بعدم التوقف حتى ينتهي أمر المقاومة ؟
لماذا تُفتح أراضي بعض العرب لتكون ردءا للصهاينة وعونا لوجستيا لهم في حربهم ضد غزة؟
لماذا يمِدّ بعض العرب الصهاينة بالغذاء وأسباب الحياة وهم يسقون غزة وأهلها الموت والدمار؟
لماذا يصرّ على تجريم المقاومة رويبضة لا يظهر اسمه على الخارطة ولا يكاد يراه تاريخ ولا حاضر؟!
لماذا يدافع الصهاينة عن وجود بعض الأنظمة التي نكّلت بشعوبها وقتلت منهم وشردت ما لم يحدِث زلزال بقوة ٧ ريختر؟
لقد سجل القرآن حقيقة تفرّق يهود وبأسهم الشديد بينهم، كما سجل أنهم لا يقاتلوننا إلا جميعا أو من وراء جدر، وهذا وصفهم الدقيق وقد قاتلوا من حصون خيبر وغيرها من صياصيهم التي أحكموا بناءها، وهم اليوم يبنون حصونا من نوع آخر يقاتلون من خلفها، لقد تحصنوا بدُوَل “ذات سيادة” شكلت لهم دروعا في مواجهة بأس المقاومة، لكن التاريخ سجل أن حصون خيبر فتحت وحصون بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع قد هوت، وما ينتظر حصون الأعراب من شركاء يهود في جريمتهم إلا أن تقع على رؤوس أصحابها، فلم يسجل التاريخ أبدا أن ظالما تطاول إلا قصمه الله، ولا مدنيّة طغت إلا حرقها طغيانها، ولله درّ أمي حفظها الله فقد دأبت على إسماعي حكمة عظيمة منذ طفولتي: (يا ابني ما شجرة طالت حتى تصل إلى ربها).
لو أغمضنا أعيننا فتصورنا أمة العرب وقد اجتمعت كلمتها ولم تقلد يهود في بأسها الشديد الذي بين أركانها، واجتمعت كلمتها على أن تقول للصهاينة: لا، ورأت في المقاومة ظهيرا لها لا عدوا ولا خصما، فهل يستطيع عندها يهود أن يطيلوا أمد ضرب غزة يوما واحدا ؟!
لا عزة لهذه الأمة العربية حتى تعلم أن التحلي بصفات اليهود سبّة عليها، وأن أشنع ما يمكن أن يوصف به حرّ أبيّ هو التبعية لغيره والارتهان لهوى عدوه.