لماذا يريدون وقف النار؟
لم يسبق منذ تسعة أشهر أن عُرِف ميل يهود إلى إيقاف الحرب مثلما هو حالهم اليوم، والمقاومة لديها رغبة أكيدة في توقف القتال، وإذا نظرنا إلى قولنا (يريدون) فإن الفاعل فيها هو المقاومة وعدوها معا، لأنها إرادة الطرفين.
أما العدو الصهيوني المجرم فإنه بات ينزع إلى وقف القتال لأسباب بليغة:
– فالعدو كلما طال أمد الحرب زاد مقدار فقده لهيبته وصورته النمطية القديمة في عيون الناس بعد أن عجزت دول العرب عن الوقوف في وجهه ووجه من ورّثه فلسطين منذ قرن من الزمان.
– فقَدَ العدوّ من العتاد والسلاح والمال والرجال ما لا يمكن إعطاء حصيلة دقيقة له لأنه يزيد ويتعاظم كل يوم يمضي على جحيمه الذي دخله في غزة والضفة، فأوصله ذلك إلى قناعة مؤكدة بأنه لن يستطيع في قابل أيامه وقف هذا الهدر الذي يستنزفه ويجعله عرضة للزوال الحقيقي واقعا على الأرض لا بأمنيات المظلومين وعواطف المكلومين.
– أصبح الغرب وعلى رأسه أمريكا يشعرون بثقل الحمل على كواهلهم وهم يتاجرون تجارة خاسرة بدعمهم ل”إسرائيل”، لقد كانوا يدعمونها هم ووكلاؤهم في المنطقة ويطعمونها من جوع ويسقونها من عطش ويؤمّنون جسورا جوية وبرية، ذلك كله أملا في أن تخلّصهم من عدوّ مشترك لم تنفع معه كل أدوات الخنق والبطش والتنكيل، فخابت مساعيهم جميعا، وبدأوا يحسّون بأن تجارتهم خاسرة وأن الحكمة تقتضي أن يتوقف القتال ولو اضطروا إلى التسليم الصريح بخسارة الصهاينة معركتهم، وهذا ما صرح به عدد من المسؤولين الغربيين بل واليهود كذلك.
– فقدتْ حكومة العدو أي سند جماهيري لمضيها في الحرب على الفلسطينيين، ففي حين هبّ مجتمع الصهاينة بقوة خلف حكومة البطش مطالبين بردع المقاومة إثر ما أوضعته فيهم من قتل وخوف وزوال هيبة في السابع من تشرين، انقلب هذا كله مع مرور الوقت إلى مظاهرات عارمة في الشوارع تطالب بوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل أسرى واستقالة الحكومة الفاشلة ورئيسها البئيس.
– التقارير الاستخبارية الصهيونية والغربية تؤكد أن حماس لن تخضع للضغط المجنون المتمثل بالقتل والتدمير والبطش الممنهج، وقد عبّر قادة الغرب عن يأسهم من الوصول للحظة إنهاء حماس والمقاومة كلها لأنها (فكرة) ويستحيل أن تنتهي الفكرة أو تهزم، كما صرّحوا.
– وهناك تخوف عالمي ما عاد خفيّا، يتمثل في أن دوام هذه المواجهة بين المقاومة والصهاينة يؤذن بانتقال لهيبها إلى دول الجوار، وتأزيم الوضع بدخول إيران وأذرعها في المنطقة إلى ساحة المواجهة الواسعة غير المكتفية بمجرد المناوشة كما هي اليوم ، الأمر الذي ترى أمريكا أنها ليست مستعدة حاليا لتحمل أعبائه.
أما المقاومة التي ترغب هي الأخرى في الوصول إلى نهاية مرحلية لهذه المواجهة فإنها تسعى في رأس أولوياتها وقد حققت ما حققت من نصر يومي أن تصل إلى حقن دماء البقية الباقية من أبناء هذا الطوفان المبارك، وأن تلملم جراحات أهل غزة والضفة الذين أنهكهم وقضّ مضجعهم ما نزل بهم من بلاء وإن لم ينل من عزمهم على بلوغ النصر وتحقيق الثأر من هذا العدو اللئيم، وتقديم المزيد على هذا الطريق، لكنهم بشر يصيبهم ما يصيب عدوهم من ألم، وهم بنصّ القرآن يتقدمون على عدوهم برجاء ما عند ربهم من فوز في الدارين: (إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا).
والمقاومة التي هي من رحم شعبها جادت بالآباء والأبناء والأزواج، وأصابها ما أصاب أمتها التي تدافع عنها بأرواح مجاهديها، فالجرح في الكف، وليس في جانب المقاومة مرتزِق ولا منتفع، إنما هو ركب الصبر أصاب بعضُ الأمة أعلاه وبعضُهم أسفَله، وسفينتهم واحدة، سيُكتَب لها الرسوّ آمنة في مرفأ العز والتمكين في خاتمة المطاف، (وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ). صدق الله العظيم