الشركس شعب مسلم .
الشركس مجوعة تشمل سكان شمال القوقاز من الأديغة و الأباظة و الأبخاز والشيشان ,وغيرهم.
وكنتيجة للحروب التوسعية التي شنتها الإمبراطورية الروسية في منطقة القوقاز أضطر الكثير من الشركس إلى الهجرة إلى الأراضي العثمانية او الروسية بعد حروب وقلائل استمرت أكثر من مائة عام.
ويعد الشراكسة الذين يدين معظمهم بالديانة الاسلامية أقدم الأمم المعروفة التي سكنت القوقاز الشمالي وقد اختلطوا بشعوب أخرى مما أدّى إلى ظهور فوارق لغوية بينهم، ووصلت مع تقدم الزمان إلى درجة كبيرة من الاختلاف رغم وحدة ثقافتهم الإسلامية واتحاد مصيرهم ، ويقول المؤرخون الشركس: إن لقب (شركسي) ليس إسماً لأحد من الأقوام الساكنة في شمال القوقاز مما قد مر ذكرها ، ولا تجد هناك حتى قبيلة واحدة تحمل اسم: (القبيلة الشركسية) في القوقاز ، وإنما هي كلمة أطلقها الأجانب على أبناء شعوب شمالي القوقاز ، واسم أطلقوه على سكان هذه المنطقة الأصليين واسم (الشركس) أو لقب (شراكسة) أو شركسي أطلق على جميع الشعوب التي كانت تسكن شمالي القوقاز بما فيها الشيشان.
دخل الإسلام القفقاس في فترة الفتوحات التي قام بها (الخليفة) عمر رضي الله عنه ، إذ دخل داغستان عقب فتح إيران. و قد اضطرت الجيوش الإسلامية التي دخلت القفقاس في القرن السابع للهجرة لخوض حرب طويلة الأمد مع الخزريين. في هذه الفترة بدأ كلٌّ من الداغستان و الشيشان و قسم من سكان المنطقة الوسطى للقفقاس باعتناق الإسلام.... أما دخول الإسلام إلى شمال غرب القفقاس (شركسيا) فكان متأخرا نسبياً مقارنة مع شرقه. إن نشر الإسلام (الذي كان قد بدأ في القرن الثالث عشر) قد أتمَّه كلٌ من الدولة العثمانية و خانات القرم (التتار الأتراك) في القرن الثامن عشر. "
(1)- لم يعرف الشركس خلال تاريخهم الطويل أي شكل من أشكال الكتابة و لم تدعهم إليه حاجة في حياتهم البسيطة القائمة على الصيد و الزراعة و المنغلقة بشدة على نفسها في عاداتها و فلوكلورها و ديانتها البدائية بين شعاب جبال حراجية باردة قاسية .. إلى أن أسلموا على يد العثمانيين فتعلموا منهم الأبجدية العربية التي كان الأتراك قد تبنوها بعد إسلامهم محبة لها ( و آثروها على أبجديتيهم الأصليتين الأويغورية و الأورخونية ) على اعتبارها خطاً إسلامياً مقدساً ، كتبت به آيات القرآن الكريم. و هكذا فبفضل الأتراك دخل الشركس عالم الهداية الإسلامية و بفضلهم عرفوا الخط لأول مرة ، ثم تبنى الشركس حديثاً بعد الاستعمار الروسي لوطنهم ، الأبجدية الروسية المسماة Cyrillic alphabet و قسم آخر منهم أصبحوا يكتبون بالأبجدية اللاتينية.
الشركس (اليوم) مسلمون سنّيون من المذهب الحنفي. الإسلام جُلِبَ إليهم في القرن السادس عشرَ بواسطة كل من : شعب النوغايسNogais]] (وهم تتار مسلمون من أصول مغولية استوطنوا في شمال القوقاز) و تتارالقرم Crimea ( المقصود هنا شبه جزيرة القرم الموجودة في شمال البحر الأسود، وكانت خانية تترية مسلمة).
لقد دخل الإسلام أولاً إلى القبرطاي Kabards، ثمّ ، في القرن السابع عشر، إلى غرب الأديغة . و مع ذلك فقد كان اختراق الدين الإسلامي لهذين الشعبين –حينذاك - اختراقاً بطيئَاً ،و كان في باديء الأمر قد وَصلَ فقط إلى طبقة النبلاء الإقطاعيين منهم. [8]
(1)- طبيعي أن يكون الشركس سنيين من المذهب الحنفي تماماً كما هوحال الأتراك الذين كان لهم فضل نشر الدين الإسلامي (المذهب السني الحنفي ) بين الشراكسة ، وتعريفهم به !
(2)- أنابة Anapa: مدينة ساحلية في إقليم كراسنودار Krasnodar (غرب جمهورية أديغة مباشرة) تقع على الساحل الشمالي- الغربي للبحر الأسود ، احتلها العثمانيون عام 1479م بعد أن طردوا منها حامية التجار الجنويين ، ثم أنشأ فيها الأتراك العثمانيون عام 1781م ( في عهد السلطان عبد الحميد الأول) قلعة لتكون معقلاً لهم في بلاد الشركس، و لقد هاجمها الروس عدة مرات و فشلوا في احتلالها ، ثم احتلوها عام 1791م ، فاستعادها العثمانيون في العام نفسه بمعاهدة ياسي Yassy، و تطورت بسرعة إلى مركز تجاري هام ، و بقيت في أيديهم حتى عام 1829م حين تنازلوا- مرغمين- عنها للروس في معاهدة أدريانوبل. [8]
الشراكسة في العهد المملوكي
يُشَار إلى الشركس في المصادر التاريخية المملوكية باسم جاركس ، أو جراكسة ( والمفرد جركسي) ، أو شركس أو شراكسة ( ومفردها شركسي) . طبقاً لما يذكره القلقشندي (في كتابه صبح الأعشى ) الشركس يعيشون في فقر ، و معظمهم نصارى . هم احتلوا مكاناً مهماً بين البرجية و هي الفرقة العسكرية التي أنشأها السلطان المملوكي التركي قلاوون (حكم 1279-1290م/678-689هـ). [8]
السلطان برقوق نفسه كان شركسيّاً وعضواً في الفرقة "البرجية "، وهو الذي جَلبَ النصرَ النهائيُ لبني جنسِه الخاصِ (عندما أصبح سلطاناً )، من خلال شراءئه المنظّمِ لأعدادٍ متزايدة من المماليك الشراكسة و منعه الباتّ – في الوقت ذاته- لشراءَ المماليك من الأجناس الأخرى .
و لذلك هو يُدْعَى بحقّ "مؤسس الدولة الشركسية" (القائم بدولة الجراكسة كما ورد في النجوم الزاهرة ج5ص362). مع ذلك فقد ندم على عملَه هذا في آخر حياته،بعد أن قام مماليكه الشراكسة بمحاولة اغتياله (عن النجوم الزاهرة ج5ص585-598) ولكن كان الوقت متأخّر جداً لَهُ كي يستطيع أن يغيّر شيئاً من الوضع الذي خلقه هو بيديه . و كذلك فإن ابنه و وريثه السلطان فرج (809-815هـ/1406-1412م)دفع حياته ثمناً لمحاولته أن يكسر قوة مماليكه الشراكسة من خلال المذابح ا الذريعة في صفوفهم . ....
كُتّاب الفترةِ الشركسية (أي المؤرخون و الكتاب في عهد الدولة الشركسية) حَمَلوا، في عموم كتاباتهم, إعجاباً عظيماً جداً للأتراك القبجاق (حكام و أمراء و حنود دولة المماليك البحرية ) و انتقدوا الشراكسة بقسوة، و عَزَوا إليهم أسباب تردّي السلطنة و بؤسها و فقرها(1) (!! ) و خير مثال في هذا الصدد ما قاله المؤرخ المملوكي ابن تغري بردي [9]
و هكذا ترى أن السلطنة المملوكية التي بلغت شأواً عظيماً في عهدها الأول ( دولة المماليك البحرية التركية) ، و صارت مركزاً مشعاً للحضارة الإنسانية و حصناً منيعاً للعزة الإسلامية تراها تسقط سقوطاً ذريعاً في مهاوي الانحطاط و البؤس و التخلّف على عهد دولة المماليك البرجية (الجراكسة)، الذين لم يكن لهم هم ّسوى استقدام أقاربهم الذين كانوا يعيشون في قفقاسيا وقتذاك في فقر و مجاعة ليجعلوا منهم أمراء و ملوكاً في مصر!
هناك اتفاق عامٌّ بين المؤرّخين على أنّ دولة المماليك وصلَتْ إلى ذروة مجدها تحت حكم السلاطين الأتراك ، ثمّ بعد ذلك سقطت في طورٍ مديدٍ من الانحطاط (التدهور) تحت حكم الشراكسة. و هكذا .. و بسبب ضعف السلطنة المملوكية هذا في عهد دولة المماليك البرجية و تدهورها على جميع الأصعدة ، و فساد حكمهم الذي كان جائراً متعجرفاً فقد تخلّى عنه الشعب العربي حين أتاهم السلطان سليم الأول فاتحاً بلاد الشام و مصر ، منتصراً على المماليك الجراكسة انتصاراً ساحقاً في معركتين فاصلتين هما : معركة مرج دابق (في الشمال من حلب) و معركة الريدانية (شرقي القاهرة ). و بديهيّ أن نذكر أن العثمانيين كانوا في ذلك الوقت متفوّقين على دولة المماليك تفوّقاً لا يترك مجالاً لأي مقارنة بينهما - و خاصّة على الصعيد العسكري- فبينما كان الجيش العثماني جيشاً حديثاً متمرّساً في فتوحاته المذهلة في أوروبا ، مدجّجاً بالبنادق و معزّزاً بمدفعيتة المتطورة ، كان أصحابنا المماليك لا يزالون يقاتلون بأساليب عسكرية قديمة متخلّفة معتمدين على السيف و الرمح و النشاب! [10]
تعالوا نستمعْ إلى هذا الحوار الطريف الذي جرى بين السلطان العثماني سليم الأول (المنتصر)و الأمير المملوكي قرطباي الجركسي (الأسير) ، بعد فتح العثمانيين لمصر ، و الذي رواه لنا مؤرخ مصري صميم هو أحمد بن زنبل الرمال:
قال كرتباي للسلطان سليم في عبارة قريبة من العامية (( .. أنتَ أتيْتَ لكَ عساكرَ من أطراف الدنيا .. و جئْتَ بهذه الحيلة التي تَحيَّلَ بها الإفرنجُ لمّا عجزوا عن ملاقاة عساكر الإسلام و هي هذه البندقية التي لو رمَتْ بها امرأةٌ لقتَلَتْ بها كذا إنساناً ، و نحن لو اخترنا الرميَ بها ما سبَقْتَنا إليه ، و لكنْ نحن قومٌ لا نتركُ سُـنَّةَ نبيّنا محمد (ص) و هي الجهاد في سبيل الله بالسيف (*).)) !! فتأمّلْ و اعجَبْ لهذا المنطق المكابر ما شاء لك العَجَب!!!
[تحرير] الشراكسة في العهد العثماني
خضع الشراكسة( مع بقية أقاليم القوقاز الشمالي) في العصر الحديث لحكم القياصرة الروس خضوعاً تاماً بعد إخماد القياصرة لثورات هذه الشعوب ضد سلطتهم بقسوة و وحشية، مما دفع بقسم من الشراكسة ( و من الشعوب القوقازية الأخرى كالداغستان و الشيشان و ...) إلى هجرة قاسية مريرة هلك فيها كثير منهم. و الدولة العثمانية التي كانت دولة ذات طابع إسلامي واضح – و كانت دائماً تدفع ثمن ذلك بما تنزف من جراحاتها في حروبها المستمرة ضد التكالب الصليبي عليها – رأت أن من واجبها (باعتبارها دولة إسلامية و على اعتبار أن الشركس هم جزء من رعاياها المسلمين) احتضان النازحين منهم ، فاستقبلتهم استقبالاً حسناً ، وحاولت ضمن إمكاناتها الفقيرة و المرتبكة آنذاك أن تقدّم لهم المساعدات الممكنة ، و أن تُقطِعَهم أراضيَ من أفضل أراضيها الميرية (الحكومية)(1) ، و أن تحافظ ما أمكن على تشكيلاتهم العشائرية و تكتّلاتهم السكانية الأصلية في أثناء إسكانهم على أراضيها ، و لذلك ترى أن أسماء القرى الجركسية الجديدة التي أسسها مهاجرو الجراكسة في أراضي العثمانيين حَمَلَتْ نفْسَ أسماء القرى القوقازية التي نزحوا عنها ، وكان لهذا الإسكان العشائري الكتلي استراتيجية مدروسة من قبل الدولة العثمانية ، و لعله يهدف إلى فائدة مزدوجة للطرفين :
1- التخفيف عن هذه العشائر المهجَّرة من وحشة الهجرة و ألم الغربة.
2- ذلك أضبط لشؤون أمنهم و سلامتهم من غارات اللصوص و البدو.
3- إن الإبقاء على العشائر و إسكانها مجتمعة كما هي يجعل من ضبط هذه المجموعات البشرية أكثر سهولة على الدولة في إدارة شؤونها و في ضبط وجودها و حتى في تنظيم عملية تقديم المساعدة لها .
4- كانت إدارة الباب العالي تستفيد من توطين العشائر التركمانية و الشركسية على حد سواء في كثير من الأقاليم التي كانت الدولة تخشى من عدم ولائها ؛ أو في أراض ميرية (حكومية) بوار صالحة للزراعة و جاهزة لاستصلاحها و استثمارها ، و بذلك تستفيد الدولة من وجوه ثلاثة : إصلاح الأراضي البوار ، و توطين العشائر البدوية الرحالة و التي كانت كثيراً ما تتسبب بإثارة المشاكل و النزاعات بسبب طبيعة الحياة البدوية القاسية و المتنقلة ، و ثالثها : أن تزرع في أقاليم التوطين عشائر موالية لها عرقياً و دينياً ( كما كانت تفعل جميع الدول الفاتحة من قبل ، كالرومان و العرب و الروس و ... !).
و ما دامت الدولة العثمانية كانت تتعامل في سياستها الإسكانية وغير الإسكانية (كحق المشاركة في تولّي الوظائف الحكومية العليا من وزارات و مناصب عليا مرموقة (2) و تقديم المعونات و بناء المرافق العامة) معاملة واحدة مع جميع فئات شعبها (من الأتراك و العرب و الشركس و البوسنيين و غيرهم) وفق ما تراه ضرورة للمصلحة العامة ، فأين يكمن الظلم إذا كان صاحب البيت يعاملك كواحد من أولاده ؟! [11]
(1)- لقد خصَّصَتْ السلطات العثمانية لهم أراضيَ ليبنوا عليها قراهم وأخرى زراعية ليعيشوا منها ، و احتفظوا ( أيضاً ) بالأراضي الوعرة كمراعي لمواشيهم. والشراكس الذين أتوا عام 1922 م( ؟) فقد بنوا قرية الحميدية حيث أن السلطان عبد الحميد الثاني كان قد أعطى كبيرهم 40 ليرة ذهبية (تأمّلْ!!) ليبنيَ بها مسجدَهم كما حدّثني أحد المعمّرين قبل 40 سنة." [12]
(2)- الإمبراطورية العثمانية ، وإن كانت تركية الملوك ، فقد كانت إمبراطورية تمتاز في أنها كانت مفتوحة لجميع المواهب و الكفاءات من جميع الشعوب التي كانت خاضعة لها ، مهما كان عرقها و جنسيتها، فقد عرفت الدولة العثمانية في مناصبها العليا ( كالصدارة العظمى أي منصب رئاسة الوزراء أو الوزراء أو أمانة سر السلطان أو مستشاريه ) خلال تاريخها الطويل كثيراً من الشخصيات المتميّزة من الترك و البوسنيين و الألبان و الصرب ، وقد تعاقب على منصب الصدارة عدد من الصدور العظام كانوا من أسرة واحدة كانت مميزة كأسرة سوكولوفيتش البوسنية ، و لقد بلغ كثير من الصرب و الألبان و اليونان و حتى من الأكراد و الشركس و العرب إلى مناصب هامة في دولة العثمانيين ، و من المعروف أن المستشار الأكبر للسلطان عبد الحميد الثاني كان عزت باشا العابد العربي الدمشقي و قريب من ذلك كان أبوه هولو باشا العابد، وأن الشيخ أبا الهدى الصيادي – وهو عربي سوري من قرى المعرة – كان شيخ الإسلام ( مفتي الامبراطورية ) وموضع توقير السلطان و مشاورته.