حين يُكسر القلم
أقسم الله بالقلم ، وهو أداة الكتابة ووسيلة من وسائل التواصل الإيجابي بين بني البشر ، ويظل القلم رمزا للعلم والمعرفة لأنه أداتهما ووسيلة من وسائل تغذيتهما، وسيظل أعداء الحقيقة عائقا في طريق القلم كلما “انبرى” للتمييز بين الحق وأهله من جهة والباطل وأهله من جهة أخرى .
والعداء للقلم ليس عداء للمادة التي منها يصنع ولا للجهة التي تصنع ، لكنه عداء لليد التي تمسك به والعقل الذي يديره، وعداء لكل فرد أو هيئة تحفل به .
القلم الذي به الله أقسم “والقلم وما يسطرون” ، والقلم الذي به الصحابة أمسكوا ليكتبوا آي الذكر الحكيم على عين نبينا عليه الصلاة والسلام والقرآن ينزل عليه غضّا نديّا، هو القلم الذي يوثق جرائم المعتدين على ثقافة القرآن وأخلاق القرآن ومنهج القرآن في صناعة حياة كريمة لأتباعه ، وما كان لكرامة الحياة أن تتحقق لولا القلم الذي وثق هدي القرآن .
ولا غرابة أبدا في أن ترى عدوك أو وكيله يحارب القلم واليد التي تمسك به ، لأنه يخشى من النور أن يمحو ظلمته ، ومن الفهم أن يطمس عجمته ، ومن الحقيقة أن تكشف سوءة وهمه ، والقضية بالنسبة لهذا العدو هي قضية وجود أو عدم ، خصوصا في عالم خرج فيه القلم من قمقمه ليكون أداة وسائل التواصل الاجتماعي كلها ، فالتلفزيون قلم ، والسينما قلم ، و الفيس بوك قلم وكل ما يُسمع اليوم أو يُقرأ أو يُرى فهو قلم فصيح في عرض سوء السيئين وطيبة الطيبين وصداقة الأصدقاء وعداوة الأعداء ، فلولا القلم ما سمعنا تقريرا إخباريا يكشف جريمة الصهاينة في طول فلسطين وعرضها ، ولولا القلم لما شاهدنا صور الموت والدمار في غزة والضفة ، ولولا القلم لكنا ما نزال أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ، ولما كان لمقاومتنا أن تصنع بارودة ولا أن تطلق صاروخا ولا أن تفخر بإنجاز نصر مبين على ساحات المواجهة كلها .
أرأيتم لماذا يحاربون القلم ؟ لأنه يفتح أعينا عميا وينير قلوبا أريد لها أن لا تعي سوى معنى القيد الذي فكّه القلم ، ولأنه يضع يد القارئ والناظر على سرّ الداء ويصف له الدواء .
ويوم تسلّم الأمة لجلاد يحاول كسر أقلامها تعود إلى أسوأ مما كانت عليه يوم كانت تعبد الأصنام ، وتصبح أقرب إلى حتفها لأنها تخسر حراسها وتعدم كُرّاسها وتنسى درسها القائم على مثل قوله تعالى :”فاكتبوه” .
وأمة تُسلِم كُتّابها وعلماءها ومفكريها لقبضة جلاد أو قيود سجان أمة غير جديرة بحمل رسالة القلم ولا بالذود عن حياضه الباعث للحياة من موت الجهل والذل .
يا أمتي إن مكان كُتّاب الوعي هو بين أضلعكم لا خلف قضبان سجن عمياء صماء بكماء ، فأطلِقوا كُتّابنا فإن قوانين الدنيا بأسرها لا تملك أن تضع قيدا في يد تمسك بالقلم فإن قيده أخو المشنقة تلتف حول عنقه، فإذا سقط القلم سقطت الأمة كلها، والحرص على من يحمل قلما هو حرص على كبرياء الأمة، فإن ثُلِم كبرياؤها ذهب ريحها، وهي النتيجة التي يسعى إليها عدونا .