الحديث الاهم في الجمعة بالنسبة للمسلم هو خطبة الجمعة
وهي عبادة لها اهدافها, يتعاون الخطيب والمستمعون لتحقيقها
وكما ان اداء الخطيب لخطبة الجمعة فنّ كذلك طريقة استماع الحاضرين للخطبة فنّ اخر.
ويرتبط هذا الفنّ بالاحكام والاداب الشريعة المتعلقة بالحضور, وحتى تؤتي الخطبة اكلها وتؤدي دورها ويكون لها اثرها لابد من
تكامل طرفي المعادلة (الخطيب والمستمع) في الوصول الى الاهداف
الوضوعة للخطبة وكثيرا ما يتم توجيه النقد الى الخطيب باعتباره
الجانب الاهم في المعادلة, بينما يتم اغفال الدور الهام للمستمع
حتى ظنّ بعض الناس ان على الخطيب امتاع المستمع, وتشنيف
اذانه بما لم يسمع به من قبل بل ان يعطي اكثر مما يستطيع كانه
ليس ابن مجتماعه ويسري على المستمع من عوامل البيئة الاجتماعية وقد تمّ تكوين تفكرهما بنفس الطريقة الا ان الخطيب
له رسالة عيله ان يؤديها تخالف عن رسالة المستمع.
ونلاحظ ان الايات والاحاديث الواردة المتعلقة بخطبة
الجمعة موجهة - في الغالب - الى الجمهور الحاضرين,
باعتبارهم الجهة الاكثر عددا في طبيعة الحال ان للخطاب القراني
والتوجيه النبوي اهدافا شرعية
وحكما متوخاة من خلال احكام واداب الجمعة المستنبطة كالامر
بالسعي وترك البيع ووجوب الانصات, تخرجها عن الصورة الشكلية التي اعتادها الناس الى حقيقة اهداف هذه الاحكام بالتفاعل
الحقيقي مع خطبة الجمعة تعلما وفهما وتعليما وتطبيقا.
ونظرا الى ان المستمع لا يقيم لخطبة الجمعة تلك الاهمية المطلوبة
ويجهل دوره فيها فانه يتحمل المسؤولية في بعض مظاهر
الخلل فتري البغض يجعل وقتها فرصة للاسترخاء او النوم
او يجعل اكبر همه احصاء اخطاء الخطيب للحديث عنها بعد الانتشار في الارض وترى اخرين يصدرون حكما مسبقا على الخطبة بناء على معرفتهم بتوجهات الخطيب او ادائه السابق
فلا يجدون فائدة في حكما يتلقّونها او فكرة يستمعون لها وان كانت
جديدة عليهم.
0 معيار نجاح خطبة الجمعة
معيار نجاح الخطبة هو اداء العبادة على وجهها الصحيح. ولادائها
على وجهها الصحيح لا بد من تحقيق اهدافها واهمها ما تتركه من
اثر في حياة المجتمع من زيادة علم او تجديد فكر او امر عملي
كاحياء سنّة او احداث توبة او تغيير في جانب من جوانب الحياة
وبمقدار تحقيق اهدافها يكون نجاحها واما حسن اداء الخطيب
واستمتاع الحضور بالخطبة فهو من عوامل نجاح الخطبة لا من
معيارة. وفن استماع الخطبة يحيط بعمل المستمع قبل التوجه الى
الجمعة واثناء حضوره وبعد خروجه وانتشاره في الارض كما يشمل الجانب الجسدي للانسان والنفسي والفكري
0ففي الجانب الجسدي يستعدّ المستمع للخطبة بالمور عدّة منها
(اولا ) اخذ قسط معتدل من النوم ليلة الجمعة حتى لا يغلبه النعاس
اثناء الخطبة, وذلك باتخاذ الاسباب المؤدية الى ذلك كالنوم المبكر
وترك السهر - الذي اعتاده الناس اليوم - فقد ورد النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام - وهو عباده - فكيف بمن يفعل محرما
او منكروها عن ابي هريرة - رضي الله عنه عن
النبي صل الله عليه وسلم
قال لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي, ولا تختصوا يوم
الجمعة بصيام من بين الايام, الا ان يكون في صوم يصومه احدكم>> 1
قال الامام النووي - رحمه الله - والحكمة في النهي عنه ان يوم
الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة... فاستحب الفطر فيه, فكيون اعون
له على هذه الوظائف وادائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من
غير ملل ولا سامة, وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة
( ثانيا ) الاعتدال في الطعام والشرب فلا يخصص يوم الجمعة بصيام, ولا يثقل معدته قبلها بانواع الطعام ويجعل وقتا بين تناول
الطعام ورواحه الى الصلاة, ويجعل للطعام بعد الصلاة نصيبا، فعن
سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: كانت فينا امراة تجعل على
اربعاء في مزرعة لها سلقا, فكانت اذا كان يوم الجمعة تنزع اصول
السلق فتجعله في قدر, ثم تجعل عيله قبضة من شعير تطحنها, فتكون اصول السّلق عرفه, وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم
عليها , فتقرب ذلك الطعام الينا فنلعقه, وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. وقال في رواية اخرى في البخاري: ما كنا نقل, ولا نتغدى الا بعد الجمعة >> قال الحافظ ابن حجر:(فيه انهم كانوا
يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتوهيّؤ للجمعة ثم بالصلاة, وينصرفون فيتداركون ذلك)
(ثالثا ) العمل بالسنن الواردة, كاغسل - وهو من اكد السنن - والطيب والسواك, وليس الحسن من الثياب المناسب الطبية المكان
ودرجة الحرارة, فانها امور مساعدة على الاستيعاب وتفتّح الذهن
وحسن الاستماع وعدم الانشغال عن الخطبة, وتمنع النعاس او النوم؛ فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه - << اشهد على
رسول الله صل الله عليه وسلم: الغسل يوم الجمعة واجب على كل
محتلم, وان يستنّ, وان يمسّطيبا ان وجد >> وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه عند ابي داود وغيره ان الرسول صلى الله عيله وسلمقال:<< ما على احدكم ان وجد او ما على احدكم ان وجدتم ان يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته >>
( رابعا) عدم التشاغل قبل الجمعة بامور الدنيا التي تشغل الفكر؛
كالبيع والشراء وانواع العقود واللهو, وقد جاء النهي عن البيع
بعد النداء ويلحق به انواع العقود, ولعل الاذان الذي يسبق اذان
الجمعة في السوق للتذكر بهذا الامر. كما جاء الامر بالتبكير الى
الجمعة, والانشغال بامور الاخرة كقراءة سورة الكهف والصلاة قبلها تطوعا , قال تعالى( يا ايها الذين امنو اذا نودى للصلاة من يوم الجمعةفاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون) سورة الجمعة :9) وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -
يحرم البيع حينئذ >> وقال عطاء : ( تحرم الصناعات كلها )
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ان الرسول صل الله عليه وسلم
قال : << اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكانما قرّب بدنه
ومن راح في الساعة الثانية قرّب بقرة , ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرّب كبشا اقرن , ومن
(فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله)
سورة الجمعة
راح في الساعة الرابعة فكانما قرّب دجاجة , ومن راح في الساعة
الخامسة فكانما قرّب بيض , فاذا الامام حضرت املائكة يستمعون
الذكر >> ( خمسا ) اختيار المكان المناسب في المسجد بحيث يدنو من الامام , ولا يستند الى سواري المسجد وجدرانه الا لعذر ؛
ليكون شديد الانتباه متيقظا مشدودا لكلام الخطيب , وعيله ان لا يتخطى الرّقاب فيشغل غيره ويؤذيه , ولا يقيم احدا ليجلس مكانه ,
ولا يجلس مقابلا بوجهه الناس فينشغل بالاهتمام بهم ويشغلهم ؛
فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال قال رسول الله صلى الله عيله وسلم << اذا نعس احدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحوّل من
مجلسه ذلك وعن اوس بن الثقفي - رضي الله عنه - قال سمعت
النبي صلى الله عيله وسلم يقول << من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ
كان له بكل خطوة عمل سنة اجر صيامها وقيامها >>
ولقوله صلى الله عيله وسلم للذي جاء يتخطى رقاب الناس يوم
الجمعة اجلس فقد اذيت وانيت >> - اداب اثناء الخطبة
(اولا) ينصب للخطبة ولا يلغوا بالكلام مع غيره او حتى بالاشارة ؛
فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيله وسلم
قال اذا قلت لصحاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت
( ثانيا ) يتوجّه بوجهه الى الخطيب فانه ادعى للاستيعاب والفهم
لا شتراك اكثر من حاسة في الاصغاء
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال << كان
رسول الله صلى الله عيله وسلم اذا استوى على المنبر استقبلناه
بوجوهنا >>
( ثالثا ) يجلس المستمع بشكل مناسب فلا يضطجع او يحتبي
او يمدّ رجليه الا لعذر فقد ورد النهي عن الاحتباء يوم الجمعة ؛
فعن سهل بن - رضي الله عنهما عن ابيه << ان
النبي صلى الله عيله وسلم نهى الحبوة اليوم الجمعة والامام يخب>
( رابعا ) لا يتلهى عن الخطبة بما حوله كالعبث بالاشياء مثل
الحصى واملابس والاظافر وفرقعة الاصابع فعن ابي هريرة رضي الله عنه - قال قال رسول صل الله عليه وسلم << من توضا فاحسن الوضوء ثم اتى الجمعة فاستمع وانصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة ايام ومن مس الحصى فقد لغا >>>
وما بعد الخطبة
( اولا ) الانتشار في الارض والابتغاء من فضل الله لتتحول المعاني
الى تطبيق -( فاذا قضيت الصلاة فنتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ) سورة الجمعة ) اتماما للعبودية الله
( ثانيا ) الاكثر من ذكر الله والصلاة على رسول صل الله عليه وسلم وتحري ساعة الاجابة حتى يبقى المنصرفمن الصلاة على صلة بما افاد من خطبة الجمعة
وفي الجانب النفسي
( اولا ) تعظيم شان الخطبة في نفسه فهي امر من اوامر الله وعدم
الاستخفاف بها او التهوين من دورها في حياته تبعا لواقع معين
عند الناس الفوه حتى تتحول من عادة الى عبادة.
( ثانيا ) بذل الجهد الاهتمام بها بما يستطيع ؛ بالتعاون مع الناس
والخطيب والحث على حضورها واظهار اهميتها , وتعلم وتعلم
احكامها , وتهيئة الظروف في البيوت لهذا الحدث ليظهر له هيبة
في بيئته الاسلاميه
( ثالثا ) عدم اصدار حكم مسبق على الخطبة بفشلها من خلال تصور مسبق او معلومة عن توجهات الخطيب الفكرية او العلمية
( رابعا ) ان لا يوجه اهتمامه الى جانب معين يخصه في
الخطبة دون الجوانب الاخرى لتحقيق غاياته النفسة , او تغطية
لنقص معين في علمه فان كان يعاني من مشكلة اجتماعية او كان
على خلاف مع احد - كالجار ونحوه - فلا يتصور ان الخطيب سيطرح مشكلته دون غيرها حتى اذا لم يجد اهتمامه اعرض عن
الخطبة وقلل من شان ما يطرحه الخطيب وان كان مفيدا لغيره
( خامسا ) عدم التقليل من دوره في انجاح الخطبة او التقليل من شان الخطيب وان كان اقل منه علما , بل يجعل من نفسه قدوة للاخرين .
( سادسا ) اغفال اي علاقة سلبية بالخطيب , كونه يخالفه في بعض الفروع او التوجهات الاجتهادية او لبفكرية ؛ لان هذا من
شانه حرمانه من الفائد .
( سابعا ) ان يكون تقييمه المباشر للخطبة موضوعيا وبناء لا
سلبيا ؛ كان يتلقط الهفوات , ويتسقط الزلات
اما في الجانب الفكري
( اولا ) استقبال الافكار بتمعّن وايجابية وانزالها على الواقع فاذا
سمع الايات القرانية والاحاديث وهو يحفظها او يسمعها دائما فلا
يعرض عن الاصغاء لها والتفكر في معانيها , فانه سيجد فيها
معاني لا تنضب
( ثانيا ) اتهام نفسه بالتقصير ؛ لدراك اخطائه , فان من الملاحظ
ان بعض المستمعين اذا سمع توجيها في نقص معين قال في نفسه
هذا فلان يفعل ويبرّئ نفسه من التقصير.
( ثالثا ) محاوله التركيز على المفاهيم والمعاني المطروحة وفهم
مقاصيد الخطيب حتى وان كان الاسلوب - احيانا - ضعيفا , ولا
يجعل خطا الخطيب في الاسلوب او طول خطبة مانعا من الفهم
( رابعا ) نقل مضمون الخطبة الى غيره ممن حضر في المسجد
اخر , وللنساء في البيوت وكذا اهل الاعذرا , او تسجيل الخطبة
وتداولها ؛ لتعميم الفائدة
( خامسا ) مناقشة الخطبة مع البعض من حضر للاستفادة منها
والبحث عن كيفية التطبيق العلمي للخطبة , وابراز الايجابيات
والتناصح مع الخطيب في شان السلبيات.
واخيرا : فان خطبة الجمعة امرها جد وليس بالهزل , وهي وسيلة
تغيير وتجديد وهي من عوامل حياة هذه الامة, فالاهتمام بها من
الخطيب والحضور جزء احياء الامة ومن ثم واجب على المكلف
بادائها.