المقاومة بين الصديق والعدو
لا تأتي الطعنات الموجعة إلا من الأهل. لم يعودوا أهلاً في الواقع، بعض الأعداء أرحم، لأنهم على الأقل أوضح، خطابهم لا ينافق ولا يجامل، يصوّب نحوك السلاح مباشرة يريد إصابتك نهائياً، ولذلك، فأنت تعرف وتدرك وترى بأم عينك أنه يستهدفك، وهذا يعطيك فرصة لتفادي الضربة والاستعداد لها، وتوجيه سلاحك نحوه أيضاً. منذ أشهر، وبعض الجهات العربية تروّج معاداة المقاومة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنها تدعو الحاضنة الشعبية إلى الانقلاب على المقاومة، تختار أصواتاً متعبة يتفهم أي إنسان غضبها ونفاد صبرها من هذه المجازر التي لا تنتهي، وتروّج لها بكل قوة في مختلف الوسائط، وهو دور قذر لا يقل سقوطاً وخسّة عما يفعله العدو تماماً. فعِوض الدعم والإسناد، أو حتى اللامبالاة على الأقل، تأتي الضربات الموجعة من الأصدقاء والأشقاء.
وكأن هذا لم يكفِ، اتهمت الرئاسة الفلسطينية، في بيان لها السبت، حركة حماس بأنها "شريك في تحمّل المسؤولية" عما يلحق بالشعب الفلسطيني من مآس ونكبات على يد قوات الاحتلال. واتهمت الرئاسة، في بيانها، "حماس" بـ"تقديم الذرائع المجانية لدولة الاحتلال، ما يجعلها شريكاً في تحمّل المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية عن استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة بكل ما تتسبّب به من معاناة ودمار وقتل لشعبنا".
لا ينتظر المرء عكس هذا في الحقيقة من السلطة، أما أن يأتي الآن، في هذا التوقيت الحساس الذي تفاوض فيه المقاومة عدوها لإنهاء المأساة، فهذه ضربة لا تفسير لها، لا سياسياً ولا أخلاقياً بالخصوص. كان يمكن على الأقل أن تواصل ما كانت عليه منذ أشهر، أي أن تلوذ بالصمت وتتفرج، وتترك هذه الفرصة التاريخية تتحقق، أن تنتصر فكرة المقاومة وأن يتكبّد العدو أخيراً بعض الجراح وشيئاً من الهزيمة، وأن يفهم أن لا أمل له في عيش هادئ إلا بمنح الحقوق، أو بعضها، لأصحابها، وهذا خيره للجميع الفلسطيني. ماذا ستخسر السلطة في هذه الحالة؟ ماذا سيخسر أولئك الذين لا هم لهم إلا الإساءة لـ"حماس"؟ هل تزعجهم فكرة المقاومة إلى هذا الحد؟
أنظروا كيف خرج كل الأميركيين، رغم كل عداواتهم وكل صراعاتهم على السلطة، يتضامنون مع الرئيس السابق دونالد ترامب بعد تعرضه لإطلاق النار ليلة السبت. كل الخصومات ممكنة ومتاحة، ولكن المشترك الأميركي لا يمكن المساس به، لأنه أصل الدولة وأساسها ومستقبلها. تعالوا نؤسس وطناً أولاً ثم نتخاصم عليه بعد ذلك.