منظمة التحرير.. الغائب الأكبر عن مشهد الطوفان
مع أن الأصل أن تكون هي الحاضر الأبرز في المشهد الدولي بسبب ما حققته ملحمة الطوفان على كل المستويات , إلا أنها كانت أبرز الغائبين أو المغيبين إن شئت , وسبب ذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية ما عادت تلك التي أنشئت لتحرير فلسطين , بل أصبحت ملحقا بائسا لسلطة التنسيق الأمني التي أفرزتها اتفاقية العار والتنازل والخذلان , وأصبحت خربة تراثية يتغنى بها أصحاب النضالات التاريخية التي باعها أصحابها بثمن بخس , دولارات معدودات ومكاسب شخصية , وبطاقات تنتهي صلاحيتها عند أول غضبة من ضابط صهيوني يتحكم في حركة الدمى التي سمت نفسها قيادات للشعب الفلسطيني المغيب هو كذلك عن الوجود والشهود.
المشكلة أن هذه المنظمة الدمية التي أوصلها سدنتها إلى هذا المستوى من الدونية والصغار , هي ذريعة الأنظمة العربية في تبرير خذلانها للشعب الفلسطيني وقضيته التي كانت على الدوام قضية العرب الأولى , ثم لما كانت فرية وحدانية التمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , التي أريد منها تخلي العرب عن دورهم في تحرير فلسطين , وهم الآن يقولون (لن نكون فلسطينيين أكثر من منظمة التحرير) , فهي تخلت عن ميثاقها في التحرير وأصبحت أول المتنازلين و أول المطبعين وأول المتخاذلين وأول المنسقين ضد جهاد ومقاومة الشعب الفلسطيني , ولهذا فلن تكون الأنظمة العربية الرسمية وليدة سايكس بيكو أكثر وطنية من منظمة التحرير وليدة الجامعة العربية التي أنشئت بإرادة الانجليز من أجل تكريس الفرقة والإبقاء على المشروع الصهيوني آمنا في سربه ,معافى في عدوانه , واثقا من خيانات متوارثة في قيادة هذه الأنظمة .
ليت الأمر وقف عند هذا المستوى المتردي من الخذلان والتنكر , بل تصدى سدنة المنظمة لمحو آثار معركة الطوفان المجيدة من الوجود , حين ذهبوا لتحميل فصائل المقاومة مسؤولية الدمار الذي حل الشعب الفلسطيني , وتبرئة الصهاينة اليهود من مسؤولية الجرائم والإبادة الجماعية والتطهير العرقي وتحدي الإرادة الدولية والقوانين الدولية , الى هذا الحد من السقوط وصلت قيادات المنظمة , بل لا يزالون يلاحقون المقاومة والمقاومين لصالح مرتكبي جرائم العصر من قتل الأطفال والشيوخ وهدم البيوت وسحل الاسرى , والأغرب من ذلك كله أن تجد في الشعب الفلسطيني من يدافع عن هذه المافيا السياسية , ويدعي أن المنظمة لا تزال هي الشرعية الفلسطينية الوحيدة , (عنزة ولو طارت) .
نقدر الجهود التي تبذلها بعض الدول في جمع الشتات السياسي الفلسطيني الذي ما عاد فلسطينيا إلا بقدر ما يحقق ذلك له من مكاسب , ولو على حساب الشعب الفلسطيني , ونتأمل- غير مقتنعين- أن يلتئم الصف السياسي الفلسطيني على برنامج وطني لمواجهة العدو الصهيوني الممتد من تل أبيب إلى كثير من عواصم الضاد , ولكننا لا نعول في الحقيقة إلا على سواعد المقاومين , وأنصار المقاومة الحقيقيين , فهم الذين سيصنعون الفرق الحقيقي , وهم الذين سينسفون أكذوبة التفاوض والتصالح والتطبيع والارتهان , وهم الذين سيمثلون الشرعية الفلسطينية في قابل الأيام , وأظنهم في وقت ليس ببعيد سيضعون الهياكل الخربة لكل الادعاءات التمثيلية للشعب الفلسطيني في متحف التاريخ , ونطمع في أكثر من ذلك , أن يضعوا إلى جانبها كل الكيانات السايكسبيكوية الى جانبها لتكون عبرة لأجيال لا تفرط بمصادر كرامتها وعزتها , ولا تتخلى أسباب علوها ورفعتها , الجهاد والمقاومة , والانتماء الحقيقي إلى وطن يأكل مما يزرع , ويلبس مما يصنع , ويصنع قذائفه في مشاغله الخاصة بعيدا ‘عن أعين الخونة والعملاء والرقعاء والمتسلقين , الذين باعوا دينهم وأوطانهم وكرامتهم لعدوهم بثمن بخس , دولارات معدودة , ومناصب زائفة , وألقاب مهترئة ونياشين كاذبة .
أعلم أن الكثيرين لا يحبون أن يستمعوا لهذا الكلام ولا لهذه اللغة ولا لهذه المصطلحات , فهي لغة تفتقر الى الحصافة في نظرهم , وهي أبعد ما تكون عن السياسة والديبلوماسية , ولا غرو في ذلك , فهنا أجيال وشرائح عاشت في زمن الهزيمة والخذلان , تشربت قناعات الحكمة المزورة (الجبن المغلف) , وصدرت عن فن الممكن (الاستسلام للواقع المرير) , وهي بالتي كمن عاش في أجواء البصل والثوم , ثم لما هبت عليه نسائم العطر أنكرها لأنه لم يعتد عليها , ورحم الله مؤلف طبائع الاستبداد وهو يصف حال العبيد كم أبدع فيها .