عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: ما دوافع السلوك العدواني الإسرائيلي؟ الخميس 15 أغسطس 2024, 6:19 pm
ما دوافع السلوك العدواني الإسرائيلي؟
تتخذ إسرائيل تقليديا موقفا عسكريا عدوانيا تجاه خصومها، ولكن الحرب في غزة أصبحت في الأشهر العشرة الأخيرة أكثر فتكا من أي وقت مضى بعد قتل نحو 40 ألف شخص فيها وحدها، وهذا يؤكد لمنتقدي إسرائيل أن هدفها هو تدمير الشعب الفلسطيني، لكن التفسير الحقيقي لهذا التغيير أكثر تعقيدا من كل ذلك.
بهذه المقدمة افتتحت مجلة "فورين بوليسي" مقالا بقلم ديفيد روزنبرغ قال فيه إنه حتى أصدقاء إسرائيل في الخارج يجدون صعوبة في فهم سلوكها في حرب غزة وصراعاتها الثانوية مع حزب الله وإيران والحوثيين.
وإذا كان البعض قد يتسامح مع الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين كجزء لا مفر منه من حرب المدن -كما يقول الكاتب- فإنه من الصعب على الكثيرين استيعاب منع إسرائيل دخول ما يكفي من المساعدات الإنسانية إلى غزة وعدم اكتراثها الواضح بالوفيات الهائلة، كما أن البعض يشعر بالحيرة بسبب استعدادها للمخاطرة بما يمكن أن يكون حربا مدمرة مع حزب الله اللبناني أو إيران، بعمليات الاغتيال الاستعراضية المتتالية التي نفذتها والتي تصنف في سياق عنف الدولة وفقا لمعايير أي حكومة.
وأوضح الكاتب أن هدف أقصى اليمين في إسرائيل هو جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مشيرا إلى أن قادة هذا اليمين ليس لديهم إستراتيجية سوى رؤية معاناة الفلسطينيين واستمرار الحرب، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أذعن لإرادتهم حرصا منه على ضمان بقائهم في الائتلاف الحاكم، ولذلك كان متشددا في مفاوضات وقف إطلاق النار ولم يسمح بوصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة.
تآكل الردع وذكّر الكاتب بقول زعيم الحزب الصهيوني الديني اليميني ووزير المالية بتسلئيل سموتريش في هذا السياق، إنه لن يجد مشكلة في السماح لشعب غزة بالتضور جوعا، وبسماح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتفاقم الظروف غير الإنسانية في مركز احتجاز سدي تيمان للفلسطينيين الذين اعتقلوا في الحرب.
ويؤكد بعض المراقبين أن الإسرائيليين أصبحوا أكثر عنفا، أو على الأقل أكثر تسامحا مع العنف، خاصة أن العنف بين المستوطنين المتطرفين تجاه الفلسطينيين قد تزايد وأصبح ينظر إليه كأداة مشروعة لتحقيق أهدافهم السياسية.
وكان الإسرائيليون في أعقاب حرب عام 1967، يشعرون بأن وجود بلادهم لم يعد مهددا، وعقدوا اتفاقيات سلام مع دول عربية اعترفت بوجودهم، كمصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، وبدا التطبيع مع السعودية في الأفق، ولذلك تخلت إسرائيل عن الركيزة الأولى من ركائز إستراتيجيتها الدفاعية الثلاث، وهي النصر في الحرب، وسمحت للثانية بالتآكل وهي الردع، وأصبحت تعتمد بشكل مفرط على الثالثة وهي الاستخبارات.
ومنذ الثمانينيات -كما يقول الكاتب- لم تنته حروب إسرائيل مع القوات غير التقليدية بانتصار حاسم، وبهذا تضاءلت قدرتها على ردع أعدائها، وبدلا من تحقيق النصر الحاسم والردع الفعّال، أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على التدابير الدفاعية كالجدران والأسوار وأنظمة الإنذار المبكر عالية التقنية.
وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل دفعت ثمنا باهظا لهذه السياسات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدافع الخوف الوجودي، قائلا إن الإسرائيليين يعتقدون أن بقاء بلادهم أصبح الآن موضع شك، مضيفا أنه ومع أن إسرائيل ردت سريعا على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فقد فهمت إيران ووكلاؤها حجم فشلها الاستخباراتي والتنظيمي.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: ما دوافع السلوك العدواني الإسرائيلي؟ الخميس 15 أغسطس 2024, 6:20 pm
في تفسير التوحش في سلوك الاحتلال تجاه الفلسطينيين دأبت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة على التنظير لفكرة ديمقراطية الكيان وطبيعته "المدنية والحضارية"، وعلى أنه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية، والامتداد الحضاري للغرب، وأنه خط الدفاع الأول عنها في مواجهة بربرية الشرق. وقد تميز رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو أكثر من غيره في التركيز على هذه الفكرة في كتاباته ومخاطبته الإعلامية للغرب، وركز دومًا على فكرة أن "إسرائيل" تخوض هذه الحروب والمواجهات نيابةً عن الغرب، وقد ذكر ذلك في آخر اجتماع له مع سفراء عدد من الدول الغربية.
في الوقت ذاته، استمر الاحتلال في وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ومحاولة ربطها بكل تجارب الحركات المتطرفة والإرهابية في العالم، وقد نجح في دفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تبنّي تلك الرواية، وإدراج غالبية حركات المقاومة الفلسطينية على قوائمها للإرهاب.
إلا أنّ سلوكه المتوحش في الحرب الدائرة على غزة اليوم، تجاوز كل تلك الادعاءات، وكشف عن الطبيعة الراسخة للكيان كدولة احتلال استيطاني إحلالي فاشيّ. ورغم كل محاولاته في بداية المعركة لإظهار المقاومة كمجموعات إرهابية، ومحاولة ربطها بتنظيم "داعش"- من خلال عدد كبير من الروايات الكاذبة والتي تساقطت سريعًا، وكُشف كذبها وفبركتها حتى أمام ومن خلال الإعلام الغربي ذاته الذي تبنّى تلك الروايات في البداية- ظهرت الحقائق واضحة أمام العالم، وبدأت الشعوب والمؤسسات وجهات دولية كثيرة تتبنّى الرواية الفلسطينية المحقة، وترفض وتدين السلوك المتوحش للاحتلال، والمتمثل في محاولة إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وتهجيره من جديد، من خلال ارتكاب عدد هائل من المجازر أدّت حتى اليوم لاستشهاد ما يقارب 15 ألفًا من الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
السلوك المتوحش للاحتلال الإسرائيلي يشبه إلى حد كبير سلوك الأنظمة الفاشية والدكتاتورية في العالم، كما أنه يتطابق مع سلوك القوى الإمبريالية في كل عصر، فهو امتداد لوحشية وإجرام المغول والنازية والمحتل الفرنسي في الجزائر، والأميركي في فيتنام والعراق وأفغانستان، وغيرها من القوى الإمبريالية التي اعتمدت المجازر والبطش بالشعوب والمدنيين، وسيلةً للإخضاع، وطريقًا للسيطرة والهيمنة. وهو بالتأكيد لا يفكر ويتصرف بشكل طبيعي- لأنه إن فعل ذلك لا يمكن أن يكون محتلًا- ذلك أن السلوك الطبيعي والعقل والفطرة السوية لا يمكن أن تقبل القهر والظلم وسلب الحقوق والحريات. فالمحتل له طبيعته الخاصة، التي لا تشبه الآخرين، طبيعته المرضيّة التي تجعله قادرًا على التوحش والتصرف كشيء مختلف عن البشر وبعيدًا عن طباعهم.
الاعتقاد بالتفوق، والنظرة الدونية للآخر هي من أهم سمات الحركة الصهيونية، والتي قادت لتصنيفها رسميًا في الأمم المتحدة كحركة عنصرية
النقاط التالية يمكن أن تساهم في فهم وتفسير هذا السلوك الإسرائيلي الذي يبدو منهجيًا ومتعمدًا ومدركًا:
القناعة الداخلية بعدم وجود حقّ له في هذه الأرض- وبزيف ادعاءاته التاريخية والدينية حولها، وفقدان شرعية الوجود عليها- يدفعه، وفي محاولة لتعويض ذلك، للاعتماد على القهر والتخويف والقمع والتفوق في امتلاك القوة الذي قد يقود- كما يظن- إلى الإخضاع، لضمان البقاء. وهو في ذلك يستلهم تجارب دول أخرى أقدمت على إبادة السكان الأصليين وقتل الملايين من المواطنين لفرض وجودها، كما حدث مع الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا على سبيل المثال. إعادة رسم عقيدة عسكريّة جديدة قائمة على إلحاق الأذى الهائل بالحاضنة الشعبيّة والبنى المدنيّة، وكافة مقوّمات الحياة الطبيعية، لكل من يفكر في المقاومة أو يواجه الاحتلال، وهو ما يعني الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويطابق أفعال النازية والفاشية تمامًا. ويمكننا القول إنه يحاول أن يطور على ما عُرف بعقيدة الضاحية الجنوبية التي استُخدمت في لبنان عام 2006، وينتج منها نسخة 2023 الأكثر دموية وعنفًا ووحشيةً، بعد أن ضربت عملية القسام العسكرية في السابع من أكتوبر عقيدة ومنظومة الاحتلال العسكرية والأمنية التي اعتمد عليها لعقود طويلة، فقد قُهر الجيش الذي لا يقهر، وانهارت قواته بطريقة فاجأت الجميع أمام رجال المقاومة الفلسطينية، واتضح مدى عجز منظومته وأجهزته الأمنية التي لم تتوقع العملية، ولم تتمكن من إحباطها، وكذلك تبددت أوهام التفوق التكنولوجي الذي طالما تغنى الاحتلال به، وانبهرَ به الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية. عدم الانتماء للمنطقة فكريًا وثقافيًا وتاريخيًا واجتماعيًا، ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي متحررًا من تبعات هذا الانتماء والارتباط بمكونات المنطقة. فانعدام الصلات القومية أو الفكرية والثقافية مع شعوب المنطقة، يجعل الاحتلال غير مهتم بنظرتهم له أو بعلاقاته المستقبلية معهم؛ لاعتقاده أنه موجود رغمًا عن إرادتهم، وبقاؤُه مرتبطٌ باستمرار التنكر لهذه الإرادة وقمعها. الاعتقاد بالتفوق، والنظرة الدونية للآخر، وهذه من أهم سمات الحركة الصهيونية، والتي قادت لتصنيفها رسميًا في الأمم المتحدة- ولفترة طويلة- كحركة عنصرية. وفي هذه المعركة تجلت هذه الصفة بشكل كبير في الخطاب الصهيوني سواء على لسان وزير الحرب أو على لسان الكثير من الصحفيين والأكاديميين والمحللين، وحتى عوائل الجنود، الذين وصفوا الفلسطينيين في غزة بأنهم "حيوانات بشرية"، وأنه لا يوجد أبرياء في غزة سوى الأسرى الإسرائيليين والأجانب، وأن كل سكان غزة إرهابيون يستحقون الموت. الخوف الذي يسكن أعماق كيان الاحتلال بكل مكوناته، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي. هذا الخوف المرتبط ببعض العوامل التي ذكرت أعلاه، يحرص الاحتلال على إخفائه دومًا، والعمل على إظهار صورة معاكسة له حتى وإن كانت زائفة؛ لأن ظهور أيّ من علامات الخوف أو الضعف ستعني اقتراب النهاية. وللتغطية على هذا الخوف العميق المسكون به الاحتلال- والذي عبر عنه عدد كبير من قياداته من خلال كثرة الحديث عن الخطر الوجودي- يرفع من وتيرة البطش والقتل والمجازر والتدمير "أي التوحش"؛ ليظهر ما يعتقده قوة تساعده على إحداث التوازن النفسي لديه. ضمان عدم المساءلة والمحاسبة على وحشيته وجرائمه التي لا يتوقف عن ارتكابها؛ نظرًا لاستمرار النفاق والانحياز الغربي الذي يوفر للاحتلال الغطاء لكل جرائمه، ويحول بينه وبين المساءلة من قبل المؤسسات الدولية، يتقاطع ذلك مع الضعف العربي والإسلامي وعدم القدرة على لجم عدوانه ومعاقبته عليه، ولو بالحد الأدنى كقطع العلاقات السياسية والاقتصادية.