التدخلات الإنسانية المسلحة وقناع الحَمَل على وجه الذئب
كاتب الموضوع
رسالة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: التدخلات الإنسانية المسلحة وقناع الحَمَل على وجه الذئب الأحد 25 أغسطس 2024, 11:35 pm
القوات الأميركية تقدم مساعدات إنسانية للأسر الكردية العراقية بعد عملية "توفير الراحة" عام
1991 التدخلات الإنسانية المسلحة وقناع الحَمَل على وجه الذئب
بعد أقل من شهرين على انتهاء عملية عاصفة الصحراء التي قادت فيها الولايات المتحدة تحالفًا
دوليًا يهدف إلى التصدي للغزو العراقي للكويت، واجهت بغداد أزمة جديدة مع تحالف دولي آخر
بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أعلن أنه يهدف لحماية الأكراد في شمال العراق من الجيش
العراقي الذي كان في ذروة جهوده لإخماد تمرد واسع لهم على النظام.
هذه الأزمة وما تسببت به من نزوح نحو مليون كردي إلى الحدود الإيرانية التركية، أحدثت
أصداء واسعة دوليا، ودفعت بمجلس الأمن في الخامس من أبريل/نيسان 1991 إلى إصدار
القرار 688 بموجب أحكام الفصل السابع، والذي طالب فيه العراق "بوقف القمع" الموجه ضد
الأكراد لأن نتائجه تهدد الأمن والسلم الدوليين، وبالسماح للمنظمات الإغاثية بالوصول إلى كل
الذين يحتاجون إلى المساعدة.
وبعد 24 ساعة، قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا من 12 دولة أخرى -دون اللجوء إلى الأمم
المتحدة– في عملية أطلق عليها اسم "توفير الراحة"؛ لفرض منطقة حظر جوي وتقديم
المساعدات للأكراد. وعلى إثرها أصبحت كل من أربيل والسليمانية ودهوك مناطق خارج إدارة
السلطة العراقية المركزية.
عملية "توفير الراحة" هذه، وبقدر ما باتت تعدّ نموذجًا واضحًا لما اصطلح عليه حينها
بـ"التدخلات الإنسانية" أو "التدخلات الإنسانية المسلحة" التي تهدف إلى حماية المدنيين من
الانتهاكات الجسيمة، فإنها في الوقت نفسه أثارت جدلًا واسعًا بشأن مشروعيتها القانونية
وأهدافها السياسية الحقيقية، واعتراضات في الأوساط التي تتمسك بسيادة الدول وحظر التهديد
باستخدام القوة أو استخدامها ضد الدول أو استقلالها السياسي استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة.
عملية "توفير الراحة" أثارت جدلًا واسعًا بشأن مشروعيتها القانونية وأهدافها السياسية
الحقيقية
التدخل الإنساني.. الجدل والمشروعية لطالما كانت مسألة التدخل العسكري الإنساني محل جدل واختلاف على الصعيد الدولي، خاصة أن
استخدام القوة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول محظور بموجب ميثاق الأمم المتحدة، إلا في
حالات الدفاع عن النفس أو تفويض من مجلس الأمن.
ولقد استند الموقف المؤيد للتدخل العسكري الإنساني إلى أن حالات الانتهاكات الجسيمة
والممنهجة لحقوق الإنسان تمنح المجتمع الدولي المبرر الكافي للتدخل لأسباب إنسانية.
وفي عملية "توفير الراحة"، أظهرت فرنسا موقفًا مماثلا لهذا التوجه، عندما اعتبرت أن الدولة
تفقد سيادتها إذا كانت انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان ترقى إلى حد اعتبارها جرائم ضد
الإنسانية.
وقد أدى عدم الاتفاق الدولي على شكل الاستجابة للجرائم الخطيرة والانتهاكات الواسعة النطاق
بحق المدنيين التي وقعت في رواندا وكوسوفو خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، إلى
نقاشات عميقة على صعيد الأمم المتحدة.
وفي عام 2001، اقترح تقرير اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدول معيار "المسؤولية عن
الحماية" الذي ركز على المسؤولية الجماعية الدولية في حماية السكان المعرضين لخطر
الانتهاكات. وفي 2005، اعتمدت القمة العالمية للأمم المتحدة هذا المعيار بهدف حماية السكان
من 4 جرائم خطيرة، هي: الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد
الإنسانية.
ويستند المعيار إلى 3 أسس:
أولها ما يقع على عاتق الدول من حماية سكانها من الجرائم المذكورة. ثم دور المجتمع الدولي في تشجيع الدولة ومساعدتها للقيام بمسؤولياتها في حماية سكانها
المعرضين للخطر. في حين أن الأخير يرتبط بتدخل المجتمع الدولي وفق تفويض مجلس الأمن ضمن الفصل السابع
لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المدنيين حال فشلت الدولة في حمايتهم أو لم تبد رغبة في ذلك. ولم يمنع اعتماد المعيار من وجود معارضة قوية لمبدأ التدخل الخارجي على اعتباره غير قانوني
ويتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أنه قد يمثل شكلًا من أشكال تعزيز الطموحات
الإمبريالية الغربية، فضلًا عن التشكيك في جدوى هذا النوع من التدخل الذي يقود -في كثير من
الأحيان- إلى انعدام الاستقرار وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين، وقد يصل أحيانا إلى الاحتلال
العسكري.
كما أثيرت دائمًا مسألة الانتقائية في التدخلات الإنسانية عسكريا، والتي تقوم على أساس
المصالح الوطنية الذاتية للدول المتدخلة، على حد قول المفكر الأميركي وعالم اللسانيات نعوم
تشومسكي.
التدخل والمصالح الإستراتيجية منذ عام 1991 وحتى عام 2018، سجلت عدة تدخلات عسكرية كانت مدفوعة ولو جزئيا
بالمخاوف الإنسانية، من بينها التدخل في شمال العراق عام 1991، والصومال 1992، ورواندا
1994، والبوسنة 1995، وكوسوفو 1999، وتيمور الشرقية 1999، وأفغانستان والعراق في
عامي 2001 و2003 على التوالي.
ويشير المحاضر في الكلية الملكية لدراسات الدفاع في بريطانيا أندرياس كريغ إلى أنه من بين 9
تدخلات أحصيت حتى غزو العراق، فإن مجلس الأمن لم يفوض بالتدخل سوى في الصومال
وتيمور الشرقية، كما أن الأدلة على أن التدخل العسكري كان لأغراض إنسانية قليلة.
ففي حالة التدخل في شمالي العراق، كان الهدف الأساسي يرتبط برغبة واشنطن في إضعاف حكم
نظام صدام حسين، وكذلك منع زعزعة استقرار تركيا، وكان التدخل في الصومال مدفوعًا بروح
التنافس الانتخابي بعد الانتقادات التي وجهت إلى الرئيس جورج بوش الأب بسبب تجاهله
السياسة الخارجية.
وكان التدخل العسكري في كوسوفو عام 1999 من أبرز التدخلات العسكرية التي حملت طابعا
إنسانيا، لكنها حظيت بجدل واسع إزاء دوافعها الحقيقية، إذ وُصف قرار حلف شمال الأطلسي (
الناتو) -الذي تجاوز مجلس الأمن ليتخذ إجراءات عسكرية باسم الإنسانية ضد إحدى الدول- بأنه
"خلق سابقة مشؤومة في العلاقات الدولية"، بحسب أستاذة القانون الدولي في جامعة برلين
الحرة هيكي كريغر.
وعلى وقع حملات القمع والتطهير العرقي التي كانت تمارسها القوات الصربية ضد ألبان
كوسوفو، قامت قوات الناتو بحملة قصف جوي على يوغسلافيا يوم 24 مارس/آذار 1999،
واستمرت 78 يوما إلى أن اضطر الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش للرضوخ وسحب قواته من
كوسوفو ودخول قوات حفظ السلام بدلًا منها.
ووفقا لعالم السياسة الروسي والعضو السابق في مجلس الدوما أليكسي أرباتوف، فإن ذلك كان
له تأثير عميق على روسيا التي رأت فيه "إذلالًا كبيرًا وبصقة على الوجه"، واستعدادًا غربيًا
لتجاهل مصالحها بشكل تام، عدا عن كونه استعراضًا غربيًا للقوة ضد موسكو من خلال استخدام
20% من قوة الناتو ضد بلد صغير نسبيًا كيوغسلافيا، التي كان الرئيس الروسي بوريس يلتسن
قد ضمن أمنها بشكل شخصي قبل وقت قصير من الحملة العسكرية.
كما أن هذا التدخل أثر في حينه على صياغة مفهوم الأمن القومي الروسي الجديد الذي اعتبر أن
التهديد الرئيسي يأتي من الغرب، خاصة مع ممارسة الناتو استخدام القوة من دون موافقة مجلس
الأمن، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدًا ليس لها فحسب بل "للوضع الإستراتيجي برمته في
العالم".
من ناحية أخرى، يرى الصحفي والسياسي الأميركي ديفيد ريف أن التدخل الغربي في كوسوفو
كان بمثابة مقدمة لتدخلات أخرى قادمة من قبل الغرب وخاصة أميركا، بوصفها "شرطي العالم
والملاذ الأخير للشعوب المعرضة للخطر"، دون الحاجة إلى الرجوع إلى الأمم المتحدة التي "
باتت عاجزة عن القيام بدورها"، على حد وصفه.
ولم تكن بالفعل تلك "السابقة الكوسوفية" -كما أطلق عليها- مبررًا لأميركا وحدها، إذ كانت
بمثابة حجر زاوية في تبرير روسيا تدخلاتها العسكرية في أكثر من مكان، كـ"اجتياح أجزاء من
جورجيا عام 2008 لحماية السكان الناطقين بالروسية"، على حد قول كينيث موريسون أستاذ
التاريخ بجامعة دي مونتفورت.
وأشار موريسون أيضا إلى أنها ذات الذريعة التي استخدمتها روسيا لاحقًا لتبرير عمليتها
العسكرية ضد أوكرانيا 2022.
اجتياح القوات الروسية لجورجيا عام 2008
التداعيات الإستراتيجية للتدخلات الإنسانية منذ تسعينيات القرن الماضي، برز اتجاه يحلل دينامية الخلافات التي تسبق استخدام القوة
المسلحة، والقائمة على صيغة جديدة يقدمها الغرب للعلاقات الدولية.
وبحسب رئيس الأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فلاديمير
زارودنيتسكي، فإن هذه الصيغة تتضمن الانتقائية في الاعتراف بشرعية حكومات دول أو
إنكارها، ومن ثم السماح بـ"التدخلات الإنسانية" التي قد تشمل تدخلات انتقامية أحيانا، بهدف
تغيير النظام الحاكم، وتسمح تلك الصيغة باستخدام القوة العسكرية دون الرجوع إلى الأمم
المتحدة.
ومنذ تلك الفترة، بررت الدول القوية -خاصة الولايات المتحدة- تدخلاتها العسكرية في مناطق
مختلفة حول العالم بذرائع إنسانية، بما في ذلك على سبيل المثال غزو العراق عام 2003، الذي
سعت الإدارة الأميركية إلى تبريره في إطار "التدخل الإنساني"، إذ أعاد الرئيس الأميركي آنذاك
جورج بوش استحضار "المذابح التي نفذها نظام صدام حسين بحق العراقيين كسبب للغزو"،
إضافة إلى ترويج إدارته أنها ستجلب الديمقراطية إلى العراق، بحسب موقع ساينتفيك ريسيرش.
وهذه الذريعة ذاتها هي التي استخدمها رئيس الوزراء البريطاني أنتوني بلير عندما وضع غزو
العراق في سياق مبدأ "المسؤولية عن الحماية"، بسبب ممارسات النظام العراقي "القمعية
والوحشية".
وبينما انتقد بلير القانون الدولي لأنه لا يسمح لمثل عمليات غزو العراق، فقد نصحه المدعي العام
البريطاني بالتذرع "بانتهاك بغداد التزاماتها بموجب وقف إطلاق النار في حرب الخليج الأولى".
وتشير منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن قوات التحالف بقيادة أميركا كانت قد وضعت جملة
من الأسباب لتبرير غزوها للعراق، لم يكن من بينها سوى سبب إنساني واحد، ليزيد ذلك الغزو
من حالة الجدل المرتبطة بالتدخلات العسكرية الإنسانية.
وقد كان التدخل العسكري في ليبيا عام 2011 مثار نقاش طويل بشأن أهدافه الحقيقية
وتداعياته، إذ دفعت محاولات العقيد معمر القذافي القمع العنيف للثورة خاصة في مدينتي
مصراتة والزاوية، إلى تدخل مجلس الأمن الدولي بموجب قرار رقم 1973، وأقر فرض حظر
للطيران في سماء البلاد.
وكان التأكيد في قرار مجلس الأمن على وجود جرائم ضد الإنسانية ترتكبها قوات الزعيم الليبي،
مقدمة لتبرير التدخل العسكري ضمن مبدأ "المسؤولية عن الحماية"، وأصبحت ليبيا أول بلد
تستخدم ضده القوة العسكرية ضمن هذا المبدأ.
لكنّ سلوك الناتو -وخاصة الدول التي تتولى مسؤولية التحالف لتنفيذ القرار 1973- غذّى شعور
الندم لدى كل من روسيا والصين اللتين سمحتا بتمرير القرار من خلال الامتناع عن التصويت،
بعد أن اتهمتا حلف الناتو باستغلال الصلاحيات المحدودة للقرار من أجل تغيير النظام في ليبيا،
وفقا لكلوديا غازيني الزميلة الزائرة في برنامج الدراسات الأفريقية في جامعة نورث وسترن.
وبحسب كيفن هيلر أستاذ القانون الدولي والأمن بجامعة كوبنهاغن، فإن هناك أدلة عديدة على
هذا التوجه لحلف الناتو، خاصة مع رفضه الاستجابة لمطالب الحكومة الليبية بالتفاوض الفوري
على وقف إطلاق النار.
وأظهر فحص الباحثين لتاريخ طويل من التدخل العسكري الأميركي تسببه في نتائج غير
محسوبة، مثل: إنتاج "الإرهاب"، وانتشار الفساد، وزيادة الإقصاء السياسي والاقتصادي،
وتعطيل التنمية، وتأجيج الصراعات الداخلية، وازدياد حالات الفوضى، وغيرها من العواقب في
عمليات التدخل العسكري.
وعلى سبيل المثال، فقد أدى الغزو الأميركي للعراق إلى مقتل أكثر من 600 ألف مواطن عراقي،
وإحداث تغير جيوسياسي كبير في المنطقة، وتنامي نفوذ تنظيم الدولة المصنف إرهابيًا لدى
مجموعة كبيرة من الدول حول العالم، وتنامي المذهبية هناك؛ فيما أسفر التدخل العسكري في
ليبيا عن حرب أهلية لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الأمني والسياسي هناك.
التدخلات الإنسانية المسلحة وقناع الحَمَل على وجه الذئب