يُتم وإصابة وغياب عن الدراسة.. أطفال غزة وقسوة الحرب
تثقل حرب “الإبادة” الإسرائيلية بظلالها القاسية على أطفال قطاع غزة الذين دفعوا ثمنها الأعلى، وخصوصا مع اقتراب العام الدراسي الجديد وحرمانهم من مقاعد الدراسة لعام كامل.
عاش الأطفال واقعا مريرا جراء الحرب، بدءا من تعرضهم للقتل والإصابة، حيث قالت تقارير حكومية فلسطينية إن الأطفال والنساء شكلوا ما نسبته 69 بالمئة من إجمالي ضحايا الحرب المستمرة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
كما مرّ أطفال غزة بواقع مرير، فمنهم المصاب الذي بات يعيش بإعاقة دائمة في أطراف جسده، ومنهم من أصيب بحروق، ومنهم من فقد أحد أفراد أسرته ومنهم من تيتّم، في حين أن بعضهم يعيش بذكرى مفزعة جراء انتشاله من تحت ركام منزله المدمر.
وفي فبراير/ شباط الماضي قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إن التقديرات تشير بأن 17 ألف طفل فلسطيني في غزة فقدوا ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم وذلك بسبب القتل أو الاعتقال.
إلى جانب ذلك، فقد واجه الأطفال ظروفا نفسية صعبة للغاية جراء المشاهد التي رأوها لجثامين شهداء ومصابين سقطوا خلال قصف إسرائيلي للمناطق المختلفة، فضلا عن خوفهم من أصوات القصف العنيف المتواصل على مدار الساعة.
وخلال أشهر الحرب، حَمَل الأطفال مسؤوليات وهموما أكبر من أعمارهم الصغيرة، حيث باتوا يوفرون أساسيات الحياة لعائلاتهم، التي فقدت معيلها، كالمياه والطعام فيما لجأ أعداد كبيرة منهم للعمل من أجل توفير لقمة العيش.
وفي الوقت الذي يتجهز فيه أطفال العالم لاستقبال العام الدراسي الجديد وتحضير قرطاسياتهم وملابسهم الجديدة، تبقى عيون أطفال غزة موجهة إلى السماء خوفا من سقوط صاروخ فوق رؤوسهم يرديهم قتلى.
وتُغيّب الحرب أطفال غزة قسريا عن مقاعد الدراسة والتحصيل العلمي بعد أن تحولت المدارس إلى مراكز إيواء تضم مئات آلاف النازحين الذين لا مكان لهم سوى الصفوف الدراسية، في وقت دُمرت فيه نحو 121 مدرسة وجامعة بشكل كلي و333 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، وفق إحصائيات حكومية.
تحديات كبيرة
تقول وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين “أونروا” إنها بدأت في 1 أغسطس/ آب الماضي عودة تدريجية لأنشطة التعليم غير الرسمية جنوب ووسط القطاع.
وأضافت إيناس حمدان، مديرة الإعلام في “الأونروا” إن “هذه العودة هي جزء من مسار طويل (في العملية التعليمية)”.
وأوضحت أن الأونروا ستركز خلال هذه الفترة “على الأنشطة الرياضية والفنون والدراما والألعاب، وبعض الأنشطة التعليمية”.
يأتي ذلك وسط تواصل أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة في عدد من مراكز الإيواء بحسب ملائمة الظروف في كل مركز ومنطقة، وفق قولها.
ويواجه عودة الدراسة تحديات، أهمها وفق حمدان “عدم استقرار الظروف الأمنية واستمرار إصدار أوامر الإخلاء التي يتبعها موجات نزوح جديدة تثقل كاهل المدنيين وتفاقم الأوضاع المعيشية سوءا”.
وتتابع: “أونروا تحاول من خلال هذه الأنشطة التي تُقدم من خلال طاقم متخصص من المرشدين النفسيين والمدرسين أن تساعد الأطفال الذين عاشوا وقاسوا ما لا يجب أن يشهده طفل في العالم، استعادة ولو جزء من طفولتهم التي سلبتها أكثر من 321 يوما من الحرب الطاحنة”.
أثمان باهظة
حمدان قالت إن الأطفال في غزة “ما زالوا يدفعون ثمنا باهظا بسبب هذه الحرب المدمرة”.
وذكرت أن “تقارير صادرة عن الأونروا أظهرت أن معظم الأطفال يعانون من صدمات واضطرابات نفسية أو إصابات بالغة ومنهم من فقد أحد والديه أو كلاهما وبالتأكيد هذه ستترك آثارا نفسية عميقة ستحتاج إلى فترة طويلة للعلاج وصولا إلى التعافي”.
وأوضحت أن “كل هذه الظروف العصيبة التي مر بها الأطفال تركت آثارا سلبية على تحصيلهم الأكاديمي وصحتهم العقلية والنفسية، ولذلك لا يزال طريق التعافي طويل وتعويض الفاقد التعليمي لأكثر من 650 ألف طفل سيكون مليئا بالتحديات خصوصا مع غياب وقف لإطلاق النار”.
وأشارت إلى أن الأونروا تواصل التزامها بـ”استمرار الأنشطة الترفيهية والتعليمية بقدر الإمكان”، لافتة إلى أنها ليست بديلة عن الخدمات التعليمية الرسمية.
أثر نفسي
داخل إحدى غرف مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية التي تؤوي نازحين وسط قطاع غزة، يجلس الطفل محمد أبو عيدة ينظر بحسرة إلى كف يده اليمنى المبتور بهجوم إسرائيلي.
تقول والدته “منى” للأناضول إنها تحاول معه من أجل إعادته للمذاكرة الدراسية لكن البتر الذي تعرض له حال دون ذلك.
وتضيف بأن محمد تأثر من بتر كف يده التي يعتمد عليها بنسبة 100 بالمئة بالقيام بواجباته، خاصة الدراسة والكتابة ومسك القلم.
كما يرفض مطالعة ما فاته من دروس بشكل “شفوي”، وفق والدته، في حين تقول مؤسسات أممية ودولية إن الحرب ألقت بآثار نفسية كبيرة على أطفال غزة.
ضياع العام الدراسي
تعرب السيدة الفلسطينية عن مخاوفها من ضياع العام الدراسي الجديد على أطفال غزة، الأمر الذي يؤثر سلبا على مستواهم الثقافي والعلمي وتحصيلهم الدراسي.
وتقول عن ذلك: “العام الماضي ضاع بسبب الحرب، لم يكن هناك تعليم ولا دراسة، لا نعلم إن كان هذا العام سيضيع هو الآخر أم لا”.
وتتساءل مستكملة: “لو عادت المدارس، أين سيذهب النازحون الذين يعيشون بداخلها؟”.
وخلال أشهر الحرب، لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى المدارس بحثا عن الأمان وهربا من القصف الإسرائيلي في وقت لم يجدوا فيه أي مكان آخر يؤويهم.
آمال رغم البتر
وداخل مدرسة الإيواء يستعين الطفل عبد الرحمن بعكازيه للعب كرة القدم مع أصدقائه رغم ساقه اليسرى المبتور بقصف إسرائيلي.
يقول عبد الرحمن إنه يأمل بالعودة إلى مقاعد الدراسة رغم البتر الذي تعرض له، ويردف: “الحرب تسببت بضياع العام الدراسي الماضي، لو أنها تنتهي ونعود للدراسة مرة أخرى”.
ويتابع قائلا: “حينها سأتعلم وأكون مجتهدا وناجحا، أتمنى لو نعود للمدارس ونتعلم ونرتدي زيها الرسمي”.
حقائب مدرسية للنزوح
وفي ظل النزوح المتكرر، حولت الظروف حقائب الأطفال المدرسية إلى حقائب تضم بداخلها مستلزمات أساسية وملابس، حيث يتم رصد آلاف الأطفال يحملون حقائبهم الثقيلة على أكتافهم ويفرون برفقة عائلاتهم من القصف الإسرائيلي.
شهد أبو طير (12 عاما)، واحدة من الأطفال الذين تحولت حقائبهم المدرسية إلى حقائب نزوح.
تقول وهي تحمل حقيبة زهرية اللون انتقتها بعناية العام الماضي: “هذه الحقيبة كانت تضم كتبا ودفاتر وأقلاما لأتعلم، لكنها اليوم تضم ملابس ومستلزمات وأتشرد فيها من مكان لآخر”.
وتوضح أنها لم تتخيل يوما أن تتحول هذه الحقيبة المخصصة للدارسة إلى “حقيبة للتشرد”.
وتعرب عن أملها بعودة الدراسة، قائلة: “أحلم بأن أحمل حقيبتي المدرسية مجددا على أكتافي وأتوجه للمدرسة وألتقي بصديقاتي”.