حقيقة آلأطماع الاستعمارية الصهيونية في فلسطين من الوعود إلى طوفان الأقصىد. نائلة الوعري
تكمن أهمية عملية طوفان ألأفصى وباعتراف الخبراء والمحللين والمراكز الاستراتيجية التي تعنى بالجيوش والدفاع. ان المقاومة الفلسطينية قد وجهت للكيان الصهيوني ضربة قاصمة غير مسبوقة في التاريخ العسكري وهو ما اصاب كبريائه واستعلائه في الصميم عندما كسرت حاجز الخوف وانزلت به هزيمة فاقت الهزيمة التي الحقتها به الجيوش العربية في الضربة الاستباقية عام1973م ولهذا نزلت على كيانه منزلة الصاعقة واصابته بالشلل واحالت اسطورة الجيش الذي لا يقهر وقوة الردع الى سخرية مضحكة. من جهة اخرى اظهرت الضربة ان ارادة الشعب الفلسطيني لا تهزم مهما طال ظلام الاحتلال والعقيدة القتالية الصلبة للمقاتل العربي التي حاول الاحتلال احاطتها بشيء من السخرية . ناهيك عن الفشل الاستخباري وتفوقه في الصناعات العسكرية والبرامج التكنولوجية التي طالما تغنى بها وقدمها في عروض البيع والشراء لطالبيها ولم تجدي نفعا في تحصين جنوده وحمايتهم من ايدي المقاومة ومنعها من اجتياز تحصيناته الهشة.
وتظهر اثار هذه الضربة في حالة الاعياء التي تعلو وجوه قياداته الشاحبة والمتشحة بالسواد والنداءات التي وجهتها لقادة الدول الاستعمارية لنجدتها وعملا بذلك تقاطر زعماؤها الواحد تلو الاخر لتقديم الدعم والمؤازرة المادية وارسال الجيوش وعتاد وحضور مجالس الحرب لمواجهة المقاومة. لضربها في العمق واقتلاعها وتدميرها تماما وان لم يفلحوا حتى الان وفي سبيل الوقوف على حقيقة الاطماع السياسية الاستعمارية لفلسطين والتي بدأـت منذ أربعة قرون . فلابد من الوقوف عند ثلاثة محاورة اساسية.
أولا: نشأتها:
-اختلف الباحثين في وضع تاريخ محدد لانطلاق الاطماع السياسية الاستعمارية لاحتلال فلسطين فمنهم من رأى في نظرية المستشار القانوني لملك بريطانيا هنري فنش (Henry Finch 1558-1625) والتي ضمنها لكتابة الصادر عام1621م The World’s Restoration Or the calling of the Jews بصفته أول كتاب يدعوا لاستعادة امبراطورية الامة اليهودية في فلسطين والذي نادى بضرورة توطين اليهود في فلسطين تحت الحماية البريطانية بهدف حماية طرق المواصلات العالمية المؤدية الى الهند وشرق آسيا في حين رأى فريق اخر بالحملة الفرنسية بقيادة نابليون في العام 1798 م على مصر وفلسطين تاريخا مناسبا للأطماع السياسية الاستعمارية بينما اتخذ فريق اخر من حملة ابراهيم باشا1831-1840نقطة انطلاق اساسية للأطماع السياسية الاستعمارية نحو فلسطين في تاريخها الحديث. وما أطلقته الدول الأوروبية وبريطانيا العنان للمنظرين الرسمين وغير الرسمين للتنظير والحشد للحملة الصليبية السلمية التي تسعى للسيطرة على فلسطين بالمشاريع الاقتصادية وتبنت فكرة هنري فنش The Restoration of the Jews وقد رأت النشرات البريطانية الخاصة بحرب القرم في غام 1856 أن القدر اختار بريطانيا لهذه المهمه وسار على هذا النمط المنظرون الالمان والفرنسيون والروس وطرح لورانس أوليفانت البريطاني في عام 1880 مشروع استيطاني في منطقة واسعة ضمن المحميات البريطانية في سوريا الجنوبية وكانت لكل من الحملة الفرنسية على مصر والولايات الشامية عام 1897 وحملة محمد علي على بلاد الشام وفلسطين عام 1831-1840 عوامل إذكاء لحدّة التنافس بين القوى الأوروبية لا سيّما وأنّ هزائم الدولة العثمانية في حروبها ضد روسيا والنمسا وبولندا، إضافة إلى الثورات والتمردات الداخلية في الولايات العربية. وقد دفعت الدول الأوروبية لوضع توجهاتها إزاء المسألة الشرقية موضع التنفيذ.
وكانت الاستفادة من مزايا قانون الامتيازات العثماني، حيث بدأت البضائع الأوروبية تفيض بها الأسواق الشامية، وشهدت الموانئ الشامية حركة تجارية نشطة للتجار والسفن الأوروبية تحمل منتجات الشرق إلى أوروبا، وتؤسّس الوكالات والفنادق والنزل الأوروبية في المدن والموانئ الشامية، وأصبح الأوروبيون يرون في هذه المناطق المحطات الرئيسية لطموحاتهم، والأماكن المتميّزة لتحقيق مصالحهم الحيوية.
وفي إطار هذا التصوّر الذي اعتبرته الدول الأوروبية استفزازاً لطموحاتها المستقبلية ومساساً لمخططاتها ظهرت على واجهة الأحداث بعض الاستحقاقات التي أوجدتها الأحداث التي شهدتها الساحة العربية في إطار ما يعرف “بالمسألة الشرقية” ونظرة أوروبا تجاه الدولة العثمانية التي أخذت تتهاوى وتضعف بتأثير ما عصفت بها من تداعيات داخلية وخارجية، وخسارتها في الحروب التي خاضتها روسيا وغيرها من دول البلقان؛ مثل النمسا وروسيا وبولندا إلى جانب الثورات الداخلية التي كان على الدولة العثمانية أن تواجهها في الولايات العربية التي كانت تتبع لها هذه الأوضاع مجتمعة وضعت الدولة العثمانية أمام المجهر بالنسبة لدول أوروبا التي أخذت توجه أنظارها وتعد نواياها الاستعمارية تجاه الوطن العربي الذي أخذ مع بداية القرن التاسع عشر يشهد حركة تجارية أوروبية نشطة للتجار والسفن التجارية الأوروبية، وأصبح الأوروبيون يرون في هذه المناطق المحطة الرئيسة لطموحاتهم وأطماعهم والمكان المتميّز الذي يحقق لأوروبا مصالحها الحيوية.فكانت النظرة الأوروبية والاطماع الاستعمارية تجاه الديار الشامية وفلسطين خاصة لأهميتها الدينية حيث تتمتع فلسطين بأهمية دينية قل نظيرها في العالم كيف لا وهي عاصمة العالم الروحية ويقدسها ما يفوق عن نصف سكان العالم وهم ابناء الديانات السماوية الثلاثة وبالتالي فان الاطماع السياسية الاستعمارية التي خلدت في اذهان الدول الاستعمارية بصرف النظر عن مستوى ورعها وتطرفها الديني رأت أن احتلال فلسطين ووضع مقدساتها الدينية تحت سيادتها لابد وان يكون عامل رفعة وتقدم وتفاخر بين الدول الكبرى ولهذا تنافس ملوكها وزعماؤها وما زالوا في اصدار التصريحات والقاضية بوجوب انتزاعها من ايدي المسلمين الكفار المتوحشين ووضعها تحت السيادة الاستعمارية وان نبوءة تحرير القبر المقدس في مدينة القدس لابد وان تتحقق على ايديهم وتبارى كل واحد منهم في وضع الخطط والاساليب اللازمة لقيادة حملة صليبية تسير على خطى ملوك وامراء اوروبا في الوسطى للقيام بهذه المهمة السامية.
وعندما رأى ملوك وزعماء الدول العظمى صعوبة وضع تسوية سياسية فيما بينهم تفضي لانتزاع فلسطين من السيادة العثمانية في القرن التاسع عشر على نسق ما حل في العصور الوسطى جنحوا الى تبني فكرة مشروع جلب اليهود الى أرض فلسطين (كما عبروا عنها “إعادة اليهود ) بصفتهم اصحابها الشرعيين والحرص على انفاذه وحمايته وتنميته بشتى الطرق والوسائل وضمان توفقه النوعي حاضرا ومستقبلا والوقوف الى جانبه في أية لحظة يتعرض فيها للخطر ومما يؤيد ذلك الدعم المادي والمعنوي الذي حظي به المشروع الصهيوني من المؤسسة الرسمية الاستعمارية منذ تأسيسه وكانوا على أهبة الاستعداد لمؤازرته في أي لحظة تقتضي ذلك ، ولهذا ليس غريبا ان يتقاطر زعماء الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والمانيا وفرنسا للوقف الى جانب الكيان الصهيوني في محنته في اعقاب الهزيمة المدوية التي حلت به في7/10/2023م على يد المقاومة الفلسطينية.
وهكذا نجد ان قوى الضغط والهيمنة او ما يعرف باللوبي وجماعات الضغط في الدول الاستعمارية لعبت دورا اساسيا في تشكيل وبلورة الاطماع السياسية الاستعمارية في احتلال فلسطين وذلك بهدف خدمة مصالحها والتي استطاعت من خلال شركاتها الرأسمالية الاحتكارية العملاقة المهيمنة والعابرة للقارات وهو ما مكنها من السيطرة على قطاعات الاعلام والصحافة واسواق المال والاعمال وتصنيع الاسلحة والطاقة والاتصالات والمواصلات. مما لا شك فيه ان الوطن العربي بما فيها فلسطين يمتلك مقدرات اقتصادية ضخمة ومن فترة الاخرى توافينا الاخبار في الوطن العرب باكتشاف حقول وثروات جديد وفي مقدمتها الثروة النفطية او الذهب الاسود حيث بات الوطن العربي اهم مصادر الطاقة في العالم ناهيك عن امتلاكه ثروة احتياطية قل نظيرها وشهرته في انتاج القمح والقطن والكروم والحمضيات وامتلاكه مساحات واسعة من المراعي والغابات والممرات والمعابر والموانئ المهمة والطاقة الشمسية النظيفة المتجددة وهو ما رفع من منسوب الاطماع الاستعمارية في المنطقة العربية بعامة وفلسطين بخاصة.
ومما لا شك فيه ان الحضور الاستعماري لضمان توريد الموارد وتدفق النفط العربي الغرب الاوروبي وفتح ابواب الاسواق العربية للسلع الاوروبية والتي ازداد الطلب عليها مع قيام الثورة الصناعية في القرن السابع عشر قد حتم على تلك الدول الحضور المباشر لحماية مصالحها الحيوية وهو ما يفسر حرص الدول الاستعمارية على زراعة المشروع الصهيوني ورعايته كحارس امين على رعاية المصالح الغربية في المنطقة.
وتشير التقارير الصادرة عن الهيئات الدولية والاقليمية ان الكيان الصهيوني قد اكتشف حقلا ضخما من الغاز الطبيعي في السواحل الشرقية للبحر الابيض المتوسط وهو ما حملها على التفاوض والتفاهم تفاهمات محددة مع لبنان ومصر ولم تلتفت الى ما يخص فلسطين القائمة قبالة ساحل قطاع غزة وان تشديد حصاره على قطاع غزة والتضييق على سكانه لحملهم على الرحيل الطوعي والقسري غايته الاستفراد بالغاز الطبيعي الخاص بالقطاع وعندما فشلت سياسة الحصار شن عدوانه العسكري المباشر على قطاع غزة واستخدام سياسة الارض المحروقة وارتكاب العديد من المجازر للتخلص من الكثافة البشرية الكبيرة التي تقيم فيه.
ولهذه الأسباب مجتمعة لا يمكن لأحد أن يتصوّر أن تغيب أوروبا عن هذا الجزء الهام من الأراضي العربية لأنها تشكّل ميداناً لأطماعه ومخططاته الاستعمارية ولم يتوان رئيس الولايات المتحدة الحالي جو بايدن صاحب مقولة “لوأن إسرائيل غير موجودة لأوجدناها ” وعن التصريح العلني بتعهده في حماية المشروع الصهيوني والدفاع عنه بكل قوة ومؤازرته ماديا ومعنويا بعد صدمة 7/10/2023ولم يلتفت كثيرا لإمكانية حجب الصوت العربي والاسلامي في الانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة للحزب الديموقراطي عن التصريح العلني عن تعهده في حماية المشروع الصهيوني والدفاع عنه بكل قوة ومؤازرته ماديا ومعنويا بعد صدمة 7/10/2023ولم يلتفت كثيرا لإمكانية حجب الصوت العربي والاسلامي في الانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة للحزب الديموقراطي.
ان صورة النصر الذي تحقق يوم السبت الموافق7/10/2023م على ايدي المقاومة الفلسطينية يعتبر علامة فارقة في التاريخ العسكري عبر العصور ومما يؤيد ذلك حضور كبار قادة ورعاة الاطماع الاستعمارية في الشرق الاوسط وفي مقدمتهم الرئيس الامريكي والرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا الراعي الاول للمشروع الصهيوني والمستشار الالماني لا بل وحضور مجالس الحرب في محاولة منهم لتخفيف ألم قادة الاحتلال اللذين ظهروا امام عدسات وشاشته متجهمين الوجوه ومتشحين بالسواد ناهيك عن حملات التضامن السرية وتنظيم الخطط للرد على لمواجهة المقاومة ومسح صورة النصر التي ترسخت في المنطقة وتردد صداها على السنة الناس أوهن من بيت العنكبوت” وتصدع المشروع الاستعماري” معيدا للأذهان تقاطر ملوك اوروبا في1189م لمواجهة حالة النصر التي حققها صلاح الدين الايوبي في معركة حطين وتحرير بيت المقدس وكانت قد استحقت معه اسم “فتح الفتوح”.
ان صباح يوم بدء معركة طوفان الاقصى الموافق7/10/2023م ستكون علامة فارقة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني ولابد وان يشكل مرحلة جديدة تختلف عن ما سبقها من مراحل النضال في مواجهة آلة الحرب واطماعها الاستعمارية وستلقي بظلالها على كافة الاصعدة المحلية والاقليمية والدولية وعلى العالم الغافل والمغفل ان يدرك بان عجلة التاريخ لن تعود الى الوراء لحظة واحدة وهل يمكن ان نرجع عقارب الساعة الى الوراء الى ما قبل انطلاق الضربة الخاطفة؟؟؟مهما اوتينا من قوة ومسح كل ما حصل؟؟؟والسؤال الذي لا بد من طرحه على الذهن هل سيعود قطاع غزة سجنا كبيرا بعد ان حولت الة الحرب الاستعمارية نطاقات واسعة منه الى ركام ومقابر جماعية؟ وهل سيحفظ الاحتلال والقوى الاستعمارية من خلفة الدرس ويعود الى ممارسة الانتهاكات بحق المقدسات؟
كاتبة فلسطينية