غزوة الخندق وطوفان الأقصى!
بدايةً، سورة الأحزاب هي سورة مدنية، تحتوي على العديد من المواضيع التي ترتبط بالجانب التشريعي والاجتماعي، كما تتناول أحداثًا من غزوة الأحزاب (الخندق) التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة.
هي واحدة من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي، حيث كانت نقطة تحول كبير في الصراع بين المسلمين، وبين قريش وحلفائها من القبائل اليهودية. سميت المعركة بالخندق لأن المسلمين، تحت قيادة النبي محمد ﷺ، استخدموا إستراتيجية جديدة للدفاع عن المدينة المنورة، وهي حفر خندق حول جزء من المدينة لمنع الأحزاب (التحالف المُعادي) من اقتحامها.
إذا أردنا ربط هذه السورة بواقع الحرب على فلسطين، يمكننا التركيز على بعض الآيات والمفاهيم الأساسية التي تعكس المواقف والمشاعر التي مرّ بها الشعب الفلسطيني وما زال، خاصة في ظل التحديات الكبرى والمصاعب التي يعيشونها الآن.
خلال الحصار، حاولت قريش إغراء بني قريظة – وهم يهود المدينة – بنقض عهدهم مع المسلمين والانضمام إلى الأحزاب. استجاب بنو قريظة لهذه الدعوة وخانوا المسلمين، ما زاد من خطورة الوضع على المسلمين المحاصرين
باختصار سنسرد عليكم أحداث غزوة الخندق، محاولين رسم صورة مصغرة في مخيلتكم عن الغزوة آنذاك:
خلفية الغزوة:
بعد انتصار قريش في غزوة أحد، كانت قريش تبحث عن وسيلة نهائية للقضاء على الإسلام والمسلمين. تعاونت قريش مع قبائل يهودية من بني قريظة، وبعض القبائل الأخرى مثل غطفان وبني أسد، لتكوين تحالف ضخم يهدف إلى محاصرة المدينة المنورة والقضاء على المسلمين. هذه التحالفات كانت تمثل خطرًا وجوديًا على المسلمين في المدينة.
التحضير للمعركة:
عندما علم النبي محمد ﷺ بنوايا قريش وحلفائها، قرّر أن يستعدّ للمعركة. وبناء على مشورة الصحابي سلمان الفارسي، وهو الذي كان على دراية بالتكتيكات الحربية الفارسية، قرّر النبي حفر خندق حول الأجزاء المكشوفة من المدينة!. كانت هذه الخطة جديدة وغير مألوفة للعرب في ذلك الوقت، حيث لم تكن حروبهم تعتمد عادة على الحصارات الطويلة.
حصار الأحزاب:
وصل جيش الأحزاب الذي بلغ عدده قرابة 10,000 مقاتل إلى المدينة وبدأ الحصار، إلا أنهم فوجئوا بالخندق، حيث لم يتمكنوا من اجتيازه بسهولة. استمر الحصار قرابة الشهر، وكان الوضع صعبًا على المسلمين الذين كانوا يعانون من نقص الطعام والموارد، فضلًا عن الخوف من اختراق الأعداء للخندق.
خيانة بني قريظة:
خلال الحصار، حاولت قريش إغراء بني قريظة – وهم يهود المدينة – بنقض عهدهم مع المسلمين والانضمام إلى الأحزاب. استجاب بنو قريظة لهذه الدعوة وخانوا المسلمين، ما زاد من خطورة الوضع على المسلمين المحاصرين.
النصر الإلهي:
رغم الظروف الصعبة، بقي المسلمون ثابتين وصامدين.. وفي نهاية الأمر، أرسل الله رياحًا شديدة وعواصف قلبت خيام الأحزاب وأطفأت نيرانهم، وأثارت الفوضى في صفوفهم. كما زرع الله الرعب في قلوب الأحزاب، ما جعلهم يتراجعون عن المدينة، ويعودون إلى ديارهم دون تحقيق أهدافهم.
عندما يرى الفلسطينيون ما يحيط بهم من أعداء وخونة يتآمرون ضدهم، يزدادون إيمانًا بأن هذه المحن ما هي إلا امتحان لصبرهم وإيمانهم بوعد الله
نتائج الغزوة
كانت غزوة الخندق نقطة تحول كبير في تاريخ الإسلام، رغم أن المسلمين كانوا في موقف دفاعي، وكان الأعداء يفوقونهم عددًا وعتادًا، فإن صمودهم وخطة الخندق ساهما في حفظ المدينة من الهجوم. بعد الغزوة، تضاءلت هيبة قريش وتحالفاتها، وأصبح للمسلمين اليد العليا في المواجهات المستقبلية؛ كما أظهرت الغزوة أهمية الوحدة والشورى بين المسلمين، وأكدت ضرورة الاستعانة بالتكتيكات الجديدة في مواجهة التحديات.. ختمت الغزوة بعزل بني قريظة ومعاقبتهم على خيانتهم.
بعد تقديم هذا السرد السريع لغزوة الخندق، وبناءً على المشاهد التي نراها يوميًا على أرض فلسطين المباركة، ومن شعبها الصامد، يمكننا دمج بعض الآيات من سورة الأحزاب مع واقع حرب طوفان الأقصى في فلسطين. ونعرض هذا السرد وفقًا للنقاط التالية:
التحالفات والتعاون ضد المسلمين
تتحدث السورة عن تحالف قريش وبعض القبائل اليهودية في المدينة ضدّ المسلمين، وهذا يشبه ما حدث ويحدث الآن في فلسطين من تحالفات وتعاونات ضد الشعب الفلسطيني من قبل الكثير من الدول. وفي هذا الشأن يقول الله تعالى: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنونا} (الآية 10).
وكما كان حال المؤمنين في غزوة الأحزاب عندما اجتمع عليهم الأعداء من كل جانب، جاؤوا من فوقهم ومن أسفل منهم، وبلغ الخوف قلوبهم حتى الحناجر، وظنوا بالله الظنون.. هكذا هو حال الفلسطينيين اليوم؛ اجتمع عليهم اليهود والمتآمرون من كل حدب وصوب، يسعون لإذلالهم وإخضاعهم. ولكن، كما وعد الله المؤمنين في تلك اللحظة العصيبة بالنصر، فإن وعد الله قائم لأهل فلسطين أيضًا، فمع كل الصعاب والشدائد التي يواجهونها، ومع كل الظنون التي قد تتسلل إلى القلوب، فإن الإيمان بالله مقترنًا بالصبر والثبات هو سبيل النصر والتحرر من الظلم والقهر.
الثبات والصبر في وجه الشدائد
تؤكد السورة أهمية الثبات والصبر في وجه الأعداء مهما كانت الظروف شديدة وصعبة؛ ففي ظل الحرب والمقاومة الشرسة، مثلما ثبت المسلمون في غزوة الأحزاب رغم الحصار، ينبغي على الفلسطينيين أن يستمروا في صمودهم. وفي ذلك يقول الله تعالى: {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا} (الآية 22).
في ضوء ما يحدث اليوم في فلسطين، يمكن أن نجد أصداء هذه الآية في صمود وثبات الشعب الفلسطيني.. عندما يرى الفلسطينيون ما يحيط بهم من أعداء وخونة يتآمرون ضدهم، يزدادون إيمانًا بأن هذه المحن ما هي إلا امتحان لصبرهم وإيمانهم بوعد الله. هذا الثبات والتسليم لأمر الله يعكس قوة الإيمان التي لم تزدها المحن إلا عمقًا وإصرارًا على تحقيق النصر والحرية.
السورة تؤكد أن الله وعد المؤمنين بالنصر رغم الشدائد والظروف القاسية، ويمكن ربط هذا بشكل يقيني بتحرير فلسطين من الاحتلال عما قريب
نهاية التحالفات ضد المسلمين
الله، سبحانه وتعالى، يخبرنا في السورة أن تحالفات الكفار لن تستمر طويلًا، وأنهم سيعودون خائبين.. هذا يزرع الأمل في نفوس الفلسطينيين بأن الظلم لن يدوم، وأن النصر قريب. يقول الله تعالى: {وردَّ الله الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا} (الآية 25).
كما أخبرناكم أعلاه، يمكن أن نستنبط من هذه الآية رسالة قوية للشعب الفلسطيني المقاوم؛ كما ردّ الله الكافرين في غزوة الأحزاب بغيظهم وأفشل خططهم، فإن الله قادر على أن يرد أعداء فلسطين بغيظهم، ويجعلهم يفشلون في تحقيق مآربهم. فمهما اشتدت المؤامرات وتكالب الأعداء، فإن الله قوي عزيز، وهو القادر على أن يحمي المؤمنين وينصرهم إن شاء.
الإخلاص في الدفاع عن الدين والوطن
توضح السورة أهمية الإخلاص في العمل والجهاد في سبيل الله والدفاع عن الدين والوطن. وهذا يعكس حال الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم ومقدساتهم. في ذلك يقول الله تعالى: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضىٰ نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا} (الآية 23).
نجد في هذه الآية تشابهًا عظيمًا مع حال الشعب الفلسطيني.؛ فبينهم رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لم يتراجعوا أمام التحديات، ولم يبدلوا في مواقفهم أو إيمانهم. بعضهم قضى نحبه شهيدًا، ومنهم من لا يزال ينتظر لحظة النصر أو الشهادة، لكنهم جميعًا متمسكون بحقهم وثابتون على مبادئهم، لم يغيروا ولم يبدلوا رغم كل الصعوبات التي يواجهونها.. هذه الآية تعكس قوة الإيمان والوفاء بالعهد، وهي رسالة تذكير لكل من يواجه الظلم والتحديات أن الثبات على الحقّ والصبر على المحن هو السبيل لتحقيق النصر ونيل الرضا الإلهي.
وعد الله بالنصر
السورة تؤكد أن الله وعد المؤمنين بالنصر رغم الشدائد والظروف القاسية، ويمكن ربط هذا بشكل يقيني بتحرير فلسطين من الاحتلال عما قريب. يقول الله تعالى: {يا أيها الّذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا} (الآية 9).
إذا تأملنا في حال الفلسطينيين اليوم، يمكننا أن نستشعر معاني هذه الآية بعمق.. رغم كل ما يواجهه الفلسطينيون من قوى متحالفة تسعى إلى قمعهم وإخماد مقاومتهم، يجب أن يتذكروا أن الله قادر على أن يرسل عليهم نصرًا غير متوقع، كما فعل مع المؤمنين في الماضي؛ فالله بصير بما يقومون به من كفاح وصمود، وهو قادر على أن ينصرهم بطرق قد لا يرونها أو يتوقعونها، تمامًا كما أرسل جنودًا لم يرها المؤمنون في غزوة الأحزاب.
تعتبر سورة الأحزاب في سياق الحرب على فلسطين مصدرًا عظيمًا للإلهام، والتذكير العميق بقدرة الله العظيمة على نصر المؤمنين، مهما كانت شدة وقسوة الظروف التي يواجهونها
الوحدة والقيادة الصالحة
من الدروس المهمة أيضًا في السورة أن المسلمين، عندما كانوا متكاتفين خلف قيادة رسول الله ﷺ، استطاعوا تجاوز الأزمة الكبرى في غزوة الأحزاب، وهذا يبرز أهمية الوحدة والقيادة الصالحة في تحرير فلسطين والدفاع عن حقوق أهلها. هذا الأمر يظهر في الآية الكريمة: {النّبيّ أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم} (الآية 6).
في سياق تحرير فلسطين من الاحتلال الغاشم والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، تُبرز هذه الدروس أهمية الوحدة تحت قيادة صالحة لتحقيق الأهداف المشتركة.. تمامًا كما كان المسلمون بالأمس في غزوة الخندق يلتفون حول قيادة النبي ﷺ، يجب على المسلمين اليوم الالتفاف حول قيادة صالحة وجريئة، وذات حنكة ودهاء، لتخليص هذه الأمة من البلاء الصهيوني.
باختصار، تعتبر سورة الأحزاب في سياق الحرب على فلسطين مصدرًا عظيمًا للإلهام، والتذكير العميق بقدرة الله العظيمة على نصر المؤمنين، مهما كانت شدة وقسوة الظروف التي يواجهونها؛ فهي تسلط الضوء على أهمية الوحدة بين المؤمنين، وتشدّد على ضرورة الصبر والثبات في مواجهة التحديات.
تعكس السورة القوة الروحية التي يمنحها الله للذين يثبتون في أوقات الأزمات، وتؤكد بلا شك أن نصر الله آتٍ لا محالة، وأن العزيمة والإيمان هما المفتاحان لتحقيق النصر والخلاص.