ميشيل بارنييه... مفاوض بريكست أمام ملفات اقتصادية شائكة في فرنساسيحتاج ميشيل بارنييه، الذي كلفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتشكيل الحكومة الجديدة، للاستنجاد بتجربته المشهود له بها في مجال الحوار والتفاوض بملف بريكست، من أجل تجاوز الأزمة السياسية والاجتماعية التي احتدمت منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة.
غداة تكليفه من قبل ماكرون، خرجت أحزاب من اليسار إلى الشارع من أجل التعبير عن رفضها لعدم احترام الرئيس نتائج الانتخابات التي وضعت الجبهة الشعبية الجديدة في المقدمة.
ملفات اقتصادية شائكة عديدة تنتظر بارنييه الذي يشدد على أنه منفتح على النقاش حول إصلاح التقاعد الذي قوبل في 2023 باحتجاجات واسعة في فرنسا. وعندما يسأل حول العودة للعمل بضريبة التضامن التي تصيب الثروة والتي حذفت قبل ستة أعوام، يجيب أنه لن يتردد في إرساء عدالة جبائية أكثر، بدون أن يخوض في التفاصيل. ويعد بالتصدي لمعالجة ملف الهجرة والحدود.
بارنييه مشروع المالية والتقاعد
سيكون على رئيس السلطة التنفيذية الجديدة الانكباب على العديد من الملفات، حيث يفترض فيه الإشراف على وضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون المالية الذي يتوجب عرضه على البرلمان في مستهل أكتوبر/تشرين الأول المقبل، هذا في الوقت الذي نبّه فيه وزير المالية المستقيل برونو لومير إلى تفاقم العجز.
كما يتوجب على رئيس الوزراء المعين التعاطي مع ملف التقاعد والحسم في ملف التأمين ضد البطالة الذي كان المشروع الخاص به موضوع خلاف في الحكومة السابقة.
يستحضر من ثمنوا تكليف بارنييه مسارَ هذا السياسي البالغ من العمر 73 عاماً، فقد تحمل هذا الأب لثلاثة أبناء، العديد من المسؤوليات، حيث كان نائباً في الجمعية الوطنية وسيناتوراً، ومفوضاً أوروبياً ووزيراً في أربع مناسبات بين 1993 و2009 ونائباً أوروبياً.
بعد تكليف بارنييه، اعتبر مؤسس حزب فرنسا الأبية، جون لوك ميلانشون، أن الانتخابات سرقت من الفرنسيين، داعياً إلى التعبئة والاحتجاج، وملوحاً بوضع ملتمس لعزل الرئيس إيمانويل ماكرون.
وذهب زعيم الحزب الشيوعي إلى أنه عبر اختيار بارنييه الوزير السابق خلال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي والمفوض الأوروبي المدافع عن التوجه النيوليبرالي، يكون الرئيس ماكرون قد اختار المضي في السياسات التي طبقها منذ سبعة أعوام.
لن يحظى بارنييه، الذي يلقب بـ"المفاوض"، إلا بدعم أقلية في الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي)، ما قد يجعل حكومته تحت رحمة حزب التجمع الوطني، اليميني المتطرف.
هذا ما دفع رئيس مجلس الحسابات بيير موسكوفيسي، في حوار مع صحيفة لوبريزيان أول من أمس الأحد، إلى التأكيد أنه إذا كان من الواجب الاستماع واحترام جميع الأحزاب، فذلك يجب ألّا يعني الوقوع تحت تأثير حزب شُكِّلت جبهة جمهورية من أجل الحيلولة دون فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وعود الهجرة وإصلاح اللجوء
لم يتردد الحزب اليميني المتطرف (التجمع الوطني)، كما الأحزاب اليسارية، في استعادة مواقف الرجل الذي كان ابتعد عن المشهد السياسي بعدما لم يحصل على دعم حزب الجمهوريين، الذي ورث حركة ديغول، لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2022 في مواجهة ماكرون.
ووعد بارنييه حينها بوقف الهجرة وتقليص حق التجمع العائلي للمهاجرين، ووقف المساعدة الطبية للدولة، وتسهيل طرد المهاجرين وإصلاح قانون اللجوء.
- اقتباس :
- يستحضر من ثمنوا تكليف بارنييه مسارَ هذا السياسي البالغ من العمر 73 عاماً، فقد تحمل هذا الأب لثلاثة أبناء، العديد من المسؤوليات
غير أنه سعى في أول تصريحاته بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، إلى التذكير بخلفيته السياسية الجمهورية وأعلن عن اتجاه النية نحو مواصلة توجه "الديغولية الاجتماعية".
يؤكد أن الحكومة التي يسعى لتشكيلها لن تكون بالضرورة مشكّلة من اليمين فقط، وعلى الرغم من تجربته الطويلة لم يكرَّس السبعيني المنحدر من منطقة الألب، زعيماً لليمين الجمهوري، وهو ما يردُّه البعض إلى عدم ميله للصراع السياسي، غير أن الكثيرين يستعيدون الدور الذي لعبه بعد تكليفه من المفوضية الأوروبية في 2016، في مفاوضات بريكست التي أفضت إلى انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.
أبان خلال تلك المفاوضات قدرة كبيرة على التوافق. فقد صرح بارنييه في 2021 بعد توليه مفاوضات بريكست بتكليف من المفوضية الأوروبية: "لقد استخلصت درساً مؤداه أنه في السياسة، تعتبر العلاقات الشخصية أساسية. عندما يكون ثمة احترام متبادل، يمكنك النجاح. التهدئة ليست ضعفاً. أحرص على خلق توافقات ديناميكية وتقليص التوترات".
غير أنه بعيداً عن المقاربة التي سيعتمدها من أجل تجاوز الأزمة الحالية، يتساءل مراقبون حول ما إذا كان الرئيس إيمانويل ماكرون سيقبل بـ"تعايش" مع رئيس وزراء يمارس صلاحيته الدستورية من دون الارتهان للرئيس، خاصة في ظل الحاجة للتجاوب مع طلبات الفرنسيين ذات الصلة بالقدرة الشرائية والتقاعد.