عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: "أمير المؤمنين" ساتوري؟ الأحد 15 سبتمبر 2024, 7:40 am
كافح الفرنسيين فتحالفوا مع الوثنيين.. ماذا تعرف عن "أمير المؤمنين" ساتوري؟ كان ساموري توري أحد الزعماء الأفارقة المسلمين الذين أدّوا دورًا مهما ومحوريا في مناطق
غرب أفريقيا غبر دعوته لبناء دولة إسلامية عرفت القارة الأفريقية أشكالا مختلفة من الاستعمار والاستغلال الغربي منذ قرون طويلة، بدأت مع
عصور الاحتلال البرتغالي في القرن الخامس عشر وما بعده، حين شرع البرتغاليون في السيطرة
على مناطق غرب أفريقيا واتخذوها مراكز لتجارة العبيد، واستغلّوها في أنشطتهم الاستعمارية
سواء في أفريقيا أم في أميركا اللاتينية والوسطى.
وقد راجت هذه التجارة حتى توسع فيها الإسبان والهولنديون والأميركيون والفرنسيون
والبريطانيون، وكل منهم كان يأخذ حاجته من "العبيد" الأفارقة لتنمية مناطقهم التي احتلوها في
الأميركتين وغيرهما، واستمر ذلك حتى اكتفوا من هذه التجارة ومنعوها في القرن التاسع عشر.
تطورت العلاقات الأوروبية مع منطقة غرب أفريقيا على وجه التحديد تجاريًّا بصورة كبيرة خلال
القرنين السادس عشر والسابع عشر، فكانت حركة البضائع بين الدول الأوروبية وشعوب هذه
المنطقة في كل السلع تقريبا لا تكاد تتوقف، ولما لم يكن الأفارقة يتعاملون بالعُملات، كانت
المقايضة هي سبيلهم في ذلك، وعلى رأسها المقايضة بالعبيد الذين احتاج إليهم الأوروبيون في
مستعمراتهم المختلفة حول العالم.
يرصد المؤرخ البريطاني جون دونيلي فيج، أو "جي دي فيج" كما يُعرف، في كتابه "تاريخ غرب
أفريقيا" طبيعة التطورات السياسية في هذه المنطقة وقتئذ، فمع ازدياد نفوذ الأوروبيين وحضورهم
في المنطقة، أصبحت الأنظمة السياسية الأفريقية ضعيفة ومنقسمة وتعددت الإقطاعيات المتنافسة،
وهو ما استغله الأوروبيون لحوز المزيد من النفوذ.
وفي غضون وقت قصير، بدأ التنافس الاستعماري بالظهور، وكما حدث في الهند بدأت الأمور
بالتجارة وانتهت بالاستعمار، فتكررت تلك الدورة البغيضة بحذافيرها في غرب أفريقيا.
كانت تلك المنطقة البعيدة الممتدة جنوب الصحراء من نهر السنغال وجنوب مالي والنيجر شمالا
مرورا بساحل العاج ونيجيريا وسيراليون وحتى غينيا وحدود أنغولا في الجنوب الغربي قد عرفت
الإسلامَ في مراحل تاريخية متفرقة.
بدأت مع الفتوحات الأولى زمن عقبة بن نافع والأدارسة في المغرب الأقصى ثم الحركة الدعوية
الكبرى التي قام بها المرابطون خلال القرن الخامس الهجري التي أثمرت وأينعت في هذه المناطق،
فنشأت ممالك ودول إسلامية كبرى مثل مملكة مالي وبورنو وصُنغاي، كما قامت الحركات الصوفية
المهمة مثل التجانية وغيرها بنشر الإسلام بين القبائل الوثنية الأفريقية بكل جدّ.
أحلام ساموري وبحلول القرن التاسع عشر، وقعت حركة بعث إسلامي كبيرة في هذه المناطق بهدف إعادة أمجاد
الممالك الإسلامية الكبيرة في مالي والسنغال ونيجيريا، وإعادة توحيد المسلمين والحفاظ على
هويتهم الدينية والثقافية، إضافة إلى زيادة نفوذهم السياسي وحضورهم الجغرافي.
وكان ساموري توري أحد الزعماء الأفارقة المسلمين الذين أدّوا دورًا مهما ومحوريا على مساحة
قُدّرت بمليون كيلومتر في مناطق غرب أفريقيا، بين النيجر وجنوب مالي شمالا مرورا بساحل العاج
وحتى غينيا كوناكري غربًا، ولا سيما قبل زمان الاستعمار الفرنسي لهذه المناطق وبعده.
وُلد ساموري توري عام 1835 في منطقة سانانكورو في وسط ما يُعرف اليوم بجمهورية غينيا
كوناكري، لأسرة مسلمة فقيرة من قبائل المالنك، وقد عمل ساموري منذ صغره في الزراعة
والتجارة متنقلا بين أهله وأقربائه؛ تارة تجده في مالي صغيرا وهو في سن السابعة يزرع ويشقى،
وأخرى في سن البلوغ في الثمانية عشرة في ساحل العاج يحترف تجارة البارود والسلاح
ويتخصص فيها.
وقد علّمته هذه التجارب الاعتماد على النفس، وعرّفته مصادر الحصول على الأموال والسلاح،
وطبائع شعوب المنطقة، وكانت الحادثة التي غيّرت تفكيره هي وقوع أمّه في الأسر عام 1852؛
فعند سماعه هذه الخبر الأليم أخذ يفكر في أفضل الطرق لتخليص أمه، ولأنه كان لا يزال ضعيفًا قَبِل
أن يعمل لدى خاطفي أمّه مدة سبع سنوات مقابل فكاكها.
ساموري توري
كانت هذه السنوات السبع درسًا عظيمًا في حياته، فقد أدرك أن حماية المسلمين في هذه المناطق
تتطلبُ أن يكونوا أقوياء ذوي نفوذ، وأن يكون لديهم دولة يحمون بها دينهم وأعراضهم من
الغارات وممارسات النهب والتعدي.
وبداية من عام 1861 شرع في تعبئة المقاتلين من أبناء قومه، والدعوة إلى بناء دولة إسلامية،
وقد نجح في هذه التعبئة، واستطاع الحصول على الأموال والسلاح الحديث من التجار الإنجليز في
سيراليون، وفي فترة قصيرة أخذ نفوذه يتمدد في المناطق التي تشكّل اليوم وسط غينيا كوناكري.
بين عامي 1865 و1879 دخل ساموري في صدام مع قبائل المنطقة الوثنية بسبب تعديهم على
المسلمين، وقطعهم طرق التجارة، فبدأ التجار الكبار يتعاطفون معه حتى غير المسلمين منهم،
ورأوا أن الحاجة ضرورية لوجود دولة تحقق لهم الأمن وحرية التجارة في هذه المنطقة.
وبسبب النجاحات التي حققها، دخل في تحالف مع المسلمين في مدينة كانكان واستطاع أن يتقدم
بقواته نحو أعالي النيجر، وبحلول عام 1880 صار قائد أكبر إمبراطورية إسلامية عرفها شعب
المالنك على مساحة قدرها حوالي مليون كيلومتر تمتد من حدود النيجر ومالي إلى ساحل العاج،
وغينيا وتخوم سيراليون وليبريا.
ومن أجل السيطرة المحكمة على هذه المساحات الشاسعة التي تضم اليوم أجزاء كبيرة من خمس
دول في غرب أفريقيا، عمل على تقسيم دولته إلى 162 مقاطعة ضمن عشر إدارات مركزية يترأس
كل واحد منها رجل من رجاله الثقات يعاونه في الحكم والإدارة، على أن يكون رجلا فقيها من
رجالات الدين للفصل في المنازعات، وتحقيق العدل بين الناس، وتطبيق أحكام الشريعة.
الصدام مع الفرنسيين لم تتجلَّ شخصية ساموري القيادية فقط في نجاحاته الميدانية، بل في قدرته على تذويب هذه
العرقيات والقوميات والشعوب المتناحرة في دولته الناشئة بصورة لافتة، حتى إن الجنرال الإيطالي
أورست باراتير أقرّ في أثناء دراسته لسيرة ساموري وتحركاته في غرب أفريقيا وهو معاصر له
بأنه "أظهر تفوقًا على معظم زعماء القارة الأفريقية في القيادتين السياسية والعسكرية"، بل أقر
أعداؤه الفرنسيون كذلك بهذه المهارات كما ترصد المؤرخة إلهام محمد علي في كتابها "جهاد
الممالك الإسلامية في غرب أفريقيا ضد الاستعمار الفرنسي".
وقد دفعه طموحه والنجاحات التي حققها إلى مزيد من التوسع في نشر الإسلام نحو المناطق
الاستوائية والصحراوية المتفرقة لا سيما بين القبائل القريبة في ساحل العاج وغينيا والنيجر.
ولكن ذلك الطموح تزامن مع توسع الاستعمار الفرنسي في غرب القارة الأفريقية بداية من عام
1842، حيث نجح الفرنسيون في توقيع اتفاقيات حماية مع كثير من الزعماء المحليين، وكانت هذه
حجتهم للانطلاق لاحتلال مجرى نهر النيجر الأعلى بما في ذلك مالي، وأصبح الصدام بين ساموري
توري وبين الفرنسيين حتميًّا وقريبا.
ففي عام 1881 رفض ساموري الانسحاب من منطقة كان يسيطر عليها في غرب أفريقيا لصالح
فرنسا، وهو ما أدى إلى اندلاع العديد من المعارك بين الجانبين استطاع ساموري أن ينتصر في
كثير منها، ولكن الفرنسيين شرعوا في تكوين تحالفات مع القبائل الوثنية في المنطقة، وأدت هذه
التحالفات الجديدة إلى توسع دائرة القتال بين الجانبين طوال السنوات التالية.
وفي العام التالي (1882)، أراد الفرنسيون تلقين ساموري درسًا قاسيًا ومنعه من الإغارة على
البلاد المجاورة وتأكيد السيطرة الفرنسية على المنطقة الممتدة من السنغال إلى النيجر التي وُجدوا
فيها بقوة، وكان ساموري يقطع هذا الطريق في بعض مناطقه، والتقى الفريقان في معركة قادها
فابو أخو ساموري، الذي نجح في إلحاق الهزيمة بالفرنسيين في 2 مارس/آذار 1882؛ مما اضطر