ثلاثة سيناريوهات لإنهاء حرب الإبادة
بعد سنة من حدث 7 أكتوبر التاريخي السياسي المفاجئ الذي أدخل العالم في دوامة بدأ يتضح المشهد الإستراتيجي بكل ألوانه وأطيافه ليتبين منه ما كان مجهولا أو مسكوتا عنه.
فالرأي العام الدولي يدرك اليوم أن حالة الجمود والتمسك بالمواقف الأولية الموروثة لم تعد تخدم الأمن والسلام الدوليين بل أصبحت إسرائيل عبئا ثقيلا على الدول العظمى حتى لو جنت منه بعضها «غنائم» مؤقتة.
وسجل العالم جرائم إرهابية جديدة حين تفجرت آلاف الأجهزة الإلكترونية (بايجرس) في وجوه وجيوب مالكيها من إخوتنا اللبنانيين يوم 17 سبتمبر بعد أن جاءت المفاجأة من اليمن فجر يوم الأحد 15 سبتمبر الجاري متمثلة في صاروخ بالستي من الجيل الجديد انطلق من اليمن وقطع مسافة أكثر من ألفي كيلو متر في دقائق قليلة ولم تقتنصه رادارات القبة الحديدية فأصاب تل أبيب وكاد يدمر مطار بن غوريون الدولي وكانت هذه الجبهة اليمنية أقوى مما توقع العدو المحتل الذي فقد صوابه وتفرقت قياداته بينما تعززت فلسطين بمقاومة الاحتلال وتوحيد صفوفها.
ولا أخفي قرائي الأفاضل أنني خلال إجازتي الأخيرة تجولت في عدة عواصم أوروبية حيث كنت دائم الاستئناس بتصورات واستشرافات عدد من الزملاء المحللين الكبار لملفات الشرق الأوسط وأعرف منذ عقود أنهم خلال عملهم الأكاديمي في مراكز البحث والتوقعات يصيبون في أغلب الحالات كبد الحقيقة ويتوفقون إلى وضع سيناريوهات مستقبلية للعديد من الأزمات على ضوء اطلاعهم اللصيق على مصالح الدول وتفكيك حساباتها الظاهرة والباطنة وعلى ضوء معرفة عميقة بجينات الدول الشرقية وتوقعات ردود أفعال قادتها ونخبها. وأقدم للقراء الكرام اجتهاداتي في استخلاص نتائج تفكير زملائي الأوروبيين إزاء حالة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية.
يضع هؤلاء ثلاثة سيناريوهات أوجزها كالتالي: 1 - السيناريو الأقرب احتمالا هو أن تشكل الدول الخمسة الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن خلية أزمة مشتركة للاتفاق حول مشروع حل سلمي ومتكافئ لأزمة سياسية وأخلاقية نتجت عن حرب الإبادة التي يشنها يوميا (ناتنياهو) لا من أجل وطنه كما يدعي بل من أجل نجاته الشخصية من قضاء بلاده الذي ينتظر محاكمته عن العديد من الجرائم في السلم وفي الحرب فهذا المتطرف يعتبر استمرار الإبادة الانتقامية طريقه الوحيد للإفلات من المحاسبة.
ولعل أهم خطوط هذا المشروع تنطلق من قراءة جديدة للملف الفلسطيني الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر 2023 بل بدأت المأساة من النكبة 1947 حين تم تعويض شعب أصيل بشتات دخيل وهو ما أكده معالي رئيس مجلس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن حين شرح موقف دولة قطر المنخرطة في جهود الوساطة بغاية إيقاف حرب الإبادة والتوفق إلى ابتكار حلول جذرية للأزمة وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه الطبيعي في دولة مستقلة وذات سيادة يكون مكانها السلمي في شرق أوسط أعدل وأكثر أمانا.
ومن جهته أشار الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الدكتور ماجد الأنصاري يوم الثلاثاء الماضي إلى أنه: «يجب أن تتحمل إسرائيل مسؤوليتها في القصف الانتقامي أمام المحاكم الأممية». ويقول بعض زملائي الأكاديميين إن إدانة قطر بأشد العبارات استمرار حرب الإبادة ستفتح مجالا لتفسر دولة قطر توجهاتها الصادقة والناجعة في التمسك بالقانون الدولي والشرعية الدولية للوصول إلى حل معقول يعتمد تأسيس دولتين جارتين أي الرجوع لما قبل الخامس من يونيو 67 أي ما قبل الاحتلال بالقوة لأراض شاسعة لدول عربية جارة وهذا الموقف القطري الثابت يندرج في جهود قطر في الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه وملاحقة مرتكبيه ثم لتشرح لشقيقاتها وللرأي العام العالمي منطلقات علاقاتها مع الجمهورية الإيرانية باعتبارها شريكا في السلام بحكم الدين والجغرافيا مع مراعاة دولة قطر لمصالح كل دول الشرق الأوسط في كنف التعاون واحترام الشرعية الدولية وخدمة للسلام العالمي لتكون دولة قطر أول من يبادر بإقرار مناخ من الصفاء وعودة الثقة بين الأشقاء.
والأرجح في تفكير هؤلاء الزملاء الغربيين أن الدول الخمسة وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا في حال اتفق دبلوماسيوها في لقاءاتهم على مشروع حل الدولتين سوف يقدمونه إلى المنتظم الأممي ويدعون إلى فرضه بقرارات مجلس الأمن الملزمة.
2) السيناريو الثاني هو أن تنجح الدول العربية والمسلمة النشيطة في تقديم مبادرة قريبة من مبادرة الدول الأعضاء في مجلس الأمن ومنها المبادرة التي قدمها الرئيس بايدن مثل التي عرفت بمبادرة السلام العربية تلك المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل ونتذكر أن هذه المبادرة التي أعلنها الملك عبد الله رحمه الله سنة 2002 ضاعت أو كادت بسبب تعنت اليمين المتطرف في إسرائيل والذي يتحالف مع أحزاب تلمودية لا تؤمن بالسلام مع جيرانها بل تعتقد أن نصوص التوراة أعطت كل فلسطين للعرق اليهودي وفضلته على العالمين! وهؤلاء متمسكون بدولة يهودية صافية من النهر إلى البحر.
3) السيناريو الثالث الذي يبدو الوحيد عندما يصعب أو يستحيل تحقيق أحد السيناريوهين الأسبقين هو انتقال ملف الأزمة إلى مجلس الأمن بالتوازي مع المحكمة الدولية بلاهاي (وهي الجهاز القضائي الذي يتبع منظمة الأمم المتحدة وأحد الآليات المكلفة بحل النزاعات على أساس القانون الدولي وحفظ الأمن والسلام الدوليين).