من يملك أن يقول: لبيك أبا عبيدة ؟
في آخر سطور خطابه أمس بمناسبة مرور عام على انبعاث طوفان الأقصى وجه أبو عبيدة كلامه
لعلماء الأمة ودعاتها بأن يقوموا بما عليهم من واجب التعبئة والتوجيه المعنوي في أوساط مريديهم
وأتباعهم من أبناء العروبة والإسلام لحثهم على الصمود في المواجهة وتأييد جهود المقاومة على
الأرض لدعم صمودها و إبعاد الأمة عن سيطرة الخلاف الطائفي على أجواء الصراع مع العدو
الصهيوني، وبرأي أحد المحللين السياسيين فإنه لو استجاب العرب لنداء محمد الضيف القائد الأعلى
للمقاومة في بيانه يوم السابع من أكتوبر ٢٣ للقيام بدورهم في إسناد المقاومة لما تطور الأمر
للوصول إلى هذا الفقد في الأنفس والأموال،وللحق نقول: إذا كانت الغفلة من طبع الناس مثقفين
وعوامّ فإن “خطيّتهم” في رقاب المتبصّرين من العلماء والدعاة.
آه يا أبا عبيدة: لقد وردت في خلَدي عبارة خاطَبْتُك بها خطاب الروح للروح وأنت تنادينا للقيام بدورنا
نحن الدعاة والعلماء فقلتُ لك: (لبيك أبا عبيدة) وكتبتها لتكون عنوان مقالتي اليوم، ثم انكفأت على
نفسي قائلا: من أنا حتى أعطيك هذا الوعد وأنا عاجز عن جمع خمسة علماء إلا بإذن رسمي حتى لا
أتعرض لمخالفة قانونية ؟!! ثم قررت أن أكتب إلى العلماء باسمك غير معتدٍ ولا متمحّل ولا منتحل
فقد أخذت التفويض من خطابك عسى أن يصل صوتك اليهم عبر قلمي.
يا علماء الأمة ويا دعاتها إن منطق المقاومة يرفض تبعيتنا لقوانين تمنعنا من ممارسة دورنا
الريادي في الأمة فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإننا إذا أُخضِعنا للقعود عن واجبنا فقد
قرر مُخضِعونا إعدامنا بإقصائنا عن التأثير الإيجابي في الأمة وهو دورنا الحصري فيها كما هو حقها
الطبيعي علينا.
يا علماءنا ليس المطلوب منا اليوم أن نحدّث الناس عن فرْضيّة جهاد اليهود ومن والاهم لاعتدائهم
على مقدساتنا فهذا الحكم يعرفه طلبة المدارس الابتدائية، إنما المطلوب أن نتقدم صفوف الناس في
معركة الوعي لما يدور حولنا، والوعي لما يجوز أو يُسَنّ أو يجب، والوعي لطبيعة عدونا وطبيعة
الزمن الذي يقاتلنا فيه والأدوات التي يواجهنا بها، فلا يخرج إلى الجهاد إلا فاهم لطبيعته حتى لا
ينقلب سلاحه في يده إلى صدره، وحتى لا يستعدي صديقه أو يوالي عدوه.
يا علماءنا ما أحسن أن تفتحوا خَطّا مع سادة السياسة في بلادكم فإن أُلهِموا رشدهم سهّلوا مهمتكم
وساروا يقودون سلاح الجيش وتقودون أنتم توجيهه المعنوي وإصلاح قصده، وإن أبى عليكم الحكام
بدعوى حفظ أمن البلاد وضنّا بأرواح الناس أن تزهق، فاحذروا أن تُسلِموا شباب أمتكم ليتربوا تربية
دجاج المزارع، فإن المزارع لا تطيل أعمارهم ولا تبعد عنهم الذبح، ودجاج المزارع يباع بالجملة
ويُذبَح بالجملة، فإن كان الموت نهاية المطاف فليمت المرء حرّا بدل أن يُسلَم للموت من قنّ الدجاج.
يا علماء الأمة:
لا يَسلَم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدّمُ
ولن تقوموا بكمال الواجب الملقى على عاتقكم حتى تنادوا في الناس بالنفير العام المنضبط الإيقاع
الواضح الرؤية، فإنه وحده سبيلكم لتخليص الأمة من عدوها وإرباك صفوفه فلا يقدر على استيعاب
صدمة أن تقف الأمة قبالته، فإما أن يعيش الناس أحرارا مظفرين معا أو أن يموتوا أحرارا مبرّئين
من وصمهم بالعبودية والخنوع، وموت العبد المملوك خير من حياته فما هو في الحياة إلا كسقط
المتاع، يعيش لسيده لا لنفسه، فإذا كنتم يا علماءنا أحرارا فاحرصوا على حرّية الأمة بقيادتها إلى
عزتها، بعيدا عن الخوف من سطوة عدوّ مُذِلّة أو عاطفة حبيب مُخِلّة، فَمِن الحب ما قتل.
علماءنا ودعاتنا الأفاضل، في اليوم الأول من السنة الثانية من عمر طوفان الأقصى أخاطبكم باسم
الدم المهراق في ساحات المواجهة، وباسم أسرانا الذين يعذَّبون في مقاصل العدو التي يسميها
سجونا، وباسم مسرانا الذي تشرّف بصلاة نبينا صل الله عليه وسلم فيه، وبحناجر أبطال ساحات
الوغى، فهل وصلكم صوتي ؟ وهل علمتم أن ما خاطبتكم به أخذته عن مشايخ بعضهم تلاميذكم
وبعضهم شيوخكم، أخاطبكم بصدى قول ربنا في قلبي وقلوبكم:”قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم
وينصركم عليهم ويشفِ صدور قوم مؤمنين”. اللهم قد بلّغت، اللهم فاشهد يا أعلم العالِمين ويا أعدل
الشاهدين.