منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 موقعة عين جالوت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موقعة عين جالوت Empty
مُساهمةموضوع: موقعة عين جالوت   موقعة عين جالوت Emptyالخميس 21 نوفمبر 2013, 10:53 am

موقعة عين جالوت

د. راغب السرجاني





ساعة الصفر



موقعة عين جالوت 757_image002نظر كتبغا إلى مقدمة القوات الإسلامية وكان لا يدرك شيئاً عن القوات الرئيسية المختبئة خلف التلال، فوجد أن قوات المقدمة الظاهرة أمامه قليلة جداً بالنسبة لقواته.. ومع ذلك فهي في هيئة حسنة ومنظر مهيب، فأراد كتبغا أن يحسم المعركة لصالحه من أول لحظاتها.. لذلك قرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لحرب مقدمة المسلمين..
وهذا تماماً ما كان يريده الملك المظفر قطز رحمه الله ..
وأعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء لقواته..
وانهمرت جموع التتار الرهيبة وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش المسلمين..
أعداد هائلة من الفرسان ينهبون الأرض في اتجاه القوات الإسلامية..
أما القائد المحنك ركن الدين بيبرس فقد كان يقف في رباطة جأش عجيبة, ومعه الأبطال المسلمون يقفون في ثبات، وقد ألقى الله موقعة عين جالوت U1_20 عليهم سكينة واطمئناناً، وكأنهم لا يرون جحافل التتار..
حتى إذا اقتربت جموع التتار أعطى بيبرس إشارة البدء لرجاله.. فانطلقوا في شجاعة نادرة في اتجاه جيش التتار، ولا ننسى أن هذه المقدمة الإسلامية قليلة جداً بالنسبة لجيش التتار..
وارتطم الجيشان ارتطاماً مروعاً..
وارتفعت سحب الغبار في ساحة المعركة، وتعالت أصوات دقات الطبول وأصوات الآلات المملوكية، وعلت صيحات التكبير من الفلاحين الواقفين على جنبات السهل وامتزجت قوات المسلمين بقوات التتار، وسرعان ما تناثرت الأشلاء وسالت الدماء، وعلا صليل السيوف على أصوات الجند..
واحتدمت المعركة في لحظات.. ورأى الجميع من الهول ما لم يروه في حياتهم قبل ذلك..
كانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل فرق المسلمين، وقد أحسن قطز رحمه الله اختيارها لتكون قادرة على تحمل الصدمة المغولية التترية الأولى.. والذي يحرز النصر في بداية المعركة يستطيع غالبًا أن يحافظ عليه إلى النهاية.. ليس فقط للتفوق العسكري ولكن أيضاً للتفوق المعنوي..
وكان كثير من أمراء هذه المقدمة بما فيهم ركن الدين بيبرس من أولئك الذين شاركوا في موقعتي المنصورة وفارسكور ضد الحملة الصليبية السابعة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وذلك منذ عشر سنوات في سنة 648 هـ، وبذلك يكون هؤلاء الأمراء من أصحاب الخبرة العسكرية الفائقة، ومن أعلم القادة بطرق المناورة وأساليب القتال وخطط الحرب..
خطة قطز في عين جالوت
استنزاف المغول
موقعة عين جالوت 757_image003ثبتت القوات الإسلامية ثباتاً رائعاً مع قلة عددها، مما دفع كتبغا إلى استخدام كل طاقته دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف الجيش التتري..
كل هذا وقطز رحمه الله يرقب الموقف عن بعد، ويصبر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة..
ومرت الدقائق والساعات كأنها الأيام والشهور..
ومع الفجوة الهائلة في العدد بين الفريقين إلا أن اللقاء كان سجالاً حتى هذه اللحظات..
كان هذا هو الجزء الأول من الخطة الإسلامية: استنزاف القوات المغولية التترية في حرب متعبة، والتأثير على نفسياتهم عند مشاهدة ثبات المسلمين وقوة بأسهم..
ثم جاء وقت تنفيذ الجزء الثاني من الخطة الإسلامية البارعة.. ودقت الطبول دقات معينة لتصل بالأوامر من قطز إلى بيبرس ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة..
خطة الانسحاب والكمائن
وكان الجزء الثاني من الخطة عبارة عن محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، وحبذا لو سُحب الجيش بكامله، بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيداً لحصارها..
وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ هذا الجزء من الخطة على صعوبته، فكان عليه أن يُظهر الانهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل، على ألا يكون هذا التراجع سريعاً جداً حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا بطيئاً جداً فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع.. وهذا الميزان في الانسحاب يحتاج إلى قدرة قيادية فائقة، كما يحتاج إلى رجال أشداء مهرة في القتال..
وقد كانت هذه العوامل متوافرة في الجيش بحمد الله، وقبل هذا بالطبع كان توفيق الله موقعة عين جالوت U1_20 عونًا لهذا الجيش الصامد..
خطة معركة نهاوند
هذه الخطة يا إخواني هي نفس خطة القوات الإسلامية في معركة نهاوند الشهيرة ضد القوات الفارسية وذلك في سنة 19هـ، وكان يقوم بدور ركن الدين بيبرس القائد الإسلامي الفذ الصحابي القعقاع بن عمرو التميمي موقعة عين جالوت T_20، وكان يقوم بدور قطز رحمه الله الصحابي الجليل والفارس العظيم النعمان بن مقرّن موقعة عين جالوت T_20، وقام ساعتها القعقاع بن عمرو التميمي بسحب قوات الفرس الرهيبة في الكمين الإسلامي الذي قضى على قوات الفرس تماماً في نهاوند..
وهنا في عين جالوت يستفيد قطز رحمه الله من تجارب المسلمين السابقة ويطبق خطة نهاوند بحذافيرها..
وبدأ ركن الدين بيبرس في الانسحاب التدريجي المدروس، وكلما رجع خطوة تقدم جيش التتار في مكانه..
وقام المسلمون بتمثيلية الانهزام خير قيام، وتحمس كتبغا ومن معه للضغط على المسلمين، وبدءوا يدخلون السهل وهم يضغطون على المسلمين، ومر الوقت ببطء على الطرفين، ولكن في النهاية دخل جيش التتار بكامله إلى داخل سهل عين جالوت, وانسحب ركن الدين بيبرس بمقدمة الجيش إلى الناحية الجنوبية من سهل عين جالوت، وفي غضون حماسة كتبغا للقضاء على جيش المسلمين لم يترك أياً من قواته الاحتياطية خارج السهل بل أخذ معه كل جنوده!!
غباء القوة
كيف فعل كتبغا ذلك؟
إنه خطأ عسكري لا ريب !!
وكتبغا قائد عسكري بارع، وذو خبرة طويلة جداً في مجال الحروب، فقد جاوز الستين من عمره، ولعله جاوز السبعين، فهو من الذين عاصروا جنكيزخان، وجنكيزخان مات قبل هذه الموقعة بأربعة وثلاثين سنة، قضاها كتبغا كلها في حروب وقيادة..
لقد كان من المفروض عليه كقائد محنك أن يترك قوات احتياط خارج السهل لتؤمن طريق العودة في حال الخسارة، ولتمنع التفاف الجيش الإسلامي حول التتار، ولتراقب أي تحركات مريبة لجيوش أخرى قد تأتي لمساعدة الجيش الإسلامي..
لكن هذا لم يحدث !!
لقد توقفت العقلية المغولية التترية عن التفكير السليم في وقت حساس جداً من أوقات المعركة.. قد يفسر ذلك برغبة كتبغا في القضاء الكامل على قوات المسلمين وبحسم، وقد يفسر بضعف من المخابرات التترية التي لم تدرك حجم الجيش الإسلامي الحقيقي، وقد يفسر بالغرور والصلف الذي كان يملأ كتبغا من أم رأسه إلى أخمص قدميه مما جعله يستهين تماماً بقوات المسلمين، وقد يفسر بأن هناك أهدافاً تكتيكية معينة في ذهن كتبغا لا نعرفها..
قد يفسر بأي شيء من هذا أو بغيره.. لكن كل هذه التفاسير لا تعطي مبرراً مقبولاً لهذا الخطأ العسكري الفادح الذي لا يقع فيه مقاتل مغمور في مطلع حياته العسكرية، فضلاً عن قائد مخضرم مثل "كتبغا"!!
ولكن يبقى التفسير الوحيد المقبول في مثل هذا الموقف هو أن هذا تدبير رب العالمين I، الذي يخرج عن القياسات العادية للبشر، ويدفع أشخاصاً بعينهم لأفعال معينة في ظروف معينة.. ولو تكررت نفس الظروف ألف مرة فلعل الرجل لا يأخذ نفس القرار أبداً، ولكن الله موقعة عين جالوت U1_20 أراد لهذا الجيش التتري الهلكة على يد الجيش المسلم، فدفع كتبغا إلى اتخاذ قرار لا يتناسب أبداً مع إمكانيته كقائد عسكري، ولا يتناسب مع قوات جيشه كجيش ضخم، ولا يتناسب مع ساحة المعركة التي تعتبر كالقفص الذي له باب واحد، فإذا دخل الجيش بكامله القفص وأغلق الباب فالنجاة تكاد تكون مستحيلة..
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[الأنفال: 30].
وقد رأينا قبل ذلك غزوة بدر الكبرى أن أبا جهل هو الذي دفع جيشه الكافر للدخول في معركة بدر بعد أن عارضه جل قومه.. فكانت الهلكة لمعظم رءوس الكفر في مكة..
ورأينا أيضاً مسيلمة الكذاب في موقعة اليمامة الشهيرة يدفع قواته إلى حتفها..
ورأينا الفيروزان في موقعة نهاوند يدفع الفرس إلى مثواها الأخير..
ورأينا باهان قائد الروم في موقعة اليرموك يدفع جيوشه إلى الهاوية..
وليس هناك مجال لقول قائل: لو تروى القائد لكان كذا وكذا، ولو تريث القائد.. ولو سمع القائد نصيحة فلان أو رأي فلان..
يا إخواني .. إنهم يُدفعون دفعاً إلى مصارعهم..
إنهم مهما بلغت قوتهم، وتعددت جيوشهم.. وتنوعت أسلحتهم لا يخرجون أبداً عن إرادة الله موقعة عين جالوت U1_20.. والله موقعة عين جالوت U1_20 يريد النصر لعباده الذي نصروه..
{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد: 7].
قاعدة أصيلة لا خلف لها..
وهكذا دفع كتبغا جيشه دفعاً للدخول بكامله في سهل عين جالوت..
وبذلك نجح الجزء الثاني من الخطة الإسلامية نجاحاً مبهراً..
وبدأ تنفيذ الجزء الثالث من الخطة..
كتبغا والمغول في المصيدة
موقعة عين جالوت 757_image004وجاءت إشارة البدء من قطز عن طريق الطبول والأبواق..
ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال إلى ساحة المعركة.. نزلت من كل جانب، وأسرعت فرقة قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم..
الخطة تسير في منتهى الإحكام والدقة، ومع ذلك فهذه الخطة تحمل في طياتها خطورة عظيمة على الجيش الإسلامي نفسه.. لماذا؟ لأن حصار التتار دون ترك فرصة الهروب لهم سوف يدفع كل الجنود التتار لإخراج كل طاقاتهم.. إنهم سيقاتلون قتال المستميت..
قتال المحصور.. قتال الحياة أو الموت وليس قتال الهزيمة أو النصر..
لكن في نفس الوقت إن نجحت الخطة فسوف يكون فيها هلاك عدد ضخم من الجيش التتري.. وقد تكون هذه هي الضربة القاصمة القاضية على هذا الجيش الرهيب..
واحتدم اللقاء
واكتشف كتبغا الخطة الإسلامية بعد فوات الأوان، وحُصر هو والتتار في داخل سهل عين جالوت، وبدأ الصراع المرير في واحدة من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ.. لا مجال للهرب، ولا مجال للمناورات.. السهل منبسط والمساحات مكشوفة، وليس هناك من حماية إلا خلف السيوف والدروع.. لا بديل عن القتال حتى الموت..
حرب ضارية بشعة.. أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وبدءوا يقاتلون بحمية بالغة.. والمسلمون صابرون ثابتون..
وظهر تفوق الميمنة التترية ـ كما أخبر بذلك رسول صارم الدين أيبك ـ وبدأت الميمنة التترية تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وبدأ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي، وتتعادل بذلك الكفتان، وقد ترجح كفة التتار.. ويصبح إغلاق السهل خطراً على المسلمين..
وقطز رحمه الله يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه فِرَق الجيش إلى سد الثغرات، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة..




عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 01 يونيو 2016, 4:15 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موقعة عين جالوت Empty
مُساهمةموضوع: رد: موقعة عين جالوت   موقعة عين جالوت Emptyالثلاثاء 24 مايو 2016, 12:16 am

عين جالوت .. والقضاء على القوى العظمى

[size=17]د. راغب السرجاني


[/size]

موقعة عين جالوت 17191_image002




عندما نتحدث عن عين جالوت التي سقط فيها جيش التتار، فإننا نتحدث عن موقعة بالفعل غيرت خريطة العالم، ورفعت كابوسًا من أكبر الكوابيس التي مرت بها الأمة الإسلامية وغير الإسلامية.. العالم كله كان قد عانى معاناة شديدة من كارثة كادت تقضي على كل صور ومظاهر الحضارة في العالم، لولا موقعة عين جالوت التي ردت للناس الأمة والأمان في العالم كله.
ظهور التتار.. وحال الأمة
قبل أن نتحدث عن عين جالوت لا بد أولاً أن نعرف من هم التتار الذين سقطوا في الموقعة.. التتار دولة ظهرت على حدود الصين في منغوليا سنة 603هـ، وأنشأ هذه الدولة أحد أكبر سفاحي ومجرمي العالم جنكيز خان، كان شخصية دموية إلى أقصى درجات التخيل، وكان عنده قدرة كبيرة على القيادة والتجميع، فجمع أعدادًا هائلة من التتار، وفي غضون عشر سنوات تقريبًا استطاع أن يضم كل منغوليا التي ظهر فيها، وكل الصين وكوريا وتايلاند وكمبوديا، كل ذلك دولة واحدة أصبح رئيسها جنكيز خان، الذي بدأ بعد ذلك يتطلع إلى ما بعدها، وكانت المملكة الخوارزمية -وهي جزء من الممالك الإسلامية، وهي الآن كازاخستان وأوزبكستان وباكستان وأفغانستان- ملاصقة له، وبدأ يغزو تلك البلاد واستطاع بالفعل أن يجتاح العالم الإسلامي اجتياحًا غير متخيل، لدرجة أنه في سنة 617هـ استطاعت جيوشه أن تحتل العالم الإسلامي من غرب الصين إلى شرق العراق، وتلك مساحة لا تتخيل من الأرض والكثافة السكانية العالية.. وسبحان الله جيوشه كانت في منتهى القوة والعنف والإرهاب!!
وهذا يظهر لنا الوضع الذي كان عليه المسلمون؛ ضعف شديد.. فرقة وبعد المسئولين عن الدين.. وتمسك المسلمين بالدنيا.. وانفصال الحكام عن المحكومين.. أمور وأمراض كثيرة أدت لهذا الهوان الذي وصلت إليه الأمة، وبالتالي اجتاحت جيوش التتار كل هذه المساحات. والتتار أدخلوا في حكمهم خلال هذه السنة 617هـ كازاخستان وباكستان وأوزبكستان وأفغانستان وتركمانستان وأجزاء ضخمة جدًّا من إيران شمال وشرق وغرب إيران وأذربيجان كلها، وأرمينيا ولم تكن مسلمة كانت نصرانية، والكورج دولة جورجيا الآن، والشيشان ودخيستان وجنوب روسيا، كل هذا في عام واحد.
الاجتياح التتري البربري
دموية التتار شديدة تجعل من السهل أن نذكر أن التتار ما دخلوا بلدًا إلا وقتلوا كل سكانها؛ رجالاً ونساء وأطفالاً، محاربين ومدنيين، كل شيء يقتل، يأخذ البلد بكل ثروتها، ويزيح السكان من طريقه..
من أشهر الأمثلة غزو مدينة (مروى) الإسلامية التي كانت من حواضر العلم والثقافة والاقتصاد، وهي تقع بين التركمانستان وإيران، وهذه المدينة سكانها كانوا 900 ألف، 200 ألف خرجوا لمحاربة التتار وفنوا عن آخرهم، ودخل التتار وحاصروا المدينة وأعطوا الأمان لأهلها، وخرج أهل المدينة بعهد الأمان، لكن التتار كالعادة خانوا العهد وسفكوا دم 700 ألف، قتلوا المدينة كلها ولم يبق بها حي واحد. واختفت (مروى) ولم يعد لها وجود حتى على الخريطة، وهكذا أكثر من مدينة.
والتتار لم يكتفوا بغزو العالم الإسلامي فقط، لكن جاوزوه بعد ذلك إلى أوربا؛ لهذا أقول: إن المعاناة التي عانى منها الناس ليست معاناة إسلامية فقط، لكنها معاناة إنسانية عالمية من جيوش التتار.
ودخلوا على أوربا في الثلاثينيات من القرن السابع الهجري من 629 إلى 634هـ، اجتاحوا كل روسيا 17 مليون كيلو متر مربع، سقطت كلها ودمرت موسكو عن آخرها، وجاوز تركيا على أوكرانيا ودمروا كييف العاصمة، ثم اتجهوا إلى بولندا، وتعاون ملك بولندا وملك ألمانيا لحرب التتار، فسحق الجيش البولندي والألماني، وانتقلوا إلى المجر وكرواتيا، ووصلوا إلى ساحل البحر الأدرياتي، نصف أوربا الشرقية كله تحت حكم التتار، وأصبحت دولة التتار سنة 639هـ تصل من كوريا شرقًا إلى بولندا غربًا، كل آسيا ونصف أوربا.
وبعد ذلك وفي سنة 656هـ استطاعوا إسقاط الخلافة العباسية وقتل الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين، وبذلك سقط الكيان الذي جمع الأمة الإسلامية أكثر من 500 سنة وأكثر، وعندما دخلوا بغداد قتلوا مليون مسلم، وسكان بغداد في ذلك الوقت 3 ملايين، قتلوا ثلث السكان وكانت أكبر مدينة في العالم، وبعد موقعة التتار اختفى ذكرها من الكتب ولم يعد إلا في القرن العشرين؛ لأن بغداد أصبحت مدينة لا وزن لها، إذ إن معظم السكان ماتوا ومعظم عمالقة الشعب ماتوا، العلماء الفقهاء الحكام الأمراء الوزراء المفكرون، كل من له رأي أو قول في بغداد قُتل في البداية، إضافةً إلى تدمير الثروات والقصور والديار، وأشهر ما دمر في بغداد هي المكتبة عندما ألقوا بعصارة فكر الإنسانية كلها في نهر دجلة؛ ليختفي بذلك كم هائل من العلوم ليس في علوم الشريعة فقط، لكن في كل مجالات الحياة علوم فقه وتفسير وأخلاق وعقيدة، إضافة لعلوم الطب والفلك والهندسة وكيمياء وفيزياء وجغرافيا وكل علوم الحياة.
قطز.. وبناء الأمة
لم يتخيل أحد أن مصر ممكن أن تقف أمام هذا الكائن الضخم، لكن قطز -رحمه الله- بدأ بسياسة في منتهى الروعة في تأهيل الوزراء والأمراء والجيش والشعب لهذه الموقعة، وكل التأهيل والوقت كان عشرة أشهر فيها وجه الشعب إسلامي واضح.. جعل القضية قضية إسلامية في المقام الأول، يصرف فيها المسلم دمه وروحه وماله من أجل الله موقعة عين جالوت U1_20، وكل القتال الذي سبق وسقوط المسلمين كان لأن المسلمين كانوا يدافعون عن دنياهم ولا يدافعون عن دينهم، حتى الشعوب نفسها لم تكن في ذهنها قضية الدين، وقطز -رحمه الله- بدأ يعيد الناس مرة أخرى إلى الله I، وكان كل هدفه قتال وهؤلاء الذين احتلوا نصف العالم تقريبًا في سنوات معدودات، ويستكملون النصف الآخر إذا ما سقطت مصر؛ لأن مصر بوابة إفريقيا.
وقطز بدأ ينمي فيهم الروح والحمية وحرك في الناس روح الإيمان، وكان للعلماء دور مهم في مصر.. وأعطى للأزهر وعلمائه دورًا كبيرًا جدًّا، وكان على رأس العلماء العز بن عبد السلام سلطان العلماء الذي كان يحب قطز حبًّا شديدًا جدًّا، ويرى أنه أفضل المسلمين بعد عمر بن عبد العزيز.. وبدأ العلماء يقومون بدورهم نحو الشعب، وبدءوا يرفعون قيمة الجهاد في سبيل الله، الكل يسعى للجهاد والشهادة.
وبعد هذا، قام قطز بشيء مهم جدًّا، ألا وهو القدوة، لم يجلس قطز في قصره الأمن يحرك الجيوش وهو بمعزل عن الخطر، لكنه فعل مثلما كان الرسول موقعة عين جالوت R_20 يفعل، كل شيء بيده قبل يد الصحابة.. هكذا فعل قطز أول ما صعد لكرسي الحكم قال: لم أصعد لهذا الكرسي إلا لقتال التتار. وقال كلمة جميلة: أنا ألقى التتار بنفسي. وكان قطز أول من يسمع لكلام العلماء؛ لذا وافق العز بن عبد السلام عندما رفض فرض الضرائب على الشعب لتجهيز وإعداد الجيش إلا بعد أن ينتهي المال من بيت المال ويرد الوزراء والأمراء الأموال التي أخذوها من بيت مال المسلمين، وعندما سمع قطز تلك الفتوى قال: أنا أول من يفعل ذلك. ولم يُبقِ في بيته شيئًا إلا الفرس والسلاح.
لم يكن قطز لديه مطمع في حكم وسلطان.. شاب صغير لم يبلغ من العمر 35 عامًا على درجة عالية من الفقه والعلم والدراية، ولم يفكر في شيء من متاع الدنيا، ولم يطلب سوى الآخرة بوضوح.. بعد ذلك خطا قطز خطوة رائعة في تاريخ الإنسانية؛ لأنه بدأ يوحِّد الصف مع المسلمين الذين كانوا على خلاف شديد معه قبل ذلك.. نسي كل ذلك، ووضع يده في يد المماليك البحرية التي تتبع نجم الدين أيوب، والتي كان على رأسها الظاهر بيبرس، وكان هو على رأس المماليك المعزية التي تتبع عز الدين أيبك، وكان بينهم خلاف وصراع شديد.. نسي كل الخلافات، وأصدر عفوًّا حقيقيًّا عن المماليك البحرية، وطلب منهم تكوين جيش واحد لمحاربة التتار، ووضع على رأس الجيش المصري (فارس الدين أقطاي الصغير)، وهو غير أقطاي الذي قتله مجموعة من المماليك المعزية، وليس قطز كما يدَّعون. وللعلم والتاريخ فإن بيبرس أيضًا لم يقتل قطز، وغير ذلك تزوير في التاريخ، ومحاولات لتشويه الرموز الإسلامية الكبرى.
المهم أن قطز بعد ذلك وحَّد مصر مع الشام، رغم أنهم كلهم كانوا خونة وعملاء؛ الناصر يوسف الأيوبي حاكم دمشق كان يوالي الصليبيين مرة والتتار مرة أخرى، ورغم هذا طلب منه وحدة الأمة تحت رئاسته، رغم أن قطز كان في موقف قوة، وأرسل له كلمات جميلة جدًّا "إن اخترتني خدمتك"، وهذا تجرد ورقي في الأخلاق.. وأرسل قطز للمغيث فتح الدين عمر أمير الكرك -في الأردن الآن- وللأشرف الأيوبي أمير حمص الموالي للتتار، ولأمير حماة، ولأمير بانياس.. أرسل لأكثر من منطقة من مناطق الشام لتوحيد الصف، منهم من رفض ومنهم من جاء.. المهم أنه في النهاية كوَّن جيشًا من المسلمين المصريين والشاميين، وأهل فلسطين بعد ذلك انضموا للجيش بعد خروج الجيش لحرب التتار، واختار مكان الموقعة في فلسطين، مع أن كل الأمراء رفضوا أن تكون الحرب في فلسطين، لكن قطز -رحمه الله- حوَّل الأمر إلى قضية إسلامية، إضافةً إلى البعد الأمني القومي لمصر من الناحية الشرقية.
ولا يمكن لمصر أن تقبل بوجود عدو قوي يحتل فلسطين وتبقى هي في أمان، بالتأكيد أمانها يكون مهددًا، وهذا مثل الوضع الذي نعيشه الآن.. وقصة التتار شديدة التشابه مع واقعنا المعاصر؛ لذا دراستها بنوع من التركيز أمر في غاية الأهمية.. المهم وحد قطز الجيوش وخرج بها، واختار مكان الموقعة في عين جالوت، ورتب جيوشه ترتيبًا محكمًا، وأعد العُدَّة بشكل في منتهى الروعة عسكريًّا وتنسيقًا للجيش ومن ناحية الخطة، وسبق لمكان المعركة قبل جيش التتار، وبالفعل التقى مع جيش التتار يوم 25 رمضان سنة 658هـ في موقعة من أشرس المواقع في تاريخ البشرية.
خداع وثبات وانتصار
قطز -رحمه الله- رتب الجيش في سهل عين جالوت الذي يشبه حدوة الحصان، مفتوح من الشمال والشرق والغرب والجنوب كله تلال، واستغل هذا الوضع الجغرافي المميز للمكان، وأخفى جيوشه كلها خلف التلال، ووضع المقدمة عند الشمال حتى تغري التتار بالدخول معها في موقعة، وعليها أن تثبت أمام التتار فترة طويلة من الزمن، ثم تسحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، ثم تنزل الجيوش الإسلامية ككمين وخدعة.. تلك المقدمة كانت بقيادة ركن الدين بيبرس، وتمثل أقوى قطاع في الجيش الإسلامي، معظم المقاتلين فيها من أمهر عساكر وجنود المسلمين.
وفعلاً بعد شروق شمس يوم الجمعة 25 رمضان دخل جيش التتار من بعيد.. شاهد الجيش الإسلامي مقدمات الجيش بسيطة جدًّا، بدأ يقترب، وهنا بدأ قطز يعطي أوامر بنزول المقدمة كلها، ونزلت المقدمة بشكل عجيب جدًّا، يرويها أحد الرواد اسمه (صارم الدين أيبك)، وهو مسلم في جيش التتار يحب المسلمين ويظهر للمسلمين التعاون مع التتار ويرسل رسائل للمسلمين تدل على أخبار التتار.. وصارم هذا أسره التتار، وأظهر لهم التعاون معهم والتتار صدقوه، وقبل المعركة بليلة أرسل رسالة تدل المسلمين على مواضع القوة والضعف في جيش التتار دون سابق معرفة للمسلمين به.. وقطز -رحمه الله- كان ينزل الجيش عن طريق الموسيقى، وكان عنده فرقة عسكرية مملوكية على أعلى مستوى، وكل تحرك للجيش له ضربات موسيقية محددة، هناك ضربات للميمنة والميسرة وللتقدم والانسحاب، كان يدير الجيش من الخلف عن طريق الموسيقى.. وبدأ يضرب الضربات لنزول المقدمة لإغراء كتبغ قائد جيش التتار للهجوم والحرب..
ونزول المقدمة كان له شكل مميز، صوَّره لنا صارم الدين أيبك المسلم في جيش التتار الذي يقف إلى جوار (كتبغ نوين) زعيم التتار، أول ما ضربت الموسيقى نزلت أول فرقة في المقدمة ترتدي لباسًا أحمر في أبيض، وكما يقول صارم أيبك في غاية الأناقة ويرتدون العُدد المليحة، ومعهم أحصنة في منتهى القوة، وكأنهم في عرض عسكري.. وأول ما نزلوا بهذا الشكل كما يقول صارم أيبك بهت كتبغ، وبهت من معه من التتار، ثم قال: يا صارم، رمق من هذا؟ قال له: هذا رمق سنقر الحلبي، هذه فرقة شامية بداخل الجيش المملوكي. بعدها نزلت فرقة ترتدي أصفر في أصفر، وسأل كتبغ رمق من هذا؟ قال له صارم: رمق جلبان الرشيدي أحد أمراء المماليك. وتتابعت الفرقة كل فرقة بلون شكل، ويسأل كتبغ وما رمق هذا ويقول صارم: فصرت أقول له أي اسم يأتي على ذهني؛ لكي يرعبه.
وفي النهاية كلها مجموعة قليلة، لكن ألقى الله I الرعب في قلب كتبغ من هذه المجموعة القليلة، وعندما اكتمل نزول المقدمة وقفت في السهل تنتظر القتال، فوجدهم كتبغ مجموعة قليلة وجيشه وراءه ضخم هائل، فأسرع لقتال المسلمين وثبت المسلمون لا يتحركون، وتردد التتار في الهجوم، وهنا أمر قطز المقدمة بالهجوم على جيش التتار، ودارت الموقعة من شروق الشمس إلى الظهيرة بالمقدمة فقط، والغرض إرهاق التتار لأكبر درجة ممكنة والثبات في مقدمة سهل عين جالوت عند الفتحة الشمالية.
بعد منتصف النهار، بدأ جيش التتار يتعب وجيش المسلمين يتعب، وهنا قطز يراقب الموقف عن بُعد، وأمر الموسيقى تدق دقات لبداية الجزء الثاني من الخطة الإسلامية، وهي عبارة عن سحب جيش التتار داخل سهل عين جالوت، وهذا يحتاج من بيبرس وجيش المقدمة إلى تقاتل قتال المنهزم، ولكن بشكل متوازن حتى لا يشعر كتبغ بدخوله لسهل عين جالوت.. وبدأ بيبرس في تنفيذ الخطة وبدأ ينسحب، وانخدع جيش التتار وسار خلفه.. ثم ارتكب كتبغ نوين خطأ فادحًا أشبه ما يكون بخطأ أبي جهل عندما دفع الكفار لحرب المسلمين، وهو أنه دفع بجيشه كله داخل السهل دون أن يترك أي حماية خارجه؛ طمعًا في إنهاء الموقعة في أسرع وقت.
وفعلاً سحب بيبرس جيش التتار كله داخل السهل، وهنا أعطى قطز الأوامر بالجزء الثالث من الخطة، وهي إغلاق فتحة السهل الشمالي لقطع خط الرجعة على التتار، ونزول باقي الجيش لأرض المعركة، وتحيط بالتتار من كل جانب.. وجيش التتار أكبر من جيش المسلمين، وكادت الميسرة تسقط ولم يجد قطز إلا حلاًّ واحدًا، وهو أن ينزل بنفسه إلى ميسرة المسلمين لمواجهة ميمنة التتار القوية، وصاح صيحته المشهورة "واإسلاماه.. واإسلاماه" ثم نزل في وسط الجيوش، فوجئ الجيش بأن القائد الأعلى للجيش ولمصر كلها وسط المعركة بسيفه ودرعه، وأعطى حماسة شديدة للجنود، وبعد لحظات من نزول قطز للمعركة أصيب فرسه بسهم وقاتل ماشيًا، وجاءه أحد القواد بفرسه فقال له: "ما كنت أحرم المسلمين نفعك"! وقاتل ماشيًا إلى أن أحضروا له فرسًا من الاحتياطي، ولامه أحد الأمراء الآخرين على هذا، وقال له: لماذا لم تأخذ الفرس؟ لو قُتلت لهلك الإسلام بسببك. فقال له قطز: أما أنا لو قتلت لكنت أذهب إلى الجنة، وأما الإسلام فيقيم الله له من يحفظه إلى يوم الدين.
وأثناء المعركة استطاع جمال الدين أعكوش الشمسي أحد أمراء الشام الذين انضموا إلى المسلمين، الوصول إلى كتبغ نوين وقتله، وبسقوط رأس كتبغ نوين انهارت معنويات التتار تمامًا، وبدءوا يفرون من أرض المعركة، واستطاعوا بالفعل فتح جزء من الفتحة الشمالية وهرب منها التتار في اتجاه بيسان على بعد 20 كيلو مترًا شمال شرق عين جالوت، ولم يتركهم المسلمون. وفي بيسان تمت موقعة أخرى في نفس اليوم، وكان القتال هناك أعنف وأشد من عين جالوت في الصباح، وأقصى طاقات التتار خرجت في هذه الموقعة، وكادت الغلبة تكون للتتار، وصاح قطز من جديد الصيحة الخالدة: (واإسلاماه) ثلاث مرات، ثم رفع يده للسماء وقال: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار. وهو يقول: لست أنا الملك المظفر، لست حاكم مصر، ولا أنا السلطان، إنما أنا العبد، انصر عبدك قطز على التتار.
كان هذا الخشوع منه في الدعاء من قلبه بمنزلة الجبل الذي سقط على جيش التتار فأهلكه تمامًا، خارت قوى التتار بعد هذه الكلمات، واستطاع المسلمون أن يحيطوهم من كل جانب، وأهلكوهم تمامًا.
وبعد هذه الموقعة يكفي أن نذكر أن جيش التتار قُتل وفني كله، ولم يبق منه جندي واحد.. وانتهت أسطورة التتار في موقعة عين جالوت موقعة اليوم الواحد.. كل تلك القصة حدثت وقطز صعد إلى العرش في 24 ذي القعدة سنة 657هـ، والموقعة حدثت في 25 من رمضان سنة 658هـ، يعني كل القصة عشرة أشهر منذ صعوده إلى العرش إلى أن حقق النصر في عين جالوت.. شيء إعجاز بكل المقاييس، ولا نستطيع أن نقول إلا قوله تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[آل عمران: 126]. وهذا النصر تحقق بالنيات الصالحة والصدق والعودة إلى الله موقعة عين جالوت U1_20، فأيدهم بنصره، وهرب التتار، وأمنت هذه المنطقة، وبعد بيسان دخل دمشق فلم يجد فيها تتاريًّا واحدًا؛ فأهل دمشق عندما وصلتهم أنباء النصر قتلوا الحامية التتارية هناك، وكذلك أهل حلب، وبدأت الصحوة في كل مكان.
وبعد عين جالوت اختفى ذكر التتار من التاريخ في هذه المنطقة، وولدت دولة المماليك التي حملت راية الإسلام قرابة ثلاثة قرون متصلة، وهي التي خلصت المسلمين -بعد التتار- من الصليبيين الذين كانوا موجودين في الشام وفلسطين.



عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 01 يونيو 2016, 4:15 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موقعة عين جالوت Empty
مُساهمةموضوع: رد: موقعة عين جالوت   موقعة عين جالوت Emptyالأربعاء 01 يونيو 2016, 4:14 am

نتائج موقعة عين جالوت

د. راغب السرجاني


موقعة عين جالوت Untitled-1789

مع أن معركة عين جالوت كانت موقعة واحدة، وتمت في يوم واحد إلا أن نتائجها وآثارها كانت من القوة بحيث لا تتخيل، وكانت من الكثرة بحيث لا تحصى.. نتائج عين جالوت كانت في غاية الأهمية، ولا نستطيع في هذه العجالة أن نمرّ عليها كلها, ولكن سنمرّ على طرفٍ منها.. وعلى الدارسين والمحللين أن يبحثوا في هذه النتائج بمزيد من التفصيل والدراسة..
الأثر الأول: العودة إلى الله سبحانه
عاد المسلمون إلى الله سبحانه وتعالى أثناء التحضير وأثناء الإعداد لهذا اللقاء، وأثناء المعركة ذاتها، وبعد المعركة، ولمدة طويلة من الزمان.. لقد وضحت المعادلة جداً في أذهان الناس؛ فالمسلمون عندما ابتعدوا عن الله سبحانه وتعالى تمكن التتار من رقابهم، ولما عادوا إلى الله حدث النصر الذى اعتبره كثير من المحللين معجزة.. وواقع الأمر أنه ليس بمستغرب، فالنتيجة الطبيعية لعودة المسلمين إلى الله سبحانه وتعالى أن يتم نصرُهم على أعدائهم..

حقيقة الحرب الدينية مع المسلمين
وتبين المسلمون أيضاً بوضوح أن الحرب دينية في المقام الأول؛ فقد تحالف كثير من النصارى مع التتار, مع أن مصالحهم على المستوى البعيد كانت مع المسلمين وليست مع التتار؛ فالتتار لا عهد لهم بينما يحترم المسلمون العهود جداً.. هذا في أصل دينهم، وهذا هو واقعهم في معظم فترات التاريخ، والمخالفات الإسلامية من ناحية إخلاف الوعود والعهود قليلة جداً، ويكون لها عادة مبررات قوية.. ولذلك فقد استقرّ في نفس المسلمين بعد انتصار عين جالوت أن الحروب التى دارت بينهم وبين التتار والنصارى لم تكن حروب مصالح فقط كما يحب كثير من الغربيين والعلمانيين أن يصوروا، وكما يحب الماديون أن يصوروا؛ فيجعلون الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للحروب.. أو يجعلون الأغراض العسكرية والإستراتيجية هي الهدف الأساسي.. بينما رأينا في هذه القصة التي مرت بنا أن الدين كان له أثر كبير في تحريك النصارى، وكان له أثر أكبر في تحريك المسلمين.. والله سبحانه وتعالى نبهنا إلى ذلك في كتابه حيث قال مثلاً: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]. فجعل الرضا عندهم مقرونا باتباع ملتهم وليس ببقاء مصالحهم..

وكذلك قال: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
فوضح أن القتال سيستمر حتماً إلى أن يترك المسلمون دينهم، أما قبل ذلك فالحرب لن تتوقف، ولن تكفي سيطرة اليهود والنصارى والتتار والمشركين والهندوس على الأرض والديار والأموال والبترول والناس وغير ذلك.. لن يكفي كلُّ ذلك.. بل سيظل الهدف الأسمى لهؤلاء هو السيطرة على الدين الإسلامى.. أو قل "محو الدين الإسلامى"، وما نراه من متابعة لكل الحركات الإسلامية والتوجهات الدينية، وما نراه من محاولات تغيير لمناهج المسلمين الدراسية، وما نراه من حرب في وسائل الإعلام المختلفة.. كل هذا ما هو إلا صور للتعبير عن شدة الكراهية "لوجود" الدين وليس لوجود القوة أو الحدود..
أي أن المعركة في أصلها هى معركة "وجود" أساساً، هم لا يقبلون "بوجود" الدين الإسلامي على وجه الأرض.. لذلك فالحرب لن تنتهي أبداً.. لأن دين الإسلام لن ينتهي أبداً بإذن الله.. وهكذا لا يصلح أن يكون السلام اختياراً استراتيجياً مهما تغيرت الظروف.. فأنت إن تنازلت عن كل شيء في مقابل السلام فهم لن يقبلوا.. إلا أن تتنازل عن "الدين"..
لقد فقه المسلمون بعد موقعة "عين جالوت" أن الصراع ديني في المقام الأول، ومن ثَمَّ إذا أردت أن تنتصر في هذا الصراع الديني، فلابد أن تكون دينياً.. بمعنى أن تكون متمسكاً تماماً بهذا الدين..
كان هذا هو الأثر الأول لموقعة عين جالوت الخالدة..
الأثر الثاني: ارتفاع الروح المعنوية وقتل الهزيمة النفسية
قتل المسلمون في عين جالوت الهزيمة النفسية البشعة التي كانوا يعانون منها.. والتي فصلنا في ذكرها في أول المقالات.

خرج المسلمون من حالة الإحباط الشديد التي كان تسيطر عليهم، وعلموا أن الأمل في الله سبحانه وتعالى لا ينقطع أبداً، وأنه مهما تعاظمت قوة الكافرين فإنها ولا شك إلى زوال.. {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196- 197].
ظهر للمسلمين بوضوح بعد عين جالوت أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهم وإن كانوا يعلمون ذلك علماً نظرياً قبل عين جالوت، فإن موقعة عين جالوت جاءت كالدرس العملي التطبيقي الذي لا يُبقي شكاً في قلب أحد..
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
الأثر الثالث: عودة الهيبة والعزة للأمة الإسلامية
عادت الهيبة للأمة الإسلامية بعد غياب دام أكثر من ستين سنة، فبعد أن كانت الأمة الإسلامية في أواخر القرن السادس الهجري في درجة عظيمة جداً من درجات النصر والفخر والسيادة، وذلك بعد انتصارَيْ حطين في المشرق في فلسطين، والأراك في المغرب في الأندلس، حدث انكسار شديد في حالة الأمة الإسلامية، ضاعت هيبتها، حتى بدأت الكلاب تنهش جسدها، والأفاعي تجول بأرضها..

لكن عين جالوت ألقت الجلال والمهابة على الأمة الإسلامية، حتى إن هولاكو الذي كان يستقر في تبريز في فارس، ومعه عدد ضخم من القوات المغولية التترية لم يفكر في إعادة احتلال بلاد الشام مرة ثانية، وأقصى ما استطاع فعله هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب، وسفكت دماء بعض أهلها كنوع من إثبات الوجود، لكن هيبة الأمة الإسلامية وقرت في صدره، فلم يشأ أن يلقي بجيشه في مهلكة جديدة..
وهيبة الأمة لا تعود إلا بأيام كعين جالوت..
"إن الله ليزغ بالسلطان، ما لا يزغ بالقرآن".
الأثر الرابع: هزيمة التتار وتراجع قوتهم العسكرية
فنيت قوة التتار العسكرية في منطقة الشام وتركيا وفلسطين.. لم يُسمع عن التتار في هذه المنطقة لعشرات السنين بعد ذلك، اختفى القهر والظلم، واختفى البطش والتشريد، وأمن الناس على أرواحهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم.. ولم يروع الناسَ أحدٌ في هذه المناطق إلا بعد عين جالوت بأكثر من مائةٍ وأربعين عاماً، عندما دخل التترى السفاح تيمور لنك بلاد الشام، فاجتاح حلب ودمشق سنة 804هـ بعد أن اجتاح بلاد العالم الإسلامي الشرقية..

الأثر الخامس: ميلاد دولة المماليك
موقعة عين جالوت 18788_image003تعتبر موقعة عين جالوت شهادة الميلاد الحقيقية لدولة المماليك العظيمة، التي حملت راية الإسلام لمدة تقترب من ثلاثة قرون (مائتين وسبعين سنة). نعم, كانت بداية حكم المماليك منذ سنة 648هـ عند ولاية شجر الدرّ ثم زوجها الملك المعز عزّ الدين أيبك المملوكي، لكن "عين جالوت" هي التي أعطت الشرعية أمام جميع المسلمين لدولة المماليك.. فقد حقق المماليك في غضون عشر سنوات انتصارين هائلين على أعداء الإسلام.. أما الانتصار الأول فكان في المنصورة وفارسكور على جيوش فرنسا بقيادة الملك لويس التاسع، والانتصار الثانى هو عين جالوت، ولئن كانت القيادة العامة لجيش المسلمين في موقعة المنصورة ثم فارسكور قيادة أيوبية فإن الجيش كان معتمداً في الأساس على المماليك، أما في عين جالوت فالانتصار كان مملوكياً خالصاً، وبذلك شعر الجميع أن هؤلاء المماليك هم أقدر الناس على قيادة الأمة..

وهكذا نشأت الدولة المملوكية التي حملت على عاتقها صدّ هجمات أعداء الله سبحانه وتعالى من تتار أو صليبيين، وكانت دولة جهادية في معظم فتراتها..
ومع أن دولة المماليك حاولت أن تضفي شرعية على وجودها بصورة أكبر حيث استضافت أبناء خلفاء بني العباس في القاهرة ابتداءً من سنة 659هـ بعد عين جالوت مباشرة وفي عهد الظاهر بيبرس، إلا أن دولة المماليك لم تكن تمثل الخلافة الحقيقية للمسلمين لأنها لم تكن في أقصى اتساعها تسيطر إلا على أجزاء محدودة من العالم الإسلامي، فكانت تسيطر على مصر والشام والحجاز واليمن وأجزاء من العراق وأجزاء من ليبيا، أما بقية العالم الإسلامي فكان موزعاً بين طوائف شتى، ولم يجد المسلمون معنى الخلافة الحقيقية الجامعة لكل المسلمين تقريباً إلا بعد قيام الخلافة العثمانية العظيمة التي أعادت جمع المسلمين بعد سنوات من التفرق.
لكن على العموم.. كانت دولة المماليك أقوى دول المسلمين في فترة وجودها، وأكثرها جدية، وأعظمها هيبة، ولذلك يطلق المؤرخون كثيرًا على العهد الذي عاش فيه المماليك "العهد المملوكي" متجاهلين بذلك كثيراً من الدول الصغيرة التي عاشت في تلك الفترة..
الأثر السادس: عودة الوحدة بين مصر والشام
عادت الوحدة العظيمة بين مصر والشام، وكونا معًا التحالف الاستراتيجي الصُلب الذي يمثل حاجز صدّ رائع ضد الهجمات الأجنبية.. فمصر والشام - بما فيها فلسطين - يمثلان قلب العالم الإسلامي استراتيجيا وسياسياً وجغرافياً وثقافياً وتاريخياً.. واتحاد مصر مع الشام يمثل عامل أمان كبير لكل المنطقة، كما أنه يقلل كثيراً من أطماع الطامعين في العالم الإسلامي، وخاصة أن معظم أعداء الإسلام كثيراً ما يركزون تفكيرهم على منطقة مصر والشام، وذلك لأسباب دينية واقتصادية وعسكرية.. وبذلك يتضح أنه لا نجاة لهذه المنطقة إلا بوحدة شاملة بين كل الشام بما فيها سوريا وفلسطين والأردن ولبنان.. وبين مصر.. وهذا ما فعلته دولة المماليك الناشئة..

الأثر السابع: القضاء على الأمراء الأيوبيين الخونة
اختفى من على الساحة الإسلامية كل الأمراء الأيوبيين الذين كانوا أقزاماً في ذلك الزمن الذي لا يعيش فيه إلا العمالقة.. لقد فرّط معظم هؤلاء الأمراء في الأمانة الثقيلة التي خلَّفها لهم جدُّهم العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وما كان لهم من همٍّ إلا الصراع على السلطة، وجمع المال، وتوريث الأبناء.. عاشوا حياتهم في مؤامرات ومكائد، وداسوا على كل الفضائل والمكارم في صراعاتهم، حتى انتشرت بينهم موالاة النصارى والاستعانة بهم في حرب إخوانهم من المسلمين، وأحيانا في حرب إخوانهم الأشقاء!!.. وظلّ هؤلاء الأقزام يُذيقون شعوبهم الألم والظلم والقهر والخيانة، وظلوا يقاومون أيّ مشروع للوحدة تحت راية واحدة، لأنهم يختلفون فيمن يصعد إلى كرسي الحكم إذا حدثت الوحدة، وظلوا يقاومون الحكم المملوكي في مصر، ويتعاونون مع الصليبيين لإسقاطه إلى أن حدثت موقعة عين جالوت الخالدة.. فكان من آثارها المباشرة سقوط هذه الزعامات الوهمية، وعرف كل منهم قدره، ورضي بما يناسب حجمه، وبذلك وَقَتْ موقعة عين جالوت الأمةَ شر أبنائها.. كما وَقَتْهَا شر أعدائها..

الأثر الثامن: القضاء على الوجود الصليبي في بلاد الشام إلى الأبد
نتيجة الوحدة بين مصر والشام، ونتيجة اختفاء الأمراء الأقزام من على الساحة، ونتيجة ظهور دولة المماليك، ونتيجة الطبيعة الجهادية لدولة المماليك، ونتيجة النشأة الإسلامية والحميّة الدينية والفقه العالي الرفيع لهذه الدولة.. نتيجة لكل هذا حدث أمر هائل عظيم..

لقد أخذ المماليك على عاتقهم مهمة تحرير بلاد الشام وفلسطين من الإمارات الصليبية التي ظلّت تحكم هذه البلاد منذ سنة 491هـ.. أي منذ أكثر من مائة وستين عاماً قبل عين جالوت.. ومع أن عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله جميعاً قد بذلوا جهوداً مضنية لتحرير هذه المناطق إلا أنهم لم يفلحوا في تحرير كثير منها، إلى جانب تفريط أبنائهم في بعض الولايات المُحرَّرة حين تنازلوا عنها من جديد للصليبيين، ولذلك فبعد "عين جالوت"، وبعد استقرار المماليك في الحكم بدءوا يوجهون جيوشهم الواحد تلو الآخر لتحرير هذه البلاد الإسلامية العظيمة فلسطين وسوريا والأردن ولبنان وتركيا.. نسأل الله لها جميعًا دوام التحرر..
فبدأ الظاهر بيبرس حملاته على هذه الإمارات ابتداءً من سنة 659هـ بعد عين جالوت بشهور قليلة، وبعد جهاد مُضْنٍ بدأت الإمارات الصليبية في التساقط في أيدي المسلمين المجاهدين، فحرّر المسلمون في سنة 664هـ قيسارية وحيفا وحصن أرسوف جنوب قيسارية، وكل هذه المدن في فلسطين، ثم في سنة 665 هـ حررت صفد في الشمال الشرقي لفلسطين، وبينما كان بيبرس يحرر هذه البلاد في فلسطين كان قائده سيف الدين قلاوون يحرر قليقية في تركيا وانتصر هناك على قوات الأرمن النصرانية بقيادة الملك هيثوم، وجمع غنائم لا تحصى، وأسر من الصليبيين ونصارى الأرمن أربعين ألفاً، وفي سنة 666 هـ حرّر الظاهر بيبرس يافا، وفي سنة 667هـ حُررت أنطاكية إمارة الأمير بوهمند الذي كان متحالفاً مع التتار، وهي أول مملكة صليبية في بلاد المسلمين حيث احتلت في سنة 491هـ، وكانت أغنى الإمارات حتى إن غنائمها من الذهب والفضة كانت توزع على الفاتحين بالمكيال وليس بالعدد!!..
ولم يبق عند وفاة الظاهر بيبرس رحمه الله من المدن الإسلامية المحتلة إلا عكا وكانت أقوى المدن المحتلة، إلى جانب صور وصيدا وطرابلس وبيروت وهي جميعاً في لبنان، وأيضاً طرطوس واللاذقية وهما من المدن السورية..
وقد حُرّرت طرابلس في سنة 684 هـ بعد عين جالوت بستة وعشرين عاماً على يد السلطان المملوكي المنصور قلاوون، ثم خلفه بعد ذلك ابنه السلطان العظيم الأشرف خليل بن قلاوون الذي أخذ على عاتقه تحرير كل المدن الإسلامية المحتلة من الصليبيين، فحُررت عكا الحصينة في سنة 690 هجرية بعد قرابة قرنين من الاحتلال الصليبي، وبعد فشل كل أمراء المسلمين السابقين على مدى قرنين كاملين في فتحها، وبفتح عكا سقطت أعظم معاقل الصليبيين في الشام، وبعدها بقليل حررت صيدا وصور وبيروت وجبيل وطرطوس واللاذقية، وبذلك انتهى الوجود الصليبي تماماً من الشام وذلك بعد اثنتين وثلاثين سنة فقط من عين جالوت، مما يجعل هذا التحرير من النتائج المباشرة لهذه الموقعة العملاقة..
هناك بالطبع تفاصيل في غاية الأهمية والروعة في تحرير كل هذه المدن والإمارات، ولكننا نرجئ ذكرها إلى حين الحديث عن الحروب الصليبية إن شاء الله..
الأثر التاسع: ارتفاع قيمة القاهرة
ارتفعت قيمة مدينة القاهرة المصرية ارتفاعًا بالغًا، بعد انتصار عين جالوت وقيام دولة المماليك، وخاصة بعد التدمير الذي لحق ببغداد سنة 656 هـ على أيدي التتار، وبعد سقوط قرطبة سنة 636هـ في أيدي الصليبيين الأسبان..

أصبحت القاهرة قبلة العلماء والأدباء، ونشطت الحركة العلمية جداً، وعظم دور الأزهر، وأصبح -ولا يزال- من أعظم جامعات العالم الإسلامي، وحمل لواء الدفاع عن الدين، ونشر الدعوة، والجهر بالحق عند السلاطين، والمطالبة بالحقوق، وتزعم الحركات الجهادية ضد أعداء الأمة..
وبذلك توارثت الأجيال في هذه المدينة العريقة "القاهرة" الدعوة إلى الله، والصحوة الإسلامية، وحمل هَمّ المسلمين، ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع..
الأثر العاشر: المغول والتتار يدخلون في الإسلام
وهو من أعجب النتائج، وأعظم الآثار!!
موقعة عين جالوت 18788_image004فقد رأى كثير من التتار دين الإسلام عن قرب، وقرءوا عن أصوله وقواعده وقوانينه، وعلموا آدابه وفضائله، ورأوا أخلاقه ومبادئه.. فأعجبوا به إعجاباً شديداً، وخاصة أنهم - كعامة البشر - يعانون من فراغ ديني هائل.. فليس هناك تشريع يقترب أو يحاول الاقتراب من دين الإسلام.. ومن اقترب منه وبحث فيه لابد أن يرتبط به، إن كان صادقاً في بحثه، وطالبًا للحقيقة فعلاً..
لقد بدأ بعض التتار يؤمنون بدين الإسلام.. ثم شاء الله سبحانه وتعالى أن يدخل الإيمان في قلب أحد زعماء القبيلة الذهبية - أحد الفروع الكبيرة جداً في قبائل التتار - وهذا الزعيم هو ابن عم هولاكو مباشرة، وهو أخو "باتو" القائد التتري المشهور، وتلقب هذا الزعيم باسم "بركة"، وكان إسلامه في سنة650هـ، ثم تولى "بركة" زعامة القبيلة الذهبية سنة 652هـ، وأصبح اسمه السلطان بركة خان، وكانت هذه القبيلة شبه مستقلة عن دولة التتار، وتحكم المنطقة التي تقع شمال بحر قزوين، والمعروفة في الكتب الإسلامية القديمة باسم "بلاد القبجاق" وهى تقع الآن في روسيا.
وبإسلام هذا الزعيم دخلت أعداد كبيرة من قبيلته في الإسلام، وهذا أمر عجيب حقاً، لأن دخول كل هؤلاء في الإسلام كان قبل عين جالوت، وكان التتار يتحكمون في رقاب المسلمين، والمسلمون مهزومون في كل مواقعهم، وهى من المرات القليلة جداً في التاريخ التي يدخل فيها الغازي في دين من يغزو بلادهم، ويدخل القوي في دين الضعيف، ولكنه دين الإسلام الذي يخاطب الفطرة البشرية، وهذا يضع مسئولية كبيرة على عاتق الدعاة المسلمين، في أن يصلوا بهذا الدين إلى أهل الأرض جميعاً، فإن من وصل إليه الدين صحيحاً نقياً فإنه يُرجى إسلامه مهما كان معادياً للإسلام في بَدء حياته..
ومن آثار موقعة عين جالوت العظيمة أن تزايد عدد المسلمين جداً في القبيلة الذهبية حتى أصبح كل أهلها تقريباً من المسلمين، وتحالفوا مع الظاهر بيبرس ضد هولاكو، ولهم مع هولاكو حروب متكررة..
والجدير بالذكر أن بقايا القبيلة الذهبية ما زالت موجودة، ومكونة لبعض الإمارات الإسلامية مثل إمارة قازان وإمارة القرم وامارة استراخان وإمارة النوغاي وإمارة خوارزم وغيرها، وكل هذه الإمارات ما زال محتلاً إلى يومنا هذا من روسيا، وما استطاعت أن تتحرر بعد حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ونسأل الله لها ولسائر بلاد المسلمين التحرر الكامل والسيادة المطلقة على أراضيها..
كان هذا هو الأثر العاشر لموقعة عين جالوت..
فتلك عشرة كاملة..
ولا شك أن هناك آثارًا أخرى كثيرة لهذه الموقعة الخالدة.. والأمر بين يدي الباحثين والدارسين...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موقعة عين جالوت Empty
مُساهمةموضوع: رد: موقعة عين جالوت   موقعة عين جالوت Emptyالأحد 24 يوليو 2022, 10:14 am

ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻋﻴﻦ ﺟﺎﻟﻮﺕ ‏( 25 ﺭﻣﻀﺎﻥ 658 ﻫـ / 3 ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1260 ‏) ﻫﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺃﺑﺮﺯ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﺍﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺇﺫ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺟﻴﺶ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ “ ﺳﻴﻒ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﻄﺰ ” ﺇﻟﺤﺎﻕ ﺃﻭﻝ ﻫﺰﻳﻤﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﺑﺠﻴﺶ ﺍﻟﻤﻐﻮﻝ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﻛﺘﺒﻐﺎ . ﻭﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﻌﺮﻛﺔ ﺣﻄﻴﻦ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻳﻮﺑﻲ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺘﻬﺎ ﺑـ 73 ﻋﺎﻣﺎً، ﻭﺳُﻤﻴﺖ ﻧﺴﺒﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﺳﻬﻞ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻳﻘﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﻃﺒﺮﻳﺎ ﺷﻤﺎﻝ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ .
 ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻌﺖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺗﺤﻮﺗﻤﺲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ‏( 1449-1503 ‏) ﻭﺍﻟﺤﺜﻴﻴﻦ ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻗﺎﺩﺵ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﻤﺺ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺘﻞ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺑﻞ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻭﻣﺼﺎﻫﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ.


موقعة عين جالوت Img?id=94189



موقعة عين جالوت Img?id=94190
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70310
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

موقعة عين جالوت Empty
مُساهمةموضوع: رد: موقعة عين جالوت   موقعة عين جالوت Emptyالأحد 24 يوليو 2022, 10:16 am

ماذا تعرف عن معركة عين جالوت ؟ (في ذكرى نشوبها: 25 من رمضان 658هـ)



موقعة عين جالوت %D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9--489x275



قبل معركة عين جالوت لم تتعرض دولة الإسلام لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعبة مثلما تعرضت في القرن السابع الهجري؛ حيث دمّرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، وسفكت دماء المسلمين، وأتت على معالم الحضارة والمدنية، ولم تستطع قوة إسلامية أن توقف هذا الزحف الكاسح، وانهارت الجيوش الإسلامية وتوالت هزائمها، وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف. وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في أن يتطلعوا إلى مواصلة الزحف تجاه الغرب، وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها، ولم تكن الخلافة في وقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي؛ فخرج هولاكو سنة (651هـ= 1253م) على رأس حملة جرارة، تضم مائة وعشرين ألف جندي من خيرة جنود المغول، المدربين تدريبًا عاليًا على فنون القتال والنزال، والمزودين بأسلحة الحرب وأدوات الحصار، تسبقهم شهرتهم المرعبة في القتل وسفك الدماء، ومهارتهم الفائقة في الحرب، وشجاعتهم وقوة بأسهم في ميادين القتال. سقوط الخلافة العباسية اجتاحت قوات المغول الأراضي الإيرانية، ولم تجد ما يعوق حركتها حتى وصلت إلى بغداد، فضربت حصارًا عليها، ولم يكن لها قدرة على رفع هذه الجيوش الجرارة؛ فاستسلمت في خنوع إلى الغازي الفاتك فدخلها في (4 من صفر 656 هـ = 10 من فبراير 1258م)، واستباح جنوده المدينة المنكوبة، وقتلوا السواد الأعظم من أهلها الذين قدروا بنحو مليون قتيل، ولم يكن خليفة المسلمين وأسرته بأسعد حال من أهالي المدينة، حيث لقوا حتفهم جميعًا، وأضرم التتار النار في أحياء المدينة، وهدموا مساجدها وقصورها، وخربوا مكتباتها، وأتلفوا ما بها من تراث إنساني، وأصبحت المدينة التي كانت عاصمة الدنيا وقبلة الحضارة أثرًا بعد عين. أوضاع الشام قبل حملة هولاكو كانت بلاد الشام في أثناء تلك المحنة يحكم الأيوبيون أجزاء كبيرة منها، ولم تكن العلاقات بينهم ودية على الرغم من انتسابهم إلى بيت واحد وأسرة كريمة هي أسرة صلاح الدين الأيوبي، وبدلا من أن توحدهم المحنة وتجمع بين قلوبهم ويقفوا صفًا واحدًا هرول بعضهم إلى هولاكو يعلن خضوعه له، مثلما فعل الناصر يوسف الأيوبي صاحب دمشق وحلب، وكان أقوى الأمراء الأيوبيين وأكثرهم قدرة على مواجهة هولاكو لو رغب، لكنه لم يفعل وأرسل ابنه العزيز إلى هولاكو يحمل إليه الهدايا، ويعلن خضوعه له، ويطلب منه أن يساعده على الاستيلاء على مصر وتخليصها من حكم دولة المماليك الناشئة التي انتزعت الملك من بيته. لكن هولاكو رأى في عدم قدوم الناصر إليه بنفسه استهانة به، فكتب إليه رسالة غاضبة يأمره بالإسراع إليه وتقديم آيات الولاء والخضوع دون قيد أو شرط، فانزعج الناصر، وأدرك أن مسعاه قد خاب، واستعد استعداد الخائف لمواجهة المغول، وبعث بأسرته إلى مصر. حملة هولاكو خرج هولاكو في رمضان (657هـ= 1295م) من عاصمة دولته مراغة في أذربيحان، متجهًا إلى الشام، معه حلفاؤه من أمراء جورجيا وأرمينيا، يقود طلائعه قائده “كيتوبوقا”، متجهين إلى الشام، وكانت ميافارقين بديار بكر أول ما تبتدئ به الحملة الغازية، فصمدت المدينة للحصار مدة طويلة دون أن يفلح المغول في اقتحامها، غير أن طول الحصار ونفاد المؤن وانتشار الأوبئة وهلاك معظم السكان دفع إلى استسلام المدينة. وفي أثناء الحصار كانت جيوش المغول تستولي على المدن المجاورة، فسقطت ماردين، وحران، والرها وسروج والبيرة، ثم واصل الجيش زحفه إلى حلب وحاصرها حصارًا شديدًا، حتى استسلمت في (9 من صفر 658هـ- 25 من يناير 1260م)، وأباح هولاكو المدينة لجنوده سبعة أيام فعاثوا فيها فسادًا، ونشروا الخراب في كل أرجائها، ولم تكد تصل هذه الأنباء المفجعة إلى دمشق حتى آثر أهلها السلامة بعد أن فر حاكمها الناصر يوسف الأيوبي، وسارعوا إلى تسليم المدينة، وشاءت الأقدار أن يغادر هولاكو الشام ويعود إلى بلاده تاركًا مهمة إكمال الغزو لقائده “كيتوبوقا” فدخل دمشق في (15 من ربيع الأول 658هـ= 1 من مارس 1260م). وكان من نتيجة هذا الغزو أن فر كثير من أهل الشام إلى مصر التي كانت تحت سلطان دولة المماليك ، ويحكمها سلطان صبي هو الملك “المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك”، وفي هذه الأثناء بعث الملك الناصر يوسف الذي أفاق بعد فوات الأوان برسول إلى مصر يستنجد بعساكرها للوقوف ضد الزحف المغولي، وكانت أخبار المغول قد انتشرت في مصر وأحدثت رعبًا وهلعًا. ولما كان سلطان مصر غير جدير بتحمل مسئولية البلاد في مواجهة الخطر القادم، فقد أقدم نائبه “سيف الدين قطز” على خلعه، محتجًا بأنه لا بد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو، والملك الصبي صغير لا يعرف تدبير المملكة، ولم يجد قطز معارضة لما أقدم عليه؛ فالخطر محدق بالبلاد، والسلطان قد ازدادت مفاسده وانفض الجميع من حوله. رسالة هولاكو بدأ السلطان قطز يوطد أركان دولته ويثبت دعائم حكمه، فعين من يثق فيهم في مناصب الدولة الكبيرة، وقبض على أنصار السلطان السابق، وأخذ يستعد للجهاد وملاقاة المغول، وسمح برجوع بعض أمراء المماليك من خصومه وكانوا بالشام، وعلى رأسهم بيبرس البندقداري فرحب به، وأحسن معاملته، وأقطعه قليوب ومناطق الريف المجاورة لها، وأغرى قوات الناصر يوسف الأيوبي ـ الذي فر من دمشق وطلب نجدة المماليك بمصر ـ بالانضمام إلى جيشه وكانت بالقرب من غزة، فاستجابت لدعوته. وفي تلك الأثناء وصلت رسل هولاكو إلى القاهرة تحمل خطابا تقطر كبرا وغطرسة، ويمتلئ بالتهديد والوعيد، ومما جاء فيه: “.. إنا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وسلموا إلينا أمركم.. فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا.. فما لكم من سيوفنا خلاص ولا من أيدينا مناص، فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق…”. الاجتماع التاريخي وأمام هذا الخطر الداهم عقد السلطان قطز مجلسًا من كبار الأمراء، واستقر الرأي على مقابلة وعيد المغول بالاستعداد للحرب، وعزز ذلك بقتل رسل المغول؛ ردًا على تهديد هولاكو وكان هذا التصرف إعلانًا للحرب وإصرارًا على الجهاد، وفي الوقت نفسه بدأ قطز يعمل على حشد الجيوش وجمع الأموال اللازمة للإنفاق على الاستعدادات والتجهيزات العسكرية، وقبل أن يفرض ضرائب جديدة على الأهالي جمع ما عنده وعند أمرائه من الحلي والجواهر، واستعان بها في تجهيز الجيش، استجابة لفتوى الشيخ “العز بن عبد السلام” أقوى علماء عصره. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل لقي صعوبة في إقناع كثير من الأمراء بالخروج معه لقتال التتار، فأخذ يستثير نخوتهم ويستنهض شجاعتهم بقوله: “يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته فإن الله مطلع عليه…”؛ فأثرت هذه الكلمة في نفوسهم، وقوت من روحهم، فخرجوا معه وتعاهدوا على القتال. الخروج إلى القتال وفي (رمضان 658هـ= أغسطس 1260م) خرج قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية ومن انضم إليه من الجنود الشاميين وغيرهم، وترك نائبا عنه في مصر هو الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب، وأمر الأمير بيبرس البندقداري أن يتقدم بطليعة من الجنود ليكشف أخبار المغول، فسار حتى لقي طلائع لهم في غزة، فاشتبك معهم، وألحق بهم هزيمة كان لها أثر في نفوس جنوده، وأزالت الهيبة من نفوسهم، ثم تقدم السلطان قطز بجيوشه إلى غزة، فأقام بها يومًا واحدًا، ثم رحل عن طريق الساحل إلى عكا، وكانت لا تزال تحت سيطرة الصليبيين، فعرضوا عليه مساعدتهم، لكنه رفض واكتفى منهم بالوقوف على الحياد، وإلا قاتلهم قبل أن يقابل المغول، ثم وافى قطز الأمير بيبرس عند عين جالوت بين بيسان ونابلس. وكان الجيش المغولي يقوده كيتوبوقا (كتبغا) بعد أن غادر هولاكو الشام إلى بلاده للاشتراك في اختيار خاقان جديد للمغول، وجمع القائد الجديد قواته التي كانت قد تفرقت ببلاد الشام في جيش موحد، وعسكر بهم في عين جالوت. اللقاء المرتقب .. معركة عين جالوت اقتضت خطة السلطان قطز أن يخفي قواته الرئيسية في التلال والأحراش القريبة من عين جالوت، وألا يظهر للعدو المتربص سوى المقدمة التي كان يقودها الأمير بيبرس، وما كاد يشرق صباح يوم الجمعة (25 من رمضان 658هـ= 3 من سبتمبر 1260م) حتى اشتبك الفريقان، وانقضت قوات المغول كالموج الهائل على طلائع الجيوش المصرية؛ حتى تحقق نصرًا خاطفًا، وتمكنت بالفعل من تشتيت ميسرة الجيش، غير أن السلطان قطز ثبت كالجبال، وصرخ بأعلى صوته: “واإسلاماه!”، فعمت صرخته أرجاء المكان، وتوافدت حوله قواته، وانقضوا على الجيش المغولي الذي فوجئ بهذا الثبات والصبر في القتال وهو الذي اعتاد على النصر الخاطف، فانهارت عزائمه وارتد مذعورا لا يكاد يصدق ما يجري في ميدان القتال، وفروا هاربين إلى التلال المجاورة بعد أن رأوا قائدهم كيتوبوقا يسقط صريعًا في أرض المعركة. ولم يكتفِ المسلمون بهذا النصرفي معركة عين جالوت، بل تتبعوا الفلول الهاربة من جيش المغول التي تجمعت في بيسان القريبة من عين جالوت، واشتبكوا معها في لقاء حاسم، واشتدت وطأة القتال، وتأرجح النصر، وعاد السلطان قطز يصيح صيحة عظيمة سمعها معظم جيشه وهو يقول: “واإسلاماه!” ثلاث مرات ويضرع إلى الله قائلا: “… يا ألله!! انصر عبدك قطز”.. وما هي إلا ساعة حتى مالت كفة النصر إلى المسلمين، وانتهى الأمر بهزيمة مدوية للمغول لأول مرة منذ جنكيز خان.. ثم نزل السلطان عن جواده، ومرغ وجهه على أرض المعركة وقبلها، وصلى ركعتين شكرًا لله. نتائج معركة عين جالوت كانت معركة عين جالوت واحدة من أكثر المعارك حسمًا في التاريخ، أنقذت العالم الإسلامي من خطر داهم لم يواجه بمثله من قبل، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار، وحمت العالم الأوروبي أيضًا من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذ أن يدفعه. وكان هذا النصر إيذانًا بخلاص الشام من أيدي المغول؛ إذ أسرع ولاة المغول في الشام بالهرب، فدخل قطز دمشق على رأس جيوشه الظافرة في (27 من رمضان 658 هـ)، وبدأ في إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية، وترتيب أحوالها، وتعيين ولاة لها.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
موقعة عين جالوت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التتار منذ البدايه إلى عين جالوت
» موقعة الجمل (مصر)
» موقعة الجمل
» كتاب قصة التتار من البداية إلى عين جالوت pdf
»  تاريخ دولة المغول - التتار من البداية إلى عين جالوت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: معارك اسلاميه-
انتقل الى: