امرأة هزَّت عرش الحجاج
مقال اليوم عن المرأة؛ بل عن امرأة قد هزمت رجلاً من أعتى رجال التاريخ وأكثرهم بطشاً وطغياناً.
مَن منا لم يسمع شطر بيت الشعر الذي يقول: "أسدٌ علَيّ وفي الحروبِ نعامةٌ"؟ كلنا بالطبع قد سمعنا به، لكن الكثيرين منا لا يعرفون أصل هذا البيت، ومن هذا الغضنفر الذي قد صار ساعة الجِد نعامةً؟
أسدنا هو الحجاج بن يوسف الثقفي، الباطِشُ الكبير، الذي ضرب الكعبة بالمنجنيق، وقتل وسفك من الدماء ما لا يُحصى، حتى صار مضرباً للأمثال في البطشِ والطغيان.
لكن طاغيتنا هذا كان نعامةً في موقف واحد فقط في حياته، ويا لَلعجب كان الحجاجُ نعامةً أمام غزالة!
نعم.. إنها غزالة الشيبانية، وهي من أشهر النساء اللاتي ضُربَ بهن المثل في شجاعتهن وفروسيتهن، وغزالة -يا رفاق- هي من أهل الموصل في العراق، وقد خرجت مع زوجها على الخليفة عبد الملك بن مروان، ودارت بينهما وبينه معارك عديدة، أشهرها معركة الكوفة؛ حيث تلاقيا في المعركة مع الحجاج الثقفي، وقاتلت غزالة في المعركة قتالاً مُبهراً، وهُزِمَ الحجاج أمامها وزوجها، وفر هارباً.
ومن الطريف أن غزالة كانت قد نذرت أن تدخل مسجد الكوفة فتصلّي فيه ركعتين، تقرأ في الأولى سورة "البقرة"، وفي الثانية سورة "آل عمران"، ولم يُعجب هذا الكثير من أهل الكوفة الموالين للخليفة، فقالوا:
وفت الغزالة نذرها ** يا ربّ لا تغفر لها
وظلت غزالة وزوجها يحاربان الحجاج مدة عامين هزموا له فيهما أكثر من عشرين جيشاً، لكن في النهاية أرسل الخليفة جيشاً كبيراً؛ فهزمهم، وقُتِلت غزالة، واحتزّ أحد جنود الخليفة رأسها ليفرّ بها إلى الحجاج، لكن زوجها أدركه، وأخذ الرأس منه ودفنها قرب الكوفة، فكان موت غزالة هو بداية النهاية لتلك الحركة التي استمرت عامين.
أما الشعر الذي قيل في الحجاج عندما فر أمام غزالة فكان:
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ ** ربداءُ تجفلُ من صفير الصّافرِ
هلاّ برزتَ إلى غزالةَ في الوغَى ** بل كان قلبك في جناحي طائرِ
صدعت غزالة قلبه بفوارسٍ ** تركت مدابره كأمسِ الدابرِ
ش
يقول الحجاج بن يوسف الثقفي: قد أخمدت فتنًا، وسيرت فتوحًا، وهزمت جيوشا، وأهلكت، وقتلت، وبنيت، وهدمت، وامسكت الدنيا كلها بقبضتي، وما قهرتني إلا أربع نساء .. أسماء بنت أبي بكر، و سكينة بنت الحسين، وغزالة الشيبانية، وهند بنت المهلّب ..
من هي غزالة الشيبانيّة التي يصفها التاريخ بالخارجيّة؟!
غَزَالة ( 77 هـ - 696 م)، من شهيرات النساء في الشجاعة والفروسية. امرأة شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانيّ. ولدت في الموصل، وخرجت مع زوجها على عبد الملك بن مروان سنة 76 هـ أيام ولاية الحجاج في العراق، فكانت تقاتل في الحروب قتال الأبطال. أشهر أخبارها فرار الحجاج الثقفي منها في إحدى الوقائع و تحصنه منها حين أرادت دخول الكوفة، وقد عيّره بذلك الشعراء. قتلها "خالد بن عتاب الرياحي" سنة 77 هـ.
سيرتها:
كانت غزالة شديدة البأس تقاتل قتالاً شديداً يعجز عنه الأبطال من الرجال، وقد بعث الحجّاج خمسة قوّاد لمحاربة شبيب، فهزمهم جميعاً، ثم خرج شبيب من الموصل يريد مهاجمة الكوفة ومعه غزالة، وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة أيضاً، وأسرع شبيب لملاقاته قبل وصوله الكوفة، ولكن الحجّاج كان أسرع منه، وخلال ذلك طالبته غزالة بمبارزتها بالسيف الا أنه خشي على نفسه منها فهرب وقد عيّره الشعراء بذلك.
وأثارت هذه الحادثة قريحة الشاعر عمران بن حطّان السدوسي الشيباني البكري الوائلي، وكان ملاحقاً من الحجّاج، فقال يعيّره بهروبه من اللقاء واختبائه في دار الإمارة فانشد قائلا:
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ
فتخاء تنفرُ من صفير الصَّافر.
هلاّ برزتَ إلى (غزالةَ) في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر.
دخول مسجد الكوفة
بعد ذلك النصر نذرت غزالة أن تدخل مسجد الكوفة فتصلّي فيه ركعتين، تقرأ في الأولى سورة «البقرة»، وفي الثانية سورة «آل عمران»، وهما أطول سورتين من سور القرآن الكريم، وطلبت من زوجها شبيب تحقيق هذا النذر الصعب، فلبى شبيب طلبها وسار برجاله الاشداء الى الكوفة عند الصباح، ومعه أمه جهيزة وزوجته غزالة وقد جاؤوا إلى الجامع في سبعين رجلاً، فصلّت فيه غزالة ركعتين وأوفت نذرها وهي محاطة بمظاهر التقدير والاحترام، في الوقت الذي بقي فيه الحجاج مختبئا في قصر الإمارة خوفا منها
وظلّ شبيب ومعه غزالة على رأس قوّة من الخوارج «الحرورية» يحاربون الحجّاج حتى هزموا له عشرين جيشاً في مدّة سنتين، وقد دخل شبيب الكوفة للمرّة الثانية على رأس ألف مقاتل ومعه غزالة على رأس مئتين من نساء الخوارج، وقد تقلّدن السيوف وحملن الرماح، ووصلوا إلى المسجد الجامع بعدما قتلوا حرّاسه ومن كان فيه، ونصّب شبيب غزالة على المنبر، فخطبت فيمن حضر.
وفاتها:
أرسل عبد الملك بن مروان جيوشاً عديدةً من الشام لمحاربة قوّات شبيب وغزالة، وقد استطاعت تلك القوّات وبعد معارك عنيفة أن تنتصر على قوّات شبيب، وقد قتلت غزالة في معركة قرب الكوفة قتلها (خالد بن عتاب الرياحي)، وحمل رأسها أحد الفرسان ليأخذه إلى الحجّاج، ولكن شبيب شاهده وعرفه، فأرسل إليه أحد فرسانه فقتله وعاد بالرأس إلى شبيب الذي أمر بغسله وتكفينه ودفنه، وقال شبيب فوق قبرها:
غزالة الشيبانية هي أقرب إليكم رحمًا.
• الخوارج الذين دوخوا الحجاج
الحدث التاريخي هو نواة التاريخ وسبب قيامه، والأبطال هم الذين يصنعون تاريخهم. ومثلما وجد أبطال من الرجال والنساء الذين أوفاهم التاريخ والمؤرخون حقهم ونالوا مكانتهم المميزة في الذاكرة الشعبية، وشاعت سيرهم، فان كثيرين غيرهم لا يقلون عن هؤلاء بطولة وتأثيرا، لم يأخذوا حقهم من الشهرة في الذاكرة الشعبية، ولم تنل سيرهم وأفعالهم حظها في الذيوع، أو ان انتشارها ظل محصورا في إطار مكاني محدود وفي افق معرفي ضيق.
قد يكون هؤلاء المغمورون معروفين لدى أهل العلم من المتخصصين والباحثين، أو مشهورين في بلدانهم أو طوائفهم أو جماعاتهم، لكن سيرتهم لم تتجاوز الإطار الجغرافي أو الزماني الذي صنعوا أحداثه.
في رمضان الماضي قدمنا سلسلة كان للرجال فيها حصة الاسد، وفي هذا العام نخصص مساحة لشخصيات مميزة من النساء اللواتي لم ينصفهن التاريخ، ومن اجل أولئك المغمورات في التاريخ نقدم هذه السلسلة. والى شخصية اليوم:
هي في كتب التواريخ والاخبار غزالة الخارجية او غزالة الحرورية او الشيبانية، من نساء الخوارج الثائرات. وكانت من شهيرات النساء في الشجاعة والفروسية.
ولدت في الموصل شمال العراق، وكانت تلك النواحي ديارا لقبائل بكر بن وائل وباقي قبائل ربيعة بن نزار.
وغزالة هي قاهرة الحجاج بن يوسف الثقفي احد الطغاة الكبار في التاريخ الاسلامي، وسبب قول البيت الشهير الذي قيل فيهما:
أسد علي وفي الحروب نعامة
شجاعة وبلاغة
وهي امرأة الزعيم الخارجي شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني الذي دوخ الحجاج والدولة الاموية عامين كاملين. وكانت غزالة قد قاتلت في تلك الحروب قتالا عجز عنه كمل الرجال، وكانت تقاتل في الحروب قتال الأبطال بحيث يضرب بشجاعتها المثل، وهي الى جانب شجاعتها من المعروفات بالبلاغة والفصاحة.
بعد زواجها من شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني الحروري اشتهرت بـ «الحرورية»، نسبة إلى «حروراء» وهي قرية في العراق لجأ اليها الخوارج في أول ظهورهم مَن الذين خرجوا من صفوف قوّات الامام علي ابن أبي طالب عقب موقعة صفّين معترضين على قبوله لمبدأ التحكيم رافعين شعار الحكم لله. وهؤلاء سمّوا فيما بعد بالخوارج، وسمّوا أيضاً بالشُّراة لأنهم ادّعوا أنهم شروا أنفسهم من الله بخروجهم ذاك.
حياتها
عُر.فَتْ غزالة واشتهرت بعد زواجها من شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني، وكان من فرسان عصره المعدودين بالبأس والشجاعة، وهو الذي عناه شاعر الخوارج عندما قال:
فمنا حصين والبطين وقعنب
ومنا أمير المؤمنين شبيب
قال عنه الجاحظ: كان يصيح في جنبات الجيش، إذا أتاه، فلا يلوي أحد على أحد.
وكان الخوارج قد أكثروا الخروج على دولة بني أمية ورفضوا خلافتهم وكان سواد العراق موطنهم ومقرهم.
خرج شبيب الخارجي ومعه زوجته وامه وكان خروجه في نواحي الموصل وهو في مائة وعشرين خارجيا. فارسل والي الجزيرة محمد بن مروان الاموي الى خالد بن جزء السلمي فبعثه في ألف وخمسمائة، ودعا الحارث بن جعونة العامري فبعثه في ألف وخمسمائة.
وانقض شبيب وأصحابه على العسكر يضاربونهم بالسيوف فقتلوا الحارث وانهزم العسكر نحو المدائن وحوى شبيب عسكرهم، وكان ذلك الجيش أول جيش هزمه شبيب.
وكان ذلك في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة 76هـ، وفي عام 77 هجري تحرك شبيب من الموصل يريد مهاجمة الكوفة ومعه زوجته غزالة.
وفي أيام ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق المعروف ببطشه وقسوته على الخارجين على الدولة، وكان الحجّاج وقتها في البصرة، فخرج مسرعا يريد الكوفة أيضاً، وأسرع شبيب لملاقاته قبل وصوله الكوفة، ولكن الحجّاج كان أسرع منه، فدخل الكوفة وتحصّن في قصر الإمارة خوفاً من ملاقاة شبيب وغزالة، وخلال ذلك طالبته غزالة بمبارزتها بالسيف الا أنه خشي على نفسه منها فهرب وقد عيّره الشعراء بذلك.
وأثارت هذه الحادثة قريحة الشاعر عمران بن ح.طّان السدوسي الشيباني البكري الوائلي، وكان ملاحقاً من الحجّاج، فقال يعيّره بهروبه من اللقاء واختبائه في دار الإمارة فانشد قائلا:
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ
فتخاء تنفرُ من صفير الصَّافر.
هلاّ برزتَ إلى غزالةَ في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر.
صدعت غزالة قلبه بفوارسٍ
تركت مدابره كأمس الدابر.
دخول مسجد الكوفة
بعد ذلك النصر نذرت غزالة أن تدخل مسجد الكوفة فتصلّي فيه ركعتين، تقرأ في الأولى سورة «البقرة»، وفي الثانية سورة «آل عمران»، وهما أطول سورتين من سور القرآن الكريم، وطلبت من زوجها شبيب تحقيق هذا النذر الصعب، فلبى شبيب طلبها وسار برجاله الاشداء الى الكوفة عند الصباح، ومعه أمه جهيزة وزوجته غزالة وقد جاؤوا إلى الجامع في سبعين رجلاً، فصلّت فيه غزالة ركعتين وأوفت نذرها وهي محاطة بمظاهر التقدير والاحترام، في الوقت الذي بقي فيه الحجاج مختبئا في قصر الإمارة خوفا منها، فقال اهل الكوفة: وفت الغزالة نذرها.. يا رب لا تغفر لها.
وظلّ شبيب ومعه غزالة على رأس قوّة من الخوارج الحرورية يحاربون الحجّاج حتى هزموا له عشرين جيشاً في مدّة سنتين فيها بعث الحجاج عتاب بن ورقاء الرباحي فلقى شبيباً بسواد الكوفة، فقتل شبيب عتابا وهزم جيشه. ثم جهز الحجاج له الحرث بن معاوية الثقفي، فقتل الحرث أيضا فوجه الحجاج له أبا الورد البصرى فقتله أيضا، فوجه له طهمان مولى عثمان فقتله أيضا.
ثم أغار شبيب على الكوفة للمرّة الثانية على رأس ألف مقاتل ومعه غزالة على رأس مئتين من نساء الخوارج، وقد تقلّدن السيوف وحملن الرماح.
فدخلوا الكوفة وبلغوا السوق وضرب شبيب باب القصر بعموده فأثر فيه أثرًا عظيمًا ثم وقف عند المصطبة وقال: عبد دعي من ثمودٍ أصله لابل يقال أبو أبيهم (يطعن بنسب الحجاج وقبيلته ثقيف).
وصل الخوارج إلى المسجد الجامع بعدما قتلوا حرّاسه ومن كان فيه، ونصّب شبيب غزالة على المنبر، فخطبت فيمن حضر.
وأرسل الحجاج جيشا بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث لقتال شبيب الخارجي، لكن شبيبا بدد ذلك الجيش، وفر المنهزمون عائدين إلى الكوفة، وأقبل شبيب الخارجي بجيشه من الكوفة فعسكر على مقربة منها ثلاثة أيام.
وكان سفيان بن الأبرد وعسكر الشام قد دخلوا الكوفة فشدوا ظهر الحجاج واستغنى به وبعسكره عن أهل الكوفة فقام الحجاج عن المنبر فقال: يا أهل الكوفة لا أعز الله من أراد بكم العز ولا نصر من أراد بكم النصر، اخرجوا عنا فلا تشهدوا معنا قتال عدونا انزلوا بالحيرة مع اليهود والنصارى.
وخرج الحجاج من القصر فجمع من في الكوفة وسار بهم حتى بلغ الموضع الذي يعسكر فيه شبيب فنزل عن فرسه ونادى في جنوده: يا جند الشام أنتم أهل السمع والطاعة والصبر اليقين، فلا يغلبن باطل هؤلاء الخوارج الأرجاس حقكم.. غضوا الأبصار واجثوا على الركب واستقبلوهم طعناً بأطراف الرماح؟
سمع شبيب والخوارج ما نادى به الحجاج جند الشام،
فصاحوا: لاحكم إلا الله.
مقتلها
وهجم الخوارج فثبت لهم عسكر الحجاج، وأمر شبيب فرسانه بالنزول عن خيلهم فنزلوا، فقاتلهم عساكر الشام وصدوهم، وقتلوا غزالة زوجته ثم قتلوا أخا شبيب مصاد. وركب شبيب وأصحابه خيلهم واستطاعوا الفرار.
وقاتل غزالة هو خالد بن عتاب الرياحي، وقد حمل رأسها أحد الفرسان ليأخذه إلى الحجّاج، لكن شبيب شاهده وعرفه، فأرسل إليه أحد فرسانه فقتله وعاد بالرأس إلى شبيب الذي أمر بغسله وتكفينه ودفنه، وقال شبيب فوق قبرها: هي أقرب إليكم رحماً. يعني غزالة. وكان تاريخ مقتلها في 77هـ الموافق ـ 696م
مصرع شبيب
بعد مقتل زوجته وأخيه وتلقيه أول هزيمة على يد الحجاج أقام شبيب في شرق العراق واستراح هو وأصحابه. وتفاءل الحجاج وجاءه المدد من الخليفة عبد الملك بن مروان، فأخرج الأموال وفرقها في الجند. وعقد الحجاج لسفيان بن الابرد أميراً، فسار بهم حتى التقى بالخوارج عند جسر على نهر دجيل، فعبر شبيب بعسكره الجسر إلى سفيان وجنوده. وسقط الكثير من الفريقين في ماء نهر دجيل، ثم رجع كل فريق إلى مكانه الذي كان قد انطلق منه على جانبي النهر. ثم حاول شبيب أن يفاجئ جنود الحجاج ليلاً، فلما انتهى مع أصحابه إلى الجسر قال لهم: اعبروا. فعبروا وتخلف هو في آخرهم.. فلما جاء ليعبر وهو على حصانه نزا الحصان على فرس أثنى فوق الجسر والماء يموج من تحته، فارتج الحصان وزل حافراه وسقط بشبيب في الماء.
فلما سقط شبيب صاح «ليقضي الله أمرا كان مفعولاً». وانغمس في الماء ثم ارتفع قليلا فقال: ذلك تقدير العزيز العليم. ثم جرفه التيار وغرق.
شعر الخوارج بغرق شبيب فصرخوا بصوت واحد: غرق أمير المؤمنين؟
وكان الخوارج ينادونه بأمير المؤمنين، وقد بايعوه على مقاتلة المسلمين أينما كانوا.
وسمع القائد سفيان بن الأبرد صراخ الخوارج حزناً على أميرهم شبيب فعلم ان شبيبا قد غرق. فكبر سفيان وجنوده، ووثبوا إلى النهر فاستخرجوا جثته وشقوا جوفه وأخرجوا قلبه، فوجدوه صلباً كالحجر. فصار الجنود يضربون به الأرض فيثب عنها ذراعين أو ثلاثة وثبة الذئب أو النمر.
وقبض الجنود على أمه جهيزة، فقالوا لها: إن شبيباً قد قتله الله!
فلم تصدقهم وقالت: لا يقتله الله أبدا.
قالوا لها: فإنه قد غرق!
صاحت ام شبيب وقالت: أما الغرق فإني لا أكذبه، فإني حين حملت به رأيت في منامي أن شهاباً من النار قد خرج مني. والشهاب لا يطفئ.