"سيف الدين قطز"...أمير من بلاد بعيدة
عندما قرأت قصته في رواية"وإسلاماه" منذ عدة سنوات ,لم أكن أصدق وقتها ان تكون كل تلك الدراما القصصية حدثت في الواقع.
"سيف الدين قطز" بطلنا المسلم الذي نعرفه منذ أن كنا صغاراً,ذلك البطل المغوار الذي صد هجمات التتار ووقف أمامهم كالسد المنيع قائداً لجيش مصر العظيم,حامياً بلاد العرب وأوروبا وسائر الأرض من هجمات ما قيل عنهم أنهم أحفاد يأجوج ومأجوج!
ولكن..فلنعود قليلا إلى الوراء ..إلى ما قبل "عين جالوت"..قبل تولي "قطز "حكم مصر..ربما قبل مجيئه إلى أرض مصر.
هناك بعيداً..في مملكة بعيدة في بلاد ما وراء النهرين ..
لم يكن أسمه "قطز" إنما كان اسمه الحقيقي الأمير"محمود بن ممدود" إبن الأمير ممدود وجهان خاتون بنت خوارزم شاه ملك بلاد ما وراء النهر (بلاد فارس الآن) وكان أبوه قائداً لجيوش المملكة الخوارزمية وكانت هناك مناوشات وحروب بين التتار وخوارزم شاه إلى ان مات جده وأصبح خاله "جلال الدين" هو الملك وظل في حرب دائرة بينه وبين التتار ,وكانت لديه ابنه هي الاميره "جهاد" إبنة خال الأمير"محمود", فكانا أمير وأميرة تربيامعاً على حسن الخلق وحب الإسلام..
وقد نشأ بطلنا الصغير على الحمية الإسلامية وتدرب على فنون الفروسية وأساليب القتال وفنون الإدارة وطرق القيادة فنشأ شابًّا فتيًّا أبيًّا محبًّا للدين معظمًا له قويًا جلدًا صبورًا.. فإذا أضفت إلى ذلك كونه ولد في بيت ملكي، وكانت طفولته طفولة الأمراء وهذا أعطاه ثقة كبيرة بنفسه، فإذا أضفت إلى ذلك أن أسرته هلكت تحت أقدام التتار وهذا -بلا شك- جعله يفقه جيدًا مأساة التتار.
وليس من رأى كمن سمع.. كل هذه العوامل صنعت رجلاً ذا طراز خاص جدًا، يستهين بالشدائد، ولا يرهب أعداءه مهما كثرت أعدادهم أو تفوقت قوتهم.
التربية الإسلامية العسكرية، والتربية على الثقة بالله، والثقة بالدين، والثقة بالنفس كانت لها أثر كبير في حياة قطز رحمه الله.
ولكن بطلنا الأمير "محمود" لم يكن يدري ما يخبئه له الدهر,لم يكن يدري أنه يوماً ما سيفترق عن أهلعه وأرضه ومملكته.
كان يعتقد كأي أمير محارب في سنه أنه يوماً ما سيصبح ملكاً على مملكته ويحارب التتار,كما فعل جده وابيه وخاله من قبل.
ولكن الأيام جاءت على غير ما توقع..
حيث ظل خاله "جلال الدين" في حرب مع التتار إلى ان تشتت جنده وكاد ان يهزمه الجيش التترى وفقد ابنته جهاد وابن اخته محمود وهم كل ما تبقى من عائلته وبيعا جهاد ومحمود في سوق العبيد تحت أسماء جديدة جلنار (جهاد) وقطز (محمود)
كان سيف الدين قطز عبدًا لرجل يسمى "ابن الزعيم" بدمشق ثم بِيع من يدٍ إلى يد حتى انتهى إلى "عز الدين أيبك" من أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر.
وابنة خاله "جهاد"أصبحت جارية من جواري الملكة شجرة الدر في مصر.
لم يكن يدري الأمير "محمود"أن الملوك والأمراء قد يصبحون بين ليلة وضحاها عبيداً في بلاد غريبة وبعيدة ..وقد ضاعت مملكة أجدادهم وأرضهم.
ولكن الله سبحانه قال "قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
كما يروي انه قال للعز بن عبد السلام أنه رأى رسول الله- صل الله عليه وسلم- وقد بشَّره بأنه سيملك مصر ويكسر التتار فهناه واكد له ماراى، وهذا يعني أن الرجل كان يعتبر نفسه صاحب مهمة، وأنه من الصلاح بحيث رأى رسول الله
وتدرج في المناصب حتى صار قائدًا لجند أيبك، ثم قائدًا للجيوش عندما تولى "عز الدين أيبك" السلطنة مع شجرة الدر.
لماذا إسم "قطز"
اسم قطز أسماه له التتار حيث قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم له.. ومعنى قطز بلغتهم المغولية "الكلب الشرس".وربما يكون تجار الرقيق هم الذين أعطوه هذا الاسم. قطز من بين الأطفال الذين حملهم التتار إلى دمشق وباعوهم إلى تجار الرقيق.
وهكذا نسى الناس اسمه..وربما إشتاق هو إلى أن يناديه أحدهم يوما ما.."محمود"
ربما أصبح هذا الإسم لم يعرفه أحد غير إبنه خاله"جهاد"
ما كان شكله؟ وصفاته؟
وقد وُصف قطز بأنه كان شاباً أشقر، كث اللحية، بطلاً شجاعاً عفاً عن المحارم، مترفعاً عن الصغائر مواظباً على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار، تزوج من إبنه خاله "جهاد""جلنار" ولم يخلّف ولداً ذكراً بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئاً بعده.
حكم مصر:
اتخذ قطز القرار الجريء، عندما إعتلي بنفسه عرش مصر.حدث هذا الأمر في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 657 هـ، أي قبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام.. ومنذ أن صعد قطز إلى كرسي الحكم وهو يعدّ العدّة للقاء التتار.
انتقامه من التتار:
تراصَّ الجميع خلف قطز: شعبًا وأمراءً وعلماءً؛ فبدأ التجهيز العسكري للمعركة، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا على فجرٍ جديد انبثق من سهل عين جالوت؛ إذ التقى الجيشان: المسلم والتتري، وقاتل قطز رحمه الله قتالاً عجيبًا
وعندما اشتد القتال في عين جالوت على المسلمين ..وشعروا أنهم سيهزمون ..وابتلي المؤمنون، وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، كانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية، ورأى قطز -رحمه الله- كل ذلك.. فانطلق يحفز الناس،
ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة: واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه.
قالها ثلاث مرات، ثم قال في تضرع: "يا الله!! انصر عبدك قطز على التتار..!!".
ما إن انتهى من دعائه وطلبه -رحمه الله- إلا وخارت قوى التتار تمامًا..
وقضى المسلمون تمامًا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر..
وأُبِيدَ جيش التتار بكامله، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم
{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126].
مقتل السلطان "قطز"
هناك الكثير من الروايات على مقتل الامير"قطز" ولكنها جميعا ذات معنى واحد..وهي أنه قُتل غدراً بمساعدة الأمير "بيبرس" صديق رحلته من العبودية حتى حكم مصر
ففي رواية من تلك الروايات تقص مقتل قطز على هذا النحو:
"عندما إنتهى قطز من حرب التتار وهزيمتهم وتحرير الشام قفل راجعا إلى مصر ولما بلغ بلدة "القصير" من أرض الشرقية بمصر بقي بها مع بعض خواصه، على حين رحل بقية الجيش إلى الصالحية، وضربت للسلطان خيمته، وهناك دبرت مؤامرة لقتله نفذها شركاؤه في النصر، وكان الأمير بيبرس قد بدأ يتنكر للسلطان ويضمر له السوء، وأشعل زملاؤه نار الحقد في قلبه، فعزم على قتل السلطان، ووجد منهم عونًا ومؤازرة، فانتهزوا فرصة تعقب السلطان لأرنب يريد صيده، فابتعد عن حرسه ورجاله، فتعقبه المتآمرون حتى لم يبق معه غيرهم، وعندئذ تقدم بيبرس ليطلب من السلطان امرأة من سبى المغول فأجابه إلى ما طلب، ثم تقدم بيبرس ليقبل يد السلطان شاكرًا فضله، وكان ذلك إشارة بينه وبين الأمراء، ولم يكد السلطان قطز يمد يده حتى قبض عليها بيبرس بشدة ليحول بينه وبين الحركة، في حين هوى عليه بقية الأمراء بسيوفهم حتى أجهزوا عليه، وانتهت بذلك حياة بطل عين جالوت."
-ويُقال أيضاً أن زوجته الاميره"جهاد""جلنار" أُستشهدت قبله في أحدى معارك التتار رحمها الله
ولكن الأمير "بيبرس" ندم أشد الندم على قتله صديقه"قطز" بعدما حدث كثير من سوء الفهم بينهما
وانه تبين له انه كان على خطأ , فأعلن ذلك فى شجاعة وبسالة
وخدم العدل والاصلاح فى مملكته كتكفير عما قام به
ويوماً ما..حينما كان "بيبرس" ينظر في بعذ الأشياء الخاصة بالسلطان"قطز" رحمه الله ..وجد ما يدل على أنه هو نفسه الأمير"محمود بن ممدود" أمير مملكة خوارزم شاه البعيدة ..
واصطفاه الله الأمير"محمود" كما أكرمه بالشهادة وادخر شهرته وجزاءه العظيم له في الآخرة لذلك فهو مغمور في الدنيا، وأن له دورًا في صناعة التاريخ، وتغيير الواقع الأسيف الذي يحيط به من كل جانب.ولا شك أن قطز ورضى عنه كان مبعوث رحمة الله ومبعوث العناية الإلهية بالأمة العربية والإسلامية وبالعالم كي يخلص العالم من شروخطر التتار للأبد
استشهد البطل "قطز" بعيداً عن أرضه وبلاده التي لم يعود إليها يوماً..ولكنه حقق حلم وانتقام في قتال التتار وإنتصاره عليهم ..
كان أميراً..ثم عبداً..ثم ملكاً