ابن بطوطة .. الرحالة الأعظم على مر العصور
عادة ما يذهب لقب ” المسافر الأكثر شهرة في التاريخ ” إلى الرحّالة المعروف ” ماركو بولو ”
وهو الإيطالي العظيم الذي زار الصين في القرن الثالث عشر الميلادي , ولكن على الرغم من ذلك نجد
أنه بعيد عن مسارات الرحالة المسلم ” ابن بطوطة ” – على الرغم من انه لم يكن معروفاً خارج
العالم الإسلامي وقتها – ولكنه قضى نصف حياته وهو يتجول في مناطق شاسعة في نصف الكرة
الشرقي , وسافر خلال رحلاته عن طريق البحر , ووقوافل الجمال , وكذلك سيراً على الأقدام .
غامر ” ابن بطوطة ” في أكثر من 40 دولة حديثة , وكان غالباً ما يضع نفسه في أخطار شديدة
لإرضاء غريزة حبه للمغامرة , وعندما عاد إلى وطنه بعد 29 عاماً , سجّل مغامراته في كتابه
المعروف ” تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ” المعروف أيضاً باسم “رحلة ابن
بطوطة ” .
السفر شغفه الأول
– ولد ابن بطوطة في طنجة في المغرب في عام 1325 , منحدراً من أسرة من القضاة المسلمين ,
واسمه ” محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي” , وعلى الرغم أننا لا نعرف الكثير
عن عائلته أو سيرة حياته , لأن مصدرنا الوحيد لمعرفة قصة حياته هو ” كتاب الرحلة “وكان نادراً
ما يذكر ” ابن بطوطة ” المسائل العائلية وحياته الخاصة في كتاب رحلاته , إلا أن المؤرخون قد
استخلصوا إلى أنه بدأ تعليمه مثل معظم أطفال عصره في سن السادسة , وبدأت حياته العلمية بتعلّمه
للقرآن في طنجة , وفي سن الـ 21 عاماً غادر ابن بطوطة المغرب وحيداً قاصداً مكة المكرمة لقضاء
فريضة الحج , ولكنه أراد أيضاً دراسة الشريعة الإسلامية على طول الطريق .
بدأ ابن بطوطة رحلته وحيداً لم يؤنسه في طريقه سوى حمار , ولكن سرعان ما لحق بقافلة حجاج عندما
كان في طريقه شرقاً عبر شمال أفريقيا .
كانت الطريق وعرّة ومرتعاً لقطاع الطرق , وما زاد من الأمر سوءاً هو إصابه ابن بطوطة بحمى شديدة
لدرجة أنه اضطر إلى ربط نفسه بسرجه لتجنب الانهيار , وخلال ذلك الوقت تزوج ابن بطوطة بإمرأة
شابة وكانت زوجته الأولى قبل زواجه بتسع أخريات خلال رحلاته .
ابن بطوطة يرى العالم
– في مصر درس ابن بطوطة الشريعة الإسلامية , وقام بجولة في الأسكندرية وفي مدينة القاهرة ,
والتي وصفها بأنها ” منقطعة النظير في الجمال والروعة ” .. ثم غادر ابن بطوطة إلى مكة ,
حيث قام بفربضة الحج , وقرر بعدها مواصلة التجول في بلدان العالم الإسلامي .
ابن بطوطة في مصر –
ادعى ابن بطوطه أن حلماً غريباً راوده .. يتلخص حلمه في أنه رأى نفسه على جناح طائر كبير قام
برحلة طويلة باتجاه المشرق وتركه هناك .
فسّر أحد مفسري الأحلام هذا الحلم لابن بطوطه , وكان مفاده أنه سوف يتجول عبر الأرض .. وهذا
بالفعل ما أراده الشاب المغربي ( ابن بطوطه ) في ذلك الوقت , وعزم على تحقيق النبوءة .
كانت السنوات القليلة التالية موسماً زاخراً بالسفر بالنسبة لابن بطوطة , فقد انضم إلى قافلة وقام بجولة
في بلاد فارس والعراق , ثم غامر شمالاً فيما بعد إلى أذربيجان , وبعد رحلة أخرى في مكة , قام بالسفر
عبر اليمن , وقام برحلة بحرية إلى القرن الأفريقي ( شبه الجزيرة الصومالية ) , وهناك زار مدينة
مقدشيو قبل أن يتجه أسفل خط الإستواء ويستكشف سواحل كينيا وتنزانيا .
وعند مغادرته أفريقيا , وضع ابن بطوطة خطة للسفر إلى بلاد الهند , حيث كان يأمل في الحصول على
وظيفة مريحة ” كقاضي إسلامي ” , ولذلك اتبع طريقاً متعرجاً نحو الشرق , حيث عبر أولاً
مصر وسوريا قبل الإبحار إلى تركيا , وقد اُعتمد داعية اسلامي في البلاد التي سيطر عليها المسلمون
لكسب كرم الضيافة من السكان المحليين .
ومن تركيا , عبر ابن بطوطة البحر الأسود , وهناك دخل في منطقة تحكمها القبائل الذهبية أو مغول
الشمال ( وهي قبائل أصبحت فيما بعد من خانات تركيا ” وكانت تُعرف باسم جماعات الـ الأوزبك
Uzbeg , وقد رحبت تلك القبائل بقدوم ابن بطوطه وأكرموا ضيافته .
ثم زار ابن بطوطة مدينة بيزنطية في تركيا – وكانت تلك أول مرة يزور فيها مدينة كبيرة غير مسلمة
– ولم يفوّت زيارة كتادرائية ” آيا صوفيا ” والتي تحولت إلى مسجد في عهد محمد الفاتح ثم إلى
متحف ديني عام 1935 .
واندهش ابن بطوطة من وجود مجموعة لا تحصى من الكنائس المسيحية داخل أسوار المدينة , والتي
بُنيت على الطراز البيزنطي الفريد .
بعد ذلك سافر ابن بطوطة باتجاه الشرق عبر السهوب الأوروبية والأسيوية قبل أن يدخل الهند عبر
أفغانستان والهندوكوش – وهي سلسلة جبال في أفغانستان وشمال غرب باكستان .
وبعد وصوله إلى مدينة دلهى بالهند في عام 1334 , حصل على وظيفة قاض إسلامي وذلك في عهد
” محمد توغلوك ” – وقد كان سلطان إسلامي قوي .
مرت على ابن بطوطة عدة سنوات كان يعمل فيها هذا العمل اليسير , وقد تزوج وأنجب أيضاً عدة أبناء
, ولكن ابن بطوطه كان يشعر دائماً بالقلق من السلطان المتقلب المزاج , والذي اُشتهر بتشويه وقتل
أعداءه – أحياناً عن طريق إطلاق الأفيال عليهم بعد ربط أنيابها بالسيوف !
أراد ابن بطوطة الهرب , وبالفعل نجح في ذلك في عام 1341 , عندما اختاره السلطان كمبعوث إلى
بلاط المغول في الصين , وانطلق ابن بطوطة بالفعل إلى الصين على رأس قافلة كبيرة محملة بالهدايا
والعبيد .
وستكون تلك الرحلة إلى الشرق هي الفصل الأكثر إثارة للمشاعر في ملحمة ابن بطوطة .
فقد هاجم بعض متمردو الهندوس قافلته أثناء رحلتها إلى الساحل الهندي , وقاموا بخطف ابن بطوطه
وسرقوا منه كل شيء ماعدا سرواله , حتى تمكن ابن بطوطه من الوصول إلى ميناء كاليكوت , ولكن
عشية رحلته البحرية , هبّت عاصفة عاتية , أطاحت بسفينته في البحر , مما أدى إلى مقتل الكثيرين من
رفاقه ومن طاقم السفينة .
ظل الحظ العاثر يتتبع خطوات ابن بطوطة مسبباً سلسلة من الكوارث أنهكته براً وبحراً , وكان أيضاً
يكره العوده إلى دلهي ومواجهة السلطان , ومع ذلك اختار ابن بطوطة أن يقوم برحلة بجرية جنوباً إلى
أرخبيل المحيط الهندي في جزر المالديف .
بقى ابن بطوطة في تلك الجزر الشاعرية لمدة سنة , , وتزوج عدة مرات هناك , ومرة أخرى تم تعينه
كقاض إسلامي .
مقتطفات ,,,
كان ابن بطوطة حافظاً للقرآن الكريم عن ظهر قلب , حتى أنه أشار عدة مرات في كتاب رحلاته , إلى
أنه كان يقرأ القرآن الكريم كاملاً بصوت عالٍ في يوم واحد أثناء سفره .
كتب ابن بطوطة حوال 58 صفحة في كتابه لوصف مكة , وبيت الله الحرام , والكعبة , وكذلك وصف
شعائر الحج , وتقاليد أهل مكة وأسواقها وطباع الناس هناك .
في الوقت الذي كان استخدام الحصان كوسيلة للسفر , كان هذه هي الوسيلة التي توفر أكبر سرعة
يمكن ان يصل إليها البشر في ذلك الوقت , وكان السفر لمسافة 120,000 كيلو متر , أو
75,000 كيلو متر , يمكنها أن تستغرق 30 عاماً , إذا كانت السرعة ثابتة .