ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: أنسنة الملكية الفكرية الثلاثاء 07 يناير 2014, 12:25 am | |
| [rtl]أنسنة الملكية الفكرية[/rtl] [rtl]
[/rtl] [rtl]
سامح المحاريق - كان مرض شلل الأطفال يشكل هاجسا مرعبا للأسر التي يمكن أن يصاب أطفالها بالمرض دون مقدمات، وكذلك الحكومات التي كانت تواجه مشكلة جمة ترتبط بأعداد كبيرة من المصابين بالمرض، فالولايات المتحدة وحدها كانت تضم عشرات الآلاف من المصابين في مطلع القرن العشرين، ومن أشهرهم بالطبع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وهو الوحيد بين رؤساء الولايات المتحدة الذي جرى انتخابه لمنصب الرئاسة أربع مرات، والمرض المرعب كان تأثيره أوسع في الدول الفقيرة والنامية، وفي هذا السياق تصدى مجموعة من الباحثين لمحاولة الحصول على لقاح أو تطعيم أو دواء ضد المرض، حتى تمكن الطبيب يوناس سولك من الوصول إلى المطعوم الخاص بالمرض لينقذ الطفولة من مخاطر المرض الذي لا يحمل فقط آثارا صحية وجسدية سلبية للغاية، وإنما يضرب نفسية الطفل، ويجعله غير قادر على ممارسة ما تستدعيه الطفولة من نزعة للمغامرة وحب الاكتشاف، وبذلك كانت سنة 1953 التي توصل فيها سولك إلى مطعوم شلل الأطفال نقطة تحول في مسيرة الطفولة.
يوناس سولك كان يمكن أن يكون واحدا من الأثرياء المعدودين حول العالم، فقط كان يتوجب عليه أن يستغل حقوق ملكيته الفكرية ويبيع تركيبة المطعوم الذي توصل إليه بعد جهود مضنية لبعض الشركات، لتحتكره بدورها لسنوات، وتحقق أرباحا هائلة، ولكنه بدلا من ذلك، رفض تماما أن يبتز الإنسانية مقابل منحها المطعوم الذي حول مرض شلل الأطفال إلى جزء من الماضي، ولم يتحصل على أي عوائد مادية مجزية، وكذلك، لم يتم تكريمه بجائزة نوبل في الطب، مع أن أصحاب انجازات متواضعة قياسا بها حصلوا على الجائزة رفيعة المستوى، كل ما حصل عليه سولك هو ارتباط المطعوم باسمه، وتسميته بالأب الروحي لفلسفة الأحياء. شخصية سولك الذي رحل عن العالم سنة 1995، وهو يحاول البحث عن مطعوم أو دواء لمرض الأيدز، يجب أن تستعاد اليوم، ويجب أن تقف في مواجهة التوظيف الخاطئ لحقوق الملكية الفكرية في مجال الأدوية التي تجعل مجموعة من الشركات الكبرى حول العالم تحتكر أدوية ضرورية لسنوات، وتحول دون وصولها إلى الفقراء في الدول النامية، بحجة أنها ترغب في تعويض ما استثمرته على الأبحاث من أموال، صحيح أن هذه الحجة تبدو صحيحة للوهلة الأولى، ولكن هذه التعويضات التي تدعي الشركات أحقيتها بها، دائما ما تتجاوز أية حدود مقبولة أو معقولة، وتتحول إلى أرباح فاحشة على حساب الإنسانية المرهقة أصلا بكثير من مشكلاتها في العصور الحديثة. أسهمت شركات الدواء بهذه الأسلوبية في العمل في تدجين البحث العلمي، وتحويله إلى مجرد وظيفة ترتبط العائد المادي، والراتب الأفضل، والحوافز الأعلى، وتحويل العالم من موقعه البطولي في التاريخ، إلى مجرد أداة أو ترس في حلقة كبيرة من العملية الانتاجية التي تسعى إلى الربح وحده، لا غيره، ولذلك بدت العلوم الحيوية وكأنها تعاني من التعثر المؤقت نتيجة تغيب الجانب الإنساني عنها، فالاكتشافات الكبيرة التي شكلت فصلا مهما من القرنين التاسع العشر والعشرين، بدت وكأنها تتباطأ حاليا، مع أنها، وأمام منطق العوائد المجزية يجب أن تتسارع بصورة كبيرة، ولم يعد ممكنا اليوم أن يحتضن العالم علماء بحجم ألكسندر فلمنج، مكتشف البنسلين، أو لويس باستور مؤسس علم المناعة. بما أن الحقوق، يفترض ألا تسقط بالتقادم، فهل يمكن لشركات الأدوية الحالية أن تبحث عن ورثة الرازي وابن سينا وابن النفيس، وتقوم بتعويضهم ماديا عن حقوق الملكية الفكرية لما قدمه أجدادهم البعيدون من اسهامات جليلة في مسيرة تقدم العلوم الطبية، خاصة أنهم بالتأكيد، أي الأحفاد الحاليين لهذه القامات العلمية، يعانون، غالبا، من ظروف مادية سيئة، وبعضهم ما زالوا اليوم بدون وظيفة تحقق لهم حياة كريمة كالتي يحظى بها موظفي شركات الأدوية الكبرى. يجب إعادة النظر في حقوق الملكية الفكرية ككل، لا يعني ذلك تقويضها، ولكن العمل على أنسنتها، وتحييدها من الدور الذي تلعبه في تعميق الهوة بين الدول المتقدمة والمتخلفة، وعندما تتعلق المسألة بصحة الإنسان، وحقه في الحياة، فذلك يجب أن يشكل ضرورة ملحة وطارئة، أما عن بقية الحقوق في المعرفة، فهذه مسألة يمكن تأجيلها قليلا، ولكن ليس للأبد أيضا، وعلى شركات الأدوية أن تتقدم بدراسات اقتصادية حقيقية ومنطقية حول مدى حاجتها للتحصن بالملكية الفكرية، والأثر الذي يخلفه ذلك على بقائها وربحيتها، فهي اليوم تبدو في موضع الاتهام، كما ويجب أن تعود الجامعات، وخاصة الرسمية، لممارسة دورها في البحث العلمي بتمويل من المجتمع ومن التبرعات الصغيرة التي يقدمها الناس، لا أن تقف على أبواب الشركات تستجدي منها حصة من تبرعاتها المعفاة من الضريبة، وتبقى أسيرة علاقة غير صحية معها، فكثير من المعاهد البحثية الجامعية اليوم ممولة من شركات تتدخل كثيرا في حرية البحث العلمي، وفي توجهاته، وترسم أولوياته، وهو الأمر الذي لا يمكن مواجهته إلا بتفعيل أنظمة المشاركة المجتمعية في رعاية البحث العلمي، وبالطبع، مشاركة الدولة التي يجب أن تكون مدروسة ومخططة بصورة جيدة، فذلك الطريق الذي يمكن تحقيق التقدم من خلاله، وكسر حلقة مغلقة من السيطرة والتحكم التي تتأسس على تبعية العلم وسلبيته.[/rtl] |
|