قصة الحياة.. مع قطرة الماء
كيف نشأت الجزيئات العضوية الكبيرة التي أطلقت الحياة على الأرض؟ .
قد يكمن الجواب في قطرة صغيرة من الهباء الجوي، علماً أن هذا النوع من التفاعل الكيماوي يحصل بوتيرة أسرع وسط هذه البيئة.
إنشاء جزيئة كبيرة واحدة أشبه بجمع أحجية من المجسمات المقطعة. إذا رمينا الأحجية على الأرض، من المتوقع أن تتبعثر القطع بدل أن تتوزع في مواقعها الصحيحة. لجمع الأحجية كما يجب، يجب أن نبذل الوقت والطاقة لترتيب النظام.
كذلك، حين تقوم خلية في الجسم بتشكيل جزيئة معقدة مثل الحمض النووي، يجب أن تستنزف الطاقة خلال عملية الجمع. لكن قبل تطور الحياة، لم تتواجد أي آلية خلوية لبناء هذه الجزيئات المنظمة. كيف تشكّلت إذاً؟
قال سيلفان لادام من جامعة {إمبريال كوليدج لندن}: {يجب أن نجد الآلية التي توافرت فيها الطاقة لتشكيل هذه الجزيئات وإنتاج أكبر جزيئة ضرورية لتفسير أصل الحياة}.
ربما وجد لادام ومعاونوه من فرنسا وألمانيا وماساتشوستس تلك الآلية داخل قطرة ضئيلة. يصفون العملية في دراسة بحثية جديدة نُشرت في {رسائل المراجعة الجسدية}: تتحرك التفاعلات الكيماوية حيث تجتمع جزيئتان لتشكيل جزيئة جديدة بوتيرة أسرع بكثير في هذه البيئة المحصورة.
لقياس سرعة التفاعل، اختار الباحثون تفاعلاً يسهل مراقبته: تشكيل جزيئة فلورية من جزيئتين لا تحملان الطبيعة الفلورية. أولاً، خلط الفريق جزيئات أصغر حجماً في الماء. ثم استعمل قنوات محددة على رقاقة صغيرة لجمع الماء مع الزيت، ما يولّد قطرات صغيرة مغطاة بالزيت ويتوقف حجمها على عرض القناة الذي يتراوح بين 8 ميكرون (أي بحجم خلية دم بشرية) و34 ميكرون.
من خلال قياس نسبة الزيادة في الخصائص الفلورية، تمكن الباحثون من مراقبة مدى سرعة تطور التفاعل. كذلك شاهدوا الجزيئة المتوهجة التي تشكلت بوتيرة أسرع وبفاعلية أكبر في القطرات الصغيرة أكثر مما تفعل في مخزون أكبر من الماء. كلما كانت القطرة أصغر، يحصل التفاعل بوتيرة أسرع.
يحصل ذلك لأن القطرات الصغيرة لديها سطح كبير مقارنةً بحجمها. يوضح لادام: {على سطح القطرة الصغيرة، يمكن تشبيه التركيبة بطائرة ثنائية الأبعاد. عند توافر بعدين، يكون احتمال التقاء الجزيئتين أعلى بكثير}.
يعني ذلك أن احتمال التقاء الجزيئات غير الفلورية واندماجها وإنتاج جزيئة فلورية يرتفع حين تكون موجودة على سطح القطرة. لكن في وسط القطرة، يمكن أن تتفكك الجزيئة الكبيرة. هذا ما يولّد منافسة بين السطح حيث تتشكل الجزيئات الكبرى والحجم حيث تهيمن الجزيئات الأصغر حجماً. تزامناً مع تقلص القطرات، تنمو منطقة السطح نسبةً إلى حجمها. هذا ما يرجّح الكفة لصالح تشكيل جزيئة فلورية كبيرة وتسريع التفاعل.
قالت فيرونيكا فايدا من جامعة كولورادو- بولدر: {يشير هذا المثال بالتفصيل إلى أن هذه العملية الكيماوية تكون أكثر تناسباً على سطح هذه القطرات، وبالتالي هي تتوقف على حجم القطرة}.
لم تشارك فايدا في الدراسة الجديدة لكنها تجري أبحاثاً عن الهباء الجوي، أي قطرات المياه الضئيلة التي تتشكل على سطح المحيط. عند اجتماع جزيئات الهباء الجوي، يصبح سطحها أكبر من المحيط وتميل إلى حمل مجموعة متنوعة من الجزيئات العضوية.
بما أن الهباء الجوي الذي ينشأ طبيعياً يتماشى مع الجزيئات العضوية، اعتبرت فايدا ومعاونوها سابقاً أنهم يستطيعون تعزيز أولى ركائز الحياة. يدقق البحث الجديد بنوع مختلف من القطرات، لكنه يوفر تفسيراً عن كيفية تحفيز الهباء الجوي القديم للنمو الجزيئي على الأرض في أولى أيامها.
وجدت فايدا مؤشرات أخرى تشير إلى أن سطح القطرات الكبير كان أساسياً لتطور الحياة. كذلك راقبت روابط الببتيد التي تساهم في تماسك البروتينات التي تتشكل على السطح الواقع بين الماء والهواء.
عدا البحث عن أصل الحياة، يمكن أن تؤدي قطرات الهباء الجوي أيضاً إلى إنتاج مركّبات جديدة. يشير الباحثون إلى أن الجزيئات التي يصعب تصنيعها يمكن تطويرها في القطرات الصغيرة ثم استخراجها. تشرح فايدا الأمر قائلة: {سطح هذه القطرات مكان مميز جداً .