«صراصير» فى الحرم!!
لأول مرة نشاهد هذه الأعداد الهائلة من حشرة «الصرصور الحقلى» تغزو الحرم المكى، فى ظاهرة أحزنت قلب كل مسلم غيور على بيت الله المعظّم. يأتى هذا المشهد المؤلم بعد حادث انكشاف كسوة الكعبة عن جدرانها العتيقة، وبعد مهاجمة السيول المدمرة لما حول الحرم، وتلك أمور تدعو لوقفة للتفكُّر فيها.
فإذا كان المختصون يعزون هجوم هذه الحشرة إلى موافقة ذلك لموسم توالدها؛ فنسألهم: ولماذا قصدت الحرم دون غيره؟ ولماذا احتلته بأعدادها الرهيبة حتى غيرت معالمه وحتى حالت دون إقامة الصلوات فيه؟ فإذا كنا نوافقكم على أن لكل دابة موسمًا للفقس والتوالد؛ فإنا لا نوافقكم على أن هذه التظاهرة الاحتجاجية المليارية من هذه الدويبة أمام البيت وداخله أمر طبيعى، وإذا كنتم تجاملون الحكام برأيكم الغلط فلا يجب أن يكون ذلك على حساب العِلم الذى أقسمتم على خدمته وألا تجاملوا فيه أحدًا.
الأمر ببساطة؛ إنذار للقائمين على هذا البيت العتيق: أن كُفّوا عما يغضب الله، وتلك آيات بينات نرسلها إليكم كما أرسلناها إلى مَنْ قبلكم من الأقوام الذين حادّوا الله ورسوله، وذلك حرمه وبيته المعظم، فلا يصح أن يأتى من يفسد فيه وفى الوقت ذاته يدِّعى خدمته للإسلام. ومعلوم أن النُذُر فرصة للعاصى كى يتوب؛ فإن لم يتب وتمادى فى غيه سلبه الله ملكه، وهتك ستره وأهانه فماله يومئذ من مُكرم، ثم يأتى الله بمن يعرف لهذا البيت قدره، فلا تقربه آفة، ولا يغزوه سيل، ولا تنكشف كسوته.
وليعلم هؤلاء أن من غالب الله يُغلب، وأن الظلم ظلمات، وأن الذنوب مهلكة فهى تسلب المُلك، وتضيّق الواسع، وتسوّد وجوه أصحابها، وقد خلت القرون من قبلكم فانظروا ماذا فعلت تلك الذنوب بهم [(فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) [غافر: 21]، وكتاب الله بين أيدينا، وبه من التحذيرات لهؤلاء الأقوام العدد الكثير، وبه أيضًا ما حاق بهم جراء تكذيبهم (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137].
وإنى لأرجو الله تعالى أن يلهم هؤلاء الحكام رشدهم؛ فإنا -والله- لنفرح بتوبة التائبين وهدى المهتدين، ونغتم لتنكبهم صراط الله المستقيم، ولقد أصابنا الهمُّ لما نظموا حفلاً على الأرض التى أمر النبى -صلى الله عليه وسلم- بعدم المكث أو الإقامة فيها؛ فى تحدٍ لما جاء فى صحيح السنة، وقد ارتكبت فى هذا الحفل الرذائل والمنكرات، وارتفع أثناءه صوتُ الشيطان بالغناء؛ مخالفين قول النبى -صل الله عليه وسلم- وهو فى طريقه إلى تبوك لما مر بأرض قوم ثمود «مدائن صالح»: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم؛ لا يصيبكم ما أصابهم» وقد أمر أصحابه بإلقاء العجين وإهراق الماء إلا ما كان من البئر التى شربت منها الناقة.
واليوم يعملون عمل هؤلاء القوم المُعَذَبين؛ يكذبون بالآيات والنذر (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) [القمر: 23]، ويقعون فى الخطيئة ذاتها، يأمرهم الله بشىء فيخالفون أمره، ويكفرون بأنعم الله؛ كبرًا وعلوًا (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 4]، فهل ينتظرون ما فعل الله بهؤلاء القوم؟ وإذا كان الله قد استثنى هذه الأمة من العذاب، ورزقها العفو بالنبى والاستغفار فلم الإصرار على العصيان؟
لقد رزقكم الله من حيث لا تحتسبون، وأعطاكم -من غير سبب- ما أعطى آباءكم الأقدمين؛ كرامة لهذا البيت الذى يحتويه واد غير ذى زرع، فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وفعل معكم مثلهم ويزيد فلا تكفروا كفرانهم ولا تقولوا مثلما قالوا (َقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57]، ولا تحادوا الله ورسوله مثلما فعلت طائفة من المشركين ممن عمروا أرضكم (َإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[ الأنفال: 32]؛ فيصيبكم ما أصاب قوم فرعون من الآيات الماحقات (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [الأعراف: 33].
لقد كانت تلك البقعة المباركة حتى سنتين مضتا موئلا للمسلمين، وقد فاض خيرها حتى عمّ الجميع، والآن نسمع عن تسريح للعمالة، وطرد للمقيمين، ونسمع عن الفقر والقحط، وهذا إنذار آخر، وفتنة جديدة فعودا إلى رشدكم وأنصفوا الله من أنفسكم يرد إليكم ضالتكم ويهدكم سبل الرشاد.. ولا تكونوا كالذين عابهم الله؛ إذ يرسل إليهم الآية فى إثر الآية لعلهم يرجعون، فلا يزيدهم ذلك إلا بغيًا وضلالا (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة: 126].
هل هجوم الصراصير على الحرم المكي إهمال من المسؤولين أم إنذار من الله للمسلمين؟
https://www.youtube.com/watch?v=c7kOkK_gIFkhttps://www.youtube.com/watch?v=AlUScO6BsPkhttps://www.youtube.com/watch?v=tU2opOxNGEQ