المبحث الثاني
مصادر الحصول على الأموال وعملية غسل الأموال في العراق
أولا": مصادر الأموال
تتعدد مصادر الحصول على الأموال القذرة بتعدد وسائل الحصول عليها، وهي وسائل كثيرة ومتنوعة يأتي في مقدمتها: (7)
1- عمليات الجريمة المنظمة كتهريب الآثار والمخدرات والأسلحة والأجهزة والمعدات العسكرية والصناعية، كذلك تهريب العملات الصعبة والأحجار الكريمة والمعادن النفيسة كالذهب والزئبق والفضة والنحاس والتجارة بالممنوعات.
2- جرائم الفساد المالي والإداري والأخلاقي كالاختلاس والرشاوى والتهرب الضريبي والتلاعب بالسجلات الحسابية وقبض عمولات خاصة مقابل إبرام صفقات تجارية ضخمة.
3- الإعمال الإرهابية للمنظمات السياسية المسلحة وما تقتضيه من تحويل أموال ضخمة بطرق غير شرعية لإدامة النشاطات السياسية والعسكرية والإعلامية لهذه الحركات.
أسباب انتشار الظاهرة
تعود أسباب انتشار ظاهرة الأموال القذرة إلى عوامل دولية عديدة أبرزها:
1- انكماش الدور الرقابي للدولة على العمليات الاقتصادية في ظل انتشار مفاهيم تحرير السوق واتساع دور الشركات الخاصة والعابرة للقارات وظهور ما يسمى بالحسابات السرية للعملاء في الكثير من دول العالم.
2- انتشار شبكة المعلومات الدولية ”الانترنت“ وتسهيلها إدارة العمليات التجارية المختلفة عن بعد” التجارة الالكترونية“ سواء كانت هذه العمليات شرعية أم غير شرعية.
3- سهولة اندماج الشركات العالمية فيما بينها واستحواذ بعض على البعض الأخر عن طريق الشراء أو المساهمة في التمويل وتمويلها من مصادر مختلفة.
4- ضعف وتلكؤ القوانين والتشريعات الدولية والإقليمية والمحلية يرافقه تدني مستوى الرقابة على الحدود الدولية وفساد الأجهزة التنفيذية المسؤولية عن الحد من هذه الظاهرة.
5- تصاعد حركات المعارضة السياسية والعسكرية في الكثير من البلدان خاصة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية مما استوجب تحريك الأموال لإدامة عمليات هذه الحركات.
(7)ورقة بحثية منشورة جريدة الصباح غسيل الأموال مرض جديد ينهش اقتصاد العراق
ثانيا": مراحل عملية غسل الأموال
تمر عمليات غسيل الأموال بثلاث خطوات أساسية هي:
1-مرحلة التوظيف.
2- مرحلة التمويه.
3- مرحلة الدمج أو التكامل.
تؤدي هذه العمليات إلى صعوبة رصد وتعقب الأموال التي تبدو وكأنها متولدة من إعمال مشروعة.
وعمليات غسيل الأموال تشكل بطبيعتها السرية اقتصادا غير منظور لا يمكن حسابه أو تقديره أو التكهن بنتائجه معرضا مختلف العمليات الاقتصادية في البلاد للتقلبات الفجائية المستمرة.
وتتمثل انعكاسات غسيل الأموال على الدخل القومي بمظاهر عديدة أبرزها:
1- يؤدي بشكل خاص إلى اتساع المنافسة غير المتكافئة وخاصة في مجال الاستثمار.
2- ويؤدي غسيل الأموال كذلك إلى إرباك عمل البورصات وأسواق المال من خلال ما يقوم به أصحاب الأموال القذرة من عمليات واسعة لشراء وبيع المؤسسات المالية والتجارية والاقتصادية لإضفاء الشرعية على أموالهم.
3- تفسح عمليات غسيل الأموال المجال واسعا إمام تهريب العملات الصعبة بشتى السبل والأساليب وهذا ما يلحق إضرارا جسيمة في شرايين الاقتصاد كافة مسببا عجزا واضحا في ميزان المدفوعات وانخفاضا واسعا في مفردات الدخل القومي.
4-تخلق عمليات غسيل الأموال على المدى المتوسط والبعيد طبقة واسعة من العاملين في مجالات الاقتصاد كافة، ممن لا يهمهم مستقبل البلاد الاقتصادي وناتجه القومي، ولا يبالون بانعكاسات تردي الأوضاع الاقتصادية على عموم المواطنين في البلاد، مما يدفع البلاد بالضرورة إلى أزمات اقتصادية متشابكة ومزمنة.
6-تخريب المشاريع الاقتصادية الناجحة التي تمتص البطالة وتديم عمليات الإنتاج الاقتصادي والخدمي عن طريق إقامة مشاريع منافسة أو بديلة لها غير قادرة على الإنتاج أو تقديم الخدمات المطلوبة.
ولا تتوقف عمليات غسيل الأموال عند تخريب الاقتصاد أو زعزعة ثوابته العامة والخاصة وجعله عرضة للتقلبات والتذبذبات الخطيرة المفاجئة بل تتعدى انعكاساتها إلى البنية الاجتماعية وما تتضمنه من اطر قيمة وأخلاقية تكرست نتيجة لثوابت العادات والقيم 0
مصدر سابق غسيل الأموال مرض جديد ينهش اقتصاد العراق
عمليات غسيل الأموال تؤدي إلى
1- اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وخلق بيئة من التنافر والتنفس الاجتماعي غير المتكافئ.
2- انحلال القيم والتقاليد الأخلاقية نتيجة للفساد المالي والإداري المصاحب لعمليات غسيل الأموال كافة.
3- تردي واقع الخدمات ووصول سلع وبضائع غير كفوءة ولا تتناسب مع البيئة المحلية للبلاد.
وإما على الصعيد السياسي فان عمليات غسيل الأموال تلعب دورا في غاية الخطورة لتأجيج الصراعات السياسية والعسكرية، وخلق بؤر الصراع والنزاع المسلح بوصفها سوقا مفتوحة ومصدرا مهما من مصادر جني الأموال القذرة وتوظيفها في إدامة الصراع 0
ثالثا": غسل الأموال في العراق
تعد البلدان النامية والمتخلفة مسرحا مهما وبيئة مناسبة لعمليات غسيل الأموال لما تتصف به هذه البلدان من ضعف في القوانين وهشاشة في الرقابة القانونية وتدن واضح في مستوى العمليات الإحصائية والحسابية وتخلف معرفي فيما وصلت إليه البلدان المتقدمة من وسائل وتقنيات حديثة في الإجراءات الضبطية في قياس حجم الأموال والتشدد في عمليات تحويلها.
ويكاد العراق إن يكون مرشحا لأن يكون بيئة مناسبة لمثل هذه العمليات بالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية عن حجم عمليات غسيل الأموال فيه.
وتعود أسباب ترشيح العراق إلى أسباب عديدة أبرزها: (9)
1- انتشار العمليات الإرهابية وما يصاحبها من عمليات خطف يحصل الخاطفون من ورائها على أموال ضخمة كفدية للإفراج عن المخطوفين وكذلك السطو على المصارف والبنوك أو مصادرة الأموال الضخمة المحمولة في سيارات هذه المصارف بقوة السلاح، وغير ذلك من العمليات وهي عمليات تؤدي إلى تولد كميات ضخمة من الأموال القذرة التي تتطلب غسيلها لاحقا لإضفاء الشرعية القانونية عليها وجعلها قابلة للتوظيف والتداول والاستثمار من جديد بكل يسر وسهولة.
2- انتشار الفساد المالي والإداري وارتفاع معدلات عمليات الاستحواذ على المال العام بطرق وأساليب مختلفة يقابله تلكؤ واضح من قبل السلطات التنفيذية في القبض على المفسدين وتقديمهم للقضاء العادل ويصاحب ذلك انعدام التشريعات القانونية أو عدم تفعيلها بما يتناسب مع حجم هذه الجرائم أو اتساعها وتغلغلها في مختلف دوائر ومؤسسات الدولة.
3-وجود الأموال العراقية المنهوبة من قبل عناصر النظام السابق ومن غيرهم التي هربت إلى خارج العراق أو بقيت مخبأة على شكل عملات أجنبية أو موظفة في مشاريع ذات واجهات شرعية يمكن إعادة غسيلها وإعادة توظيفها في مشاريع اقتصادية جديدة.
4-انتشار وتوسع الصراعات السياسية والعرقية والطائفية وبروز الجماعات المسلحة المختلفة وتصاعد صراعاتها العسكرية والإعلامية، وهذا ما يتطلب الحصول على أموال ضخمة لإدامة الصراع من اجل البقاء.
(9)مصدر سابق غسيل الأموال مرض جديد ينهش اقتصاد العراق
5- ضعف الرقابة على الحدود الدولية وعدم توفر الدعم المادي والمعنوي للقوات المشرفة على نقاط التفتيش والسيطرة فضلا عن عدم توفر الأجهزة والمعدات التقنية الحديثة التي يمكن من خلالها إجراء التفتيش الدقيق للأشخاص والسلع والبضائع ذهابا وإيابا.
6- تدني مستويات التعاون والمشاركة في الأنشطة الإقليمية والدولية للحد من تداعيات الجريمة المنظمة بشكل عام وجرائم غسل الأموال بشكل خاص، ما يقتضي تفعيل المشاركة في هذه النشاطات وإرسال العديد من المتدربين إلى خارج العراق للحصول على خبرات حقيقية في هذا المجال.
رابعا":- الآثار الاجتماعية والاقتصادية لغسل الأموال في العراق(10)
أ- :الآثار الاجتماعية:
لقد أدت ظاهرة غسيل الأموال في العراق إلى بروز جمله من الآثار السلبية
على صعيد المستهلك والمجتمع العراقي ومنها :
1- تخريب منظومة العلاقات الاجتماعية التي كان يشار لها بالبنان في العراق وتخريب النسيج الأخلاقي 0
2- ظهور حالات الاختطاف والاغتيالات حتى بعد دفع المبالغ المالية
3- اختلال توازن الهيكل الاجتماعي وتزايد حدة مشكله الفقر وتدني مستويات المعيشية للغالبية العظمى من ابنا الشعب العراقي 0
4- ساهمت في انتشار الفساد والجرائم الاجتماعية والفساد الإداري والرشوة وغير ذلك 0
5- ساهمت في تخفيض المستوى ألمعاشي المواطنين من خلال توفير السلع والخدمات المغشوشة والتي تباع بأسعار مقاربه لمستويات الدخول ولكنها لم تدم طويلاً مما تصبح عبء على المستهلك نفسه 0
6- تخريب المجتمع من خلال تجاره المخدرات والذي كان العراق قبل عام 2003 يعد من البلدان الخالية من استخدام المخدرات ولا يوجد مايشير إلى عكس ذلك
7- ازدياد معدلات الجريمة في العراق وتنوعها وتشابكها( سياسيه اقتصادية أمنية 0 إرهابية 000 وغيرها )
8- ساهمت في الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية 0
ب- الآثار الاقتصادية :
هناك مجموعة من الآثار الاقتصادية السلبية التي خلفتها ظاهرة غسيل الأموال في العراق و إثناء وقوع الجريمة أو غسل الأموال لان معظم الأموال المغسولة إما سرقة المصارف والبنوك أو تهريب مكائن وآلات ومعدات ومصانع وسيارات واثأر إلى الخارج أو دخول بضائع مغشوشة إلى الأسواق العراقية وهذا كله يزيد من الآثار الاقتصادية السلبية ويميز الظاهرة عن الظواهر العالمية على الرغم من حداثة الظاهرة في العراق إلا إن تجاذب عوامل البيئة الداخلية والبيئة الخارجية أدى إلى انطلاقها بسرعة فائقة، ومن الآثار الاقتصادية السلبية الأتي :
1- إن الظاهرة أدت إلى إضعاف الدخل القومي من خلال ماياتي
- استنزاف رؤوس الأموال (العملات الصعبة ) التي تمت سرقتها من المصارف وتحويلها للاستثمار في خارج القطر.
(10)إبعاد جريمة غسيل الأموال وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي أ د . بلاسم جميل خلف كلية الإدارة والاقتصاد جامعة بغداد
- الآثار الناجمة عن تهريب المكائن والآلات والمعدات والمصانع إلى خارج العراق وبيعها بأسعار منخفضة وهي تمثل رأس مال ثابت ومهم .
- ألمساهمه في تعطيل المشاريع الصناعية مما افقد البلد طاقته الإنتاجية التي هي اصلاً منخفضة .
- ضعف القطاعات الإنتاجية بسبب ضعف الادخار والاستثمار.
2- إن هروب رؤوس الأموال إلى الخارج أدى إلى اختلال التوازن بين الادخار والاستهلاك وهذا سيجعل ألدوله ملزمة بالتحويل الخارجي مما يزيد من المديونية
3- عدم الاستقرار النقدي (سعر الصرف) والخوف من تقلبات مستقبلية مما يعني قيام الإفراد بشراء العملات الأجنبية وادخارها داخل أو خارج العراق .
4-سوء توزيع الدخل وتركزه بيد فئة طفيلية قليلة اثر سلبا في العدل الاجتماعي .
5- إن إدخال السلع المغشوشة إلى السوق العراقية أدى إلى قتل الصناعة الوطنية وفقا لمبدأ ابن خلدون (السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة) .