وُلد الشاعر علي محمود طه في مدينة المنصورة المصرية الواقعة شمال الدلتا سنة 1902 لأسرة متوسطة على حظ من الثقافة، وفي سنة 1924، تخرج في مدرسة الفنون التطبيقية، وكان أهله على شيء من الثراء، فلم يعرف حياة الحرمان والشقاء بل عاش حياة مريحة رغدة.منذ يفاعته أخذ يتعرف على الأدب الفرنسي كما تعرّف على بعض البلدان الأوربية، فزار إيطاليا وظهر أثرها في شعره، وخاصة مدينة البندقية. وكذلك زار سويسرا والنمسا وسواهما. عاش الشاعر فترة في القاهرة حيث عمل وعاش حياة مترفة. ثم عيّن سنة 1949 وكيلاً لدار الكتب، ولكنه ما لبث أن وافته المنية في تلك السنة وهو لم يزل في ريعان شبابه.
كان الشاعر يعيش بين أصدقائه يزورونه في منزله الذي كان يضم لوحات فنية وتحفاً نفيسة أهداها إلى مكتبة بلدته «المنصورة» قبل وفاته.
درس الفرنسية، ولكنه لم يتقنها كما أنه تعلم الإنجليزية. وأعجب بشعراء الرومانسية أمثال «لامارتين» واطلع على بعض قصائد الرمزيين أمثال «بودلير» و«فرلين». كما قرأ لأدباء المهجر اللبنانيين. ومن خصائص شعره: الموسيقى الشعرية، ولذلك غُني به وشهره محمد عبدالوهاب الذي غنّي له قصيدة «الجندول» فازدادت شهرته، بالرغم من أنه ليس فيها فكر عميق.
يرى الدكتور شوقي ضيف أن اهتمام الشاعر بالموسيقى في شعره عائد إلى ضحالة أفكاره فيقول:
«وقد يكون السبب في ذلك ضعف ثقافته الفكرية، فحاول ملء هذا الفراغ بطنين ألفاظه الخلابة التي تستهوي قارئه برنينها، وتؤثر على حواسه بإيقاعاتها. وهذه هي أروع خصائصه، فهو يؤلف القصيدة وكأنه يؤلف جوقات موسيقية، وهي جوقات لفظية، ليس فيها فكر عميق ولا استبطان في الإحساس، وإنما فيها هذا الشرر اللفظي الذي يجعل أشعاره، بل ألفاظه، تتوهج توهجاً. وهو الذي يقول عنه في الصفحة 47 من كتابه:
«وأما علي محمود طه، فكان يعرف أطرافاً من الآداب الغربية، ولكنه لم يكن يتعمّقها، إذ كان حظه من معرفة اللغات الأجنبية محدوداً. ومع أنه ترجم من الشعر الفرنسي بعض نماذجه الرومانسية، إلا أن معرفته بهذا الشعر كانت ضئيلة، ولذلك لم يستطع أن ينفذ إلى موقف معين يعيش فيه.
وكل ما هناك أنه أعجب بموسيقى شوقي الرائعة، وسمع أو عرف أن بعض الشعراء الفرنسيين يعنون عناية واسعة بانتخاب الكلمات الشعرية ذات الرنين، فاستقر ذلك في نفسه.
شاعر واضحواقرأ قصائده فستجد عقوداً تتلألأ من الألفاظ الخلابة، التي تنشر ضباباً من الأحلام والأشباح، ولكن قلما تجد فكرًا عميقاً، أو فكراً غامضاً، ففكره مجلوّ مكشوف، لا يستر أي شيء وراءه، فهو شاعر لفظي وليس صاحب نزعة فلسفية ولا نزعة نفسية، إنما هو صاحب ألفاظ شعرية مشعّة أو موحية».
وبما أن الشاعر قد تأثر بالشعر الرومانسي الغربي، فلا غرو أن تجد في شعره الحزن والكآبة، كعبة الرومانسيين، فهو يقول في قصيدة «غرفة الشاعر»:
أيها الشاعرُ الكئيب مضى الليـ
ــل ومازلتَ غارقاً في شجونكْ
مسلماً رأسك الحزين إلى الفكـ
ـــر، وللسهد ذابلات جفونكْ
ويدٌ تمسك اليراع وأخرى
في ارتعاش تمرّ فوق جبينكْ
وفمْ ناضبٌ به حرّ أنفا
سك يطغى على ضعيف أنينكْشعره يدور حول الوصف والغزل يصور حياته اللاهية والسعي إلى اللذة والمتعة. وهو يلخص ذلك في قوله:
حياتي قصةْ بدأت بكأسٍ
لها غنيتُ وامرأة جميلةوخير ما يدل على ذلك عناوين دواوينه: «الملاح التائه» (1934)، و«ليالي الملاح التائه»(1941)، و«أرواح وأشباح» و«زهر وخمر» (1943)، و«الشوق العائد» (1945)، و«شرق وغرب» (1947). يجد متتبع شعر علي محمود طه أن الشاعر التفت في ما نظمه من شعر في أواخر أيامه إلى قضايا أمته فعبر عن هموم وطنه وعن القضية الفلسطينية وبعض الشئون الإسلامية والقومية.
وله قصيدة رائعة في فلسطين يحث فيها على الجهاد غنّاها محمد عبدالوهاب يستصرخ فيها الشاعر مشاعر الأمة العربية يقول مخاطباً أخاه العربي:
أخي! جاوز الظالمون المدى
فحقّ الجهادُ وحق الفداإن المعجم الشعري عند الشاعر يدور على ألفاظ بعينها ذات جرس ونغم يكررها في شعره. فالشاعر مفتون بهذه الألفاط التي تكسب شعره موسيقى يتميز بها.
فالشاعر علي محمود طه بارع في اختيار ألفاظه التي توحي بالرشاقة والطلاوة والنغم مما يجعل القارئ يطرب عند قراءة شعره، ويعيش في حالة جمالية، فكأن القصيدة تصبح لوحة فنية تسحرك ألوانها البرّاقة الزاهية وتلهيك عن سبر أغوارها والبحث عن حالة أو معنى يرمي إليه الرسّام من خلال لوحته، ولهذا أخذ النقاد عليه ضحالة الأفكار في شعره وعدم تعمّقه في كشف أسرار الحياة والغوص على خفايا النفس.
يريد الشاعر أن تكون حياته حلماً جميلاً وكأساً وامرأة جميلة. هكذا اختصر حياته حيث يقول:
فقالت ما حياتك قلت حلمٌ
من الأشواق أوثرُ أن أطيلهْ
حياتي قصةٌ بدأت بكأسٍ
لها غنّيت، وامرأة جميلهْلخّص لنا الشاعر حياته بهذين البيتين، في مطلع شبابه. لم يعرف الشاعر المرأة، ذلك لأنه لم يكن لها وجود ظاهر في المجتمع المصري. فالشباب اتصفوا بالحياء والميل إلى العزلة والانطواء، فالتقاليد المتشددة ما كانت تسمح للشاعر أن يعايش المرأة وخاصة أنه لم يعش في المدينة طيلة حياته. هو حب روحي يائس، يوم كانت المرأة طيفاً يُلمح ولا يُلمس أو أملاً يرتجى ولا يُنال.
فالشاعر يرى حبيبته ليلاً فهو ينتظرها في الظلام وهو خائف من أن يفتضح أمره فيقول:
طال انتظارك في الظلام ولم تزل
عيناي ترقب كلّ طيف عابر
وترفٌ روحي فوق أنفاس الربى
فلعلها نفسُ الحبيب الزائرِ
ويخف قلبي إثر كل شعاعةٍ
في الليل تومض عن شهابٍ غائر
ليلٌ من الأوهام طال سُهادُه
بين الجَوى المضني وهجس الخاطرفكأن الشاعر في حلم يعيش في يأس ولوعة ووحشة، فإذا الدنيا في عينه صحراء قاحلة. وإذا الحياة موحشة يخاطب حبيبته:
يا من قتلتَ شبابي في يفاعته
ورحتَ تسخر من دمعي وأناتي
حرمت أيامي الأولى مفارحها
فما نعمتُ بأوطاري ولذاتي!الروح والجسدوالشاعر موزع بين الحب الروحي والحب الجسدي، بين الحب الطاهر والحب المملوء بالمعصية. بين حب اللذة والشهوة والحب العفيف الصافي.
بيد أن الشاعر الذي ألف الأسفار إلى البلدان الأوربية حيث المرأة المتحررة، فقد انتقل من البيئة المصرية المتزمتة إلى البيئة المتحررة فراح يطلب المتعة، ويشرب الكأس مترعة حتى الثمالة فيقول:
قلت لي والحياء يصبغ خديك:
أنار تمشي بها أم دماءُ؟
ملءُ عينيك يا فتى الشرق أحلامٌ
سكارى وصبوة واشتهاءُ
وعلى ثغرك المشوق ابتسامٌ
ضرجته الأشواق والأهواءُ
أوَحقاً دنياك زهرٌ وخمرٌ
وغوانٍ فواتن وغناءُ؟وفي قصيدة «صخرة الملتقى» يقول:
أنا ذاك الشريد في صحراء الـ
عيش ضلَّ السبيلَ في الفلواتِ
أنا قيثارة جفتها الليالي
في زوايا النسيان والغفلاتِوالشاعر الذي لم يعرف من أوربا سوى بعض معالمها الجميلة كبحيرة «كومو» وجندول في فينيسيا وكرنفالها وسهولة العلاقات بين الرجل والمرأة, لم يطّلع على الفكر الفلسفي الذي كان سائداً في أوربا والمذاهب الأدبية التي كانت تتصارع كالرمزية والسوريالية والواقعية، وما إلى ذلك لأن الشاعر لم يكن صاحب ثقافة واسعة عميقة، بل لعب دور السائح الذي يتمتع بما يشاهده من مناظر خلابة.
وفوق ذلك فإن رحلاته القصيرة لم تكن تسمح له بأن يدرس ويطّلع ويتعمّق.
هذا ما نجده في ديوانه الثاني «ليالي الملاح التائه» الذي صدر سنة 1940، بعد أن بدا الشاعر في ديوانه الأول «الملاح التائه» الذي صدر سنة 1934 رومانسياً. والشاعر يعترف لنا في قصيدة «اعتراف» بأنه وإن كان قد صوّر نفسه متهتكاً ساعياً وراء اللذة والصبوة والنساء الحسان. فهو يعيش في عالم الفن والطهارة فيقول:
إن أكن قد شربتُ نخبَ كثراتٍ وأترعتُ بالمُدامةِ كأسي
وتولعتُ بالحسان لأني مغرم بالجمال من كل جنس
وتبذلت في غرامي فلم أحبس على لذة شياطين رجسي
فبروحي أعيشُ في عالم الفن طليقاً، والطهرُ يملأُ حسّي
لي قلبٌ كزهرة الحقل بيضاء نمتها السماء من كل قبس
هو قيثارتي عليها أغني، وعليها وحدي أغني لنفسيقصيدة «أغنية الجندول»:نظم الشاعر قصيدته الشهيرة «أغنية الجندول»، التي غنّاها الموسيقار الشهير محمد عبدالوهاب، والتي اشتهرت وشهرت الشاعر. والقصيدة من وحي رحلة قام بها الشاعر إلى أوربا وزار مدينة البندقية الشهيرة التي يستخدم فيها الجندول كوسيلة للتنقل بين قنواتها المائية، فهي المدينة الوحيدة في العالم التي تتميز بذلك، وهي ذات طابع فريد يستقطب السيّاح من جميع أنحاء العالم. ومن الطبيعي أن الشاعر المصري علي محمود طه لم يكن قد شاهد الجندول قبل هذه الزيارة للبندقية.
يوافق الشاعر في قصيدته هذه في استخدام الكلمات السهلة الموسيقية والموحية ذات الجرس التي لا تحتاج إلى تلحين لكي تغنّى ملحنّة خالصة، مما سهّل على الموسيقار محمد عبدالوهاب تلحينها وغناءها.
وقد وفق الشاعر كذلك إلى إضفاء مسحة من الجمالية والرومانسية على الجندول، فهو يحتضن عاشقين متيّمين، فالجو جو كرنفال وهو جو سحر وعشق وغناء وصبوة وقُبل. وهو يصوّر موكباً من الغيد يتهادين ويتمايلن بغنج ودلع ودلال وإثارة, جو تفوح منه الصبابة ورائحة الخمرة. والشاعر الذي يلتقي بفتاته صدفة ينسى نفسه وزمانه وبات يوم لقاء الحبيب كل ما يتذكره! وهو لا ينسى أن يفاخر بأنه مصري وبأن مصر ذات تاريخ عريق فيتذكر وادي النيل والأهرام وأيام كليوبترا. يتخيل القارئ عند قراءته هذه القصيدة أنه يختال في الجندول ويعيش في الجو الذي يرسمه الشاعر، فالجندول أصبح رمزاً للحب والغرام والمرح والعشق واللذة والرومانسية.
يمهّد الشاعر للقصيدة بما يلي:
«صادفت زيارة الشاعر لمدينة فينيسيا «عروس الأدرياتيك» صيف عام 1938 ليالي الكرنفال المشهورة، إذ يحتفل الفنيسيون بها أروع احتفال، فينطلقون جماعات كل منها في جندول مزدان بالمصابيح الملونة وضفائر الورد، ويمرون في قنوات المدينة، بين قصورها التاريخية وجسورها الرائعة، وهم يمرحون ويغنون، في أزيائهم التنكرية البهجة.
فأوحى هذا الجو الفاتن إلى الشاعر، بهذه القصيدة التي نظمها تخليداً لهذه الزيارة».
أغنية الجندولأينَ منْ عَينيَّ هاتيك المجالي
يا عروسَ البحر، يا حلمُ الخيالِ
أينَ عُشاقُك سُمَّار الليالي
أينَ من واديكِ يا مهدَ الجمال
موكبُ الغيدِ وعيدُ الكرنفال
وسَرُى الجُنْدول في عرض القنالِ
بين كأسٍ يتشهَّى الكرمُ خمرَّهْ
وحبيبٍ يتمنَّى الكأسُ ثغرَهْ
التقتْ عيني به أوَّلَ مرَّهْ
فعرفتُ الحبَّ من أوَّل نظرهْ
أينَ من عينيَّ هاتيكَ المجالي
يا عروسَ البحر، يا حُلم الخيالِ
ذهَبيّ الشِّعر، شرقيٌّ السِّماتِ
مرحُ الأعطافِ، حلوُ اللَّفتاتِ
كلما قلتُ لهُ: خُذْ، قالَ: هاتِ
يا حبيبَ الرُّوح يا أُنسَ الحياةِ
أنا من ضَيَّع في الأوهام عُمْرَهْ
نسيَ التاريخَ أو أُنسيَ ذِكرَهُ
غير يومٍ لم يَعُد يذكرُ غيرهْ
يوم أن قابلتهُ أوَّلَ مرَّهْ
أين يا فينيسيا تلك المجالي؟
أين عشاقُك سُمَّار الليالي؟
أين من عينيَّ يا مهدَ الجمال؟
موكبُ الغيد وعيدُ الكرنفال؟
يا عروسَ البحر، يا حُلْمَ الخيال!!صداقة بين شاعرينتروي الشاعرة فدوى طوقان (1917 - 2003) أنها عندما قرأت قصيدة علي محمود طه «الجندول» أعجبت بها وكتبت رسالة إلى الشاعر تعبّر له عن إعجابها بشعره. وما كان من الشاعر إلا أن أجابها على رسالتها وأرفق رسالته بنسخة من ديوانه «ليالي الملاح التائه» مع إهداء لطيف فرحت به وكتبت مراجعة لهذا الديوان نشرت في مجلة «الرسالة». ولكن القضية لم تنتهِ، هنا فإن الشاعر قد أثار حفيظة عائلتها.
ولنترك الشاعرة تروي لهنا قصتها وعلاقتها الأدبية مع الشاعر التي لم تدم طويلاً:
تقول: «أثناء إقامتي في بيت أخي إبراهيم في القدس عام 1940 قرأت في جريدة «الأهرام» قصيدة لذلك الشاعر الذي ملأت قصيدته «الجندول» آنذاك آفاق الغناء العربي. أحببتُ القصيدة، وحفظتها عن ظهر قلب، ووجدتني أسيرة رغبة لا تقاوم في الكتابة إلى الشاعر للتعبير عن شدّة إعجابي بتلك القصيدة الإنسانية المؤثرة.
لم أطلع إبراهيم على الرسالة، وذلك لسبب واحد، هو تجنب الشعور بالحرج والإحباط أمامه في حالة إهمال الشاعر الرد على رسالتي.
ثم فوجئت بما لم أتوقعه، كانت حفاوة الشاعر برسالتي كبيرة، وقد أتبع رده بنسخة من ديوانه «ليالي الملاح التائه»، وغمر فرحي بكلمات الإهداء ليالي وأيامي. سر ابراهيم بكل هذا، وطلب مني كتابة مراجعة لديوان «ليالي الملاح التائه» لأذيعها من الإذاعة الفلسطينية بالقدس. كتبت المراجعة بحماس لا حدود له، وأرسلت نسخة منها إلى الشاعر مع الإشارة إلى تاريخ إذاعتها.
بعد إذاعة الحديث تلقيت رسالة منه يقول فيها إن نخبة من أدباء مصر، وعلى رأسهم الأستاذ أحمد حسن الزيّات، قد استمعوا إليّ و..إلخ.. من كلمات الثناء، وكانت رسالته مشفوعة بقصاصات من بعض الجرائد المصرية «كالأهرام» و«المصري» تشتمل كلها على تعليقات مشجعة. وأسعدني جداً أن أفاجأ فيما بعد برؤية المراجعة منشورة في أحد أعداد مجلة «الرسالة» الصادرة في مايو أو يونيو 1940.
بعد عودتي إلى نابلس إثر هجرة إبراهيم إلى بغداد، تلقيت أمراً من بعض أرباب العائلة بقطع أواصر تلك المراسلات الأدبية مع الشاعر المصري رغماً عن خلوها من كل شائبة.
بعد سنوات حدّثني الصديق الشاعر كمال ناصر عن لقائه بعلي طه في مصر، قال إن الشاعر المصري سأله وأبدى استغرابه لانقطاعي عنه دون معرفة السبب. التزمت الصمت، ولم أحدث كمال بالسبب. كان الحديث في تلك الأيام عن حقيقة أوضاعي التعيسة في البيت يملؤني ذلاً وهواناً، لذلك كنت أوثر كتمان تلك الأمور، وهكذا مضى المرحوم علي طه إلى العالم الآخر دون أن يعرف شيئاً عن الحقيقة المؤلمة.
بالنسبة لنمر شقيقي، كانت تلك الصلة الأدبية مصدر سرور واعتزاز. كان يحب شعر علي محمود طه. وحين عاد إلينا لقضاء العطلة الصيفية اتخذ من «ليالي الملاح» رفيقاً. وقد تركه ذات يوم في غرفة المكتب في مصبنة العائلة ومضى لبعض شأنه، ثم عاد ليجد الصفحة التي كتبت عليها كلمات الإهداء قد اقتطعت من الديوان، حيث اختفى أثرها إلى الأبد».
وبعد، هذا هو الشاعر علي محمود طه الذي نظم في مختلف أغراض الشعر من رثاء ومديح وغزل ووصف، كما نظم الشعر الوطني وسجل أحداث عصره سواء في مصر أم في الوطن العربي حتى أنه تناول أحداثاً حصلت في أوربا والعالم. ولكنه عُرف بشعره الغزلي الماجن الذي يدور حول المرأة ووصفها ووصف مرابع الأنس والطرب والعشق والحياة الهنيئة الرغدة.
وإذا ما طرحنا السؤال اليوم: ما هو موقع الشاعر علي محمود طه على خريطة الشعر العربي المعاصر، وأين هو مكانه في حركة هذا الشعر؟ لوجدنا أن أهمية الشاعر قد تضاءلت بعد وفاته، وأن وهجه قد خفّ وأن صوته قد خَفُتَ وأن أثره في الشعراء الذين جاءوا بعده أثر ضئيل. ذهب الشاعر وبقيت قصيدته «أغنية الجندول» خالدة على الدهر.
--------------------------------
أبوحُ بعيبِ محبوبي ولكن
إليه حين أخلو بالحبيبِ
لينفي عيبَه عنه ويضحِّي
بعيداً ما استطاع من المعيبِ
وأبرز مالَه فيه اعتلاءٌ
وفخرٌ للبعيدِ وللقريبِ
فكن لي هكذا أبداً وإلا
فما أنا إن صحبتَك باللبيبِ