الأم .. بحر من الحنان
وليد سليمان
ان تكون الأنثى أماً ..إنه لأمر عظيم جداً .. لأنها سوف تخوض آلاف المعارك الحياتية من عناء وتعب وصبر وتحديات هائلة .. إنه قدرها الصعب والجميل .. فهذا الكائن والمجاهد الأكبر « الأم « هي المربي والمعلم الأول للإنسان ولكل الأجيال لتنمية الأسر والمجتمعات والحضارة الإنسانية .
ومن أجل هذا، كانت الأم وما زالت، في مقدمة الموضوعات التي عالجها الإبداع العالمي المتعدد الأشكال، منذ امتلك الإنسان وسيلة التعبير الأولى عن عواطفه وهواجسه ، وما زال يُكرّس مساحة واسعة من إبداعاته لها، وهذه الحالة باقية ومستمرة، في كل أجناس التعبير الراقي، طالما بقيت الحياة، وبقيت المرأة محركها الأول.
وتظل الأم من أعظم الرموز الانسانية التي تناولتها كل أنواع الفنون والثقافات والاديان في حياتنا الممتدة عبر تاريخ وجود الانسان وحتى يومنا هذا ولآخر الزمان .
القرآن والسنة
لقد جعل القرآن الإحسان الى الأم من أعلى مراتب الطاعة والعبادة. فهل فوق هذا التكريم الإلهي من تكريم؟ فالإحسان إلى الوالدين قرين عبادة الله عز وجل. ثم في التعامل الحياتي معهما.. ويحرم على الأولاد أي نوع من الإهمال وعدم القيام بالواجب نحوهما. فلا بد من خفض الجناح، وحفظ اللسان، والتحكم بتعبيرات الوجه من أن يوحي بشيء من عدم الرضا في أي موقف من المواقف معهما .
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حق الأم مقدماَ على الحقوق كافة، « بُّرها مقدم على الجهاد» .
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الذهاب مع المجاهدين في سبيل الله ، فكان أول ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك أم ؟» قال الرجل: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: إلزمها.
وقال لآخر - وقد جاء مستأذناً النبي في الجهاد - أحيٌّ والداك؟ قال: نعم. قال النبي: ففيهما جاهد.
الجنة تحت قدميها
وهذا معناه أن برها وطاعتها والإحسان إليها تسلك بصاحبها - دون شك - في عداد المتقين الذين وعدهم ربهم جنات النعيم.
بروا آباءكم تبُّركم أبناؤكم: سنة إلهية ثابته. لأن الجزاء من جنس العمل، يوفَّى للبارِّ أجره، وينال العاق جزاء عقوقه.
فمن برّ أمه وأباه رزقه الله ذرية طيبة صالحة تبرُّه وترعاه. ومن عق وجد أثر ذلك في أخلاق ذريته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «كل الذنوب يؤجل الله ما شاء منها إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات » .
في الشعر العربي
الشاعر حافظ ابراهيم ألقى قديماً في حفل افتتاح مدرسة للبنات في مصر عام 1910؛ قصيدة منها
الأم مدرسة إذا أعددتَها
أعددتَ شعبًا طيِّبَ الأعراقِ
الأم روضٌ إن تعهَّده الحيا
بالرِّيِّ أورق أيَّما إيراقِ
وقد حفظ لنا تراثنا الشعري كثيرا من القصائد والمقطوعات والأبيات حيث رصد شعراء عديدون مشاعر الأمومة وعبَّر بعضهم عن ألمه وحزنه لفراق الأم سواء بالاغتراب عنها أو برحيلها.
في طليعة هؤلاء يأتي أبو الطيب المتنبي الذي قال :
أحنُّ إلى الكأس التي شربتْ بها
وأهوى لمثواها التراب وما ضمَّا
بكيت عليها خيفة في حياتها
وذاق كلانا ثكل صاحبهِ قدما
و قلب الشاعر نزار قباني يتشوق لأمه وهو يعمل في اسبانيا ليقول آنذاك:
صباح الخير.. يا حلوة
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافية
مضى عامان يا أمي..
ولم أعثر
على امرأةٍ تمشط
شعري الأشقر
وتكسوني إذا أعرى..
وتنشلني إذا أعثر
وعلى وتر الحنين العذب يأتي صوت محمود درويش في قصيدته الرائعة «إلى أمي» :
أحن إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر فيّ الطفولة
يوما على صدر يومِ
وأعشق عمري لأني
إذا متُّ
أخجل من دمع أمي.
.. وهاهي شاعرتنا الاردنية أمينة العدوان نقرأ لها في ديوانها الشعري والمسمى بِ ( أمي ) عشرات القصائد القصيرة من مثل:
العالم بكل حدائقه الجميلة
من دون أمي
لا يعني لي شيئاً
أمي هي الحديقة .
إنها الأمينة دائماً في هذا العشق الأمومي .. ولماذا هذا الوله العظيم للأم !!و لا ندري سوى إننا نحب أمهاتنا كأكثر إنسان في هذه الدنيا .. إنها فطرة المحبة .. لأن أرواحنا مُزجت من روح الأم التي أبصرت وسمعت وابتسمت ولثغت بحروف الحياة الأولى .
أمهات السينما
وفي معظم الافلام السينمائية المصرية لا بد من وجود الأم الحنونة عل أبنائها.. ومن أشهر الممثلات اللواتي قمن بهذه الأدوار لا زلت أذكر و بتأثر الممثلة فردوس محمد التي قامت بدور زبيبة أم عنتر بن شداد ، حيث كانت كلماتها التي تمزق أنياط القلب ( قتلوك يا ولدي .. قتلوك يا ولدي )عندما وصلها الخبر الكاذب بأن ابنها عنتر قد مات في الصحاري المهلكة . وفردوس محمد تُعتبر أهم و أشهر أم في السينما المصرية والعربية ، وهناك الممثلة أمينة رزق الشهيرة بأدوار الأم كذلك في أفلام كثيرة منها « كلهم أولادي « و « بداية ونهاية «والتي التصقت بها أدوار الأم نحو «70 « سنة .
وهناك أيضاً من الفنانات اللواتي عُرفن وأبدعن بتمثيل أدوار الأم ومنهن مثلاً : عزيزة حلمي ، ناهد سمير ، ماري منيب، ثريا فخري ، زوزو ماضي ـ بأدوار الأم الارستقراطية - ، شريفة فاضل ، شادية ، وكريمة مختار ، وآمال زايد....الخ .
ومن بعد هاتين طابور طويل من الممثلات يقفن على درجات متقاربة من حيث عدد الأدوار ومن حيث طبيعة الدور أمثال «زوزو نبيل وميمي شكيب وعلوية جميل و.... و....» حتى نصل إلى فاتن حمامة التي كانت «ابنة» تحيا في كنف أمينة رزق أو فردوس محمد، ثم أصبحت عبر التطور الطبيعي للزمن «أماً» في أفلام عدة منها «أمبراطورية ميم» و «يوم مر ويوم حلو» و«أرض الأحلام».. وغيرها. ثم سنصل بعد ذلك إلى يسرا التي كانت في بداياتها ابنة مدللة لأمهات كثيرات على رأسهن «أمينة رزق» لتكون الأم في عصر أحدث تعاني مما عانته أمهاتها السابقات من صراع بين رغباتها الشخصية كأنثى وبين دورها كأم، وهو ما تجلى مثلا في فيلم «العاصفة». وهكذا سيظل دور «الأم» عنوانا رئيسا في موضوعات الأفلام المصرية، بل وستظل الممثلات المصريات يرتقين إليه طالما بقيت كل منهن تحرص على التواجد في حلبة التمثيل.
أحن إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر فيّ الطفولة
يوما على صدر يومِ
وأعشق عمري لأني
إذا متُّ
أخجل من دمع أمي