ﺻﻼة وﺧطﺑﺔ اﻟﺟﻣﻌﺔ ( اﻟﻌﺑﺎدة اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ اﻟوﺣﯾدة وﻫﻲ اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ ﻣن
اﻟﻌﻠم ).
ﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد راﺗب اﻟﻧﺎﺑﻠﺳﻲ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمنا ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام :
((عن الْحَكَمِ بْن مِينَاءَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ))
[أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد والدرامي]
صلاة الجمعة مع خطبتها هي العبادة التعليمية في الإسلام ، ولهذه الصلاة مع خطبتها شأن كبير في الإسلام ، كيف لا ، وفي القرآن الكريم سورة بأكملها اسمها سورة الجمعة ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)﴾
[سورة الجمعة]
خاطبهم تشريفاً لهم ، هذا النداء نداء خاص ، خاص بصلاة الجمعة:
إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
هذا الدين الحنيف ، أساسه العلم :
" كن عالماً ، أو متعلماً ، أو مستمعاً ، أوم محباً " .
" الناس رجلان ؛ عالم ومتعلم ولا خير فيمن سواهما " .
طلب العلم يؤكد إنسانية الإنسان ، هو الحاجة العليا التي يتميز بها عن بقية المخلوقات ، طلب العلم يجعلك تعرف سرَّ وجودك ، وغاية وجودك ، طلب العلم يجعلك تعرف مهمتك في الحياة ، طلب العلم يجعلك تعرف سُبلَ السعادة في الدنيا والآخرة ، السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان على وجه الأرض ، إذا طلبت العلم وعرفت من أنت ، أنت المخلوق الأول ، أنت المخلوق المكرم ، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾
[سورة الإسراء]
أنت المخلوق المكلف ، قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
[سورة الذاريات]
من أجل أن تعرف من أنت ؟ .. لماذا أنت على وجه الأرض ؟ ما المهمة التي أنيطت بك ؟ ما الهدف الذي ينبغي أن تسعى إليه ؟ ما السلوك الذي ينبغي أن تسلكه ؟ ما الخلق الذي ينبغي أن تتخلق به ؟ كيف تكون علاقاتك مع الناس ؟ .. كيف تبني علاقاتك مع من حولك مع من فوقك ، مع من دونك مع أقرب الناس إليك ، مع أهل بيتك مع أولادك ؟ .
يا أيها الإخوة الكرام :
الجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
حضور خطبة الجمعة ، هو الحد الأدنى في طلب العلم ، الحد الأدنى.. إن صحّ التعبير يُسمى محو الأمية ، لذلك هذه الخطبة التي هي العبادة التعليمية الوحيدة ، التي يتميز بها هذا الدين العظيم ، هذه الخطبة إذا أُهملت من قبل المسلمين ، فقد ضيعوا دينهم ، لذلك كنت أضربُ هذا المثل : بعض الناس حريص على وجبة لذيذة يسعى إليها إلى أقصى المدينة ليأكلها ، أما إذا أراد أن يصلي صلاة الجمعة يختار أي مسجد دون أن ينتفع لا بخطبته ولا بصلاته ، كأنها عبئ عليه ينبغي أن يسقط ، كيف تتخير وجبات الطعام ؟ .. لماذا تذهب إلى طرف المدينة لوجبة لذيذة تحبها ؟ .. ألا ينبغي أن تسعى لحضور خطبة تنتفع بها ، تزيدك علماً ، تزيد قلبك خشوعاً ، تزيد عملك صلاحاً ، تزيد علاقتك بالله متانةً.
أول خطوة نحو السلامة والسعادة أن تعرف من أنت ، المكان المناسب لمعرفة حقائق الدين المساجد " إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوَّارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني وحق على المزور أن يكرم الزائر " .
أنت حينما تسعى لطلب العلم إن الملائكة في السماء لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))
[أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد]
"... وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ".
[من حديث أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدرامي عن أبي هريرة]
أنت حينما تخرج من بيتك ، وتسعى إلى مسجد ، يغلب على ظنك أنك تنتفع من خطبته ، وتزداد بها علماً ، تزداد بها استقامة ، تزداد بها خشوعاً ، أنت في طريقك إلى الجنة :
... وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ".
وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ..
هذه العبادة وردت في سورة كريمة ، قال تعالى :
﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
قال معظم المفسرين ، فسعوا إلى ذكر الله ، أي إلى سماع الخطبة؛ لأن الصلاة صلاة ، لأن الصلاة كأي صلاة ، ولكن صلاة الجمعة تتميز بخطبتها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ومالك والدرامي]
فإذا صعد الخطيب المنبر رُفعت الأقلام ، وانتهى تسجيل الأجر فهذا الذي يأتي في الركعة الثانية من صلاة الجمعة ، ويتوهم أنه أدى الصلاة، وسقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب ، ما هذا ؟ .. أترضى أن يعاملك موظف هذه المعاملة ، أن يأتي ربع ساعة ، دقيقة ليوقع ويمضي ، أتقبل هذا من موظف عندك ..
(( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ))
هذا الذي يُختم على قلبه انتهى ، هذا الذي يُختم على قلبه هلك ، هذا الذي يُختم على قلبه خسر الدنيا والآخرة ، هذا الذي يُختم على قلبه هو أعمى ، هذا الذي يُختم على قلبه يمشي في طريق وعرة ، في طريق مسدودة .
حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))
[أخرجه النسائي ، والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدرامي]
قال العلماء :
الطبع هو الختم ، والختم معناه عدم وصول الخير إلى القلب ، وقيل كتبه الله منافقاً ، ومعنى تهاوناً : أي استهانةً بها ، أو إهانةً بها ، أو تساهلاً لا عن عذر بل عن تقصير .
ثلاث جمع لو تركها المسلم نكتت نكتةٌ سوداء في قلبه ، ثم يكون الرَّان ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)﴾
[سورة المطففين]
هذه التحذيرات ، فأين المراغبات ؟ .
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ))
[أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ..
قال العلماء : الاستماع والإنصات شيئان متمايزان ، قد يجتمعان وقد يفترقان ، الاستماع هو الإصغاء ، والإنصات هو السكوت ، لذلك قال الله تعالى :
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾
[سورة الأعراف]
قال حتى يفرغ الخطيب من خطبته ، قال العلماء : معنى المغفرة ما بين الجمعتين .
أيها الإخوة الكرام :
في بعض الأحاديث الشريفة ، أنه من مسَّ الحصى فقد لغا ، من عبث بسبحته ، من حرك حاجاته ، من أصدر صوتاً لتقليب صفحة أو لتشويش، أي صوت يصدره المصلي في أثناء الخطبة فقد لغا ، من مسّ الحصى فقد لغا ، وفي حديث آخر :
(( عن أبي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدرامي]
هكذا يُطلب العلم ، يُطلب العلم بالإنصات ، يطلب العلم بالالتفات إلى المتكلم ، يطلب العلم بالتأدب في بيوت الله عز وجل .
اللغو ـ أيها الإخوة ـ هو الكلام الملغي الساقط الباطل المردود ، أي قلتَ غير صواب ، تكلمتَ بما لا ينبغي ، ففي الحديث هذا إشارة إلى النهي عن جميع أنواع الكلام في أثناء الخطبة .
سُمي الكلام الذي هو أمر بالمعروف في أثناء الخطبة سمي لغواً !. فماذا تفعل إذا كان الذي بجنبك يتحدث ؟ ينبغي أن تشير إليه إشارة ؛ لأنك إذا قلت أنصت فقد لغوت ، من أجل بركة الخطبة ، من أجل أن يكون هذا الكلام واضحاً وواصلاً إلى كل الناس .
وقال بعضهم ، ينبغي أن تسكت لو لم تسمع الخطبة ، بمعنى : لو تعطل جهاز نقل الصوت ، لو كنت في مكان بعيد عن الخطيب ولم تستمع ، يبقى الأمر نافذاً في هذه الحالة الاستثنائية .
أيها الإخوة الكرام :
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا ))
.
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ومالك والدرامي]
في يوم الجمعة ساعة لم يحددها النبي ، وعدم تحديدها لحكمة بالغة لتكون طوال اليوم في عبادة ، لتكون طوال هذا اليوم الذي هو عيد المسلمين في قرب من الله عز وجل ، في مناجاة له ، في دعاء في تسبيح ، في تلاوة ،فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا ..
أيها الإخوة الكرام :
هذه فرصة ثمينة جداً أن الإنسان في أمسِّ الحاجة إلى أن يسأل الله كما ورد في الحديث الصحيح :
(( فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَقَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَقَالَ فِيهِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))
[أخرجه البخاري ومسلم الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود أحمد ومالك والدارمي ، واللفظ لأحمد]
وفي خطب سابقة بينت للإخوة الكرام أنك بالدعاء تغدو أقوى إنسان وإنك بالدعاء تغدو أسعد إنسان ، وإنك بالدعاء تغدو أغنى إنسان .. إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان الله عليك فمن معك ..
أيها الإخوة الكرام :
(( قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ خِلْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخرها ))
[أخرجه النسائي ومسلم وأحمد]
قال العلماء : وهم يرجِّحون أنها ليست خطبة الجمعة ، ولكن يُستفاد من هذا الحديث اهتمام النبي الشديد بتعليم العلم ، ولا سيما إذا كان العلم متعلقاً بأصول الدين ، بالإيمان ، فكان عليه الصلاة والسلام يحرص حرصاً لا حدود له على غرس الإيمان في قلوب أصحابه وتعريف الناس بالله عز وجل ، فبذلك يقول الله جل جلاله :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
[سورة فصلت]
وقد بينت كثيراً ـ وفي التكرار فائدة ـ أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، هذا الذي يقول : أنا لا يعنيني أحد ، إنني عرفت الله والحمد لله ، وأنا مستقيم على أمر الله ، هذا له عند الله حساب عسير لماذا ؟ .. لأنه انسلخ من مجموع المؤمنين ، لأنه كان بعيداً عن همومهم، لم يحمل همومهم .
الدعوة إلى الله فرض عين ، والدليل قول الله عز وجل :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾
[سورة يوسف]
فمن لم يدعُ إلى الله على بصيرة ، بالدليل ، وبالتعليل ، على بصيرة باتباع الكتاب والسنة ، على بصيرة باتباع المنهج الأصولي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، فمن لم يدع إلى الله على بصيرة فليس متبعاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن لم يتبع سنة النبي فهذا دليل عدم محبته لله ، لقوله تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾
[سورة آل عمران]
ثم إن الله عز وجل يقول في آية أخرى :
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
[سورة العصر]
فالتواصي بالحق ربع أسباب النجاة ، وقد يقول قائل وما علاقة هذا بخطبة الجمعة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول ، بلغوا عني ولو آية ، فلو حضرت خطبة الجمعة ، وتأثرت بها ، واستفدت من موضوعها، واستفدت من بعض نصوصها ، وفهمت بعض نصوصها فهماً عميقاً ، ماذا تفعل ؟ .. ينبغي أن تبلغ الناس ، ينبغي أن تبلغ أقرب الناس إليك ، ينبغي أن تبلغ أهلك ، أن تبلغ جيرانك ، أن تبلغ أصدقاءك ، أن تبلغ زملاءك ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ... ))
[أخرجه البخاري والترمذي وأحمد والدارمي]
فلو أن كل مسلم بحث عن مسجد ينتفع بخطبته ، وتجشم عناء الوصول إليه ، كما لو حرص على وجبة من الطعام لذيذة ، قد يذهب من أجل الإتيان بها إلى أقصى المدينة ، ثم استفاد من هذه الخطبة وجعل ديدنه طوال الأسبوع أن يبلغ هذه الآية ، هذا الحديث ، هذا الموقف ، هذه القصة ، هذا الحكم الفقهي ، هذه الحقيقة العلمية ، لو أراد أن يبلغها لأهله أولاً ، لجيرانه ، لزملائه ، في لقاء ، في سهرة في وليمة ، في حفل ، في سفر ، في رحلة ، هناك مئات المناسبات التي تُفرض علينا شئنا أم أبينا خلال الشهر ، ألا تستطيع أن تبلغ شيئاً مما سمعته ، لو أن كل مسلم بلغ عن رسول الله آية " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً " لكنا في حال غير هذا الحال .
يا أيها الإخوة الكرام :
أعداء الدين يتمنون أن يملكوا منابر كمنابر المسلمين ، هل من السهل أن تجمع الناس جميعاً يوم الجمعة ، لتلقي عليهم حديثاً مأخوذاً من كتاب الله ، ومن سنة رسوله ؟
هل من المعقول أن تكون هذه العبادة في الإسلام العبادة التعليمية الوحيدة ثم نهملها ، ثم نقصر في تحصيلها ، ثم لا نعتني بخطبتها ..
خطبة الجمعة وحدها كفيلة أن تجعل حال المسلمين بغير هذا الحال ولكن أداؤها أداءً شكلياً ، والحرص على أن يصلي فقط يوم الجمعة في المسجد ، على أن يؤدي الركعة الثانية فقط ، ويأتي بالأولى ، هذا الذي يفعل هذا بعيد بعد الأرض عن السماء عن أن يفقه حقيقة صلاة الجمعة ، لأن الله عزو جل حينما يقول :
﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
أي فسعى إلى سماع الخطبة ..
أيها الإخوة الكرام :
أول خطبة خطبها النبي عليه الصلاة والسلام قال فيها :
(( الحمد لله أحمده ، وأستعينه وأستغفره ، وأستهديه ، وأؤمن به ولا أكفره ، وأعادي من يكفره ، وأشهد ألا إله إلا الله واحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، والنور والموعظة والحكمة ، على فترة من الرسل ، وقلة من العلم ، وضلالة من الناس ، وانقطاع من الزمان ، ودنو من الساعة وقرب من الأجل .))
من يطع الله ورسوله فقد رشد ..
أيها الإخوة مداخلة سريعة : لا يمكن أن تُسمى عاقلاً إلا إذا أطعت الله ، قد تكون ذكياً في اختصاص ضيق ، قد تكون متفوقاً في حرفة دقيقة ، قد تكون محصلاً شهادةً عليا ، هذا كله يُسمى ذكاءً ولا يُسمى عقلاً ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ، لمَّا رأى في الطريق مجنوناً سأل أصحابه سؤال العارف ، من هذا ؟ .. قالوا: هو مجنون ، قال : لا هو مُبتلى ، المجنون من عصى الله " .
لا يمكن أن تكون عاقلاً إلا إذا عرفت آخرتك ، إلا إذا عرفت ربك وعملت لآخرتك ، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام :
((عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني ... ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة]
فقد قال عليه الصلاة والسلام ، في أول خطبة له :
من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى (انحرف وهلك وفرط) وضل ضلالاً بعيداً ، أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلمَ ، أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله ، واحذروا ما حذركم الله من نفسه ، فإن تقوى الله لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربه عون وصدق على ما تبغون من أمر الآخرة .. من يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعلانية ، لا ينوي به إلا وجه الله ، يكن له ذاكراً في عاجل أمره ، وذخراً فيما بعد الموت..
يعني إذا أصلحت فيما بينك وبين الله ، أصلح الله لك ما بينك وبين الناس ، إذا أصلحت سريرتك ، أصلح الله علانيتك ، إذا خفت من الله فيما بينك وبينه ، أمنك الله عز وجل ، إذا اتقيت الله في شبابك أكرمك في شيخوختك ..
يا أيها الإخوة الكرام ، كل الشباب يتمتعون بصحة وقوة وحيوية ولكنَّ خريف العمر شيء خطير ، خريف العمر شيء خطير ، فالذي أمضى شبابه في طاعة الله ، تولى الله له خريف عمره بالصحة والسعادة والشأن وعلو الذكر ..
كنت قد حدثتكم عن عالم جليل ، عاش في هذه البلدة ، ودرَّس أبناءها أكثر من ثمانين عاماً ، كان يقول للشاب أنت تلميذي وأبوك تلميذي وجدك تلميذي ، هذا العالم الجليل عاش سبعة وتسعين عاماً منتصب القامة ، حاد البصر ، أسنانه في فمه ، مرهف السمع ، إذا قيل له يا سيدي ، ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ .. كان يقول : يا بني ، حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً ؛ لأن الله عز وجل ، يذكر في كتابه العزيز :
﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾
[سورة الحج من الآية 5]
فمن اتقى الله في شبابه كرَّمه الله في خريف عمره ، ومن حفظ الله في شبابه حفظه الله في خريف عمره ، من أطاع الله في شبابه مكنه في خريف عمره ..
ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السرِّ والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله ، يكن له ذاكراً في عاجل أمره ، وذخراً لما بعد الموت ، حيناً يفتقر المرء إلى ما قدم ..
ورد في السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام مرَّ على قبر فقال : صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ..
يا أيها الإخوة الكرام نحن في بحبوحة الصحة ، ونحن في بحبوحة الأمن ، ونحن في بحبوحة الكفاية ، ونحن في بحبوحة الفراغ ، هذا معنى قول الله عز وجل :
﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (﴾ [سورة التكاثر]
فسَّر علماء التفسير هذا النعيم : نعيم الصحة ، ونعيم الفراغ ، ونعيم الكفاية ، ونعيم الأمن ..
ماذا فعلت بهذا الأمن الذي أنت تنعم فيه ؟ .. لست ملاحقاً ..
ماذا فعلت بنعمة الصحة ؟ .. لو أن ملكاً أصيب بمرض عضال وعُرض عليه أن يكون موظفاً بسيطاً ضارب آلة كاتبة لقاء الصحة لا يتردد في قبول هذا ، معنى ذلك أن الصحة شيء لا يُقدر بثمن ، فإذا كنت تنعم بالصحة ، وتنعم بوقت بالفراغ ، عندك وقت لمعرفة الله عندك وقت لتلاوة القرآن ، عندك وقت لطلب العلم ، عندك وقت لحضور مجلس العلم ، فإذا كنت تنعم بالصحة ، وبالفراغ ، وبالكفاية عندك ما يكفيك ، وبنعمة الأمن ، لا تتوقع شراً ، ولست تحت سيطرة أحد يقهرك، فإذا تمتعت بالصحة والفراغ ، والأمن والكفاية ، فهذه نعم كبرى ، تُسأل عنها يوم القيامة ، كيف أنفقتها ، ماذا علمت بها ؟ .
من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك ))
[ الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أحمد في مسنده في الزهد أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن ميمون مرسلا تصحيح السيوطي: حسن]
أيها الإخوة الكرام :
هذه فقرات من خطبة النبي عليه الصلاة والسلام ..
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم واعلموا أن ملك الموت ، قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
الخطبة الثانية :
أيها الإخوة الكرام :
وفي خطب النبي التي خطبها أول مرة ، فقرات أخرى يقول عليه الصلاة والسلام :
((ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً ، فإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته ، وتوقي سخطه ، وإن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب ، وترفع الدرجة ، فخذوا بحظكم ، ولا تفرِّطوا في جنب الله ، فقد علمكم كتابه ، ونهج لكم سبيله ، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين ، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، وعادوا أعداءه ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم وسماكم المسلمين ، ليهلك من هلك عن بينه ، ويحي من حي عن بينه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله تعالى ، واعملوا لما بعد الموت ، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ، ذلك بأن الله يقضي على الناس ، ولا يقضي عليه ، ويملك من الناس ، ولا يملكون منه الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ))
حديث يوم الجمعة حديث دقيق ، أحاديث يوم الجمعة تزيد عن مائتي حديث اخترت لكم بعضها ، وسورة الجمعة سورة مهمة جداً ، فمن يحرص على خطبة الجمعة ، وعلى سماع الخطبة ، وعلى فهمها وعلى تمثلها ، وعلى تطبيقها ، وعلى نشرها ، فهي دعوة إلى الله عزوجل بشكل مبسط ، بشكل غير رسمي ، بشكل خفيف على كل إنسان " بلغوا عني ولو آية " ..
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك
اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك .
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء .
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب .
اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين .
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام والمسلمين ، وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * ﴾
والحمد لله رب العالمين