قصة اكتشاف مستحضرالمورفين
الدكتور عبد الرحيم ماشطة
المورفين هو أهم قلويات الأفيون شيوعاً باعتباره العنصر الفعال , يتم تحضيره كيميائياً على هيئة مسحوق بلوري,
لونه أبيض وأحيانا مائل إلى الصفرة قليلا وهو مر المذاق ليس له رائحة يعبأ في أمبولات زجاجة في صورة سائل , استخدامه محصور دوليا وقانونياً في المجال الطبي فقط , استخدامه خارج عن هذا المجال يسبب الادمان في أيام معدوده .
ما بين عام (1783-1841) ظهر الشاب الصيدلي فريدريك سرتونر ألماني الجنسية وقرر أن يبحث عن المادة الفعالة في مادة الأفيون التي كانت موجودة آنذاك في السوق ولا سيما أن الأطباء كانوا يشكون من تأثير الضعيف لبعض أنواع الأفيون وخطورة استخدامه لأنه كان يصل إليهم مغشوشا وأحياناً لا تفي الجرعة المحددة وفي بعض الأحيان نفس الجرعة تكون قاتلة .
تحدث الشاب الصيدلي إلى صيدلي ثاني زميلي يدعى كرامر وقال له أنا لا اعتقد أن تهدئة الآلام تتعلق بمقدار الأفيون لأن هذه الكمية من الأفيون تكون كافية لشخص ما وغير كافية لآخر , وأحيانا تكون نفس الجرعة قاتلة لشخص ثالث لا بد أن يكون في الأفيون مادة ما هي التي تسبب تسكين الآلام والنوم وإذا استطعنا فصل هذه المادة فسيكون من الممكن تحديد الجرعة المناسبة, أجاب كرامر طبعا طبعاً, ما عليك إلا أن تستخلص تلك المادة الصحية إن كان لها وجود « قال ذلك ساخرا .
وقرر سرتونر التحدي, وبدأ عمله الشاق وقام بعشرات التجارب وتمكن من حل الأفيون وإذابته في سائل حمضي , ثم قام بتعديل المحلول الحمضي بالنشادر وفوجئ سرتونر بحصوله على بلورات رمادية .
وشعر بالسعادة ولكن هذه البلورات لم تنم فأرا صغير , شعر سرتونر بالكآبة أول الأمر , واستطاع بعد شهور من التجارب الحصول على بلورات بيضاء هذا كان عام 1803
لكن هذه البلورات البيضاء استطاعت أن تنم جميع كلاب البلدة إلى الأبد ثم قام سرتونر بخفض الجرعة وجربها على القطط وأدى ذلك إلى نوم القطط نوما هادئا غير مميت
وأطلق سرتونر على بلوراته البيضاء اسم مورفين نسبة إلى مورفيس وهذا يعني إله الاحلام عند الاغريق
وبدأ سرتونر بارسال تقاريره عن هذا المستحضر العجيب إلى المجلات الطبية المعتبرة, رفض أغلبها نشر أبحاثه وعندما وافق بعضها على نشر هذه الأبحاث لم تحظ بالاهتمام الكافي بين الأطباء والصيادلة .
وكتب سرتونر خطابا إلى العالم المشهور آنذاك ترومسدورف
Trommsdorf في جامعة ارنورت يخبره باكتشافه وبالتقنية التي استخدمها لعزل بلورات الأفيون, ولكن ترومسدورف قابل هذا الاكتشاف بالاستخفاف وأصيب سرتونر هذا العبقري بصدمة من جراء إهمال العلماء والأطباء والمجلات الطبية لبحثه الفريد وانتقل سرتونر إلى بلدة اينبك ليعمل كمساعد صيدلي وذات ليلة استيقظ سرتونر على ألم شديد في أضراسه وقال لنفسه لم لا أجرب المورفين الذي حضرته ليقضي على هذا الألم اللعين؟
وبعد دقائق معدودة من تناول جرعة المورفين كان سرتونر ينعم بنوم عميق وهادئ , وعندما أفاق شعر بالسعادة الغامرة لنجاح بلورته وكان عليه أن يجرب ما هي الجرعة المطلوبة لا زالة الألم وجلب النوم, وماهي الجرعة الضارة والخطيرة ? واتفق سرتونر مع ثلاثة من شبان بلدة اينبك علي تجربة ذلك , وعندما أعطاهم الجرعة الأولى تحملوها بكل بساطة ولم يشعروا بأي شيء لأن الجرعة كانت صغيرة وعندما كرر الجرعة للمرة الثانية ومع هذا لم يناموا ,وان كانوا يشعرون بثقل في رؤوسهم , قرر آنذاك أن يعطي كل واحد منهم جراماً كاملاً من المورفين وتناول بنفسه هذه المرة معهم نفس الجرعة وخلال دقائق كان الثلاثة قد غطوا في نوم عميق, وحاول سرتونر أن يقاوم النوم بضرب رأسه على المنضدة إلا أنه لم يشعر بهذه الطرقات وسرعان ما لحق بالآخرين .
وعندما أفاق نشر سرتونر بحثه وما أحسه بالرغبة في القيء والحرارة والدوار, ثم النوم العميق وذلك عام 1817
وبدأ العلماء يهتمون بهذا المستحضر الجديد وعلى رأسهم الفرنسي غاي لوساك وبدأت التجارب والأبحاث حول المورفين تأخذ طابعا جديا .