ديوان حبيبتي لنزار قباني
أكبر من كل الكلمات
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
سيدتي ! عندي في الدفتر
ترقص آلاف الكلمات
واحدة ٌ في ثوب ٍ أصفر
واحدة ٌ في ثوب ٍ أحمر
يحرق أطراف الصفحات
أنا لست وحيداً في الدنيا
عائلتي .. حزمة أبيات
أنا شاعر حب جوال
تعرفه كل الشرفات
تعرفه كل الحلوات
عندي للحب تعابيرٌ
ما مرت في بال دواة
الشمس فتحت نوافذها
وتركت هنالك مرساتي
و قطعت بحاراً .. وبحاراً
أنبش أعماق الموجات
أبحث في جوف الصدفات
عن حرف كالقمر الأخضر
أهديه لعيني مولاتي
سيدتي ! في هذا الدفتر
تجدين ألوف الكلمات
الأبيض منها .. والأحمر
الأزرق منها .. والأصفر
لكنك .. ياقمري الأخضر
أحلى من كل الكلمات
.. أكبر من كل الكلمات
..........................
حبيبتي
نزار قباني - حبيبتي
حبيبتي : إن يسألونك عني
يوما، فلا تفكري كثيرا
قولي لهم بكل كبرياء
((... يحبني...يحبني كثيرا ))
صغيرتي : إن عاتبوك يوما
كيف قصصت شعرك الحريرا
وكيف حطمت إناء طيب
من بعدما ربيته شهورا
وكان مثل الصيف في بلادي
يوزع الظلال والعبيرا
قولي لهم: ((أنا قصصت شعري
((... لان من أحبه يحبه قصيرا
أميرتي : إذا معا رقصنا
على الشموع لحننا الأثيرا
وحول البيان في ثوان
وجودنا أشعة ونورا
وظنك الجميع في ذراعي
فراشة تهم أن تطيرا
فواصلي رقصك في هدوء
... واتخذي من أضلعي سريرا
: وتمتمي بكل كبرياء
((... يحبني... يحبني كثيرا ))
حبيبتيي: إن أخبروك أني
لا أملك العبيدا والقصورا
وليس في يدي عقد ماس
به أحيط جيدك الصغيرا
قولي لهم بكل عنفوان
يا حبي الأول والأخيرا
قولي لهم: ((... كفاني
((... بأنه يحبني كثيرا
حبيبتي يا ألف يا حبيبتي
حبي لعينيك أنا كبير
... وسوف يبقى دائما كبيرا
............................
شؤون صغيرة
نزار قباني - حبيبتي
شؤون صغيرة
تمر بها أنت .. دون التفات
تساوي لدي حياتي
.. جميع حياتي
حوادث .. قد لا تثير اهتمامك
أعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأغزل منها حكايا كثيرة
.. وألف سماء
.. وألف جزيرة
.. شؤون
شؤونك تلك الصغيرة
فحين تدخن أجثو أمامك
كقطتك الطيبة
وكلي أمان
ألاحق مزهوة معجبة
خيوط الدخان
توزعها في زوايا المكان
دوائر .. دوائر
وترحل في آخر الليل عني
كنجم ، كطيب مهاجر
وتتركني يا صديق حياتي
لرائحة التبغ والذكريات
.. وأبقي أنا
في صقيع انفرادي
وزادي أنا .. كل زادي
حطام السجائر
وصحن .. يضم رمادا
.. يضم رمادي
وحين أكون مريضة
وتحمل أزهارك الغالية
صديقي .. إلي
وتجعل بين يديك يدي
يعود لي اللون والعافية
وتلتصق الشمس في وجنتي
وأبكي .. وأبكي .. بغير إرادة
وأنت ترد غطائي علي
.. وتجعل رأسي فوق الوسادة
تمنيت كل التمني
صديقي .. لو أني
أظل .. أظل عليلة
لتسأل عني
لتحمل لي كل يوم
ورودا جميلة..
وإن رن في بيتنا الهاتف
إليه أطير
أنا .. يا صديقي الأثير
بفرحة طفل صغير
بشوق سنونوة شاردة
وأحتضن الآلة الجامدة
وأعصر أسلاكها الباردة
.. وأنتظر الصوت
صوتك يهمي علي
دفيئا .. مليئا .. قوي
كصوت نبي
كصوت ارتطام النجوم
كصوت سقوط الحلي
.. وأبكي .. وأبكي
لأنك من فكرت في
لأنك من شرفات الغيوب
.. هتفت إلي
ويوم أجي إليك
لكي أستعير كتاب
لأزعم أني أتيت لكي أستعير كتاب
تمد أصابعك المتعبة
.. إلى المكتبة
وأبقى أنا .. في ضباب الضباب
.. كأني سؤال بغير جواب
أحدق فيك وفي المكتبة
كما تفعل القطة الطيبة
تراك أكتشفت ؟
تراك عرفت ؟
بأني جئت لغير الكتاب
وأني لست سوى كاذبة
وأمضي سريعا إلى مخدعي
أضم الكتاب إلى أضلعي
كأني حملت الوجود معي
وأشعل ضوئي .. وأسدل حولي الستور
وأنبش بين السطور .. وخلف السطور
وأعدو وراء الفواصل .. أعدو
وراء نقاط تدور
.. ورأسي يدور
كأني عصفورة جائعة
تفتش عن فضلات البذور
لعلك .. يا .. يا صديقي الأثير
.. تركت بإحدى الزوايا
.. عبارة حب قصيرة
جنينة شوق صغيرة
لعلك بين الصحائف خبأت شيئا
.. سلاما صغيرا .. يعيد السلام إليا
وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ - من غير قصد - ذراعي
.. أحس أنا يا صديق
بشيء يشابه طعم الحريق
.. على مرفقي
وأرفع كفي نحو السماء
لتجعل دربي بغير انتهاء
وأبكي .. وأبكي بغير انقطاع
لكي يستمر ضياعي
وحين أعود مساء إلى غرفتي
وأنزع عن كتفي الرداء
أحس - وما أنت في غرفتي
بأن يديك
تلفان في رحمة مرفقي
وأبقى لأعبد يا مرهقي
مكان أصابعك الدافئات
.. على كم فستاني الأزرق
وأبكي .. وأبكي .. بغير انقطاع
.. كأن ذراعي ليست ذراعي
..........................
أكبر من كل الكلمات
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
أمس أنتهى .. فستناي التفتا
أرأيت فستاني ؟
حققت فيه جميع ما شئتا
.. وشيا .. ونمنمه
.. وطرائفا شتى
أرأيت فستاني ؟
أرأيتني ؟
أنا بعض نيسان
أنا كل نيسان
أرايت فستناني ؟
.. صنعته حائكتي
من دمع تشرين
من غصن ليمون
.. من صوت حسون
إخترته لونا حشيشيا
لونا يشابه لون عينيا
.. فصلته
شكلا أثيريا
فأنا به أخفى من الرؤيا
ومشيت .. لم أسال عن الدنيا
ما همني الدنيا
..أنا الدنيا
ورجعت أحمله إلى البيت
وأخذت أمسحه وأطويه
.. أسقيه ، أطعمه ، أغنيه
.. لأجيء فيه ليلة السبت
.. لتكون .. أول من الاقيه
أمس أنتهى .. فستاني التفتا
.. من عند حائكتي
أكمامه عشب البحيرات
أزراره .. كقطيع نجمات
أمس انتهى .. لم تدري والدتي
.. فيه .. ولم أخبر رفيقاتي
.. ما قصتي ؟ أثلاث ساعات
وأنا أدور أمام مرآتي
أقصيه عن صدري .. وأدنيه
أرجوه ، أساله ، أناديه
وأعده للموعد الآتي
.. حتى تراني فيه
أمس انتهى فستاني التفتا
ما همني رأي الرفيقات ؟
يكفي إذا أحبتته أنت
كَلِمَات
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
يُسمعني .. حـينَ يراقصُني
كلماتٍ .. ليست كالكلمات
يأخذني من تحـتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
والمطـرُ الأسـودُ في عيني
يتساقـطُ زخاتٍ .. زخات
يحملـني معـهُ .. يحملـني
لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات
وأنا .. كالطفلـةِ في يـدهِ
كالريشةِ تحملها النسمـات
يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ
بيديـهِ .. وحُزمـةَ أغنيـات
يهديني شمسـاً .. يهـديني
صيفاً .. وقطيـعَ سنونوَّات
يخـبرني .. أني تحفتـهُ
وأساوي آلافَ النجمات
و بأنـي كنـزٌ .. وبأني
أجملُ ما شاهدَ من لوحات
يروي أشيـاءَ .. تدوخـني
تنسيني المرقصَ والخطوات
كلماتٍ .. تقلـبُ تاريخي
تجعلني امرأةً .. في لحظـات
يبني لي قصـراً من وهـمٍ
لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات
وأعودُ .. أعودُ لطـاولـتي
لا شيءَ معي .. إلا كلمات
.............................. .......
شعري .. سرير من ذهب
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
شعري .. سرير من ذهب
فرشته لمن أحب
غمسته في الشمس
أوجعت الشهب
بعثرته .. أحس
أن الله من شعري اقترب
جملته ، شكلته
زهرا .. وتفتا .. وقصب
شعري أنا قصيدة
حروفها من الذهب
داخت عصافير به
بطوله .. شعري الذهب
فأين من شعري له
أين ذهب ؟
لواحد أحبه .. ربيته
هذا الطويل المنسكب
سقيته من خفقة الضوء
.. ورعشات اللهب
خبأت تموز به
قمحا .. ولوزا .. وعنب
له .. له .. أطلته
جعلته بطول مداد الطرب
تعبت في تطويله
تعبت في تدليله
تعبت كي ينسى التعب
لواحد .. لواحد
أقعد في الشمس أنا
.. من سنة
.. أفتل أسلاك الذهب
.............................. .............
لوليتا
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
صار عمري خمسة عشرة
صرت أحلى ألف مرة
صار حبي لك أكبر
.. ألف مرة
ربما من سنتين
لم تكن تهتم في وجهي المدور
.. كان حسني بين بين
وفساتيني تغطي الركبتين
كنت آتيك بثوبي المدرسي
وشريطي القرمزي
كان يكفيني بأن تهدي إلي
.. دمية .. قطعة سكر
لم أكن أطلب أكثر
.. وتطور
بعد هذا كل شيء
لم أعد أقنع في قطعة سكر
ودمى .. تطرحها في يدي
صارت اللعبة أخطر
.. ألف مرة
صرت أنت اللعبة الكبرى لدي
صرت أحلى لعبة بين يدي
. صار عمري خمسة عشرة
صار عمري خمس عشرة
كل ما في داخلي .. غنى وأزهر
كل شي .. صار أخضر
شفتي خوخ .. وياقوت مكسر
وبصدري ضحكت قبة مرمر
وينابيع .. وشمس .. وصنوبر
صارت المرآة لو تلمس نهدي تتخدر
والذي كان سويا قبل عامين تدور
.. فتصور
طفلة الأمس التي كانت على بابك تلعب
والتي كانت على حضنك تغفو حين تتعب
.. أصبحت قطعة جوهر
.. لا تقدر
صار عمري خمس عشرة
.. صرت أجمل
وستدعوني إلى الرقص .. وأقبل
سوف ألتف بشال قصبي
.. وسأبدو كالأميرات ببهو عربي
أنت بعد اليوم لن تخجل في
.. فلقد أصبحت أطول
.. آه كم صليت كي أصبح أطول
.. إصبعا .. أو إصبعين
آه .. كم حاولت أن اظهر أكبر
.. سنة .. أو سنتين
آه .. كم ثرت على وجهي المدور
وذؤاباتي .. وثوبي المدرسي
وعلى الحب .. بشكل أبوي
لا تعاملني بشكل أبوي
فلقد أصبح عمري .. خمس عشره
.............................. ..........
صديقتي وسجائري
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
واصل تدخينك يغرينــــي
رجل في لحظة تدخيـــــن
هي نقطة ضعفي كإمـرأة
فإستثمر ضعفي وجنوني
مأشهى تبغك والدنيـــــــــا
تستقبل أول تشريــــــــن
والقهوة والصحف الكسلى
ورؤى وحطام فناجيـــن
دخن لاأروع من رجــــــل
يفنى في الركن ويفنيني
رجل تنضم أصابعـــــــــــه
وتفكر من غير جبيــــن
أشعل واحدة من أخـــــرى
أشعلها من جمر عيوني
ورمادك ضعه على كفــــي
نيرانك ليست تؤذنــــــي
فأنا كإمرأة يرضينــــــــــــي
أن ألقى نفسي في مقعـــــد
ساعات في هذا المعبــــــــد
أتأمل في الوجه المجهــــــد
وأعد أعد عروق اليـــــــــد
فعروق يديك تسلينـــــي
وخيوط الشيب هنا وهنــــا
تنهي أعصابي تنهينــي
دخن لاأروع من رجـــــــل
يفنى في الركن ويفيني
أحرقني أحرق بي بيتــــي
وتصرف فيه كمجنــون
فأنا كإمرأة يعجبنــــــــــي
أن أشعر أنك تحمينــي
أن أشعر أن هناك يــــــداً
تتسلل من خلف المقعـــــد
كي تمسح رأسي وجبيني
تتسلل من خلف المقعـــــد
لتداعب أذني بسكونـي
ولتترك في شعري الأسود
عقداً من زهر الليمـون
دخن لاأروع من رجــــــل
يفنى في الركن ويفنيني
.............................. ..........
عندما تمطر فيروزاً
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
لا تســـــــــأليني .. هل أحبهما ؟
عينيـــــــــــــــــــــك إن منهما لهمـــــا
ألدي مـــــــــــــــــرآتان من ذهــــب
.. ويقال لي لا أعتني بـــــــــــــــــــــــــهما
أستغفر الفيروز .. كــــيف أنا
أنسى الذي بيني وبينـــــــــــــهما
أبلحظة تنسين سيــــــــــــــدتي
تاريخي المرسوم فوقهما ؟
وجميع أخباري مصورة
.. يوماً فيوماً .. في اخضرارهما
نهران من تبغ ومن عسل
ما فكرت شمس بمثلهما
وستارتان إذا تحركتا
أبصرت وجه الله خلفهما
عام .. وبعض العام سيدتي
وأنا أضئ الشمع حولهما
كم جئت أمسح فيهما تعبي
كم نمت .. كم صليت عندهما
كوخان عند البحر .. هل سنة
إلا قضيت الصيف تحتهما
أحشو جيوبي كلها صدفاً
وأذيب حزني في مياههما
عاد الشتاء بكل قسوته
يمتص أيامي فأين هما ؟
الشمس منذ رحلت مطفأة
والأرض غير الأرض بعدهما
الآن أدرك حيث لا قمر
.. ماذا أنا .. ماذا.. بدونهما
.............................. ..........
ثلاث بطاقات من آسيا
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
من آسيا
عليك يا صديقتي السلام
.. فبعد عينيك أنا
لا أعرف السلام
قطعت في تشردي الطويل
.. يا قمري
يا أرنبي الجميل
يا رغوة الحليب والرخام
قطعت ألف عام
بدون عينيك . بلا خبز .. ولا طعام
! تصوري
أتي بلا عينيك .. ألف عام
بدون مصباحين أخضرين
.. بدون شمعتين
.. بينهما أنام
*
.. فيروزتي
ما زلت في سفينتي
أصارع الشموس ، واللصوص ، والدوارة
نزلت في مرافئ موبوءة المياه
صليت في معابد ليس لها إله
.. وأرخص الخمور ذقت
أرخص الشفاه
.. قتلت ألف مرة
.. غرقت ألف مرة
صلبت فوق حائط النهار
وسبعة قطعتها .. من أوسع البحار
من أخطر البحار
.. لمست سقف الشمس
كانت رحلتي انتحار
.. تصوري
أتي بلا عينيك ، يا حبيبتي ، قرون
لا كوكب في الأفق .. لا منار
بحارتي .. في السطح ميتون
وخبزي الإسفنج .. والمحار
تصوري الأرض وما تكون
يا أرنبي الحنون
بدون عينيك .. بلا فسقيه اخضرار
بدون شاطئين مقمرين
.. بدون غابتين
أنشد في حمامها القرار