يَنفصِمُ المرء عندما ينتقل للعيش من بلدٍ عاش فيه معظم سنوات حياته إلى بلد آخر يختلف عنه بشكل كُليّ في عاداته الإجتماعية وفي الطريقة التي يعيش فيها الناس. وفي بعض الأحيان، يصل هذا “الإنفصام” إلى حدٍّ يقرّرُ فيه “البني آدم” أن يعود إلى بلده كي يعيشَ “معزّزاً مُكرّماً” على حد تعبير كل العائدين.
رغم أنّ الرحلة من عمّان إلى ..... تطول بالطائرة حوالي 3 ساعات فقط، ورغم أن الدولتين تقعان في منطقة جغرافية واحدة لها عادات وتقاليد تاريخية واحدة اسمها “العادات العربية” إلاّ أنّ “البني آدم” الذي ينتقل للعيش والعمل في .... سيَعي بعد
زمن قليل أنّه ربّما كان تمسّكنا بعاداتنا وتقاليدنا، التي صدّت، دون أن نطوّرها
مماشاةً مع تطوّر العالم حولنا، هو السبب في أنّ عبارة “العرب جَرَب”
لا زالت متوارثة حتى الآن.
يا زلمة ليش صاير محترم؟ هي إحدى العبارات التي يسمعها المغترب الشاب
عندما يزور بلده، ربما على سبيل المزاح، لكن إذا وضعنا هذه العبارة أمامنا
وفكرّنا فيها سنجد أن بعض هذا المُزاح يحمل رأياً مُهمّاً وهو أنّ الكثيرين
ينتقدون التغيير ويعتبرونه “كفراً” بانتمائنا وبُعداً عن “أصلنا” رغم أنّ هذا التغيير
قد يكون إيجابياً جداً، وهنا أقصدُ التغيير الفكري، كيف ينظرُ هذا “المُتغيّر” إلى الأمور، كيف يُبسّط الأمور، كم زادت حكمته وخبرته في الحياة، المواضيع التي أصبحت تستهويه، كيف أصبح يرى الجزء المملوء من “الكاسة” بوضوح أكثر، كيف أنّ قناعة هذا
“المتغيّر” زادت بأنّ هؤلاء الذين لم يتغيروا بعد، لا يُريدون العنب، بل يُريدون
“التظاهر” ضد الناطور.
عِشت حوالي 20 سنة من عمري المتواضع مغترباً، وأعرف تماماً هذا التغيير الذي أتحدّث عنه وأعرف كيف يكون “المتغيّر” وأعلم كذلك أنّه، في معظم الأحيان، فالتغيير مرفوض ومنبوذ وليس مُرحّباً به، وفي بعض الأحيان يُحارَبُ ويُهاجَم، تماماً كما سأهاجَم أنا هنا.
الموضوع يطول، وهناك العديد من “الكلاشيات” الإجتماعية التي يتعرض لها المغترب سواء في بلد الغربة أو عندما يزور بلده. قد تبدو سخيفة للبعض لكنّها دروس حياتية وقناعات جديدة أغنتني عن حاجتي للتعليم الجامعي كله.