« والله نسيت» عبارة وإجابة أصبحت جاهزة عند السؤال عن معلومة أو تاريخ أو موعد أو رقم أو مناسبة وسلسلة تطول لاسترجاع المطلوب ولكن للأسف دون جدوى بالعثور على الضالة المنشودة نتيجة النسيان.
نسأل عن أشياء عديدة ومنوعة وعن أحداث ليست بالبعيدة ولكن النسيان غالبا ما يداهم الذاكرة ويبعثرها في جميع الاتجاهات وتتلاشى من ثم إمكانية تذكر جزء منها على اقرب تقدير واقرب منزلة من الصحة والدقة والمقلق أن جميع الرصيد من الذاكرة اليومية والتفاصيل الأخرى قيد ضمن الأجهزة التكنولوجية ابتداء من جهاز الخلوي وأجهزة الحواسيب الشخصية والوسائل الأخرى والتي أضعفت من الذاكرة الشخصية وأضعفت أيضا قدرتنا على تذكر بنود عديدة من صفحات الحياة اليومية بعذر النسيان.
إلى وقت قريب كنا نحفظ عن ظهر قلب قصائد طويلة وأرقام الهواتف وتواريخ الميلاد والوفاة والأعراس وأسماء الأشخاص الذين نقابلهم ومعالم عديدة في حياتنا ولكن وللأسف والأسى أيضا لم نعد نتذكر أشياء منها ونركن إلى الذاكرة الالكترونية واستعراض ملف المحتويات لعرض المعلومات وإرسالها عبر البريد الالكتروني والرسائل القصيرة مدعمة بالصوت والصورة ولكن ليس بشكل يعزز قوتنا على التذكر ومهارتنا للتنافس في استرجاع معلومة من ملفاتنا الشخصية تجاه مناسبة اجتماعية جمعتنا ذات مرة معا تحت سماء وسقف واحد.
تضم الذاكرة المنسية العديد من سجلاتنا ومدوناتنا حول مجمل ما حدث معنا من بداية مشوار الحياة وحتى الوفاة مدعمة بذكريات حية عن طبيعية الأحداث والأشخاص، وكم يطيب لي دوما عند المشاركة في المجالس والمناسبات العائلية تشجيع الأقارب الطال الله عمرهم ومتعهم بالصحة لتوثيق الذكريات ومشاركة الجميع في مضمون ذلك تعميما للفائدة وتحقيقا لتفاعل الجميع من معلومة وذكرى وان كانت شخصية وبسيطة ولكنها تعني الجميع عند عدم تذكرها أو ضياع أصولها وأوراقها الثبوتية وذوبانها مع النسيان.
سعادة تامة يمكن الشعور بها عند الرجوع إلى تلك الذكريات الموثقة على المستوى الشخصي والعام وتوفير معلومة دقيقة وسليمة عند موقف ومحطة وحادثة وعن ذكريات منسية في تاريخنا المعاصر على اقل تقدير. ومشاعر أخرى طيبة يمكن الحنين إليها عن استرجاع مجموعة عزيزة على النفس أيام زمان والتي أصبحت مع السرعة الهائلة مجرد لحظات وكأنها أضغاث أحلام عابرة تمر هي الأخرى دون توثيق ويطالها النسيان بشراسة وعدوان.
المدهش تماما أن وسائل الاتصال والتواصل الحديثة تستخدم في معظم الأحيان وللأسف للتسلية والترف ولا تستخدم في الجوانب التطبيقية المفيدة ؛ فكم من رسالة قصيرة أو فيلم قصير أو صورة «مدبلجة «ونكت سخيفة تبث دون هدف ورسالة واضحة بل تحتوي على معلومات مغلوطة ومشوهة في جميع المواضيع ناهيك عن الألفاظ والمعاني غير اللائقة.
الذاكرة المنسية من صفحات امتنا العربية مؤلمة وموجعة نتيجة جملة الأحداث الماضية والتي تسارعت بشكل مرعب مع بداية الثمانينات وحتى الآن لدرجة أنها مسحت العديد من الصور الجميلة والمعاني الطيبة وأثرت سلبيا على ذاكرتنا الشخصية حتى نسينا الماضي الأمر الذي جعلنا لا نتذوق الحاضر أو ننظر إلى المستقبل بشهية لعيش الحياة.
لعلاج النقص الهائل في سجلات ذاكرتنا نحتاج إلى تقوية وتغذية أجسامنا بالإيمان والغذاء الروحي والكتابة وسرد اللحظات الشاردة هنا وهناك والجلوس الطويل معا لتوثيق جلساتنا وجعلها حميمية واقرب إلى التواصل المكاني والروحي وليس التواصل التكنولوجي حيث نشاهد أمثلة عديدة عن اسر تجلس معا تحت سقف واحد وتنشغل في الأجهزة الخلوية وإرسال الرسائل أو ما يسمى زورا وبهتانا تواصلا وهو اقرب ما يكون قطع للصلة والمودة الحقيقية بين المرسل والمستقبل على حد سواء.
كانت تجمعنا مناسبات التذكر ضمن وليمة غداء تحت معشر الدوالي من يد سيدات وصانعات الذاكرة الوطنية ورائدات المجتمع وكانت ترفدنا تلك المناسبات بمجموعة غنية من دفء العلاقة المميزة والصور الفوتوغرافية النادرة وحتى النوادر القريبة من النفس والوجدان، فهل من سبيل لاسترجاع تلك الذاكرة المنسية قبل الضياع ؟