منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:26 pm



الثقا فة الإسلامية
 ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع 


للدكتور


عبد البصير على على الحقرة


الأستاذالمساعد بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية


جامعة الأزهر الشريف -فرع طنطا-




بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة


الحمد لله رب العالمين ، سبحانه خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد خير من بلغ رسالة ربه وبنهجه اهتدي، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .. وبعد،


فإن نعم الله على الإنسان لا تحصى ولا تعد ، وفضله على عباده واسع لا يحد، قال تعالى : (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) النحل 18


ولا شك أن من أجل نعم الله على الإنسان نعمة الأمن، والذي بلغ الذروة في المكانة والأولية في الرتبة، وبه امتن  الله على قريش قال تعالي : ( لإيلاف قريش* إيلافهم  رحلة الشتاء الصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) سورة قريش، وأخبر الله - سبحانه وتعالى - أن نعمة الأمن منحة لايحصلها إلا الراسخون في الإيمان فقال تعالي ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام (82) 0


والأمن مبتغى كل قائد، وأمل كل فرد وطموح كل أمة، و بدونه لن تتحقق تنمية ولن يسعد مجتمع ولن يمكن لاستقرار، به تتحرك عجلة الإنجاز والإبداع ، ويعطي شارة الصعود والتقدم لجميع مناشط الحياة ، ومن ثم اهتمت به الدراسات تعرف به ، وتعدد صوره،  وتنوع مجالاته ، وتعدد ثمراته، وتحصي إيجابياته، وأصبح الأمن والبحث عنه حديث الساعة بل وكل ساعة خاصة في زمن كثرت فيه الفتن ، وانتشرت المخاوف ، ودفع الإنسان ضريبة ذلك من عيشه وعرضه وماله وفكره ونفسه ودينه...


ولا شك أن من أهم أنواع الأمن هو الأمن الفكري ، وأعظم صوره أمن العقل بما يمثله من نقطة انطلاق لصور الأمن المختلفة الأخرى من أمن نفسي واقتصادي وسياسي واجتماعي ...


وأمن الفكر استقامته وخيرته ونفعه، به يتجنب الإنسان الشطط والزيغ ويستعصى على الزلل والعوج 0


 إن أمن الفكر يثمر في العقل رشدا ، وفي الإدراك صوابا ، وفي القلب هدوءا ، وفي النفس سعادة ، ويعود على الفرد بالتفوق والتقدم ، وعلى المجتمع بالنهضة والتنمية.


والأمن الفكري يحقق استقامة في السلوك ،  وإيجابية في التعامل ، وتزكية في الخلق ، ولن يتحقق للفكر أمنه ولا للعقل رشده إلا إذا استرشد بهدى الله ، وسار على صراط الله المستقيم ؛ فالله خالق الإنسان وهو أعلم به وبما يرشده وبما ينفعه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك (14)0


إن الساحة البشرية اليوم تموج بأمواج التخبط العقلي ، والزيغ الفكري ، والانفلات الأخلاقي ،والذي تعانى منه كل المجتمعات وإن اختلفت نسب تأثيره بين مجتمع وآخر، وتأتي إحصائيات الجرائم وانتشار بؤر الفتن والاضطرابات خير دليل على معاناة البشرية من مخاطر انعدام الأمن الفكري وتقلص دوره في المجتمعات.


ودفعت هذه المعاناة كل مجتمع فى أن يبحث عن الأسباب والمخاطر ، وسبل التخلص من هذه المشكلات ، وإيجاد الحلول والمخارج من مخاطر فقدان الأمن الفكري من المجتمع.


والمجتمع المسلم واحد من المجتمعات البشرية التى تعاني من ذلك ، ويتطلع نحو الأمن الفكري ليدفع به عجلة التنمية والاستقرار، وتبرز خصوصية المجتمع المسلم في ذلك ؛إذ أن مصدر الحلول عنده وحي الله عز وجل وهدي النبي صل الله عليه وسلم ،  وفيهما غنية عن البحث عن أي مصادر أخرى ، واللهث وراء أي فكر ومذهب من أفكار ومذاهب البشر القاصرة،  وتقدم الثقافة الإسلاميه في إطار تحقيق الأمن الفكري في المجتمع درجة الوعي المنشود لتحقيق الأمل المفقود،تسترشد بآيات القرآن وتتلمس هدي النبي الكريم ، وتقتفى آثار العلماء الأتقياء لتقدم الأساس الذي ينطلق منه الوعي الفكري ، ليتحقق للمسلم معرفة الغث من السمين ، ومعرفة الحق من الباطل ، وتثمر درجة الوعي والفهم تطبيقا سليما لتعاليم دينه ، ومن ثم  تثمر سعادة وأمنا، ويدرك المسلم أهمية الأمن وإيجابياته ، ومخاطر افتقاده وعلاته . والدراسة تركز على دور الثقافة الإسلامية في تحقيق الأمن الفكري في المجتمع وعنوانها:


(الثقافة الإسلامية ودورها في تحقيق الأمن الفكري في المجتمع )وتحتوى على مقدمة و ثلاثة فصول  وخاتمة يعقبها مراجع البحث وفهرس موضوعاته .


 وجاء الفصل الأول بعنوان :الثقافة الإسلامية مصادرها وخصائصها، وبه ثلاثة مباحث – الأول بعنوان :تعريف الثقافة الإسلامية – والثاني: بعنوان مصادر الثقافة الإسلامية – والثالث بعنوان :خصائص الثقافة الإسلامية.


 وجاء الفصل الثاني بعنوان (دور الثقافة الإسلامية في تحقيق الأمن الفكري في المجتمع - الدور الوقائي-) وبه خمسة مباحث: الأول بعنوان : العقيدة الصحيحة منطلق الأمن في حياة الإنسان – والثاني بعنوان :بناء العقل والتفكير السليم – والثالث بعنوان : التأكيد على فضل العلم النافع وضرورة بذله وطلبه – والرابع بعنوان : تفعيل مقررات الإسلام عمليا في حياة المجتمع – والخامس بعنوان : بيان آفات الأمن الفكري والتحذير منها.


وجاء الفصل الثالث بعنوان : دور الثقافة الإسلامية في معالجة الانحراف الفكري داخل المجتمع -الدور العلاجي- وبه سبعة مباحث :


الأول بعنوان : النظر إلي الانحراف الفكري على أنه طارئ على المجتمع المسلم ،الثاني بعنوان : رصد الانحراف الفكري وبيان مظاهره وأسبابه ،الثالث بعنوان : تحديد القائمين بالعلاج ومسئوليتهم ،الرابع بعنوان : استخدام الأسلوب الأمثل في علاج أصحاب الانحراف الفكري ،الخامس بعنوان : توجيه العقليات التائبة نحو الأهداف النبيلة والغايات السامية،السادس بعنوان : التوعية بضرورة تأديب المتطاولين وتنفيذ العقوبات الزاجرة ،السابع بعنوان : مواجهة وسائل الانحراف الفكري.


والله أسال التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يبارك في العمل وأن ينفع به، وأن يجعله في ميزان الحسنات ،


إنه ولي ذلك والقادر عليه ،وهو أهل التقوى وأهل المغفرة .


د/ عبد البصير على الحقره




الفصل الأول


الثقافة الإسلامية مصادرها وخصائصها


وبه ثلاثة مباحث


       المبـــحث الأول : تعريف الثقافـــة الإسلاميـة


     المبحث الثاني : مصادر الثقافــة الإسلاميـــة


    المبــحث الثالث : خصائص الثقافة الإسلامية




المبحث الأول


تعريف الثقافة الإسلامية


الثقافة لغة: من ثقف بضم القاف وكسرها ويراد به عدة معان منها :


1- الإدراك والأخذ والظفر بالشيء ومنه قوله تعالى { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ }                       (سورة النساء 91) 0


2- الحذق والفطنة والفهم يقال : رجل ثقف أي أصبح حذقاً وفهماً وفطناُ .


3- التهذيب والتأديب ، يقال ثقف المعلم الطالب ، أي هذبه وعلمه وأدبه.


4- تقويم المعوج ، يقال : ثقفه تثقيفاً ، أي سواه وقومه بعد اعوجاج ([1]).


ومن التعريف اللغوي فإن الثقافة تعطي في الفكر حسن الإدراك وفي العقل دقة الفهم                 وإصابة الهدف، وذلك لأنها توفر للفكر والعقل الإتقان والتنظيم وطرح ما ليس منه فائدة ، فضلاً عما يحمل ضرراً ، وبذلك يتحقق للعقل الظفر بالبغية وإدراك  المطلوب.


الثقافة اصطلاحاً :


الثقافة من المصطلحات المعاصرة وهي في إطلاقها تختلف من بيئة لبيئة ومن فكر لفكر حسب ما يؤثر في هذه البيئة والفكر من مؤثرات ، وحسب ما يتحكم فيها من أوضاع وظروف ،    وهي في إطلاقها تلك المعارف والأفكار التي يحصلها الإنسان بصورة شمولية مما يتوفر له من مصادر الأخذ والتعلم حتى يبلور من خلالها طريقه في الحياة ، وتتوجه الثقافة- على ذلك - حسب توجيه الأبعاد التي تحكم الإنسان وإدراكه، وتحكم مصادر التعلم عنده ، ومن ثم فلا نستطيع أن ننكر تأثير البعد الديني أو البيئي ، أو الموروثات والعادات ، ولا عامل المكان             ولا عامل الزمن ، ولا نستطيع أن نقلل من تأثير الجوانب السياسية والاقتصادية والإعلامية                في توجيه الثقافات وتكوين أفكار البشر وصياغة أفهامهم ، وتبعاً لتعدد المؤثرات المختلفة تعددت الثقافات في أنواعها ومجالاتها ، وجاء الاختلاف أحياناً حسب المعتقد فهناك الثقافة الإسلامية ، الثقافة المسيحية ، اليهودية ، وأحياناً تبعت المذاهب الفكرية ورؤى المدارس المختلفة فيوجد من ثقافته علمانية أو ليبرالية أو .... ، وكذلك وجدت أنواع تتبع المكان الذي يعيش فيه الإنسان ويتأثر بمؤثرات بيئته ، فتوجد ثقافة اجتماعية تتبع المجتمع نفسه في مكانه وظروفه وعاداته وموروثاته ، فاختلفت ثقافة المجتمع العربي عن الغربي ، وحتى داخل كل مجتمع فقد تنسب ثقافات لموطن خاص داخل مجتمع  ، وكذلك توجد ثقافات تتبع حالة الإنسان الاقتصادية ، وأصبح المال والحرمان يوجهان الفكر والأفهام ، وقد تكون هذه التوجهات الفكرية والتصورات العقلية التي تتحكم فيها الأبعاد المختلفة إيجابية وقد تكون سلبية ، وذلك يتبع رؤية أصحابها حسب المرجعية التي إليها يرجعون ، والأسس والمبادئ التي إليها يحتكمون وسواء اتفق معهم غيرهم أو خالفهم .


ومن ذلك نفهم أن كلمة " الإسلامية " قيد مهم لتحديد توجه الثقافة التي عنها أتحدث ،  ومعنى المصطلح الذي يدور حوله هذا البحث ، فالمصطلح هو الثقافة الإسلامية ، وقد تعددت الآراء حول معنى هذا المصطلح ومنها الآتي :


1-    " هي طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون في جميع مجالات الحياة وفقاَ لتوجه  الإسلام وتصوراته ، سواء في المجال المادي المسمى بالمدنية أو في المجال الروحي والفكري المسمى بالحضارة ([2]) .


2-    " هي معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامي بصورة مقنعة موجهة " ([3]) .


3-    " هي العلم الذي يبحث في المرتكزات الأساسية للفكر الإسلامي لبناء الذات ومواجهة التحديات المعاصرة " ([4]) .


4-  " هي مجموعة المعارف والأفكار والقيم التي تنبعث عن العلوم الإسلامية الكبرى كالعقيدة والتفسير والفقه والحديث والتي تفاعلت مع البيئات الإسلامية على مر  الأزمنة فتكون منها تاريخ طويل " ([5]).


5-    " هي علم دراسة التصورات الكلية والمستجدات والتحديات المتعلقة بالإسلام والمسلمين بمنهجية شمولية مترابطة " ([6]).


ومن هذه التعريفات السابقة نستنتج عدة نقاط هامة ترتبط بحدود ومرتكزات الثقافة الإسلامية


1-     أجمعت التعريفات على أن مقومات الأمة الإسلامية ومرتكزات الفكر الإسلامي هي مقوم أساسي في الثقافة الإسلامية.


2-  اهتمت بعض التعريفات بضرورة معرفة التحديات التي تواجهها الأمة وجعلت إدراك وفهم هذه التحديات مكوناً من مرتكزات الثقافة الإسلامية تقديراً لخطورة ذلك وأثره في بناء الأمة قوة وضعفاً وهذا ما أكده التعريف الثالث ، والخامس ، وأكد عليه التعريف الثاني فبدأ به.


3-  الثقافة الإسلامية تتكون ضمن إطار معرفي شمولي لمقوماتها بمعنى أن المعرفة بمفرداتها لا تأتي ضمن دراسة تخصصية أكاديمية وإنما هو تصور شامل مستوعب لمرتكزات الدين الإسلامي ومقوماته والتحديات التي تواجهه ، ومن ثم فإن المعارف التي تتكون منها الثقافة الإسلامية              لا تعرف إنتماء خاصاً لمجال معرفي من مجالات العلوم والمعرفة وإنما تسري لتشمل إلماماً شمولياً بكل فروع العلوم المتصلة بالإسلام ، وهي في سبيل ذلك تقدم أولويات الأخذ والمعرفة حسب ما يتصل بأركان الدين ومرتكزاته ، فتكون في إطار الدراسات الإسلامية المتعلقة بالعقيدة وأصول الدين ألصق ، وتتدرج المعارف بعد ذلك حسب إطار من الأولويات ، ومن التعريفات التي أكدت على التصور العام والمنهج الشمولي التعريف الثالث والرابع والخامس .


4-  اتفقت التعريفات على أن المرجعية للثقافة الإسلامية  هى الإسلام بما يحمله من مصادر ومقومات ، ومن ثم تخرج الأبعاد التي أشرت إليها في تكوين الثقافات وتوجيه العقول والأفهام ، وهذا واضح من تأكيد التعريفات على أن استخلاص المعارف والأفكار المكونة للثقافة من الإسلام وعلومه .


5-  ومما اتفقت عليه التعريفات أيضاً وضوح الهدف لدى الثقافة الإسلامية ، فهي لا تعرف العشوائية ولا الغموض ، ولا تسير متخبطة مجهولة الوجهة ، وإنما تحمل من الأهداف أسماها ، ومن التطلعات أعلاها ، ومن الرؤية المستقبلية ما يكفل عز الأمة وأمن المجتمع وسلامته ، وحسن الالتزام والاستقامة على أمر الله مما يكفل بناء الفرد والمجتمع،ومن ثم أكدت التعريفات على أن الثقافة الإسلامية ليست مجرد حشو للعقول بالأفكار، وإنما هي تطبيق وسلوك يحركه الفهم الصحيح والإدراك الواعي للرسالة وأهدافها،وتقدير حثيث للعقبات والمخاطر وحسن التعامل معها،وهذه المعاني أشارت إليها التعريفات خاصة في استخدام الكلمات(طريقة الحياة)في التعريف الأول(بصورة مقنعة موجهة)في التعريف الثاني(بناء الذات ومواجهة التحديات)في التعريف الثالث(تفاعلت مع البيئات)في التعريف الرابع  ،(بمنهجية شمولية مترابطة) في التعريف الخامس.


6-  الثقافة الإسلامية لا ترتبط بالمعارف الإسلامية التي تكونت في حقبة زمنية بعينها، بل إنها امتداد معرفي لتاريخ الإسلام طولاً وعرضاً ، قديماً وحديثاً ، تستفيد من الماضي تعيش به حاضراً ، وترسم  به مستقبلاً ، وهذا يعطي الثقافة الإسلامية معنى الشمول والاستيعاب ويجعلها من أسباب وحدة الصف الإسلامي وتماسك المجتمعات الإسلامية وتآلفها، بما تبرزه  من تاريخ مشترك للمسلمين يعلو على الحدود المصنوعة، والنزاعات والعصبيات والتقسيمات ، وقد أكدت التعريفات على معنى الشمول،وإن وضح بجلاء في التعريف الأول والرابع والخامس.


ومن استقراء التعريفات نستخلص أن أهم مكونات الثقافة الإسلامية من خلالها هي :


معرفة التصوارت الكلية ومقومات الإسلام


معرفة التحديات المعاصرة وسبل مواجهتها


وضوح الهدف ونبل الغاية


الشمولية والاستيعاب


ومن خلال ذلك أرى أن الثقافة الإسلامية تعني : العلم الذي يبحث بشمولية                     في المعارف والتصورات الكلية للدين الإسلامي ومقوماته ومواجهة التحديات المعاصرة                  لبناء الفرد والأمة المسلمة .


المراحل التي مرت بها الثقافة الإسلامية :


الثقافة الإسلامية من المصطلحات الحديثة التي لم تكن معهودة في التراث الإسلامي بهذا المسمى وإن كانت مبثوثة بحقيقتها في جميع العصور التي عاشها المجتمع المسلم وحداثة المصطلح هو ما يفسر الاختلاف في تحديد المراد بها وتحرير معناها .


ولقد مرت الثقافة الإسلامية بمرحلة التأسيس والنشأة ، وقد بدأت مع الإسلام ذاته في العهد النبوي، فعاشت في هذا العهد المبارك تتغذى مقوماتها ومرتكزاتها مع مقومات الدين ومرتكزاته من الوحي الإلهي ، وتوجيهات النبوة ، وتفاعل المجتمع المسلم مع هذه الفترة ، وبعد هذه الفترة  ارتبطت الثقافة الإسلامية بازدهار الحضارة الإسلامية وتفوق المجتمع المسلم وتأخره ، وكان عصر الخلفاء الراشدين هو التالي لمرحلة النشأة والتأسيس ، ومن ثم كان حلقة في تواصل البناء للثقافة الإسلامية، وذلك لسببين :


الأول: قرب العصر بعصر النبوة ، ومن ثم فالتزام تعاليم الوحي الرباني ، ودقة فهم الصحابة للتشريع الإسلامي كان أحد الأسباب التي تكامل بسببها البناء .


والثاني:انطلاق عصر التدوين للمصدرين الأساسين القرآن والسنة وما استجد من أحداث ووقائع استلزمت من الصحابة فهماً وفكراً أثرى الجوانب المعرفية للمجتمع وعاد ذلك على الثقافة بالقدرة على النمو والتقدم،وكان نقلة للمرحلة التالية وهي مرحلة الازدهار أو ما يسميها البعض المرحلة الذهبية([7])وهي المرحلة التي حوت القرون الثاني والثالث والرابع الهجري.ففي هذه القرون اتسعت ميادين الثقافة وتنوعت مجالاتها،ونشط الفكر بصورة ملحوظة،وتكونت مدارس فكرية خاصة في ميدان الفقه وأصوله،والذي أثراه الخلاف في مسائله،ونشط البحث والعلم تبعا لذلك .


مرحلة الجمود والركود :


وهي المرحلة التي تلت المرحلة السابقة وذلك من القرن الخامس وإلى يومنا هذا وذلك لأن حركة الاجتهاد قد ركدت وأقفل باب الاجتهاد وصار الاعتماد على مذاهب المجتهدين السابقين ، فضعفت الهمم والعزائم ، وساد الفكر التقليدي المغلق واتجه العلماء والفقهاءإلى تأليف الاختصارات والشروح والحواشي ([8]).


ودارت الثقافة الإسلامية في حركتها ونشاطها تبعاً لقوة الأمة وضعفها، وإن كان في العصر الحديث تميزت الثقافة الإسلامية كمصطلح واضح فرض نفسه على الساحة الفكرية ، وركز على بعد مواجهة التحديات التي تواجه الأمة في بنائها الفكري وهويتها وعزتها ، ومازال الطريق طويلاً فيما نأمل أن تكون عليه الثقافة الإسلامية اليوم .




المبحث الثاني


مصادر الثقافة الإسلامية


إن العلوم تستمد شرفها من مصادرها ، وتعلو مكانتها بعلو منطلقاتها، وتزداد أهمية المعارف كلما زادت أهمية مصادرها والحاجة إلى هذه المصادر ، وعلى ذلك فإن الثقافة الإسلامية ذات مكانة عالية وشرف رفيع ، إذ أن على رأس مصادرها مصادر الدين الإسلامي ذاته ، ونعنى بذلك : القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فلا أشرف بين العلوم ممن استمد من الوحي الإلهي ، ولا أعظم بين المعارف ممن كان منطلقه قول الله وسنة نبيه صل الله عليه وسلم ، وحاجة المسلم بل البشر جميعاً  إلى الوحي الإلهي اليوم لا تعد لها حاجة لأي مصدر آخر ، والبحث عن مصادر الثقافة الإسلامية إنما هو بحث عن جذورها وأصولها ، بحث عن نسبتها واستمدادها ، وتتنوع مصادر الثقافة الإسلامية لتشمل ما يلي :


1- القرآن الكريم .


كتاب الله عز وجل أساس ومصدر المعارف والعلوم الإسلامية ، ومنها الثقافة الإسلامية ، والقرآن الكريم المصدر الأول للتشريع الإسلامي ، وهو المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، الكتاب الجامع الذي جمع خيري الدنيا والآخرة ، الشامل لجميع شئون الحياة ، وينظم حياة البشر ويكفل سعادتهم واستقرارهم حال امتثال نهجه ،            وإذا كان أساس تحصيل الثقافة الإسلامية بالاطلاع والقراءة فقد جاءت أول الآيات في القرآن


( اقرأ باسم ربك الذى خلق)  ([9])واتخذ العلم والدعوة إليه وتكريم العالم والمتعلم باعاً عظيماً من آيات القرآن الكريم .


والقرآن الكريم هو منهل جميع العلوم والمعارف ومنبعها ، ومن ثم فإن الثقافة الإسلامية ارتشفت الشمول من آياته و الدقة من منهجه ، وحملت النفع والخير في أهدافها وغاياتها من رسالته .


2-السنة المطهرة.


ونقصد بها ما ثبتت صحته عن رسول الله صل الله عليه وسلم وقبله علماء أهل الحديث ، والسنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم ومكانتها من التشريع معلومة واضحة ([10]) ودورها واضح في شرح القرآن وتفصيل مجمله وتقرير وتأكيد أحكامه ، وبدونها يتوقف العمل بالقرآن ، ويجهل المرء الكثير بما ورد فيه ، فضلاً على أنها تحمل القدوة في حياة الأمة ، وتنفرد ببعض الأحكام التي يجب مراعاتها ، ولا يتم إيمان المؤمن إلا باتباعها والعمل بها قال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة الحشر 7).


3- الإجماع .


وهو اتفاق مجتهدي الأمة الإسلامية في عصر من العصور على حكم حادثة شرعية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم "([11]) واتفاق أهل الاجتهاد في عصر من العصور على رأي واحد وحكم واحد ملزم لأهل العصر ومن بعدهم ، لأن اجتهاد المجتهدين وإجماعهم لا يأتي من فراغ ، إنما يأتي بعد استفراغ أهل العلم والتخصص قرائحهم وأذهانهم ، واستنفاذ جهدهم في بحث مسألة ما ، وهم في ذلك يقتفون أثر أهل السنة والجماعة وصحب رسول الله صل الله عليه وسلم وتخرج فتاواهم وآراءهم من استصحاب القرآن والسنة وعمل الصحابة ، وعلى ذلك فهم في اجتهادهم متبعين وليسوا مبتدعين ،ومن ثم كان اتباعهم واجبا ونقض إجماعهم تلاعباً، ويصدق في ذلك قول الله تعالى " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ  مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. "النساء:115  .


ولا يخفي ما لإجماع العلماء في كل عصر وفي كل ميدان من أثر في إثراء الثقافة الإسلامية بما أضافوه من أحكام وآراء وفتاوي وتعليقات وشروح أيدت آراءهم وبينت فتاواهم ، وأصبح ذلك كله في ميزان الثقافة الإسلامية علما ينتفع به ، ومعرفة ترشد الناس وتهديهم .


4- القياس .


وهو إلحاق واقعة لا نص فيها بواقعة ورد فيها نص لاشتراك الواقعتين في علة الحكم ([12]) ومعلوم أن الأحداث تتغير في حياة الإنسان وتختلف الظروف المحيطة بالإنسان حسب كل عصر وجيل وتختلف كذلك من مكان لآخر الأمر الذي تستجد معه الوقائع والأمور التي تستدعي بياناً وتسلتزم حكماً وتحتاج توجيهاً، ومن ثم لا شبيه لها فيما سبق من عصور ، ولا حكم مباشر لها في كتاب أو سنة ولذا كان لابد من إعمال العلماء والمجتهدين وفكرهم وأفهامهم لإصدار الأحكام ، والتوجيه لما استجد من أمور وأحداث ، وهم في إعمال أفكارهم واجتهادهم يلتزمون المقاييس الشرعية والسبل القويمة التي أوضحها الدين ، ويستخدمون في ذلك القياس ، وحجتهم في ذلك حديث ابن عباس رضي  الله عنهما " أن رجلاً قال يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج أفأحج عنه ؟ قال أرأيت لو كان  على أبيك دين أكنت قاضيه ؟ قال نعم ، قال : فدين الله أحق " ([13]) والقياس بهذا المعنى مجدد للثقافة الإسلامية ، ويلبسها خصيصة السعة والمرونة وينفي عنها الجمود والأفول فيصبح مصدراً مهماً من مصادر الثقافة الإسلامية التي تجدد الدم في عروقها بما يستنبطه من أحكام وما تستخرجه من معالم العصر وقراءة الأحداث حسب القواعد الشرعية .


5- تراث الحضارة الإسلامية .


إن التراث الفكري والحضاري الذي تركه المسلمون على مر العصور الماضية أحدث زخماً في الحضارة البشرية عامة من الرقى والتحضر ، فقد قدم مفكروا وعلماء المسلمين على مر العصور عصارة أفكارهم وأروع مناهجهم وأبدع تراثهم ، صاغوا به حضارة هي أرقى الحضارات ، وأنجزوا إبداعاً لم تكن للبشرية به عهد ، ولم يقتصر هذا الإبداع وتلك الحضارة على مجال دون مجال ،بل إن ذلك كان شاملاً مجالات ونشاطات الإنسان جميعها، فقد قدم لنا السلف الصالح تراثاً فقهياً وحديثياً وتفسيرياً وعقدياً ولغوياً وتاريخياً، وكذلك في النظم الإسلامية والعمارة والهندسة والفنون ، وغير ذلك من علوم ومعارف مازالت حديث الزمان من المؤيد والمخالف ، والصديق والعدو .


وقد شغل هذا التراث الحضاري جزءاً هاماً من مصادر الثقافة الإسلامية ومازال يمثل الشمعة التي تضىء بها الثقافة الإسلامية ، وعلى قدر تميز هذا المصدر في حياة الأمة من الأجيال المعاصرة وتفعيل تراث أسلافهم في حضارة عصرهم على قدر ما يتقدمون وترقى الثقافة الإسلامية .
 


المبحث الثالث


خصائص الثقافة الإسلامية


الثقافة الإسلامية استمدت خصائصها من خصائص مصادرها وتميزت الثقافة الإسلامية بما تميز به التشريع الإسلامي عن غيره من تشريعات وضعية وقوانين بشرية ، ولما ارتكزت الثقافة الإسلامية في مصادرها على الكتاب والسنة ، جاءت خصائصها موافقة لخصائص الإسلام ذاته، إذ أنها حملت منهجه كما حملت أهدافه وغاياته ، وأهم ما تميزت به الثقافة الإسلامية  الخصائص التالية :


1- الربانية . 


الربانية نسبة إلى الرب سبحانه وتعالى وربانية الثقافة الإسلامية تعني نسبة مصدرها إلى كلام الله تبارك وتعالي فهي تحتكم بأحكامه وتأتمر بأوامره وفي نسبتها إلى السنة النبوية المطهرة نفس معنى الربانية فهي إذ تستمد مقوماتها من المصدر الثاني للتشريع -ألا وهو السنة النبوية - فالسنة وحي من الله لرسوله صل الله عليه وسلم وكما أخبر الله تعالى " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " النجم 3-4 .


ولهذا فإن الثقافة الإسلامية تختلف عن غيرها من الثقافات الأخرى التي قامت على أسس علمانية وضعية وتجاهلت الجانب الديني والعقدي والأخلاقي في بنائها الثقافي وفق تصوراتهم القاصرة المحدودة " ([14]).




2- العالمية :


من أبرز خصائص الإسلام عالميته والتي عمت بها رحمة الله عز وجل على العالمين وشملت بها هداية الرسالة الخاتمة للناس جميعاً قال تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس )([15])(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ([16])( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)ً([17]) (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )" ([18])، وعموم رسالة الإسلام ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع وثلاثتها مصادر للثقافة الإسلامية ، وحملت الثقافة الإسلامية ما حملته من هذه المصادر من خصائص ومنها العالمية ، والثقافة تحمل في مضمونها معاني العدالة والمساواة ونبذ التفاخر بالأنساب والتمايز بالألقاب والأحساب ، وهذا يذيب الفوارق التي يصنعها الإنسان ، ويذهب بالطبقية التي يرسمها البشر فيعود البشر صفاً واحداً كلهم لآدم وآدم من تراب ، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ،(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ([19])والثقافة تخاطب بهذه المبادىء مطلق مسلم أياً كان اسمه ورسمه وجنسه و لونه أو مكانه و زمانه أو عمله و حرفته ...


والثقافة الإسلامية تحمل في غاياتها الخير وتبغى النفع للمسلم والإفادة لجماعة المؤمنين أينما كانوا ومهما اختلفت لغاتهم وألوانهم وبلدانهم ... وتخاطب بهذا الخير والنفع غير المسلم               أينما كان حتى ينضم إلى جماعة المؤمنين فيغنم كما غنموا .


" وأكبر دليل واقعي على عالميتها أن الذين ساهموا في نشرها والعمل بها كانوا                                    من المسلمين على اختلاف بلدانهم وأقطارهم ولغاتهم ، وهي عالمية لأنها تلائم فطرة الإنسان دون تصنيف "([20]).


3 – الشمولية :


جاءت رسالة الإسلام متفاعلة مع حياة الإنسان في جميع مجالاتها وصورها ونشاطاتها، رجلاً أو امرأة ، فردًا أو جماعة صغيراً أو كبيراً ، وجاءت تعاليم الإسلام تنظم حياة الإنسان في عمله وراحته في فقره وغناه ، في نومه ويقظته ، في فرحه وحزنه ، في حله وترحاله ، في صحته ومرضه ، جاءت تعاليم الإسلام تلبي حاجات الإنسان وتضبطها سواء كانت روحية             أو جسدية وتوازن بين مطالب عقله وجسده ، وروحه جاء ذلك كله في توافق واتزان ،             بلا خلل واضطراب لأنها رسالة من الخالق الذي يعلم من خلق وبهذا الشمول جاءت الثقافة الإسلامية في مقرراتها ومفرداتها ترسم وتوجه ، تعلم وتؤدب ، توجه وتهذب حتى يستشعر الإنسان فضل ربه عليه قال تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " النحل 89 " ما فرطنا في الكتاب من شىء " الأنعام 38.


4- الوسطية .


والوسطية روح الإسلام ، وتاج الأمة وشعارها قال تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً                   " البقرة143، وسمة الإسلام الأساسية هي التوازن والاعتدال في كل نواحي الحياة ، الاعتدال                 بين حقوق الجسد وأشواق الروح وبين مطالب الدين والدنيا"([21]) وذلك لأن الذي شرع للمخلوق خالقه ، ومن خاطب العبد ربه ، والله بخلقه عليم خبير ، فجاء التشريع وسطاً متوافقاً مع طاقات الإنسان وحاجاته وضابطاً لغرائزه وشهواته ، أعطى لكل مكون حقه بلا إفراط ولا تفريط ، ولا يعطي الفرد على حساب المجموع ولا المجموع على حساب الفرد ، بل إن التوافق جمع بين الإنسان ومكوناته ، والفرد والمجموع ، بل جمع بين الإنسان والكون كما جمع بين الدنيا والآخرة .


والثقافة الإسلامية في الوسطية تتحدث بلسان الإسلام وتنادي بتعاليمه والسير على نهجه فحملت الثقافة الإسلامية الوسطية من الإسلام في مقوماتها ومضمونها .


6-    الواقعية :  


الله سبحانه قد سخر الكون بما فيه للإنسان ، وأنعم عليه بالنعم ظاهرة وباطنة ، وسمح للإنسان بالتعامل مع هذا الكون والتنعم بهذه النعم حسب ما قرر الله سبحانه بما يضمن التعمير للكون ، واستدامة النعم وبقائها ،  وقد شرع الله سبحانه التشريع بما يتوافق مع متطلبات الإنسان وطاقاته ويضمن الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع ، ولم  يكن التشريع يعالج أوهاماً ويتصور خيالات ، بل جاء من واقع الإنسان يرصد ملامح هذا الواقع ويتعامل معه بواقعية وموضوعية ، يقدر الظروف والاحتياجات ، ويرفع الإصر والأغلال ، ويراعي التيسير ورفع الحرج ، ولم  ينظر الإسلام للإنسان على أنه ملك مقرب بلا شهوات ، ولا على أنه شيطان كتلة من الشر ، تحكمه النزوات ، بل قدر الأمور بقدرها ، وشرع بحكمة متناهية لهذا المخلوق الذي يعلمه خالقه تمام العلم .


والثقافة الإسلامية  تستمد واقعيتها من واقعية الإسلام ذاته،ولذا جاء أغلب تعريفات الثقافة الإسلامية تفرد لمعرفة التحديات الواقعة، والمشكلات المعاصرة جزءاً هاماً، وهذا يكشف    عن واقعيتها ،  فهي أبعد من أن تنسج خيالات وأوهاما ليعيش فيها الإنسان مغيباً عن واقعه، بل إنها في مضمونها تحمل واقعية الإسلام،وفي إدراك التحديات المعاصرة تقدم الواقعية                     تطبيقاً عملياً.


7-    الاستمرارية


ومع الواقعية في الثقافة الإسلامية تأتي الاستمرارية ، فالثقافة الإسلامية لا تقدم خطة خمسية ونحوها لجيل من الأجيال ، ولا تخاطب بمضمونها عصراً منفرداً عن بقية العصور ، بل إنها تحمل  امتداد الإسلام في عالميته التي احتوت المكان والزمان إلي قيام الساعة ، ومن ثم فاستدامة الثقافة الإسلامية من خصائصها ، وتحمل من الثبات والمرونة ما يحفظ أصولها ويقوي دعائمها وفي الوقت ذاته يكسبها التطور والاستمرار ما يسهل التفاعل مع كل الأجيال المتوالية ،  والعصور المتتابعة " فقد ختم الله تعالى بالإسلام الشرائع والرسالات السماوية كلها، وأودع فيه عناصر الثبات والخلود والمرونة والتطور معاً وهذا دليل على صلاح هذه الثقافة لكل زمان ومكان "([22]).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:48 pm

الفصل الثانى


دور الثقافة الإسلامية فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع


وبه خمسة مباحث


1-    العقيدة الصحيحة منطلق الأمن  فى حياة الإنسان  


        2- بناء العقل والتفكير السليم


        3-  التأكيد على فضل العلم النافع وضرورة بذله وطلبه


        4- تفعيل مقررات الإسلام عمليا فى حياة المجتمع


        5- بيان آفات الأمن الفكرى والتحذير منها


 
 


مدخل .


تتنوع فوائد الثقافة الإسلامية وتتعاظم أهميتها للفرد والمجتمع المسلم على حد سواء، ويتلخص دورها عامة في بناء الفرد والمجتمع ، فهي تبني الفرد عقلياً فينضبط فكره ويتحرر من الجمود والأوهام ، وسلوكياً فتحميه من الانحراف والإجرام ، وشخصياً فتعزز لديه الانتماء لدينه ومجتمعه ،وتحقق شخصيته وتكسبه التميز والتفرد ، وتفتح لديه الآمال والطموحات والغايات النبيلة التي يستشعر بإنجازها ما يسمى بالسعادة النفسية ، وتبنيه بدنياً ببيان ما ينفعه وما يضره في بنية جسده  واستثمار طاقاته ، وتبنيه روحياً بما يكسبه الهدوء النفسي والشعور بالأمن والاتزان بما يعرفه ويطبقه من مقررات الإيمان .


والثقافة الإسلامية بهذا البناء المتكامل إنما تخلق في الإنسان روحاً وثابة، وإرادة وقادة وعزيمة راشدة في مواجهة التحديات التي تواجهه، والمشكلات التي تعترض طريقه، ومن ثم فهو أبعد الناس من الجبن والهروب والتبعية والكسل، أياً كانت هذه التحديات والمشكلات فكرية أو مادية، وعلى ذلك يعرف المسلم مكانه ومكانته وسط التيارات الفكرية والثقافات المختلفة التي يموج بها عالم اليوم بذاتيته التي يحققها بعزة وكرامة نفس.


والثقافة تبني المجتمع في مجالات البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهي أكبر عون                في بناء المجتمعات الإسلامية ودفعها نحو النهضة والتحضر والرقي بما تحققه من درجات وعي،وشمول معرفة، وحسن إدراك لمعنى الأخوة الإيمانية والعدالة الاجتماعية، وضرورة               العمل لتنمية المجتمع ونهضة البلاد في إطار من أخذ الحقوق وأداء الواجبات في مسئولية أمام الله عز وجل قبل أن تكون أمام أي جهة أخرى.


ومهما تعددت أدوار الثقافة الإسلامية في بناء الفرد والمجتمع فإن أخص أدوارها في هذا البناء هو ما يتعلق بالبناء الفكري الذي يحقق الأمن الفكري لدى الفرد والمجتمع وهو أعز ما يطلبه الفرد وتنشده المجتمعات.


فالأمن الفكري حلم كل قائد لشعبه، وأمل كل راع لرعيته، إذ من شأنه أن يضبط التفكير فيبعد عن الشطط ، ويتزن به العقل فلا يعرف التخبط، وتفقه به الأفهام فتنأى عن الزلل، ويترتب على حسن التفكير والإدراك حسن التطبيق والسلوك، وحسن التعامل والتفاعل بين الأفراد والمجموع.


والأمن الفكري في الإسلام مرجعيته ربانية، وضوابطه مستقاه من الكتاب والسنة،            ومن ثم فمرجعيته منزهة عن الهوى والميل، ولا تحكمها شهوة أو أنانية، لا تعرف التخبط،  وأبعد ما تكون عن الجهل.


وأصل الأمن طمأنينة النفس وعدم الخوف، والأمن للإنسان هو الطمأنينة والسكينة واتقاء الخوف عن نفسه مما يجعله مقبلاً على الحياة بروح معنوية عالية وثقة بالنفس" ([23]).


"وهو حياة الفرد والأسرة والمجتمع حياة طبيعية في الدنيا لا يخافون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم ، وتسلم من أن يعتدى عليها أو على ما يصونها ويكلمها أحد بدون حق، وفي ذلك اطمئنانهم بالسعي في كل ما يرضى الله سبحانه حتى يتم لهم الأمن في الآخرة بنيل رضا الله وثوابه والنجاة من عقابه"([24]).


"ويرجع خبراء الأمن إلى أن الأمن حالة ذهنية ونفسية وعقلية"([25]).


فالأمن من أجل نعم الله على عباده، وهو محرك الحياة نحو العمل والإنجاز ولا عجب أن يمن الله به على عباده قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (سورة قريش 3، 4).


"فالأمن يدفع الإنسان إلى القيام بواجبه نحو ربه ودينه ومجتمعه، الأمر الذي يجعله يطمئن على نفسه ومعاشه وقوته"([26]).


والأمن هو غاية الشرائع السماوية وهدفها الأسمى ، وقررت الشرائع الأمن ببيانها الحقوق والواجبات والحلال والحرام، وإرسائها قواعد الحدود والعقوبات وغير ذلك، وجعلت مقاصدها حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل ، وبين الرسول r أن الاستقامة تحقق الأمن، وحسن السلوك علامة الإسلام والإيمان فيقول r "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم"([27]).


ويؤكد القرآن على أن الإيمان منبع الأمن قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (سورة الأنعام 82).


وتختلف تقسيمات الأمن منها ما هو دنيوي وأخروي ومنها ما هو داخلي وخارجي                      ومنها ما يتعلق بالفرد وما يتعلق بالمجتمع، ومنها ما يتعلق بالجوانب والأنشطة الحياتية للإنسان فهناك الأمن الفكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، إلى غير ذلك من تقسيمات.


وتهتم الدراسة بالأمن الفكري وهو ما يتعلق بتحقيق الطمأنينة والاستقرار لدى الإنسان في إعمال عقله وتنميته والمحافظة عليه ، وانضباط تفكيره وعدم انحرافه، واتزان إدراكه وعدم اضطرابه، وسلامة فهمه ، وعدم تهديد هذا العقل والتفكير الإدراكي بأي مخاوف.


فتحقيق الأمن الفكري بهذا المعنى هو نقطة انطلاق نحو استقامة السلوك وصلاح العمل، وتحقيق الإنجاز والتخطي للعقبات وحل المشكلات.


ويتلخص دور الثقافة الإسلامية في تحقيق الأمن الفكري في جانبين:


الأول: الدور التأسيسي، وهو دور بناء مقومات الأمن الفكري، ووضع أسسه، والاهتمام بمرتكزاته والعمل على إشاعة هذا الجو الآمن بين جنبات المجتمع ببناء الفرد الصالح صاحب العقلية الواعية والفهم المستنير وهذا الدور يعد دوراً وقائياً في مواجهة الانحراف الفكري داخل المجتمع تقوم به الثقافة الإسلامية.


الثانى : الدور العلاجى ، وهو دور تقوم فيه الثقافة الإسلامية بمعالجة الانحراف الفكرى الواقع فى المجتمع ، وذلك برصد مظاهره وأسبابه ومخاطره وآثاره وتقديم السبل  المناسبة لمواجهته 0


 
المبحث الأول


العقيدة الصحيحة منطلق الأمن في حياة الإنسان.


إن فطرة التدين في حياة الإنسان تلح عليه إلحاحاً شديداً ، يندفع من خلالها باحثاً عن إلهه الذي يعبد ، وربه الذى إليه يتوجه ، وهو دائم البحث عن الخالق الذي خلقه ، والرازق الذي يرزقه ، والمنعم الذي ينعم عليه ، وتختلف مشارب البشر في بحثهم ، وتتباين مسالكهم للإجابة عما يلح في فطرتهم من أسئلة عن الخالق وماذا يريد ، وعن الكون ورسالتهم تجاهه.


وتاريخ البشر يحكي ألواناً من بحث الإنسان واجتهاده في هذا الإطار ، مابين تفكير عقلي ، وتصورات ذاتية ، ومتابعة عادات وتقاليد ومسايرة وموروثات... وصور أخرى من صور تفاعل الإنسان مع فطرة التدين التي تشغل عقله ، وتملأ عليه نفسه. وماجنى الإنسان من وراء ذلك إلا ضلالاً وتيهاً وجهالة وظلمات بعضها فوق بعض.


وفي خضم هذه الرحلة الطويلة من تاريخ البشر ما اهتدى الإنسان إلى الإجابات المقنعة التي خضع لها عقله ، واطمأن إليها قلبه ،  إلا في رسالات السماء والتي تدارك بها الله البشر رحمة منه وفضلاً ، وتكريماً وعطفاً ، فما سعدت الأنفس إلا مع دعوات المرسلين ، وما أمن مجتمع إلا مع هدايات السماء ، ولا استقر عيش إلا في ظل دعوة التوحيد التي هتفت بها أنبياء الله ورسله.


جاء وحي الله عز وجل يهدي الناس إلى صراط الله المستقيم ، فعرف الإنسان إلهه وخالقه ، وربه ورازقه ، أرسى قواعد التوحيد الخالص ، والتوجه الصادق.


وجاءت رسالات السماء متخذة من العقيدة الصحيحة نقطة انطلاقها ، ودعامة ركائزها ، وذلك لما تمثله العقيدة الصحيحة من أهمية ومكانة في بناء الدين ، وإصلاح الإنسان ولذا فلا نعجب أن يعلن كل رسول من المرسلين منطلق رسالته في إعلان ( لا إله إلا الله ) والتي أولى ثمراتها في نفس الإنسان هدوءاً داخلياً لاتساقها مع الفطرة ، وأماناً وسعادة نتيجة مواءمة مضمونها مع تكوين الإنسان ، فيها عرف الإنسان ربه ، وتعرف على غاية خلقه ، أدرك كيف يتعامل مع ماسخر له ، وعلم مآل حياته ومماته ، فما عاد الجهل يتخطفه ، ولا الضلال يحتويه ، وعندئذ استشعر الإنسان معنى الأمن الداخلي ، ومن ثم شع خلقاً حسناً ، وتعاملاً كريماً ، وأدباً مع بني مجتمعه بعد أن استقام على أمر الله ، ونظم له الدين الصحيح حياته مع نفسه ومجتمعه ، وكل ذلك بفضل العقيدة الصحيحة.


وبافتقاد الإنسان العقيدة الصحيحة تغلبه المخاوف ، وتخطفه المفازع ، ويسيطر عليه القلق والتوتر ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، فلن يعطي أمناً لغيره طالما لم يشعر به في نفسه ، وما أعظم تصوير القرآن حال المشرك الذي فقد كل عناصر الأمن النفسي والبدني ، والعقلي ، والاجتماعي ،... وذلك بافتقاده الإيمان وخلوه من العقيدة الصحيحة قال تعالى { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } (سورة الحـج 31) فافتقاد المعتقد الصحيح يجعل الإنسان عرضة لشرور العقل ، وجنوح الفكر ، وسيطرة الوساوس والأوهام ، وتحكم العادات والموروثات ،... ومع ذلك لا ينعم إنسان باستقرار ، ولا يستشعر هدوءاً ، إنما هي مفازع تحوطه ، ومخاوف تتكالب عليه ، كمن أصابه الهلع من جراء سقوطه من قمة شاهقة بلا حماية ولا سند ، وتأكدت عنه نهايته المفزعة ، تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق.


ألا  ما أعظم نعمة الإيمان ، وما أعظم دورها في تأمين الإنسان ، عندما يؤمن بربه فيعلم أن الأمر بيده وحده فيستعين به وحده ، ويتوكل عليه في كل أمره ، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، يعلم أنه يركن في أموره لمن بيده الأمور ، فلا يخشى مخلوقاً بعد ما أيقن بمعية الخالق ، ولا يرهب مخاوف بعد أن دخل في رحاب الله. فتأمن نفسه ويسعد قلبه،ويأمن على عقله بإيمانه برسل الله – عليهم السلام – بأنهم قد جاءوا بالحق والصدق ، معهم الدلالات والبراهين ، ومعهم الحجج الدامغة على صحة الرسالة ، فاطمأن عقله ، واستقر تفكيره ، ورشد رأيه ، بعد أن علم وجهته وغايته ، وبعد أن أدرك واجباته وحقوقه بعد أن اتخذهم قدوة وأسوة في أقواله وأفعاله.


ويأمن على فكره بإيمانه بكتب الله والتي يثق  بخلوها من التناقض والتعارض والتي ماجاءت إلا لصلاحه واستقامة أمره ، وتستقر نفسه بين الخوف والرجاء بإيمانه بملائكة الله عز وجل والذي يعلم عنهم وعن عظمة خلقهم وأعمالهم ومدى خضوعهم وخشوعهم لله تعالى فتتعالى عنده الخشية من الله ، ويستقر عنده الخضوع والتواضع لله بالعبادة ، وكلما تعرف عليهم أكثر ازداد يقيناً بإيمانه ورجاءً في الله بأن يكتبه من السعداء.


ويأمن على مآله ومصيره بإيمانه باليوم الآخر ، فيوقن بأنه لن يترك سدى ، كما لم يخلق عبثاً ، ومن ثم يعلم مصير المؤمنين من السعادة ، ومآل المشركين إلى الشقاوة ، فيعلم أنه لن ينتقص حقه ، ولا يضيع جهده ، فيأمل حسن المصير ، ويدعو بحسن الخاتمة حتى يحظى برضى ربه في الآخرة.


ويدخل واحة الأمن بالرضا والتسليم بقضاء الله وقدره ، ويتلقى  في النعمة والبلية الأجر ، أجراً في شكر الأولى وأجراً في صبر على الثانية ، ليهنأ بالخير في جميع أحواله.


والملاحظ في بناء الإسلام للعقيدة الصحيحة في نفس الإنسان أنه قد سلك مسلكين يتم كل منهما الآخر :


الأول : مسلك الهدم وفيه يترصد الإسلام كل معالم الشرك والجهالة في نفس الإنسان يهدم بنيانها ويقوض دعائمها ، وهو ماسلكه النبي r في تعامله مع المشركين  بهدم بناء الشرك في نفوسهم بشتى السبل والوسائل تارة بتحريك العقول وتارة بدفعها نحو ضرورة التعقل والتفكر ، وأخرى ببيان قيم ماهم عليه من تصورات وفساد ماهم عليه من معتقدات وتارة بالترهيب من اعتماد التقليد الأعمى واتباع الموروثات ، بالتخويف من العقوبة وتحديد المسئوليات.


الثاني : مسلك البناء وفيه يبني الإسلام في نفس الإنسان التصورات الصحيحة ، ويقيم بناء المعتقد السليم ، ليكون البديل عما تم هدمه ، وتتنوع  الوسائل والأساليب في هذا البناء أيضاً من خطاب  للعقول ، والأنفس والقلوب والأرواح، خطاب الفرد والمجموع ، خطاب الصغير والكبير ، الرجل والمرأة .


المبحث الثاني


بناء العقل والتفكير السليم


خلق الله سبحانه الإنسان في أحسن تقويم، وسخر له الكون بما فيه وأسبغ عليه النعمة ظاهرة وباطنة، وأوضح له من خلال الرسالات السماوية أن رسالته في هذه الحياة تقوم على أساسين: العبودية  الحقة لله، وتعمير الكون الذي سخر له حسب توجيهات الله عز وجل، وحتى تتأتى هذه الرسالة من الإنسان لابد من عقل واع بها، وتفكير سليم يدرك قيمتها، وفهم راشد لمعناها ومبناها، ولن ننتظر قياماً بهذه الرسالة ممن ضل عقله أو ممن تخبط فكره، أو ممن كان في فهمه عور، وفي إدراكه عوج، ولذا فإن من أجل نعم الله على الإنسان نعمة العقل والتفكير، وهو ما امتن به الله تعالى على  الإنسان قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (سورة الإسراء 70).


وتتحكم في عقل الإنسان جملة من المؤثرات تحمله على اتباع سبيل الانحراف، وتغلبه على طريق التخبط والذي يصل به أحياناً لما فيه هلاك الإنسان ، ومن هذه المؤثرات: غلبة هوى ، وتحكم شهوة، وسيطرة آخرين من أفراد وأنظمة، وجهالة، ونحو ذلك، الأمر الذي يؤكد افتقاره لضوابط الشرع الحنيف، ومقررات الدين الإسلامي حتى يستطيع فهم رسالته والقيام بها على أتم وجه، ومن ثم يحدث التوافق بين الإنسان والكون، وبين الإنسان ومجتمعه وبين الإنسان ونفسه، وهذا التوافق هو عين الأمن الذي يشعر فيه الإنسان بالسعادة والاستقرار، الأمن الذي يجعل رسالته مع الكون إيجابية تقوم على التعمير لا التدمير، ومع المجتمع تقوم على التفاعل والتعاون لا على الأنانية والانطواء، ومع نفسه تقوم على الرضا والإنجاز، لا على  السخط والفشل.


والإنسان في سبيل تحقيق ذلك يحتاج إلى عقل مدرك وتفكير سليم من الآفات التي تعود على الإنسان بالتخبط والضرر كآفات الكبر والهوى والظن والجمود وغيرها...


وقد سلكت الثقافة الإسلامية مسلكاً منفرداً في بناء العقل والتفكير السليم تميز بالتكامل والواقعية وأهم معالمه ما يلي:


1- تعظيم نعمة العقل وفرضية التفكير:


أوضحت الثقافة الإسلامية في جميع مصادرها وميادينها تعظيم نعمة العقل                  وضرورة التفكير، وكيف ميز الإنسان عن كثير ممن خلق الله تعالى بنعمة العقل وإعمال الفكر، وبينت أن من أخص أدوار رسالات السماء الحفاظ على الضروريات الخمس ومنها نعمة العقل وما ذلك إلا اهتماماً بشأنه،وإزكاءً لمكانته، وتقديراً لدوره، وما للتفكير من دور ومكانة                  يتميز بها إنسان عن آخر.


وقد ورد التنويه بنعمة العقل وإعمال الفكر في العديد من آيات القرآن الكريم وفي توجيهات الرسول الكريم r ونقرأ في ذلك قوله تعالى:{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(سورة النحل 78) {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}(سورة الملك 23) وكثيرة هي الآيات التي قدمت الدعوة لإعمال العقول والتفكير في آيات الله الكونية والإنسانية  في كتاب الله المنظور والمسطور، دافعة نحو التفكر في آلاء الله ونعمه، والاعتبار بما قدم من مواطن العظة والاعتبار، وأوضحت أنه لا ينتفع بذلك إلا أصحاب العقول الواعية،والألباب المدركة والتفكير الراشد ومن هذه الآيات نقرأ قوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(سورة النحل 12)، وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(سورة الروم 24)،{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الرعد 3) {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الروم 21){اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الزمر 42) {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الجاثية 13) {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} (سورة الأنعام 50) وقد شنع الله عز  وجل على أولئك الذين عطلوا عقولهم وبصائرهم وأفكارهم، فلم يستدلوا بها على خالقهم ورازقهم


-سبحانه- ولم ينتفعوا بما يشاهدونه من آيات الله سبحانه في الآفاق وفي الأنفس، ولم يتدبروا آياته المتلوه وما فيها من النور والهدى والشفاء قال الله -عز وجل- عن هؤلاء المعطلين لعقولهم {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (سورة الأعراف 179)  وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (سورة الحـج 46) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}(سورة الأعراف 182) وقال تعالى في الحث على إعمال العقل في تدبر القرآن {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (سورة محمد24) {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} (سورة المؤمنون 68)([28])


وأول ما نزل من القرآن هو الدعوة للقراءة، والقراءة تحرك الفهم وإعمال العقل وتحقق الإدراك فقال تعالى: { اقرأباسم ربك الذى خلق *خلق الإنسان من علق *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} (1-4) سورة العلق.


ونلحظ التأكيد الشديد على إعمال العقل بتكرار اقرأ مرتين، وذكر القلم ونعمة التعلم به ، وتكرار علم مرتين ويعلم مرة، وذكر الإنسان محور التعلم والفهم والمدعو لإعمال العقل والتفكر مرتين،وكذا الدعوة إلى بيان مجال القراءة الواسع المتمثل في كتاب الله المسطور والمنظور من آياته في القرآن وآياته في الإنسان.


بين القرآن في مواضع أخرى أن القرآن ما نزل إلا لتدبره وتذكره والتفكر فيه والعمل بما فيه،                           قال تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ} (سورة ص 43) {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }                             (سورة النحل 44).


وقد ورد التنويه بنعمة العقل وضرورة إعمال الفكر في العديد من أحاديث النبيr ومنها قوله: ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله)([29]) وقوله  r  "لقد نزلت على الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} (190) سورة آل عمران وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر r   "ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" ([30]).


وجاء عن صلاته r في الليل "وأنه  r  كان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بآية فيها سؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ"([31]).


والأحاديث الواردة في بيان نعمة التفكر وفضل العلم والانتفاع به وثوابه في الدنيا والآخرة أكثر من أن تحصى في هذا البحث .


وتعددت الآثار الواردة عن السلف الصالح في بيان نعمة التعقل والتفكر ومنها قول الحسن البصري "تفكر ساعة خير من قيام ليلة"([32]) وقال الفضيل: قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك([33]) وقال وهب بن منبه: ما طال فكرة امرئ قط إلا فهم وما فهم امرؤ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل([34]).


وقال عمر بن عبد العزيز: "الكلام بذكر الله عز وجل حسن والفكرة في نعم الله أفضل                   العبادة ([35]).


وعنه أنه بكى يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: "فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتنا تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ذكر([36]).


وقال الحسن عن عامر بن قيس قال سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم يقولون "إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر([37]).


وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "بينما رجل ممن كان قبلكم كان في مملكته فتفكر فعلم أن ذلك منقطع عنه...([38])


وعن عباد بن عباد الخواص الشامي قال: "اعقلوا والعقل نعمة فرب ذي عقل قد انشغل قلبه بالتعمق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتى صار عن ذلك ساهياً([39]).


وسأل رجل أم الدرداء بعد موت أبي الدرداء عن عبادته فقالت: "كان نهاره أجمعه في بادية التفكر ([40]).


وقال الحسن "إن أهل العلم لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر والفكر على الذكر ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة ([41]).


ومن كلام الشافعي "استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكرة ([42]).


ومن وصايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الفهم الفهم".


وقال شيخ الإسلام ابن  تيمية "من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق ([43]).


ولما كان ن الإجماع والاجتهاد وتراث السلف وعلماء الأمة من مصادر الثقافة الإسلامية              فذلك كله دليل على تقديرهم نعمة العقل وإعمال الفكر، وبرهان على مدى ما بذلوه من جهد                                          حتى قدموا للأمة تراثاً عظيماً من العلم والحضارة ما زال حديث الدنيا ويملأ سمع الزمان.


 


2- تربية العقل:


لقد نظرت الثقافة الإسلامية لتربية العقل على أنه مطلب يتكامل مع بناء الإنسان كلياً، فلا تنفصل أنواع التربية التي يتطلبها الإنسان عن بعضها، فالإنسان يحتاج في بنائه إلى التربية الجسدية والعقلية والنفسية والروحية وجميعها في درجات واحدة من الأهمية والمكانة، ومن ثم جاء اهتمام الإسلام ببناء الإنسان في جميع مراحل حياته بل وقبل وجوده ،وتأتي توجيهات الإسلام بضرورة تخير الزوج للزوجة والزوجة للزوج من بيئة الصلاح والاستقامة خطوة هامة في بناء الإنسان وتربية عقله، فبيئة الصلاح والاستقامة محط إرشاد العقول، وصواب الفهم وحسن الإدراك، بما تتميز به هذه البيئة من حس إيماني وجوانب هداية، ويوصي الإسلام بتعهد المرأة الحامل بالرعاية الصحية الكاملة لتتكامل بذور التربية بأشكالها للإنسان فيخرج معافى قوياً، وما أن ينزل من بطن أمه حتى يضع الإسلام مقررات الاحتفاء بالمولود من آذان في أذنه اليمنى وإقامة في اليسرى ، وتحسين اسمه ، وحلق شعره ، والتصدق بوزنه ذهباً في سابعه، وعمل العقيقة ، وغير ذلك من صور شكر نعم الله على أبويه، وهذا يعود بجو البشر والسرور وتذكر النعم الذي فيه إشارة إلى سلامة العقول واستقامة القلوب الأمر الذي يهيئ أرضية بناء العقل الراشد للمولود، ويأتي الأمر بتحفيظه القرآن الكريم منذ صغره وربطه بمعالم الدين ومظان العلم الشرعي أهم الخطوات في بناء العقل لدى الصغير، ليجمع بين العلم والإيمان، وتنشط لدى الصغير الذاكرة فيما علا وغلا ،لا فيما تفه وسخف.


فيتعلم الطفل منذ صغره مجالسة أهل العلم والفضل، ومدارسة القرآن وعلومه والسنة وعلومها، والشريعة وأصولها الأمر الذي يحصل به النفع الغزير وينأى به عن عوامل الشطط العقلي والجنوح الفكري.


 


القرآن وتربية العقل:


يتنوع دور القرآن وتأثيره على المسلم ليشمل ألوان التأثير كلها، ويقوم القرآن ببناء المسلم روحياً وعقدياً، نفسياً وعقلياً، خلقياً وسلوكياً([44])، يفيض القرآن بالخير في شتى المجالات والنشاطات على صاحبه ومتعلمه، ويبرز دور القرآن في تربية العقل فيما يلي:


1-   إثارة عقل الإنسان ووجدانه للتفكير في النعم التي أنعم الله بها على الإنسان ومن ثم التفكير في عظمة الله تبارك وتعالى، ومن ثم يدفعه ذلك نحو الشكر والطاعة ([45]).


2-   دفع العقل والفكر نحو المنهج الصحيح في التفكير وإعمال العقل، وسد منافذ الانحراف الفكري والشطط العقلي، فنبذ التعصب الأعمى والكبر والعناد والجمود والأفول وحارب التبعية العمياء، وأقام الفكر الصحيح على حسن النظر والاستدلال، وأقام القرآن منهج الإقناع العقلي الذي يرقى بالفكر ويحرر العقل من براثن الجهالة والتخبط.


ونقرأ من آيات القرآن في ذلك ما يلي قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}(سورة الأنبياء 22){وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}(سورة البقرة 170){وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}(سورة غافر 81){لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}(سورة الأنبياء 22){أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(سورة غافر 82) {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} (سورة النمل 59) {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (60) سورة النمل .


والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى والتي تحمل دلالة الإقناع العقلي، وتحرير الفكر                 من الجمود والآفات التي تعوق عن طريق الاهتداء، "ويسلك القرآن في ذلك أسلوباً رائعاً ومزايا فريدة في تربية الفرد على الإيمان بالله ووحدانيته وباليوم الآخر... إنه يفرض الاقناع العقلي مقترناً بإثارة العواطف والانفعالات الإنسانية فهو بذلك يربي العقل         والعاطفة جميعاً، متمشياً مع فطرة الإنسان في البساطة وعدم التكلف، وطرق باب العقل مع القلب مباشرة ([46]).


3- تكريم أولى العقل دافع نحو التعقل والتفكر:


فقد وصف  القرآن الكريم أصحاب العقول والتفكر بها بعلو المكانة وسمو المنزلة ، وفي ذلك استثارة العقول نحو العمل والإبداع وعدم التعطل حتى تحظى بمنزلة المكرمين، وتهنأ بمقام الفائزين وفي ذلك نقرأ قول الله تعالى:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (سورة الرعد 19) وذكر الله مقام المتذكرين والمتفكرين في خلق الله سبحانه المؤمنين به تمام الإيمان أنهم أهل الله المقربين منه يجيب دعاءهم ويفرج كربهم. چ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب *الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار*ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار *ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار*ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولاتخزنا يوم القيامة إنك لاتخلف الميعاد *فاستجاب لهم ربهم ... }(آل عمران 190-195) ، ويبين القرآن أن أهل العلم والنهى هم المعتبرون بآيات الله {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر.


4- ازدراء الجهل وتعطيل الفكر:


وفي خطوة لتربية العقل وتنمية طاقاته يشنع القرآن على الجاهلين والمعطلين لأفكارهم ومن ألغوا عقولهم ويأمر الرسول r بالإعراض عنهم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199) سورة الأعراف ويبين أن تعطيل عقولهم تسبب في سوء المصير {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} (سورة الأعراف 101) {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (سورة الأعراف 179)


ويقول الإمام الشافعي عن أثر القرآن وفهمه في الدنيا والآخرة مع تحقيق الأمن الفكري "إن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل لما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة، فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها المديم بها علينا مع تقصير منا في الإتيان على ما أوجب من شكره لها الجاعل لنا في خير أمة أخرجت للناس أن يرزقنا فهماً في كتابه، ثم سنة نبيه صل الله عليه وسلم قولاً وعملاً يؤدى به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده، فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبل الهدى فيها قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (سورة النحل 89)([47]).


 


المبحث الثالث


التأكيد على فضل العلم النافع وضرورة بذله وطلبه


" إن العلم من المصالح الضرورية التي تقوم عليها حياة الأمة بمجموعها وآحادها فلا يستقيم نظام الحياة مع الإخلال بها بحيث لو كانت تلك المصالح الضرورية لآلت حال الأمة إلى الفساد وحادت عن الطريق الذي أراده لها الشارع([48]).


وما أفاض القرآن الكريم والسنة المطهرة في بيان فضل وقدر شيء مثل العلم، وما رفعا منزلة أمر كالعلم، وليس العلم وحده هو ما حاز تلك الرفعة والمنزلة بل رفع معه كل باذل له وهم العلماء، وكل طالب له وهم المتعلمون، ولا تكف أطروحة في إحصاء ما للعلم من شرف وأهمية، وما للعلماء من مكانة وقدر ،وما لطلاب العلم من منزلة وكرامة، ونقرأ من الآيات التي تحدثت عن فضل العلم وشرف العلماء ومكانة المتعلمين، قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة آل عمران 18) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (سورة المجادلة 11) وبالعلم يتمايز الخلق {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر 9)                           {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة الأنبياء 7) {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (سورة النساء 83)                          فأهل العلم ملجأ الحيارى .


ومن أحاديث النبي صل الله عليه وسلم قوله: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"([49]).


وقوله صل الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ([50]).


وقوله صل الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له([51]).


وقوله صل الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين([52]).


وقوله صل الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها([53]).


وقد تعددت أسباب التفضيل للعلم والعلماء كما أوضحت الآيات والأحاديث وجاء من بينها تحقيق العلم النافع والعلماء الصالحين للأمن الفكري الذي يعود على صاحبه بالثبات وعدم الحيرة، وحسن النظر والإدراك، ودقة الفهم والفقه، وتجنب الزلل أمام الشهوات ووساوس الشيطان فقد بينت الآيات "أن العلماء هم الذين يخشون الله حق خشيته لكمال معرفتهم به، وامتلاء قلوبهم بتعظيمه ومحبته، ورجائه وخشيته، وتفكرهم في آياته الكونية والشرعية، وإدراكهم لمقاصد شريعته وغاياتها، وحكمها وأسرارها، فيزداد يقيناً بأن هذا الدين هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده.... والعلم النافع يعصم صاحبه بتوفيق الله من الانحراف والضلال،ويحميه من الوقوع في البدع والمحدثات، والشركيات، والضلالات، ويحمله على تعظيم الشعائر والحرمات، والتجافي عن المنكرات والموبقات، بخلاف العابد الجاهل، فإنه قد يقع في شيء من هذه المخالفات بسبب جهله..([54]).


"وعلى قدر علم الإنسان وفقهه وقوة بصيرته وسعة أفقه ومعرفته بواقعه يكون حكمه على الأحداث من حوله، وإدراكه لكيفية التعامل معها، ونظره إلى عواقبها ومآلاتها...([55]).


ولأهمية العلم وطلبه وبذله عاش له السلف الصالح من علماء الأمة الأجلاء، ومفكريها الأفذاذ، والتاريخ الإسلامي زاخر بتراث علماء الأمة، ومنهجهم في بذله وطلبه، وكان من الاهتمام بفضل العلم وطلبه وبذله أن أفرد علماء السلف الصالح للعلم كتباً وأبواباً في مؤلفاتهم خاصة في الحديث والعقيدة وغيرهما.


ويبرز دور الثقافة الإسلامية في تحقيق الأمن الفكري لدى المجتمع من خلال بيانها لفضل العلم ونشره فيما يلي:


1- رفع درجة الوعي بضرورة تحصيل العلم الشرعي:


تكفل الثقافة الإسلامية حال تفعيل نشرها بين أفراد المجتمع تحقيق درجات مختلفة من الإدراك والوعي حسب مؤهلات الفئات والشرائح الاجتماعية، فهي تقدم للشرائح البسيطة وعامة الناس الحد الأدنى على الأقل من الوعي بدينهم ودنياهم ، بما يتحصلون عليه من مقررات العلم الشرعي والذي يكتسبونه من الوسائل المختلفة لنشر هذا العلم في المساجد والمؤسسات الدعوية والإعلامية المختلفة.


إن كثيراً من الناس من تشغله لقمة عيشه عن تحصيل العلم، وتأخذه هموم البحث عن الرزق عن طلبه، وتذهب المشكلات الأسرية والاجتماعية بقاعدة عريضة من فئات المجتمع بمنأى عن البحث عن طلب العلم من مظانه وملازمة العلماء، وهؤلاء تقدم الثقافة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:49 pm

والإسلام ببيانه خطر مسئولية العالم إنما يضع المحاذير أمام الأدعياء والعالة على العلم ، والمتجرئين على الفتوى ، والمتقولين على الله الكذب ، والمتخرصين على العلماء والإسلام جهلاً وافتراءً، يضع المحاذير أمام هؤلاء بتعظيم المسئولية ، وبيان التبعة الثقيلة والملقاة على عاتق العلماء، والإسلام إذ يدفع بالعلماء نحو القيام بواجبهم ، وتحمل أمانتهم ، وأداء رسالتهم وضع أمامهم جملة من القواعد التي تكفل لمهمتهم النجاح ، ولرسالتهم التحقق ، ولأنفسهم بياض الوجه أمام الله يوم لقائه ، وفى الوقت الذى أعلن شرف مكانتهم وعلو قدرهم يعلن أن هناك ضوابط لابد من اعتبارها والانضباط بها ومنها :


أ –  ضرورة نشر العلم وتحريم كتمانه :


إن العلم للإنسان كالماء للحياة لايستطيع العيش بدونه ، وإيماناً بهذا الدور فقد أوجب الإسلام ضرورة نشر العلم وبذله قدر الاستطاعة ، ويبذل في ذلك العالم قصارى جهده وإلا عرض نفسه لخطر كتمانه والضن به على خلق الله ، وفى ذلك الوعيد الشديد من الله عز وجل ورسوله r ، والعالم هنا بين وعد ووعيد ، وعد بالحسنى والفضل عند نشره علمه ، ووعيد بسوء العافية والخسران المبين حال البخل به وكتمانه، وهذا من أهم الضوابط التى تعظم مسئولية العلم والعالم ونقرأ في ذلك من آيات الله قوله تعالى" {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(33) سورة فصلت،{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }(159) سورة البقرة ، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (174، 175) سورة البقرة .


ومن الأحاديث التي رغبت في نشر العلم وحذرت من كتمانه قوله r : نضر الله امرءاً سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع "([66]) وقال r " من دعا إلى هدى كان له من الأجـر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً "([67])وقال r " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ([68]) وقال r " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه "([69]) وكان السلف الصالح أكثر الناس فهما لمسئولية العلم ، وضرورة نشره 
وحرمة كتمانه ، ويقول أبو الدرداء في ذلك " إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقول لي : قد علمت ، فماذا عملت فيما علمت ([70]) .


ب- الإخلاص وصدق النية :


الإخلاص في العمل ، وابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى فيه أهم شروط ممارسة الأعمال الصالحة التي يقوم بها المسلم في حياته وقد أخبر الله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء } (سورة البينة 5) ، وقال r :إنما الأعمال بالنيات ([71]) والمسلم إذ يستصحب في عمله صدق النية وإخلاص الوجه لله تعالى يعلم أن ذلك من أهم الضوابط التى تجدد الإيمان وتدفع نحو إتقان العمل وعدم التفريط فيه ، وهو بنيته تلك يشهد الله عليه في عمله وهو موقن بأن إحاطته شاملة دائمة ، وإذا كان الإخلاص وصدق النية في كل عمل مطلب ، فإنه في بذل العلم من العالم آكد وأوجب ، لشرف ما يبذله ، وشدة احتياج الناس إليه ، وبدون تحقق الإخلاص لن تتحقق فائدة العلم وتحول فى نفس صاحبه إلى سلاح يقوده إلى الهلكة - كحب شهرة وجمع مال ونحوه ، وهنا الطامة التي ينتكس بها المجتمع .


ونشر ثقافة الإخلاص فى الأعمال والأقوال فى المجتمع ضابط من أهم ضوابط الأمن الفكرى                إذ به يعلم الناس تبعات المسئولية ، ويتذكرون بها رقابة الله عليهم واطلاعهم على ما يصدر منهم ، ومن ثم يسير الإنسان بهذا الفهم فى دائرة الاستقامة لعلمـه أن الله شهيـد عليه                  وكفى بالله شهيداً.


والعلماء أشد الناس خشية لله ، وهم أعلم الناس بمعنى المسئولية ، وأكثر الناس وعياً برسالتهم ، ويستمدون التوفيق من الله سبحانه ، ويطلبون العون منه ، ويحسنون التوكل عليه ، وهذه المعانى تزيدهم إخلاصاً ، وتزيد رسالتهم ، بركة فلا يقدمون للناس من العلم إلا النافع ، ولايبذلون لهم إلا الصدق ، ولايهدفون منهم إلا الإصلاح والاستقامة لنيل رضا الله - عز وجل-  وهذه المعاني هي أهم ما يحقق الأمن الفكري في المجتمع فيعلم الناس أنهم قد استودعوا عقولهم بل وحياتهم أهل الصدق والإخلاص وهم على يقين أنها لن تتحرك إلا فى إطار النفع والاستقامة كما أراد الله تعالى ، وهذه المعاني تزيد من أرصدة العلماء فى نفوس الناس ثقة وحباً ، وتزيد رسالتهم في المجتمع فاعلية وتحققا . وقد سئل الإمام أحمد عن الصدق والإخلاص ؟ فقال بهذا ارتفع القوم ([72]) .


ج – حسن الالتزام وتحقق مكارم الأخلاق :


إن العلماء يعلمون أن تحقق مكارم الأخلاق - من تواضع ومروءة ورحمة وسعة صدر وصدق حديث وغيره - هم أول المخاطبين به ، لأنهم أول الناس دعوة له ، وهو من أهدافهم التى يبغونها فى مجتمعاتهم ، وهم على يقين أن فاقد الشيئ لا يعطيه ، والعلماء أكثر الناس                فهماً لدعوات القرآن للتخلق بمكارم الأخلاق ، وأكثرهم فهماً لمعنى الامتثال والاقتداء بالنبي r الذي خلقه القرآن ، وأكثرهم دراية بكارثة مفارقة القول العمل ومفارقة العمل القول ، يعلمون أن من أخص ميراث النبوة خلق كريم وسلوك قويم ، ويعلمون أنهم فى المجتمع أئمة اهتداء ، وإلي الخير والهدى أدلاء، ولن يتحقق ذلك إلا إذا استقاموا على الجادة ، والتزاموا سبيل الله.


وامتثال العلماء ذلك له دوره فى تحقيق الأمن الفكري إذ أنه يؤكد صدق مايدعون إليه،                  ونفع وهدى ما يهتدون به ، فتزداد بسلوكياتهم وأخلاقهم الفاضلة قناعة الناس بما اليه يدعون ، وهذا يكسب العقل راحة والقلب سكينة والنفس مزيد من الالتزام ، بعد أن ترتفع عنها الشكوك ، وينتفي عن عقول الناس التخبط وعن عقولهم الريب ، وذلك بفضل ما يتحلى به العلماء من شمائل وصفات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية " وفى الترمذي وغيره عن رسول الله r:"خصلتان لا يجتمعان في منافق : حسن سمت وفقه في الدين " فجعل الفقه في الدين منافياً للنفاق بل لم يكن السلف يطلقون اسم الفقه إلا على العلم الذي يصحبه العمل ، كما سئل سعد بن إبراهيم عن أفقه أهل المدينة قال : أتقاهم ([73]) وسأل عبد الله بن المبارك ابن سلام : من أرباب العلم ؟ قال : الذين يعملون بما يعلمون ([74]) .


والعلماء الراسخون لهم دورهم الرائد فى تحقيق الأمن الفكرى بنزع الخلاف ، وطرح الاختلاف فبآرائهم السديدة ، وأدلتهم القوية يكشفون الحق ويبطلون الباطل ، ويرفعون اللبس ، وتجتمع كلمة الناس على كلمتهم ، وهذا من أهم الأدوار التى يقوم بها العالم فى المجتمع ، وقد ربى رسول الله r الصحابة ومن بعدهم الأمة على رد الأمور إلى أهلها وسؤال أهل الذكر وجعله من أوامر التشريع لما فيه من فوائد جمة ، وكان r قبلة الصحابة في الأمور كلها ، يسألون فيجيبهم r ومن بعده أمسك الصحابة براية العلم وكانوا بفضله متآلفين ومتآخين ،                    وما وقع بينهم اختلاف إلا ردوه إلى الله ورسوله وإلى أولى الأمر منهم([75]) فقد اختلفوا في مكان دفن الرسول r فأعلمهم أبو بكر ( رضي الله عنه ) أن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون، وحسم الخلاف على الإمامة بعد الرسول r بحديث الأئمة من قريش([76]) ، وفى حروب الردة حسم أبو بكر الخلاف بحديث رسول الله r أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلو ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها([77]) وظل الحال هكذا، ينتهي الخلاف في بدايته وتوأد الفتن في مهدها طالما أمسك العلماء بشارة التوجيه ، وكان لهم دفة القيادة ،ولما تغير الحال وتضاءل دور العلماء زادت الفتنة واضطربت الأحوال ، ودفع الإنسان الثمن من أمنه كله ومنه الأمن الفكري.


والعلماء أكثر  الناس فهماً لتحذير القرءان والسنة من النفاق ومخالفة القول العمل ، وهم الذين ينقلون للناس خطر ذلك وهم أبعد الناس عنه بسلوكهم حتى تتوافق رسالتهم لتجمع بين القول والعمل ،قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (سورة الصف 2- 3) ، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (سورة البقرة 44) وختام الآية الكريمة هنا يؤكد على مالحسن الالتزام وتحقيق مكارم الأخلاق من دور في الأمن الفكري ، إذ تعلن أن مخالفة القول العمل هو من علامات خلل العقول ، واضطراب الأفهام وعلى ذلك فإن وقوع هذا التعارض بين القول والعمل من العلماء لهو أول الأسلحة التي تهدد الأمن الفكري في المجتمع ، ويزيد الرسول r من خطورة ذلك عندما يصور اجتماع الناس بدعاة الكذب وعلماء الفتنة فى نار جهنم فيقول :" يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان  ما شأنك ؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه " ([78]) .


يأتي على رأس ما ينبغي أن يتحلى به العالم من صفات أن يعتز بالعلم ، والفرق واسع بين الاعتزاز بالعلم والإغترار به ، فالأول محمدة والثاني مهلكة ، والاعتزاز بالعلم أن يدرك العالم شرف ما يحمل فلا يذل أمام مرغب أو مرهب ، إنما يبذله طاعة لربه وأداءً لواجبه ، فلا يلهث به خلف منصب أو مال ولا يطوعه لإرضاء جبار أو سلطان ، وإنما يبذله للحق وبالحق ، رضى عنه الناس أم سخطوا، يبتغي رضا ربه أولاً وآخراً.


إن من صور وآفات العلم اليوم مايكمن في بذله لعوض وتطويعه لذي منصب وجاه ، والإعلام اليوم يحمل هذه الصور ، وتلك طامة! إذ أنه يقلل من شأن العلم في نظر الناس،و يذهب بكرامة العلماء ويشكك في المخلصين منهم الأمر الذي يفتقد فيه المجتمع مرجعيته ويأتي ذلك على حساب أمن الفكر ، واستقرار الأحوال.


فالعالم إذا اعتز بعلمه وتعالى به على المرغبات والمرهبات أكسبه الله مهابة ،  وأكسب كلامه حباً من الناس وسرياناً في قلوبهم ، وهذا أهم الفوارق بين عالم وآخـر خاصة في مجالات الدعوة والإفتاء ، ويحكي تاريخ السلف الصالح العديد من صور اعتزاز العلماء بعلمهم وعدم الذلة            فيه لأحد مهما كان وعده أووعيده ، ومن هذه الصور ما ورد في الجامع لأخلاق الراوي           عن عمران بن عبد الله بن طلحة قال : دعى سعيد بن المسيب إلى نيف وثلاثين ألفا ليأخذها فقال : لا حاجة لي فيها ولا لبنى مروان حتى ألقى الله فيحكم بينى وبينهم([79]) ولما حج هارون وقدم المدينة بعث إلى مالك بكيس فيه خمس مائة دينار فلما قضى نُسكه وانصرف وقدم المدينة بعث إلي مالك أن أمير المؤمنين يحب أن تنتقل معه إلى مدينة السلام : فقال للرسول : قل له إن الكيس بخاتمه وقال r والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون([80]).


وذالك خوفاً من الله في أن يقول عليه كذباً أو على رسوله أو على أي باب  من أبواب العلم ، ومن ثم فعلم المتعلم ذلك يدفعه نحو رد العلم إلى مظانه ، وأن لايتحرج من التوقف أمام مالا يعلمه حتى يعلمه احتراما للعلم وخوفاً من الله وحرصاً على سلامة نفسه.


د – التحقق من العلم النافع :


إن التحقق من العلم النافع لدى العالم لهو أول أبواب الإخلاص وتحمل المسئولية ، وفيه دلالة الخوف من الله واحترام عقول الناس والخوف عليهم ، فالعالم يدرك خطورة موقعه ، ومدى تأثيره في الناس ، فهو لايتحدث إلى من يسمعون فحسب ، بل أن يتحدث لأضعاف أعداد من يسمعونه ، وإلى أجيال بعد أجيال بتناقل علمه وفكره ، وعلى ذلك فإن العالم من يتحقق فيما يبذله للناس فلا يقدم أوهاماً ، ولا يتحدث بظنيات ، ولا يعلم الناس ما ينسجه الخيال ،                   ولا يعرف الشك طريق أقواله ، ولا الاحتمال مدخلاً لفتواه ، لا يتحدث إلا بما ثبت ،              ولا يقول إلا بما صح ، ولا يفتي إلا بما رجح ،  ولا يعلم إلا بإسناد.


والعلماء أكثر الناس فهماً لقولة تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة الأعراف 33) {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } (سورة الإسراء 36) { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}(سورة النحل 116). ويقدرون كيف شنع القرءان على من تقولوا على الله الكذب " {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(سورة آل عمران 78) ويقدرون كلام النبي r " من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "  صحيح مسلم ح2 ،وقوله r "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه([81]) وكان r وهو إمام العلماء وسيد الأتقياء يتوقف فى الإجابة حتى يأتيه الوحي فعن محمد بن جبيرين مطعم "أن رجلاً أتى النبي r فقال يارسول الله: أى البلاد شر؟ فقال لاأدرى فلما أتاه جبريل   قال: يا جبريل: أي البلدان شر؟ قال لا أدري حتى أسأل ربى فانطلق  جبرائيل فمكث ماشاء الله أن يمكث ، ثم جاء فقال : يامحمد إنك سألتني أي البلاد شر وإني قلت لا أدري وأنى سألت ربي فقلت أي البلاد شر قال : أسواقها"([82]) .


ومن هنا فإن( لا أدري) عدت نصف العلم  وعن ابن عباس قال :وإذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله" "وسئل الإمام مالك عن مائة مسألة فأجاب عن أربع منها وقال في الباقيات الله أعلم ، فعوتب في ذلك فقال : من قال الله أعلم فقد أفتى " وجاء عن ابن عمر قوله : العلم ثلاثة : كتاب ناطق وسنة ماضية ولا أدري ، وقال المروذي قلت لأبى عبد الله : العالم يظنون عنده كل شيء : فقال ابن مسعود: إن الذي يفتى الناس فى كل ما يستفتونه لـمجنون ، وقال سفيان : من فتنة الرجل إذا كان فقيهاً أن يكون الكلام أحب إلية من السكوت([83]).


وعلى ذلك فإن (لا أدري ) في كلام العلماء هو من دقة الفهم وحسن الفقه والخوف من الله والحرص على المتعلم ، لا أدرى بهذا المفهوم هي صمام أمن ومفتاح سلامة للعقول والأفهام ، إذ يدرك بها المتعلم قيمة العلم وسعته ،وحرص العالم وأمانته فيعظم لديه العلم والعالم ، وهذا مما يحقق أمن الفكر فى المجتمع ،وكم رأينا ما من عالم رباني إلا وقد أنضم لمدرسة "لا أدري".


كان من دعاء النبي r " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها([84]).والعلم النافع هو ماينتفع به صاحبه بالعمل به في دنياه ، وينتفع الناس به في حياته وبعد وفاته ، وهو ما عده الرسول r من الكنوز التي يستمر عطاؤها للعالم في حياته وبعد وفاته في قوله r " إذا مات ابن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث وعدّ منها ( أو علم ينتفع به ) ومن هنا فشرط النفع في العلم أحد أهم الضوابط في تحقيق الأمن الفكري إذ أنه ينقي المجتمع من الأوهام والترهات ، والأباطيل والافتراءات ، وما يهدر الأموال والطاقات ، ومايضمن أن يظل العلم في تحقيق مصالح البلاد والعباد.


إننا اليوم بمتابعة القنوات المفتوحة ، والإعلام المبثوث يتضح جلياً غياب مدرسة " لا أدرى "               من الساحة الدعوية والإعلامية إلى حدٍ ما والنتيجة يدفعها المجتمع تخبطاً في فكر، وضياعاً لشباب الأمة بين فتاوى متخبطة وآراء متضاربة ، وإنى لأعجب أن تكثر برامج الفتاوى على الهواء وتمتد لساعات يعرض فيها المتحدث عقله على الملايين ، يحرم ويحلل ، ويبيح ويكره ، ويجمع ويفرق ،مع أن عددا من المتحدثين فسائل علم لم تشق الأرض بعد ، ويا للمفارقة عندما يجيب الإمام مالك عن أربعة مسائل من مائة ويقول في ستة وتسعين لا أدرى ، وأتعجب من هؤلاء ويسأل الواحدمن هؤلاء مائة فيجيب على مائتين !! فهلا قرأ هؤلاء ماجاء من آيات وأحاديث وآثار عن الفتوى بغير علم ! وما يقال هنا يقال فى بقية المجالات والنشاطات ، فإذا أسند الأمر إلي غير أهله في قيادة أو مؤسسة أو هيئة وركب الناس فيها مركب ادعاء العلم وهم جهلاء ، وادعاء الفهم وهم أغبياء، تكون الطامة الكبرى التي يدفع فيها الوطن الثمن من كرامته وعزته وقوة أبنائه ، والواقع في كل مجال يكشف عن هذه الحقيقة ، عندما يتقدم الصفوف غير المؤهلين ، ويمسك بدفة القيادة الجاهلون ، ويسول لهم الشيطان أعمالهم ، وتصور لهم عللهم النفسية الجهل علماً ويصدق فيهم قول الله تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا } (سورة فاطر Coolفهؤلاء بمواقعهم التي يشغلون ، وبقراراتهم التي يتخذون ، وبآرائهم التي يفرضون أفتك الأسلحة على الأمن الفكري في أي مجتمع.


هـ – الإنصاف وعدم التحيز([85]) :


الانتصار للحق هو هدف العلم ، وأمله الوصول إليه ، وحرصه أن يسير في موكبه ، وهذا يتطلب همة عالية ونفساً واعية ، وتجرداً من الهوى والعصبية ، فالعالم لا يحدد آراءه من مجرد ردود أفعال ، ولا يوجه فهمه لمجرد أن فلان قد قال ، بل هو في علمه متلمس للحق والصواب أياً كان حامله ، التحيز بعيد عنه إلا للحق ، والهوى بريء منه ، سلطانه الدليل والحجة ، ويدور مع البرهان حتى يطمئن قلبه ، وهذا التجرد يعطى ثقة في نفس المتعلم في معلمه ، ويحرر عنده الفكر ، ويقيم عنده المنهج السديد في التفكير عندما يجعل هدفه الحق أينما كان ، ويتخلص بذلك من التبعية والجمود ، ويستطيع أن يتكشف بهذا المنهج الغث من السمين مما تموج به الساحة حوله ، ويتعلم أن الرجال يعرفون بالحق ، ولا يعرف الحق بالرجال ، ومن ثم يعطى ذلك جانباً من الجوانب تحقيق الأمن الفكري في المجتمع خاصة في الاستماع للمخالف ومناقشته بهدوء وثبات ،وكشف مافي هذا العصر من فتن وتيارات.


فالعقل إذا ما كان بحثه على الدليل وقناعته في البرهان ، وقبوله لما قوي من حجج نفى عنه خداع الماكرين وتلبيس المبطلين ، خاصة إذا كان العقل يحمل أرضية العلم المستنير بنور الكتاب والسنة، يقول الإمام الشوكاني "فإن وطنت نفسك أيها الطالب على الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب  ولا لعالم من العلماء ، بل جعلت الناس جميعاً بمنزلة واحدة في كونهم منتمين إلى الشريعة محكوماً عليهم بما لم يجدوا لأنفسهم عنها مخرجا ولا يستطيعون تحولاً فضلاً عن أن يرتقوا إلى واحد منهم أو يلزمهم تقليده وقبوله فقد فزت بأعظم فوائد العلم وربحت أنفس فرائده ، ولأمر ما جعل النبي r المنصف أعلم الناس وإن كان مقصراً فإنه قد أخرج الحاكم في المستدرك وصححه مرفوعاً أعرف الناس أبصرهم بالحق وإن كان مقصداً في العمل ..." وإنما كان أبصر الناس بالحق إذا اختلف الناس لأنه لم يكن لديه هوى ولا حمية ولا عصبية لمذهب من المذاهب أو عالم من العلماء فصفت غريزته عن أن تكدر بشيء من ذلك فلم يكن له مأرب ولا مقصد إلا مجرد معرفة ما جاء عن الشارع فظفر بذلك بسهولة من غير مشقة ولا تعب لأنه موجود إما في  كتاب الله أو في سنة رسول الله r ...) ([86]) 


وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في الانصاف وتحرى الحق بعيداً عن العصبية والتحيز ، وجمع بينهم الود والاحترام حتى مع مخالفة بعضهم البعض في الرأي ، بل إن الواحد منهم كان يدع رأيه بمجرد تكشفه قوة دليل الآخر ورجحان رأيه ، بل حتى مع اقتناعه برأيه كان ينزل على رأي الآخر أحياناً احتراماً وتقديراً طالماً أن المسألة اجتهادية ، ونتيجة ذلك جاء تلاميذهم يحملون قلوباً متحابة ، ونفوساً متآخية وتركوا لنا تراثاً نحيا به إلى قيام الساعة ، كما كان من تلاميذ أصحاب المذاهب الأربعة،وعاشت الأمة أزهى عصور الفكر والإبداع بنشاطهم في الاجتهاد ولولا تربية علمائهم لهم على الإنصاف لما كان ذلك .


إن المتتبع لكتابات الحركة الاستشراقية خاصة ، والحركة الفكرية المضادة للإسلام عموماً نجد أننا أمام أناس غلبتهم عصبيتهم ،وهزمهم  تحيزهم ، فجافوا المنهجية العلمية الصحيحة  في كتاباتهم عن الإسلام فروجوا الأباطيل ، وتصيدوا الأخطاء وضخموها وشككوا في المحاسن وقزموها ، بدلوا الحقائق ، وقلبوا الموازين ، بفعل عصبية عمياء وتحيز مقيت ، ومن نهج نهجهم من أبناء الأمة الإسلامية عاشوا منخدعين فرددوا ما قاله المستشرقون ، وقد سوا ما صاغه الأعداء وزعموا أن لهم تفرداً وهم إمعات ، وأن لهم تميزا وهم ذيول ، ولو أنصف هؤلاء لقرءوا عن إسلامهم الذي يدينون به اسماً ، ولتبحروا في معارفه وعلومه التي ترقى بالعقول وتحضرها، وتهذب الأنفس وتسعدها، لكن صدق فيهم قول الله {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}([87]).


ولم يكن هناك أعظم خطراً على الأمن الفكري داخل مجتمعاتنا من ذيول الحركة الفكرية المضادة للإسلام متمثلة في الاستشراق الحديث ، والتيارات الفكرية المنحرفة المعاصرة ، والتي ساعدها انتشار جهل وغياب وعي وتسلط قيادات الظلم والاستبداد ، وموالاة الكفر والإلحاد ،              وغير ذلك مما سهل مهمة التغريب لأبناء مجتمعاتنا الأمر الذي يعطي مؤشراً لافتقاد الأمن الفكري والأمن عامة من المجتمع .


6- بيان رسالة طالب العلم وآدابه:


تقديرا لرسالة طالب العلم وآداب طلب العلم أو ضحت الثقافة الإسلامية مكانة هذه الرسالة ومبناها ،وآداب طالب العلم ومغزاها، وتواترت النصوص من القرآن والسنة توضح هذا المعنى، وتؤكد هذه الرسالة،وقد أورد العلماء في التراث الإسلامي قديما أبواباً في كتب العلم خاصة، وألف بعضهم كتباً خاصة ،كما فعل الإمام الشوكانى في كتابه أدب الطلب ومنتهى الأرب ، وكثرت المؤلفات الحديثة في ذلك ومنها : آداب طالب العلم لابن العثيمين وحلية طالب العلم لبكر أبو زيد ، رحلة العلماء في طلب العلم لما جد إسلام البنكاني.


وبيان الثقافة الإسلامية لذلك والاهتمام به أحد ضوابط الأمن الفكري في المجتمع ، فبيانها تعظم الرسالة ، ويتضح ثقل التبعة ، ومافي الطريق من مخاطر تستدعى استعداداً واستعانة وانتباها،  وعلى ذلك لا يطرق هذا الباب إلا من وجد في نفسه همة وعزم وفى قلبه يقين وتوكل، ومن في عقله سعة ورشد، وهذه الأمور تكون نبتة عالم المستقبل.


ولقد أقام الإسلام الدعوة لطلب العلم من خلال مسلكين :


الأول: الترغيب في طلبه وتعظيم فعل صاحبه وبيان حقوقه وواجباته.


والثاني : التحذير من التفريط فيه والبعد عن التقصير في آدابه ، وعلى ذلك دارت مؤلفات العلماء في بيانهم لرسالة طالب العلم وبيان ما ينبغي  أن يكون عليه من صفات وما يتوجب عليه من شروط وما يتأدب به من آداب ، يستضيئون في هذا البيان بهدى القرآن                والسنة وتراث السلف الصالح وتفصيل ذلك فيما يلى.


 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:51 pm

 أ – تقدير رسالة طالب العلم وثوابه :


إن المتتبع لنصوص القرآن والسنة ([88]) يجد الاهتمام الشديد بالحث على طلب العلم ، وجعله فريضة من الفرائض ، وجعل العلم كنز الأمة وخير ما يرثه جيل بعد جيل ، كما أشارت                إلى ما تبوأه طالب العلم من رفعة ورضا من الله ، وكيف يسعد به الخلق حتى إن ملائكة الله  تضع أجنحتها له رضا بما صنع ، وكيف يفتح الله له الأبواب إلى الجنة بسعة في طلب العلم ، وحقيقة الخيرية التي يعطيها الله طالب العلم بتفقهه في الدين ويكفي ما أخبر به النبي r " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً ([89]) .


ب – بيان صفات طالب العلم وآدابه :


أوضحت الثقافة الإسلامية مواصفات خاصة في طالب العلم وألزمته بآداب يتوجب عليه مراعاتها حتى يتحقق له أمله وينشد غايته ويخطى بشرف العلم ، ومن هذه المواصفات والآداب :


1 – الإخلاص وحسن الاستعانة بالله :


على طالب العلم أن يعلم أنه مقدم على أمر فيه نجاته أو هلاكه ، فلاحه أو خسرانه ، ويكتسب منه شهادة تحمل وجهين لا ثالث لهما: إما رضا الله ، وإما سخطه ، ومن ثم يتعالى عنده عظم المسئولية المقدم عليها والذي معها يفتقر إلى الاستعانة بتوفيق الله له ، وتسديد خطاه ، ولن يتحقق ذلك إلا بتحقيق الإخلاص في النفس ، وحملها عليه حملاً بالوجل والخشية والدعاء والرجاء ، فمما جاء عن ابن تيمية رحمه الله قوله : ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير ثم أسأل الله الفهم وأقول : يا معلم آدم وإبراهيم علمني ، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها وأمرغ وجهي في التراب وأسأل الله تعالى وأقول : يا معلم إبراهيم فهمني ([90]) .


وعندما تتناقل الأجيال قيمة الإخلاص في حياة علماء الأمة ، وترى حسن التوكل على الله في طلب العلم واللجوء إليه وتدرك أن ذلك ديدن علماء الأمة حال طلبهم العلم وبذلهم له يعظم العلم في نظر الأجيال ، ويكبر علماؤهم ، ويجل تراثهم لما شعروا فيه من جهد وتعب ، ومشقة ومكابدة ، حتى ينقلوا لهم العلم على طبق من ذهب ، فيقدر كل جيل تضحيات ما سبقه ويعمل للاحقه كما تفعل له سابقه ، وهذا ينشر جو الوفاء بين الطلاب وأساتذتهم ، والتلاميذ وعلمائهم ، الأمر الذي يرقى بالفكر والمعرفة في إطار آمن راشد بعد استشعار كل فرد أن علماء مجتمعة ماهم إلا آباء يبغون لأبنائهم الخير ، ويريدون لهم النفع ، وما بذلوا مابذلوا ، وتحملوا ما تحملوا إلا في سبيل حبهم لهم .


2 – امتثال الأخلاق الفاضلة :


الأخلاق الفاضلة قيمة مشتركة بين العلماء والمتعلمين ، وقاسم مشترك يريده الإسلام لأتباعه ، وهى من أصول الشريعة الإسلامية ، بل جعل رسول r جماع الدين في حسن  الخلق ،              وكما كان من آداب العالم في بذل العلم التخلق بالخلق الحسن من تواضع ومروءة وصدق وصبر وحلم ونحو ذلك ، فطالب العلم لابد أن يمتثل ذلك أيضا اقتداء بأستاذه وتخلقاً بقرآنه ،            واقتداء بنبيه r.


وأبرز ما يتحمل طالب العلم من ذلك صبراً ومثابرة ، وأن تكون لدية همة في طلب العلم ،  فعلى قدر السلعة ينفق الإنسان الثمن ، والعلم لا يقدر بثمن قال على رضي الله عنة : إن العلم ذو فضائل كثيرة ، فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد وأذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه وقلبه حسن النية ،وعقله معرفة الأشياء والأمور الواجبة ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمته السلامة ، وحكمته الورع ([91]) .


وقال ابن قدامة المقدسي : أما المتعلم فينبغي له تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذم الصفات إذ العلم عبادة القلب ([92]) .


ومن همة طالب العلم صبره على المطالعة والقراءة وملازمة أهل العلم وشيوخه والبحث              عن العلم من مظانه، والتعرف على أولويات الأخذ في مجال العلم، ودرجات العلماء والمؤلفات ، فلا يأخذ من المفضول مع وجود الفاضل ، ولا يقبل على أخذ الفن من غير أهله ، وعليه في ذلك استثمار وقته واستنفاذ طاقته ، ومعرفة ذلك لطالب العلم عامل على تحقيق الأمن الفكري بما يعظم عنده من هدف ، ويعلو عنده من غاية ، ووضوح الهدف عند الإنسان وعظم مكانته يكبر به الفهم ويتسع ، ويتعالى العقل عن الصغائر، والنفس عن الرذائل وما ذلك إلا لعلو الهمة وحسن الصبر والنظر .


قال الشافعي رحمه الله :


أخي لا تنال العلم إلا بســتــة                 ســــأنـبـــيــك عنها بـــــبــــــيـــان      


ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة               وصحبـــــــة أستاذ وطول زمـان ([93]) .


وتاريخ الصحابة والسلف الصالح وعلماء الأمة ذاخر بنماذج الهمة في طلب العلم ، والصبر والجد في طلبه وغير ذلك من آداب طلب العلم ، فكان الواحد منهم يخرج لطلب                    حديث واحد شهراً ، كما كان من جابر بن عبد الله ([94]) وكانت رحلة الواحد منهم تبلغ             شهوراً وسنين عدداً ([95]) ومنهم من باع خشب سقف بيته طلبا ً للعلم ([96]) ، كالإمام  مالك ، ومنهم من باع ثيابه كأبي حاتم ([97]) .


إن دراسة سيرة هؤلاء الأعلام في طلبهم العلم وما وصلوا إليه من مرتبة ومكانة يفتح باب الجد والاجتهاد أمام الشباب والأجيال ، ويفتح عيونهم على أولويات حياتهم ، ويعظمون شرع الله ودينه بتعظيم علمائهم المخلصين وتطبيق أفكارهم والانتقاع بتراثهم وهذا من عوامل الأمن الفكري  في المجتمع المسلم .


3 – العمل بما يعلم :


العمل بالعلم ثمرته ، ولا معنى لعلم لا ينتفع  به صاحبه ، والانتفاع بالعلم تطبيقه في حياة الإنسان وطالب العلم لا تقتصر بغيته على مجرد التحصيل ، بل إن هدفه الأساس هو التفعيل ، أي تفعيل  ما درس وحصل واقعاً في حياته ، وفرصة عظيمة أن يطبق المتعلم حال صحبته  أستاذه ، وهذا المغنم مما كان يغتنمه الصحابة مع الرسول r يسألون فيجيبهم ، ويطبقون أمامه فيقرهم أو يصحح لهم ، وعلى هذا الدرب سار السلف الصالح ، التلاميذ مع مشايخهم.


فالتطبيق أمام الأستاذ لأي من مجالات العلم مصحح للأخطاء ، ومؤكد للمعلومات ودليل على استقامة الطالب على نهج معلمه بإقرار ،واطمئنان الطالب على التحصيل والتطبيق اطمئنان على فكره ، ومدى استيعاب عقله ، ومن ثم فهذا التطبيق من دلائل الأمن الفكري ، وذلك عندما يضع الطالب فكره وسلوكه بين يدي أستاذه ، والطالب عندئذ يعلم أنه يضع ذلك أمام مرجعية قويمة ، تكشف الأخطاء وتصوبها ، وتقر الصواب وتزكيه .


وتطبيق الإنسان لما علم مجدد لاستذكار العلم ، ومؤكد له ومقر له في ذاكرة الإنسان على الدوام ، ومن ثم فأن أكثر ما يختلف فيه البشر علم هجرة تطبيقه ، ومعرفة تبقى في إطار النظر،  أما ما يمارس واقعاً فإنه يتجدد في العمل كل يوم ، ومن هنا فتطبيق الطالب لما علمه راحة للفكر وطمأنة للعقل ، وقرار للنفس .


 


4 – استكمال أدوات الطلب والتلقى :


هناك من الأدوات التي تتعلق بطلب العلم سواء كان طلبه من الكتب أو من الشيوخ ، وهناك ما يتعلق بالطالب نفسه دراسة وتحصيلاً ، وما يتعلق بأدواته التي تعينه على ذلك ، وما يتعلق بزملائه في طلب العلم وصحبته ، وهناك فنيات في آداب التعامل مع الشيوخ والمقام لا يتسع لعرض تفصيل ذلك([98]) كله، وإنما أشير إلى أهم مافى ذلك من تقييد العلم بالكتابة ، والأوقات اللازمة للتحصيل والمذاكرة وأهمها وقت البكور ، فوقت البكور من أهم الأوقات التى تنشط فيها الذاكرة لطلب العلم والتحصيل ، وهو وقت دعا له الرسول بالبركة فقال r " اللهم بارك لأمتي في بكورها([99]) " ولذا كان السلف الصالح أحرص مايكون على عقد حلقات العلم بعد صلاة الفجر ، فتشرق الشمس على الناس بنفعها ، ويشرقون هم عليهم بأنوار العلم.


والتهيئة النفسية مهمة فى طالب العلم ، وكذا تنظيم الأفكار وترتيب أولويات العمل، وهذا يريض العقل على النظام ويدرب الإنسان على الإبداع .


ولكل فن من أنواع الفنون أدواته التي يستخلص بها ويكتسب ، فلابد من استكمالها.


والصحبة الطيبة نعم العون في طلب العلم ، واستكمال هذه الطلبات معين للفكر على أخذ المعلومة وفهمها ، وللعقل فى سهولة التفاعل مع العلم ، ويجنب تحصيل علم مجتزأ ، 
أو معرفة منقوصة في كم أو في فهم ، وكمال المعرفة وحسن فهمها من أهم مفاتيح صون العقل من الانحراف والشطط.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:52 pm

المبحث الرابع


تفعيل مقررات الإسلام عملياً فى حياة المجتمع


أيد الله سبحانه الانبياء والمرسلين بالمعجزات الدالة على صدقهم ، وتأبيد المرسلين بالمعجزة الدالة على صدقهم تأييد لرسالتهم ، ولتكون- المعجزات- الدلالة الواضحة التي تذعن             لها العقول ، وتطمئن لها القلوب ، والمعجزة على ذلك دليل احترام العقل الذي لايؤمن إلا ببرهان ولايخضع إلا لحجة ودليل ، فيؤمن به ويأمن له ،ويستقر الإيمان فى النفس عن يقين واقتناع.


ورسالة النبى r تحمل فى مفرداتها ماينفع العقل ويستقيم مع الفطر ، ويتوافق مع ضروريات الإنسان وحاجياته فى منهج متكامل واقعي يحصل به الإنسان المهتدي سعادة العيش وأمنه وتميزت الرسالة الخاتمة بأن معجزتها الكبرى (القرآن الكريم) تحمل مقرراتها وتعاليمها ، وتقرر أصولها ومعالمها ومن ثم جاءت فى نزولها برهاناً للعقول على صدق الرسول r، وفى مضمونها ومحتواها تؤمن العقول والقلوب من الزيغ والأهواء، والتخبط والجهالة العمياء ، وعلى ذلك فإن اتباع الإنسان لمضمون الرسالة ، وتفعيلها عملياً فى حياته كفيل بتحقيق الأمن والاستقرار فى جميع مجالات الحياة . يقول الشيخ سيد قطب فى الظلال: "إن العقيدة الإسلامية يجب ان تتمثل فى نفوس حية ، وفى تنظيم واقعي وفي حركة تتفاعل مع الجاهلية من حولها ، كما تتفاعل مع الجاهلية الراسبة فى نفوس أصحابها – بوصفهم كانوا من أهل الجاهلية - قبل أن تدخل العقيدة إلى أنفسهم وتنتزعها من الوسط الجاهلي .


وهي في صورتها هذه تشغل من القلوب والعقول ، ومن الحياة أيضاً مساحة أضخم وأوسع وأعمق مماتشغله "النظرية " أن هذا الدين كما أنه جاء ليغير التصور الاعتقادي ومن ثم يغير الواقع الحيوي – فكذلك هو قد جاء ليغير المنهج الفكري والحركي الذي يبني به التصور الاعتقادي، ويغير به الواقع الحيوي... جاء ليلبي عقيدة وهو يبني أمة ثم لينشئ منهج تفكير خاصاً به بنفس الدرجة التي ينشئ بها تصوراً اعتقادياً وواقعياً حيوياً ، ولا انفصال بين منهج تفكيره الخاص وتصوره الاعتقادي وبنائه الحيوي ، فكلها حزمة واحدة ([100]) .


وفى تأكيد القرآن على أهمية تطبيق الإسلام وتفعيله فى الحياة ودوره فى تحقيق الأمن والتمكين يقول تعالى " {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة النــور 55) " فتعلن الآية الكريمة أن العزة والتمكين فى الإيمان والعمل الصالح ، وأن التخلص من المخاوف بأنواعها ومنها الفكرية وتحقيق الأمن في جنبات الحياة أساسه تطبيق الإسلام عملياً ففيه الأمن النفسى والفكرى والعقلى والروحي الاقتصادي والاجتماعي ،.. ويقول صاحب الظلال فى شرح آية التمكين وما بعدها " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون " فهذه هى العدة .. الاتصال بالله وتقديم القلب بإقامة الصلاة والاستعلام على الشح وتطهير  النفس والجماعة بإتياء الزكاة ، وطاعة الرسول r والرضا بحكمه، وتنفيذ شريعة الله فى الصغيرة والكبيرة ، وتحقيق النهج الذى أرادة للحياة " لعلكم ترحمون " فى الأرض من الفساد والانحدار والخوف والقلق والضلال ، وفى الآخرة من الغضب والعذاب والنكال ([101]) وترتيب الأمن الفكري على الإيمان وتفعيل منهج الله سنة من سنن الله تبارك وتعالى " {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الأنفال ، وقد أخبر النبي r أن في كتاب الله وسنة نبيه وحسن التمسك بهما عصمة من الزيغ والضلال والتخبط. والزلل " تركت فيكم ما لن تضلوا بعده  إن اعتصمتم به كتاب الله0  ([102])


وأبرز ما يرتبط بتحقيق الأمن الفكرى من تطبيق تعاليم الإسلام هو علو درجة الصدق والإحسان في العقيدة والعبادة والأخلاق كلما ازدادت درجة إيمان العبد وأخلاقه ركن إلى ركن شديد ، وكلما رسخ قدمه في الطاعة امتثالاً ومداومة ازداد يقيناً بالله عز وجل ، وكلما زكت نفسه وخلقه استشعر الرضا من الله ومن نفسه وممن حوله ، وهذا كلة تحقيق لدرجة الأمن الذي يأمله الإنسان في حياته ، وهو أمن على نفسه وماله وعقله وعرضه وولده ، ومن ثم يتعاظم دور الامتثال وحسن الانقياد لأوامر الشرع الحنيف ، والحديث في استدعاء الدلالات على ذلك كثيرة لايتسع المقام لذكرها وأكتفي بذكر مثال واحد من كتاب الله عز وجل عن علاقة الامتثال والانقياد والطاعة في تحقيق أمن الإنسان من الهلع والمفازع يقول تعالى {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ، إِلَّا الْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ،لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ، وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ  ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ،وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ  ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} (سورة المعا رج 19-35).


الإيمان بالله مسألة ضخمة في حياة الإنسان لا كلمة تقال باللسان ولا مجرد شعائر تعبدية تقام، إنه حالة نفس ومنهج حياة ، وتصور كامل للقيم والأحوال والأصول ، وحين يصبح القلب خاوياً من هذا المقوم يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة ! ويبيت في قلق وخوف دائم سواء أصابه الشر فجزع ، أم أصابه الخير فمنع ، فأما حين يعمره الإيمان فهو منه فى طمأنينة وعافية لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال مطمئن إلى قدره شاعر برحمته، مقدر لابتلائه ، متطلع دائماً إلى فرجه من الضيق ويسره من العسر متجه إليه بالخير ، عالم أنه ينفق ممارزق ، وأنه مجزى على ماأنفق فى سبيله ، معوض عنه في الدنيا والآخرة فالإيمان كسب فى الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة ، يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طول رحلة الحياة الدنيا ([103]) وتتحدث الأيات عن مقومات الأمن والنجاة من الفزع والهلع المرتكز فى فطرة الإنسان ويظهر كلما ابتعد عن دائرة الإيمان وأعرض عن نهج ربه (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق ) الحج 31.،وتبرز الآيات أبدع اللقطات المتنوعة التى توضح أسباب النجاة من الهلع والفزع إطارها العلم والاستقامة على  منهج الله وحسن الالتزام


وتتوالى اللقطات  تبرز حقيقة الالتزام وحسن الطاعة في العبادة كالصلاة والصيام والزكاة ، وفى الأخلاق كالعفة والخوف من الله ، وحفظ الأمانة والوفاء بالعهد والعدل فى الشهادة ، وفى العقيدة والذى ضرب الإيمان الصادق بيوم الدين والخوف من عذاب الله وغضبه مثلاً لها .


ويقول صاحب الظلال ([1])فى ذلك (والمكذب بيوم الدين يحسب كل شئ بحسب مايقع له منه فى هذه الحياة القصيرة المحدودة ، ويتحرك وحدوده هي حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر ، ومن ثم يتغير حسابه وتختلف نتائج موازينه ، وينتهى إلى نتائج خاطئة فوق ماينحصر فى مساحة من المكان  ومساحة من الزمان محدودة وهو بائس معذب  لأن مايقع فى هذا الشطر من حياته الذى يحصر فيه تأملاته وحساباته وتقديراته قد لايكون مطمئناً ولامريحاً ولا عادلاً ولا معقولاً ، مالم يضف إليه حساب الشطر الآخر وهو أكبر وأطول ،  ومن ثم يشقى به من لايحسب حساب الأخره أو يشقى غيره من حوله ، ولا يستقيم له حياة رفيعة لايجد جزاءها فى هذه الأرض واضحا .. ومن ثم كان التصدير باليوم الآخر شطر الإيمان الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام).


 إن أخص مايقوم به تطبيق الإسلام حياً على أرض الواقع طمأنه العقل على صدق ماآمن به وواقعيته ، ويقر فى ذهن صاحبه أنه ما آمن بنظريات وهمية كتلك التي يصنعها الإنسان وتستعصى على التطبيق ، وما آمن بخرافات لامكان لها فى أرض الواقع ، إنما آمن بنهج رباني المصدر يحكم الحياة بواقعية وموضوعيه ، وهذا الفهم يزيد من ربط المؤمن بدينه ، ويسلم به تفكيره ويهدأ  به  عقله  ويتحقق به الأمن الفكري والاجتماعي 0إن ألسنة الإفك المتخرصة على الإسلام من علمانيين وليبراليين وحداثيين وغيرهم من أعداء الإسلام دأبوا فى تصوير الإسلام على أنه دين مرحلة زمنية مضت ولا يصلح لغيرها ، ويصلح لبيئة نزل فيها لاغيرها ، وصوروا جملة من الأوهام حول الإسلام فى نحو عدم استطاعته القيادة اليوم ، وعدم قدرته على  مجاراة العصر، وأنه يحمل من الجمود مالايتخطى به زمن الرسول r وصحابته رضي الله عنهم ، وصدق هذا الإفك بعض من جهلة المسلمين الذين لا يعرفون حقيقة دينهم أو من فى قلبه مرض أو صاحب مطمع ومغنم مادي ونحوه ، واتسعت دائرة تأثير


 هؤلاء بتسلطهم على دوائر الخطاب الإعلامى  فى المجتمع يشككون فى الإسلام ويطعنون فيه ، ويقدمون بدائل مضطربة ، ونظريات متخبطة ويزعمون لها النجاح والإبداع ، ويتناسون أن هذه النظريات المزعومة ثبت فشلها عند أصحابها ويتأكد فشلها عند مقلديها يوماً بعد يوم.


 فتطبيق الإسلام بمعالمه ونظامه العام عامل أساسي في إيجاد جو من الأمن الفكري حتى لا يقع التعارض بين مايدين به الإنسان وما يطبقه سلوكا في حياته ، وهذا يأتي على حساب العقول والأفكار قلقا واضطراباً وعلى القلوب شكاً وارتيابا.


عند استقراء الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام اليوم فى أوربا نجد أن أساس انتشاره فى امتثال المسلم أخلاق دينه وتعاليمه بصورة جيدة  ، حيث يحمل المسلم تطبيق الإسلام معه، يجوب الأرض تاجراً ، وطبيباً حاذقاً ، وداعية صادقاً ماهراً ، وحرفياً متقناً ، أياً كانت المهن والأدوار إلا أن الجميع حمل الدعوة لدينه سلوكاً فاعلاً ، وخلقا ً واقعاً ، وقد حرك ذلك أفكار غير المسلمين لإعادة النظر فيما هم عليه من ديانات وحرك فيهم الإسلام العقول فأبصرت والأفهام فأدركت ، ودخل الناس فى دين الله أفواجا.


واليوم مع الهجمة الشرشة التى يشنها أعداء الإسلام غرباً وشرقاً على الإسلام والمسلمين مازال المد الإسلامى ينتشر ، ومع إشراقة كل يوم يدخل أعداد من غير المسلمين فى الإسلام ، وينتشر الحجاب ، وآخر إحصائيات الأسماء فى الدول الغربية تشير إلى انتشار تسمية محمد بين العائلات فى الغرب.


إن جو الصراع النفسي والفكري الذي سببته المادية لأصحابها دفع الناس هناك للبحث عما يطفئ غلواء المادية فى نفوسهم ، ومع حملات التشويه المستمرة لحقائق الإسلام، إلا أن من تمكن منهم من الاطلاع على حقيقة الإسلام لايلبث إلا أن يدخل فيه سواء حصل على هذه الحقيقة في مؤلف قرأ أو سلوك شاهد ، وهذا من أخص أدوار الإسلام اليوم فى تحرير العقول وتحريكها نحو التفكير وحسن الإدراك.






المبحث الخامس


بيان آفات الأمن الفكري والتحذير منها


      في إطار بناء الثقافة الإسلامية لمعالم الأمن الفكري في المجتمع المسلم أكدت على جانب من أهم جوانب وقاية المجتمع من الآفات التي قد يتعرض لها هذا الأمن فتفقده وتذهب به ،            أو تضعفه و تنقص وجوده ، والثقافة إذ تبين هذه الآفات وتُحذر منها إنما تكشف عن جانب من جوانب واقعيتها وموضوعيتها ، إذ تقدر الضعف البشري ومايعتري الإنسان من شهوات ومؤثرات تضعف همته ، وتجمد فكره ، وتلبس الأمر على عقله .


فالإنسان يتفاعل مع بيئته ويتأثر بما فيها من مُؤثرات ، والمؤثرات تحمل ماهو سلبي ، وآخر إيجابي ، وقد قدمت الثقافة الإسلامية محاذير وآفات الأمن الفكري من خلال عرض الآفة وأسبابها ومظاهرها وصورها وتأثيرها ومخاطرها ، وقدمت السبل للتخلص منها بما يتلاءم مع كل عصر ومصر ، وماعلى الإنسان إلا أن يتخذ العبرة ، ويمتثل الاهتداء، ويوقن بأن هداية الله عز وجل لن تضاهيها نظريات وضعية ، ولا رؤى بشرية ، فلن يعلم الخلق كالخالق عز وجل.


والآفات التي تعترض الأمن الفكري متنوعة : فمنها مايتعلق بالعقل والتفكير ، ومنها مايتعلق بالعلم والعلماء، ومنها مايتعلق بتطبيق الإسلام.


أ-آفات  تؤثر على العقل والتفكير والتحذير منها : 


من أخطر الآفات التي تُهدد الأمن الفكري هي تلك التي تتصل بالعقل والتفكير ، لأنها تتصل بأجلّ نعم الله على الإنسان وميزته عن سائر الخلق ، وكان له بسببها التكريم العظيم والقدر السني ، والتفكير حياة الإنسان ، والعقل مناط التفكير وتخرج جميع أفعال الإنسان وتعمل حواسه تابعة لعمل العقل وتوجيهه ، وإذا استقام الفكر استقام السلوك ، وإذا اعوج التفكير اعوج العمل ، وتتعدد أسباب اعوجاج التفكير وشطط العقل ، وتتنوع لتشمل ماهو ذاتي في الإنسان ومنها ماهو خارج الإنسان ،وأهم هذه الأسباب مايلي :-


1-    سيطرة العادات والموروثات الخاطئة : 


يصاب العقل بالأفول ، والتفكير بالجمود ، حال خنوعه لسيطرة عادة أو موروث ، ويدخل الإنسان في حال شلل فكري بإرادته كلما زاد الموروث تغلغلاً ، والعادة تحكماً، ومن مظاهر هذا الأمر اتخاذ الموروث سبباً في تعليل الأعمال وعدم السماح لأي نقاش أو برهان أن يحرك مياه التفكير الراكدة في العقل ، ويتطور الأمر من مجرد قبول للموروثات الخاطئة إلى الإيمان بها والمحاربة من أجلها وهنا يزداد الأمر سوءاً إذ تنغلق مسام الإقناع لدى العقل ،ويصبح صاحبه لايرى صواباً إلا فيما هو عليه ، لذا كانت من أشد العقبات على الأنبياء في دعوتهم عقبة التعلق بموروثات الأجداد وعادات السالفين ، وأعلن القرآن أن هذه العقبة كانت عامة لدى جميع الأنبياء والمرسلين قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ? ( 1 ) الزخرف 23.


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ? ( البقرة 170. )


وقد أقام الإسلام منهجاً فريداً للتخلص من الموروثات الخاطئة والعادات الفاسدة ([104]) اعتمد فيه على تحرير العقل من ربقة هذه الموروثات ، وقدم له الدلائل والبراهين على خطأ ماهو عليه في اعتماده على تلك العادات ، وكشف له حقيقة موروثاته وعاداته وقدم له منهج بناء التفكير السليم والعقل الراشد بجوار منهج هدم الموروثات الخاطئ ليتكامل البناء الإيماني عند الإنسان.


 


2-         التبعية والتقليد الأعمى :


بالتقليد الأعمى يتجرد الإنسان من عقله ويستغنى عن فكره ، ليسحبه من يقلده حيثما شاء ، فالتقليد الأعمى يصم الآذان فلا تسمع ، ويحجر القلوب فلا تفهم ، ويفقد الإنسان ذاتيته ، وتلغي شخصيته ، وهذا ما لايرضاه الإسلام للمسلم وللإنسان عامة ، وإلا فما حاجة الإنسان للعقل لو لم يعمل! ، وما يميزه عن الحيوان لو فكره تعطل!


 وخطورة التقليد تكمن إذا كان المتبوع فاسداً أو منحرفاً ، ويعظم الخطر لو كان المتبوع مذهباً فكرياً ،أو تياراً  سياسياً ، أو مؤسسة إعلامية ، ونحو ذلك ،فيسير التابعون بلا هوية  مخدوعين مضللين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .


 إن فئات الإرهاب وطوائف التطرف الفكري التي تقودها المذاهب المادية ، وتسيرها مصالح شخصية ، وتوجهها صراعات دولية يتحكم فيها الأعداء هي من أكبر منغصات الأمن الفكري في مجتمعاتنا ، عندما تستغل هذه التيارات حمية الشباب وجهله بدينه ويقدمون لهم الجمود على أنه أصول ، والأفول على أنه اتباع ، والتطرف على أنه جهاد فيروعون الآمنين ويحركون الفتن ويدفع المجتمع من أمنه وسلامته بسببهم الكثير والكثير.


وتقديراً لهذه المخاطر وضع الإسلام قواعد الاقتداء، وضوابط التقليد الإيجابي ، وبين                الرسول ( r ) أن هناك ذاتية للمسلم ومرجعية في هذا الباب ، ونهى عن التبعية المرذولة              فقال ( لا يكن أحدكم أمعة )، ويعرض القرآن صورة تلهب المشاعر فيما بين التابع على غير هدى   والمتبوع ، عندما يتبرأ كل من كل ، ويلعن بعضهم بعضاً ولم ينفع الأول اتباعه ، ولم ينفع الآخر تبرأه من إغواء الأول ، قال تعالى : {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ?([105])


والمتأمل في الحضارة الإسلامية ليجد كيف تفرد المسلمون في بناء حضارة هي أعظم حضارات الدنيا ، وكيف أقاموا العلوم على مناهج متفردة ، وقواعد ثابتة ، علموا الدنيا كلها واهتدت بحضارتهم الأجيال.


3-الخوف :


إن بيئة الخوف أشد المؤثرات السلبية على التفكير ، ومن شأنها تعطيل العقول وتوقف الفكر ، فيظل في نفس صاحبه حبيساً لا يعرف النور، وإما أن يخرج في زي النفاق والتملق لإرضاء مصدر الخوف ، وأما أن يخرج في قوة إيمان وجرأة من صاحبه ويوطن نفسه على تحمل الإيذاء وألوان العذاب.


وتتعدد ألوان الخوف التي تعتري الإنسان فتحجر عقله وتوقف تفكيره ، أو تصيبه بالاضطراب ومنها :


خوف السلطة المستبدة : 


إن سلطة الاستبداد والظلم أياً كان موقعها لها تأثيرها المباشر على جوانب الحياة لدى               من تمارس عليهم هذه السلطة وأول ما يتأثر لدى هؤلاء من جوانب الحياة هو العقل والفكر                 فيتعود الإنسان جمود الفكر بخرس اللسان عن قول الحق ، ويأخذ العقل في التفكير في سوء العاقبة من غضب الظالم وينشغل به وحده فيموت الإبداع عند الرعية ، ومن ثم فالشعوب المقهورة والمجتمعات المقموعة بعصا الاستبداد شعوب لا تعرف من الحياة إلا الأكل والشرب ، بينما نعمة العقل في سبات عميق فلا فكر إلا فكر المستبد، ولا عقل إلا له ، ويتعاظم لديه الغرور حتى يُؤله نفسه كما فعل فرعون حين قال { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي }([106]) وكأنما أناب عنهم في البحث والتحري عن الإله ولما لم يجد سواه مستحقاً لهذا المقام نصب نفسه             ( فاستخف قومه فأطاعوه ..) ([107])  فهو وحده الذي يستطيع التفكير وهم ماخلقوا                    إلا لتنفيذ الأوامر وتحقيق الرغبات .. هذا تصور كل طاغية وظالم لشعبه ، وكل              مستبد غشوم لما تحت يده.


فمن غطرسة الزعامة والسلطة نفي معاني التعقل والتفكر عن الآخرين كما فعل أبو جهل عندما تعلل لكفره بأسبقية الموالي والعبيد والفقراء إلى الإيمان وكما أخبر القرآن {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} ([108]).


والناس مع الظلم والاستبداد إما خاضعين ،ولحياة الذل مستسلمين ، وإما منافقين ممالئين ،          وإما مجاهدين صابرين ، وإما مهجرين متغربين ، ورأينا كم لجأ الدعاة إلى لغة الرمز في دعوتهم خوفاً من بطش السلطة ويأتي ذلك على حساب الناس فهماً ووعياً ، ورأينا الآلاف من المخلصين والمفكرين يهجرون أوطانهم بسبب ظالم ، ويخرج هؤلاء لخدمة مجتمعات أخرى قد تكون عدواً للأمة فتفقد الأمة خيرهم ويستفيد العدو بهم.


وتشتد الهجمة على العلماء والمخلصين في ظل الطغيان لكثرة المنافقين والمتطفلين               إرضاء لذوي السلطان والاستبداد ، وكل ذلك يدفع المجتمع ثمنه من أمنه واستقراره،وتدفع     الأجيال ثمنه تأخراً وتخلفاً.


فالعقل لا يعمل إلا فى ظل حرية منضبطة وأمن مسئول ، هنا ينطلق للعمل بلا خوف ووجل ، يبني لا يهدم ، ويعمر لا يخرب ، فلا استبداد يبدع فيه العقل ، ولا حرية غير منضبطة بالدين نأمن فيها عليه وعلى ذلك فقد أقام الإسلام منهجه في مقاومة الظلم ومنع الاستبداد، فحرم الظلم وشنع على الظالمين  ورفع قدر كل من وقف في وجه الظلمة والطغاة ( وافضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )(1)وبين عاقبة الظلم والظالمين والنفاق والمنافقين،ومنزلة المجاهدين الصابرين المحتسبين، وسجل التاريخ نماذج مشرفة لعلماء صدعوا بكلمة لحق على حساب حياتهم،ووقفوا أمام الظلم وهم يبصرون أبواب السجون تفتح لهم، وهذه الصورة المشرقة أكسبت الأمة حياة بمواقفهم ،وأكسبت العقول تنفساً بتاريخهم.


خوف النقد والسخرية :


من العوامل المثبطة للعقول ، والمحبطة للإنسان خوفه من النقد اللاذع ومن سخرية المستهزئين وقد سلك الكفار مسلك السخرية والاستهزاء بالمؤمنين في صورة من صور الحرب النفسية وذلك للصد عن دعوات الأنبياء وكما أخبر القرآن عن قوم نوح {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }([109]) وعن أهل النفاق والكفر {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([110])  {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ}([111]) .


ومازال مسلسل الغمز واللمز لأهل الصلاح والعلم مستمراً خاصة من أصحاب الإفك والتخرص           من ذيول العلمانية والليبرالية والحداثة وغيرها ، ولم يعد الأمر خفية ،بل مجاهرة بالقبح والتقبح ،            ولم  يقف التطاول على العلماء بل طال المقدسات والتراث بل وامتد إلى مقام النبوة والألوهية .            وهذا من أخطر مايكون على الأمن الفكري في المجتمع ، إذ يهدم الثوابت ، وينسف المرجعيات ، ويصير الإنسان ثوراً أهوج ،يضرب في كل شيء، ويطعن في كل اتجاه حتى ولو كان فيه حتفه            ولخطورة ذلك بين الإسلام خطر هذا الجو من النقد الهدام والاستهزاء والغمز واللمز والتطاول           على الثوابت والعلماء ، وبين في منهج فريد خطورة الكلمة وطرق النقد البناء وإبداء الرأي ،             وطرق الحوار واحترام  الآراء حتى المخالف ، والحفاظ على الثوابت والمرجعيات ، وتوعد         المتطاولين والمعتدين بالعذاب الأليم، كل ذلك في معرض الحفاظ على العقول واستقامة               الفكر وتحقيق الأمن في المجتمع.


وهناك ألوان أخرى من الخوف كخوف الإخفاق والفشل، وخوفٌ من الأذى الجسدي في نفس الإنسان  أو ذويه ، أو من تضييق يوقعه في أزمة ومحنة ، أو من خروج عن الإلف والعادة، وغير ذلك من ألوان الخوف التي تضر بالتفكير وتوقف العمل ، وجميعها قدرها الإسلام وبين بواعثها وعرض صورها ورسم المنهج القويم للتخلص منها.


4-الغفلة واللامبالاة :


ومن أهم الداءات التي تعطل ملكة التفكير عند الإنسان :عدم الاكتراث بالأمور ،ولهذا الداء العديد من المسببات : فقد يكون الجهل بحقيقة الأمور ، وجهل صاحبها بواجبه ، أو عيشه تحت الهزيمة النفسية والإحساس بالدونية والتى يخاطب عنده الإنسان نفسه : من هو حتى يغير ؟ أو يفكر ؟ أيكون فكري كفلان وفلان ؟ يستحيل أن يصل إلى هذه المراتب ،ومن ثم يرضى بالدونية وتعطيل الفكر .


والهزيمة النفسية أحد أهم الأسباب التي أحدثت افتتان بعض شبابنا بالغرب بعد أن صور لهم الإعلام الفاسد أن كل تقدم عند الغرب ، وكل حضارة عند الغرب ، هم أهل التفكير ، وهم أهل العقول ، فأحدث ذلك ردة فعل  داخل البعض بالدونية ورضي أن يكون ذيلاً لكل ماهو غربي وفقد ذاته وكرامته ، وافتقدت الأمة فكره وجهده ، وما ذلك إلا لإحساس هؤلاء بالدونية في كل شيء .


وقد تكون الغفلة  من كثرة الانشغال بأنشطة يومية رتيبة قد يكون فيها النفع وقد يكون فيها الضر كانشغال الفرد مثلاً في اللهث وراء لقمة عيشه ، وإفزاعه بالمفزعات كالغلاء والأمراض والفقر وغيره هو من الأسباب . المباشرة في التضييق على أفق التفكير لدى العقل  ، وانحسارها في نشاط ضيق وهدف ضعيف ، فتضعف الهمة وتخور قوى التفكير عند الإنسان وينعدم الطموح بجمود العقل وتوقفه .


وقد تكون غفلة الإنسان بالتفاهات أو المعاصي وتلك زاوية أخرى من زوايا الضيق والأفول على  العقل ، بل هو كفر بالنعمة التي وهبها الله سبحانه وتعالى .


إن من أخص عوامل الأمن في أي مجتمع نهضة أبنائه فكرياً ومن مرتكزات هذه النهضة رفع سقف الطموح عندهم ودفعهم نحو المعالي والإنجازات ، أما إشغال الشباب بما تفه - كما تصور وسائل الإعلام مسابقات خادعة وموضوعات هابطة - يجر الشباب والأمة إلى الوراء لأن من شأنه تعطيل  الفكر وضياع مفهوم تحمل المسئولية من الأجيال.


والمعاصي من أهم الأبواب التي تحطم ذاكرة الإنسان وتدمر خلايا التفكير النافع عنده وتوجه                أي منتج فكري لديه إلى المصلحة الشخصية الأنانية ،واللذة البهيمية ، والمتع المحرمة ،فتجعل من ذلك هدفاً لصاحبها وإن دمر وخرب ، وأجرم وأفسد، في سبيل الوصول إلى غايته.


وقد أخبر الله عز وجل أن للإيمان والتقوى نور يهدي العقل ويرشده ، ويصوب الرأي  ويسدده     قال تعالى {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}([112]) وعندئذٍ تتوافق هداية العقل مع إيمان القلب وكلاهما يصبان في بصيرة يعطيها الله سبحانه لعبده يسلم بها من الخطأ والزلل ، وهذا غاية الأمن الفكري.


وقد بين الشافعي (رحمه الله)علاقة المعاصي بسوء التذكر وضعف الذاكرة ، ويفهم من ذلك              ما للطاعة من فضل على عقل الإنسان وذاكرته وفهمه وجاء في شعره رحمه الله تعالى.


شكوت إلى وكيع سوء حفظي          فأرشدني إلى ترك المعاصي


وأخبرني بأن العلـــم نـــــــور              ونور الله لا يهدي لعاصي ([113])   


وقد تبلورت رسالة الإسلام في الدعوة لاستقامة الإنسان على صراط الله ونهجه واتباع هديه     القويم ، والمسلم يلهث بالدعاء في صلواته كلها ( اهدنا الصراط المستقيم )([114]) ويدرك أمر الله سبحانه دون"وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ..." ([115]) ويدرك ما أعد الله للطائعين من نعيم ، وما توعد به الفاسدين والعاصيين والكافرين من عذاب أليم ويدرك مافي اتباع هدي الله من نعيم  ، ومافي الإعراض عن منهج الله وصراطه من زلة وخسران قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} ([116])  والآيات تعبر تمام التعبير عن علاقة اتباع هدي الله بالأمن والاستقرار ، والإعراض عن طاعة الله وعلاقته بالخسران والاضطراب الذي يصيب الإنسان في نفسه، ومايقوم به من أنشطة ، ومايعيش من صوره في الحياة من ضنك المعيشة بصوره المتنوعة في الدنيا إلى العذاب والعمى في الآخرة ، إنه عمى القلوب والعقول ، فكما عمي أصحاب الإعراض عن طاعة الله بنسيانهم منهج الله وتحجر عقولهم عن فهمه وتطبيقه عاقبهم الله بصورة   الازدراء والخروج من رحمته ،وكان الجزاء من جنس العمل ( فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) وهذا من صور منهج القرآن الكريم في مواجهة آفة المعاصي وتأثيرها على عقل الإنسان وفكره.


 وتتعدد الأساليب كتاباً وسنة في عرض مخاطر المعاصي على الإنسان ،وأهمها وأخطرها على عقله حتى يستشعر الإنسان نعمة إعمال العقل في اتباع هدي الله تبارك وتعالى وطاعته.


وهذه الآفات التي ذكرت هي نموذج مما يطرأ على عقل الإنسان فيخل توازنه ، وماذكر على                سبيل المثال وليس على سبيل الحصر ، ولكن آثرت إبراز أهم الآفات التي لها علاقة مباشرة بنزع الأمن الفكري من المجتمع.


 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:55 pm

ب- بيان آفات طريق العلم والتحذير منها :


في خطوة وقائية لتحصين الفرد المسلم من آفات الأمن الفكري والتي تعصف به وتفقده دوره             في المجتمع تبين الثقافة الإسلامية آفات طريق العلم والتي تعترض طريق طالبه ومعلمه ،                  وهذه الآفات التي تخرج العلم من دوائر النفع والخيرية والتي هي هدفه الأول والأخير.


وفي الوقت الذي يحث فيه الإسلام على طلب العلم وبذله ، ويضع لذلك الضوابط التي              تضبط تحصيله وبذله حتى يكون حجة للإنسان لا عليه ، يحذر من محبطات العلم وآفاته ،         والتي يذهب بسببها حسرات ،ومن الأحاديث التي تضمنت بيان عدة آفات من آفات                   العلم قوله  r  من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم "([117])  .


الكبر والغرور والمباهاة من الآفات القاتلة لصاحب العلم طالباً ومعلماً والكبر. والغرور إذا عظم في أي عمل فإن في طالب العلم وبذله أعظم ، والعلم ما وضع إلا لنفع الناس وهدايتهم ، والأخذ بأيديهم برفق إلى صراط الله المستقيم ، وهذا لن يتأتى من الشخصيات المنتفخة التي تستطيل على خلق الله ، وتتكبر عليهم .


 والتواضع روح العلم في طلبه وبذله فتكبر طالب العلم، ينفر شيخه منه ، والتكبر من العالم ينفر تلاميذه منه وفي كلتا الحالتين الجهل هو الرابح ، وعندما يعزف الشيخ عن طلابه لتكبرهم، فقد حرم المجتمع خيره ، وكذا إذا عزف الطلاب عن شيخهم لتكبره وغروره.


وقد حذر الإسلام من الكبر والغرور خاصة في مجال العلم والفكر ، وقد أعاد العلماء أشد آفات التفكير والعلم إلى الانتفاخ الذهني وهو مايستعلى به صاحبه ويشعر بأنه المفكر الوحيد لا غيره ، العالم وحده دون سواه.


ومن الأسس التي ينطلق منها العمل والقول عند المسلم والإخلاص مصداقاً لقوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}([118]) (وتحول هذه النية إلى غيرها من العمل والقول ، والمفاخرة في طريق العلم تنافى رسالته ،  ومن مقررات العلم بذله وطلبه قدر الإمكان دون توقف ، وكلما ازداد العالم علماً                 أيقن بفضل الله عليه وزاد تواضعاً لأنه يوم يدرك جهله بعلمه ، ويظل الإنسان عالماً طالما            ظن أنه جاهل ،ويجهل إذا ما ظن أنه قد علم فيتوقف عن الطلب ، فالعلم لا حدود له وإدراك  نهايته من ضرب المستحيلات وعلى ذلك فلا مجال للتباهي ، وقد مرّ بنا كيف تواضع            موسى عليه السلام للخضر في طلب العلم مع أن مقام النبوة أعلى .             


وقد أمر النبي  r  بالتواضع ونهى عن التفاخر فقال r ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا  حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد )([119]) .


والدارسون في العلم وعلماء السلف خير من طبقوا هذه المفاهيم فما تكبر واحد بعلمه ولا تباهى به يوماً ، بل كلما ازداد أحدهم علماً إزداد فرقاً وخوفاً لثقل التبعة عندما يسأل عن علمه يوم القيامة.


1-المراء :


والمراد هو المجادلة والمنازعة بقصد الباطل ، وهو من أهم الآفات التي تعترض طريق العلم ، ويعيش صاحبه بدافع المغالبة والانتصار لهوى النفس ، وهذا يتنافى مع ضوابط العلم النافع الذي يزكو به صاحبه وينفع به مجتمعه. والعالم الحق من يقصد بعلمه الحق فإن وجده عندغيره فرح به ورضى عنه وسلم له ، أما من لا يعرف للعلم قدره فهو الذي يدخل في سراديب الجدال الباطل والمنازعة العمياء التي لا تعرف الانتصار إلا للهوى وغرور النفس،والعالم من يعلم                أن لسان العلم الصدق ، وبغيته الحق وقوامه التواضع 0


وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المراء وأوضح رفعة ومكانة تاركه والمترفع عنه وأن كان له حق فيه قال صل الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقاً)([120]).


والمراء والانتصار للهوى من أهم أبواب تحول الفكر الإيجابي إلى السلبي في فترات ضعف الأمة ،وتتبع فترات الضعف يكشف عن فترات الجمود الفكري في حياة الأمة والذي من أسبابه بذل العلم مراءً وجدلاً أعمى يرهق العقل ، ويبطل نفع العلم ، وتتأخر بسببه الأفهام ، وتتشعب الأمور على الناس ،ويصير كل حزب بمالديهم فرحون ، واليوم قد اتخذت أبواق الباطل من الجدل الأعمى مركباً تلبس به الحقائق على الناس البسطاء، ويكثر اللغط وتتصدع الآذان والعقول من الثرثرة، ويتيه الناس بين الأطراف المتنازعة ، ويعود ذلك على الأمن الفكري بالاندثار.


وقد حذر الإسلام من المراء والجدل العقيم ، وأقام صورة الجدل الإيجابي النافع ،وبين ضوابط  المجادلة بالتي هي أحسن ، والتي غايتها الوصول إلى الحق مع احترام جميع الأطراف في النقاش    وتقدير كل طرف للآخر ، فلا ترذيل لرأي ولا احتقار لشخص طالما أن الكل جعل الحق غايته ، وألزم الطرفين النزول والتسليم للحجة والبرهان ، وفي ذلك تلاقح للأفكار وتحريك للعقول والوصول  إلى الحق بأيسر الطرق.


2-حب الشهرة وذياع الصيت :


من أشد الآفات التي تهدد الأمن الفكري في عصرنا الحاضر طلب العلم وبذله طلباً للشهرة وذياع الصيت ، خاصة في ظل كثرة القنوات وانفتاح الإعلام وتطور وسائل التواصل الحديث بين الناس ، الأمر الذي لم يعد معه ضابط لاستخدام ذلك كله ، اللهم إلا ضمير الإنسان وإيمانه.


ولا أخطر اليوم على عقول أبنائنا وبناتنا من المتطفلين على العلم والذين يملأون ساحات الإعلام المختلفة من محبي الشهرة وطالبي السمعة ، وتعجب عندما تمتد البرامج ساعات والشخص يتحدث من عرض لعرض ومن فتوى لفتوى ، في سيل يخربِ العقول ويذهب بقيمة العلم وقدره ،وطول الفترات الزمنية التي تخصص للبرامج تلجىء المتحدث إلى التشعب والتفرع في الحديث ، وهذا يعود على المستمع بالإرهاق وتخبط الاستيعاب، ويلجأ المتحدث نفسه أحياناً كثيرة للحديث عن جهل بغية سداد الوقت المخصص له ، ويفتخر بعضهم أنه لا يتقاضى على ذلك أموالاً مدعياً الحسبة لله ، ولو كان كذلك لما سمح لنفسه أن يقدم للناس فتاوي بغير علم ، وأحاديث عن جهالة.


وهذه الظاهرة حاربها الإسلام بشتى السبل والوسائل ، فحذر من خطورة الكلمة وأوضح مسئوليتها وبين أنها رحمة صاحبها وعذابه ، بها يعلو وبها يهوي ، قال " r " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضا الله يرفعه الله بها الدرجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله فيهوي بها في نار جهنم ).([121]).


ومن أشد الصور التي تشنع على ظاهرة طلب الشهرة والصيت في العلم تلك المساءلة التي يسأل الله بها العالم يوم القيامة فعن أبو هريرة رضي الله عنه سمعت النبي " r " يقول "إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة : رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، فقال ماعملت فيها؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال جرئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها، فقال : فما عملت فيها؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار..)([122]) .


ومن الآفات التي حذر منها الإسلام في بذل العلم وطلبه البخل بالعلم وكتمانه ([123]) وطلب العلم غير النافع وعدم العمل بالعلم([124]) فهذه نماذج من الآفات التي مثل التحذير منها ضوابط تضبط مسار العلم وصاحبه حتى يتأتى نفعه وتثمر بركته وتهتدي به العقول وتأمن به الأنفس ، والإنسان في تعامله مع العلم إذ يتذكر هذه الآفات إنما هو تحصين للعقل من الانحراف ووقاية للتفكير من الشطط.


ج/ بيان الآفات التي تعترض شمولية تطبيق الإسلام والتحذير منها :


كما أثرت الآفات في طريق العقل فأخرجته عن الجادة والصواب ، واعترضت طريق العلم فأخرجته عن النفع والخير كذلك تعترض طريق تطبيق الإسلام بشموليته فتحدث هزة في مصداقية الدين عند المنخدعين ، وذبذبة فى الارتباط بالإسلام عند المضللين ، ويعود هذا الأمر على المجتمع بهزات فكرية نتيجة احتدام الصراع بين من أصاب قلبه المرض، فنادي بتهميش الدين وتعطيله ،وبين صادق الإيمان وواعي الفكر الذي يعلم حقيقة هذه الشبهات ومن يقفون وراءها.


والآفات التي تعترض طريق " شمولية تطبيق الإسلام : تهميشه أو تجزئته،أو قلب موازين التقدير والتكريم فى المجتمع .


 


1- تهميش دور الإسلام في حياة المسلم :


إن الإسلام دين حياة ، جاء لينضبط به الإنسان في تعامله مع نفسه ومجتمعه والكون الذي يعيش فيه ، وقبل ذلك كله جاء ينظم علاقة الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى ، ورسالة عظم هدفها وسما على هذا النحو ، رسالة تجمع بين خيري الدنيا والآخرة ، لن يتم الاستفادة المثلى منها إلا بتفعيلها واقعاً حياً بصيغة شمولية في الحياة بتفاصيلها ،ومن ثم فتهميش الدور الذي تقوم به هذه الرسالة هو انتحار من الإنسان لافتقاد الضابط الذي تنضبط به حياته عندئذ، وتاريخ البشرية يحكي هذه الحقيقة ، حقيقة الإعراض عن منهج الله ومخاطره ، ومادفعه الإنسان ثمناً لذلك الإعراض خوفاً واضطراباً وفتناً ودموية وظلماً ...، وفي الوقت ذاته يسجل التاريخ ماسعد به الإنسان حال تطبيقه شرع ربه وامتثاله الهدي الإلهي في حياته ، وقد سجل القرآن، هاتين الصورتين ،صورة النعم مع الاستقامة، وصورة النقم مع الإعراض، قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ } الاعراف 96 {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} الجن 16{وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}النحل 112، وسنة الله ْ{ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}إبراهيم 7.


إن من ينادون بإخراج الإسلام من حياة المسلم ينادون في واقع الأمر بإخراج روحه من جسده ، وإلا فما قيمة الإنسان إن لم يعرف ربه حق المعرفة ، ويطبق شرعه حق التطبيق !


ولقد سعى أعداء الإسلام لتهميش الإسلام في بعض المجتمعات المسلمة جاهدين بشتى الصور والحيل ، واستعانوا في ذلك بالعديد من الوسائل ومنها الاستعانة بأصحاب القرار الذين لا انتماء عندهم للإسلام وتجنيد الخدم والأتباع ،وتوفير الدعم الفكري والخططي والمالي ونحوه لتحقيق هذا الهدف ، وطوعوا وسائل الإعلام المختلفة للضرب على هذا الوتر، وتدخلوا في سياسات وتعاليم وأنشطة الحياة المختلفة يطعنون في الإسلام ويتهمونه أنه سبب التخلف والتأخر، وينبغي أن يمحى من الوجود أو على الأقل يهمش حتى يستطيع المسلمون اللحاق بركب التقدم – المزعوم – الذي صوروا أنفسهم رواده.


وفي صورة أخرى عرضوا البدائل عن الإسلام ، ولما كان كل حزب بما لديهم فرحون ما جاء                 بديل واحد بل زعم كل فريق أن نموذجه هو الأفضل ، وصارت المجتمعات الضعيفة المقهورة                في أمواج التحول الفكري والديني بين شيوعية ورأسمالية وعلمانية وحداثة وعولمة .....                  فماذا كانت النتيجة؟ لم يرصد العالم فترات قلق واضطراب وعدم استقرار فكري وغيره مثل            هذا العصر الذي علت فيه أصوات الباطل شيئاً ما ، حروب وصراعات لا آخر لها، تدمير               وتخريب بأنواعه لا حد له.


وقد قدر الإسلام خطر الانسلاخ من الدين وتهميشه واختزاله في شعائر تعبدية فارغة من التعامل مع المجتمع والحياة ، أو انزوائه داخل جدران المساجد يحبسه المسلم حال خروجه من المسجد كما فعلت المسيحية ،وحذر الإسلام من هذه الصور بشتى الصور فعرض صورة الأقوام السابقة التي عاشت هذا بالفعل وما آل إليه أمرها ونقرأ في ذلك قوله تعالى عن بني إسرائيل { خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِين *وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ *فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}63- 66 سورة البقرة ،{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (187) سورة آل عمران ، وقال تعالى في معرض التحذير من تهميش الدين والإعراض  عن منهج الله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (127) سورة طـه.


ويعزز تهميش الإسلام في حياة المجتمع المسلم صوراً من نكد العيش وضنك الحياة ومنها ما له التأثير المباشر في وجود الانحراف الفكري.


2- تجزئة الدين في التطبيق :


إن التجزئة للدين من أخطر مايكون على الفرد والمجتمع ، وذلك لأن الدين وحده متكاملة في أركانها مترابطة في أجزائها ، وأي تجزئة له في التطبيق تشويه للدين كله وظلم له عند الحكم عليه.


 إن جملة من العوامل دفعت بعض الأنظمة في بعض بلدان العالم الإسلامي لإقصاء الدين جزئياً عن الحياة ، فأوقفوا العمل بمقررات وأعملوا أخرى حفاظاً على الشكل العام لدولة مسلمة، وخوف رد الفعل من المجتمع عند تعطيل الدين جملة ، وتعددت هذه العوامل مابين سلطة مستعمرة وتخطيط ماكر ، وقيادة توجهاتها غير إسلامية ،وسيطرة مذاهب علمانية وليبرالية وغيرها على القرار السياسي ، أو جهالة من القيادات وانخداعهم بتشويه الغرب صورة الإسلام ، أو هوى وسوء نية للعلم بأن تطبيق الإسلام كاملاً يكشف سوءات وعورات لأصحاب القرار ونحوهم،..


إن الإسلام في تطبيقه لا يقبل تفعيل جزء وتعطيل آخر ، ولن يحقق النجاح الأمثل إلا إذا تحرك المجتمع لتطبيقه كاملاً نظرية ونظاماً ، فلا معنى لتطبيق نظام الإسلام في الزواج والطلاق والمواريث وتعطيله في النظام السياسي والاقتصادي ، لا معنى لأن نفتح للناس حرية التعبد وإحياء الشعائر ونفتح عليهم سيل العلمانية والإلحاد وغيرهما يخرب العقول والبيوت باسم الحريات ، لا معنى للحديث عن عظمة التشريع ، ودور الحدود والعقوبات التي وضعها الإسلام في ضبط المجتمع وأمنه، ثم لا يطبق من هذه الحدود شيء، لامعنى أن نتحدث عن ضبط الإسلام لكسب المال ثم ينفق بعد ذلك في ترف وتبذير ، ومجالات تعود بالضرر والخسران على المجتمع ، بل ويحارب الإسلام ببعض هذا المال علانية ، لا معنى أن نتحدث عن الولاء والبراء وتضع بعض الحكومات في دول الإسلام يدها في يد أعدائها ممن لا تزال أيديهم ملوثة بدماء المسلمين هنا وهناك...،إن أخطر مافي تجزئة تطبيق الدين هو إحداث البلبلة الفكرية ونزع الثقة من الدين كله ، إذ يصور الأفاكون والجاهلون بأن الإسلام هو مايطبق وأننا دولة دينها الإسلام ودستورها الإسلام ويجزئون الدين فيتركون مايحلو لهم ويأخذون مايحلو لهم ، فينخدع البسطاء بهذا التلبيس ويتشككون في عظمة وقدرة هذا الدين على قيادة المجتمع فضلاً عن العالم،ويعتمد مروجو الشبهات حول الإسلام على أن الواقع يفرض هذه التجزئة ، والعالم قد تغير  ولا بد من مسايرة العصر ، من كلام أملته عليهم شياطينهم يقلبون به الحقائق ويخدعون به الشعوب.


إن من ينادون بتجزئة الإسلام فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض يُلبسون الإسلام حلة غير حلته ، ويلصقون به رسالة غير رسالته ، فما كان أبداً مجرد شعائر خاوية ، أو عظات عن أيام خالية ، بل إنه روح المسلم وحياة المجتمع ، وعز الأمة وقوتها ، ومن ثم فأي فصل في مكوناته ، وتجزئة في تطبيق أركانه زلزلة للأمة وهدم للمجتمع ، ونقض لاستقرار الشعوب.


وقد حذر القرآن الكريم من تجزئة التطبيق أيما تحذير وقد عاب على أهل الكتاب هذا          الفعل{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(85){أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}(86)سورة البقرة.


وفي الحديث يعلن الرسول r أن تجزئة الدين تعود على صاحبها بالإفلاس والخسران وإن أحسن الجزء المفعل منه وقد ورد فى صحيح مسلم ح 2581 أن سئل النبى  r ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال r :المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وصيام وزكاة يأتي وقد شتم هذا وسب هذا وسفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من ذنوبهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ).


فهذا العبد قد أحسن من الإسلام أجزاءاً ولكن تجاهل أجزاءاً أخرى وعطلها في سلوكه وخلقه فكان هذا التعطيل سبباً في سوء المصير.


ومن تجزئة الدين عدم أخذ المسلمين بشمولية الإسلام في جميع المجالات خاصة العلمية ،                     وقد صور أعداء الإسلام بأن الإسلام يعيش دوره في أداء الشعائر وأنه دين آخرة لا دنيا                           ومن ثم ترك المسلمون في مجال التطور العلمي في ميادين الطب والفلك وصناعة الأسلحة والتكنولوجيا العلمية .... واكتفوا في ذلك باستيراد متطلبات هذه العلوم ، وكان ذلك من معالم إذلال المجتمع المسلم في العصر الحديث ، بينما سلف الأمة الصالح عاش الإسلام كاملاً فتفوق في جميع المجالات  وعاش استقلالاً ذاتياً في جميع أنشطة الحياة وكان للأمة كلمتها وسلطانها في مجالات الطب  والفلك والسلاح والهندسة ....


وكان الشافعي ( رحمه لله) يتلهف على ماضيع المسلمون من الطب ويقول ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى)([125]).


إن أخص مايقوم به تفوق المسلمين في جميع العلوم وتطبيق شمولية الإسلام في شتى المجالات هو إكساب الأمة استقلالها وتحقيق ذاتيتها ،فلايعيش المسلم تحت رحمة غير المسلم في لقمة غذائه وشربة مائه وقرص دوائه، لا يعيش تحت رحمته في سلاح يدافع به عن نفسه، وتقنية يساير بها تطور العصر ، ونتيجة التخلف العلمي الذي تعيشه أغلب المجتمعات الإسلامية دفعت هذه المجتمعات بأحسن العقول من أبنائها لدول من أعدائها لاكتساب الخبرات في مجالات التأخر والتخلف ،عندها وجد الأعداء الفرصة سانحة في استقطاب هذه العقليات لتوجهاتها الفكرية والعقدية ، الأمر الذي جند هذه العقليات لخدمة أعداء الإسلام بعد تحول أفكارهم والتشكك في دينهم – إلا من رحم الله – وكانت أكبر الآفات التي أصابت الأمن الفكري في المجتمع في مقتل.


ولذا تأتي دعوة الإسلام لاكتساب المهارة وإتقان العلم في شتى مجالات المعرفة ، ويجعل من طلب العلم في مجالات يفتقدها المجتمع المسلم فرض عين على من يفقهها ويتقنها ويعلم غيره لتحقيق الذاتية  وتفويت الفرصة على الأعداء في التدخل في شئون المسلمين والسيطرة عليهم من خلال هذا الباب،وسمح الإسلام باكتساب الخبرات من غير المسلمين طالما كانت الحاجة ماسة لهذه الخبرة لكن بضوابط وشروط وهو مايسمى اليوم  ( بضوابط الابتعاث للخارج وشروطه) هذه الشروط التي تحفظ للمسلم المبتعث دينه وكرامته فينتقي أهل العلم والصلاح ، والفكر والفهم والوعي بالحركات الفكرية ضد الإسلام ، وليكن هؤلاء المبتعثين تحت دائرة الرقابة الفكرية حال ابتعاثهم وبعده حتى نطمئن على عقول أبنائنا وأمن مجتمعنا.


إن اشتهار تيارات كتيارات التصوف المنحرف والزهد الممقوت ، والذي يقوم على التخلي عن الدنيا لادعاء حقارتها والنظر للمال على أنه سبة وسائق إلى جهنم ، وتغلغل هذا الفكر في بعض المجتمعات الإسلامية كان سبباً مباشراً في ضياع هيبتها ، وذهاب عزتها ، بعد أن وقفت تستجدي طعامها وشرابها من أعدائها وقد قيل من لم يكن طعامه من فاسه لم يكن رأيه من رأسه ، وهذا يؤكد دور تفعيل الإسلام كلياً بنظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي – حتى تحيا الأمة عزيزة كريمة،وقد قدم الإسلام نظمه متكاملة فريدة متميزة ، ولم تكن مجرد نظريات تستعصي على التطبيق بل رأينا تفعيل هذه الأنظمة في تاريخ الأمة وكيف أثمرت تقدماً وعزة وكرامة ، وأمامنا عصور كعصر عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد ..عليهم رضوان الله جميعاً ، خير شاهد على ذلك فما أحوجنا اليوم لقراءة تاريخنا!.


3- قلب موازين التقدير في المجتمع :


تقدير العلماء والمبدعين وأصحاب الفكر والإنجاز في مجتمع ما هو من أهم معالم حفاظ هذا المجتمع على أمنه الفكري ، إذ أنه بتشجيع هؤلاء وتقديرهم يقدم أكبر الحوافز لهم على استمرار جهدهم وإبداعهم الفكري ، ويحفز غيرهم من الشباب والأجيال على  السير على دربهم والتطلع لمكانهم ومكانتهم ، وهذا يخلق جواً صحياً تنمو فيه القدرات ويشتد فيه التنافس الشريف وكل ذلك يصب في خدمة المجتمع أمناً وتقدماً وعزة.


والضرب بيد من حديد على فئات الادعاء والخداع وسرقة جهود المجتهدين ، وانتهاب إبداعهم لهو من أهم أبواب إحقاق الحق ونصرته ووضع الأمور في نصابها.


إن تحجيم أهل الباطل والافتراء ومجابهة أهل الإجرام والفساد ، ووضع الكسالى والمتقاعسين في حجمهم وازدراء الفاشلين المفسدين ،كل ذلك يتسق مع الفِطر السليمة والعقول القويمة، ويحقق الأمن الفكري لما فيه من المحافظة على الحقوق ، وتبوء كل فرد مكانته التي يتسحقها ، فيعلم المجتهد أنه باجتهاده سيصل ، ويعلم المهمل أنه بكسله وإهماله سيذل ، وتستقيم الأمور على ذلك ، لكن عند قلب موازين التقدير والتكريم ، واختلال ميزان الثواب والعقاب ونرى ونسمع تكريم  أهل الفسق والفجور ، والإفساد والإجرام ، يحصدون الجوائز ، وتفتح لهم الأبواب ويشار إليهم بالبنان ، ويصبحون أهل الرأي والممثلين عن الدولة والشعب في المحافل ، عند تقلد أهل الجهل والفشل مناصب مرموقة في الدولة ، وتقدم المحسوبية والوساطة والأموال على الكفاءة والاجتهاد ، عندما يهمش أهل العلم والصلاح ، ويزدرى أهل الخبرة والفلاح ، وعندما ينفث الإعلام الفاسد سمومه بتكريم الفاشل والفاسد وتكدير النابه والراشد ، عندئذ يكون قلب الموازين الذي يدفع المجتمع ثمنه باهظاً من تخلف واضطراب ، وضياع هيبة وعزة ،ومن ثم قدر الإسلام خطورة ذلك فكان العدل من أهم مبادئه ، والإنصاف من أهم معالمه حتى مع المخالف فأرسى قواعد العدالة ، وجرم الظلم ، وحدد المسئوليات ، وأقام الناس في منازلهم في الدنيا والآخرة على قدر إيمانهم وتقواهم وخدمة مجتمعهم وأمنهم ، وعلى قدر الالتزام يكون الثواب ، وعلى قدر التفريط يكون العقاب .


إن مجتمعاً تنقلب فيه موازين الثواب والعقاب مجتمع يقدم أحسن العقول وأبدع الأفكار قرابين على موائد الجهل وضحايا على طاولة التخلف لما يعود ذلك على الكفاءات وأهل الطموح باليأس ،فيوأد الفكر ويخرب الإبداع ، فضلاً عما في ذلك من خراب اجتماعي بتسليم                     راية القيادة لمن ليس لها بأهل ، فيزدوج التخريب عندما يتوقف أهل الفكر والصلاح عن رسالتهم ، ويقوم الجاهلون وغير المؤهلين بقيادة المجتمع ،وهذا أوضح مظاهر افتقاد الأمن الفكري في مجتمع ونسأل الله السلامة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 4:58 pm

لفصل الثالث


دور الثقافة الإسلامية فى معالجة الانحراف الفكرى داخل المجتمع


المبحث الأول : النظر الى الانحراف الفكرى على أنه طارىء على المجتمع المسلم


          المبحث الثانى : رصد الانحراف الفكرى وبيان مظاهره وأسبابه


          المبحث الثالث : تحديد القائمين بالعلاج وبيان مسؤلياتهم


         المبحث الرابع : استخدام الاسلوب الأمثل فى علاج أصحاب الانحراف الفكرى


        المبحث الخامس : توجيه العقليات التائبة نحو الأهداف النبيلة والغايات السامية


        المبحث السادس : التوعية بضرورة تأديب المتطاولين وتنفيذ العقوبات الزاجرة


        المبحث السابع : مواجهة وسائل الانحراف الفكرى


 
الفصل الثالث


دور الثقافة الإسلامية في معالجة الانحراف الفكري داخل المجتمع


 ( الدور العلاجي )


مدخل :


انطلاقاً من واقعية الثقافة الإسلامية تقدم الدور العلاجى للانحرافات الفكرية داخل المجتمع،وهى إذ تقدم هذا الدور تؤمن بأن الانسان عرضة لهذا الانحراف ، وتقدر ماعنده من بواعث وشهوات ، وميول ونزعات ، وكذا مايرد من الأعداء من تربص ومؤامرات من شأنه أن يؤثر فى فكر المسلم وفى توجهاته .


 عاملت الثقافة الإسلامية الإنسان داخل المجتمع المسلم على أنه بشر يؤثر ويتأثر ، عرضة للهداية كما أنه عرضة للضلال ، وارد عليه الصواب ووارد عليه الخطأ، وقد تحدثت عن الآفات التى تعترض طريق الأمن الفكرى ، ووقفت مع آفات تعترى العقل ، وأخرى تعترض طريق العلم ، وثالثة تعترض طريق تطبيق الإسلام ذاته ، وتحذير الثقافة من هذه الآفات كان خطوة وقائية قبل وقوعها ، حتى يتخذ المسلم منها الحيطة والحذر، وفى الدور العلاجى إنما تعالج  الثقافة الإسلامية هذه المرة مرضاً واقعاً ، وانحرافاً متحققاً لدى البعض من أبناء المجتمع المسلم .


 والثقافة في هذا الدور قدمت منهجاً علاجياً للانحراف الفكري الذي زاغت به بعض الأفهام ، وضلت بسببه بعض العقول من أبناء المجتمع المسلم وأقامت هذا المنهج على مرتكزات بيانها فيي المباحث التالية.


 


 


المبحث الأول


النظر إلى الانحراف الفكري على أنه طارئ على المجتمع المسلم غير متولد منه ولامتجذر فيه .


 إن الثقافة الإسلامية إذا تقدر ماللانحراف الفكري من مخاطر على الفرد المسلم والمجتمع كلة فإنما تنظر لهذا الإنحراف على أنه عارض يعترى صحة المجتمع الإسلامى ، واستقامة الفرد أمنه ، وقد قرر الإسلام أن المسلم يكتسب بدينه عوامل الاستقرار والأمن ، والقوة والتمكين ، فلديه فطرة قوامها التوحيد ، وتعاليم دينه تغذى هذه الفطرة وتقيمها على  المنهج القويم ، ولدية الفكر المنضبط ، والعقل المستظل بالشرع يحميه ويدفع عنه الزيغ والريب، وعلى ذلك فأي تغيير يطرأ على هذه المقررات فيحدث لها تغييراً سلبياً في نفس المسلم إنما هو عارض دخيل على جو الصفاء والاستقرار الذى أحدثة الإسلام .


إن الثقافة لا تنظر إلى المجتمع المسلم بنظرة تشاؤمية وسوداوية ، إنما تنظر إليه بعين التطلع للأفضل، والحماية بكافة صورها ، وتستنهض فى سبيل ذلك الأفكار والطاقات داخل المجتمع ،ليسهم كل فكر بناء وطاقة إيجابية في  أمن المجتمع فكرياً ، وفي دفع مضار الانحراف الفكرى عن أبناء الأمة .


إن أعداء الإسلام في الداخل والخارج دأبوا على تصوير المجتمع المسلم بالصورة السلبية ، ويضخمون من حجم أي انحراف فيه، كي يشوهوا صورة المجتمع ،ويظهرونه على أن الانحراف أصيل فيه ويستعصى على المواجهة من شدة تجذره ، وذلك له تأثيره في سريان روح اليأس والقنط عند المصلحين وأصحاب الهمة ، فضلاً عما يحدثه من هزة في ثقة البسطاء وضعاف الإيمان والعقول فى دينهم ،وقدرته على التصدي للانحراف ويدفع بنسبة منهم نحو الانحراف بحجة تفشيه في جنبات المجتمع .


ومن هنا فإنه نظرة الثقافة الإسلامية للانحراف الفكري على أن عارض يعترض سلامة المجتمع وأمنه لهو إحدى خطوات العلاج التي ترفع المعنويات نحو التصدي و الإصلاح ، وتثبيت لأصحاب الانحراف أنهم تحت عين المجتمع المسلم مرصودون ، ولن يتغاضى عنهم المجتمع بغفلة أو يأس .






المبحث الثاني


رصد الانحراف الفكري وبيان مظاهره وأسبابه.


 نحو تشخيص العلة ترصد الثقافة الإسلامية صور الانحراف الفكري على صعيد الفرد والمجتمع وترقب هذا الانحراف في شتى المجالات بجميع الوسائل ، وهى إذ ترصد هذا وتحدد مظاهره إنما تفعله لتحديد أكثر القطاعات الفكرية أو غيرها تأثراً به ، وحتى تقف على أسباب هذا الانحراف ودوافعها، وذلك يشير إلى اهتمام الثقافة الإسلامية بحل المشكلة من جذورها ، وعدم اكتفائها ، بعلاج القشور وتظل العلة مستخفية داخل الجسد تظهر فى أى وقت آخر ، ولا أدل على رصد هذه الانحرافات داخل المجتمع من فرض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ،وجعل ذلك من أهم أسباب خيرية هذه الأمة ، ولن يؤمر بمعروف  إلا إذا فقد ، ولن ينه عن منكر إلا إذا وجد ، والآية الكريمة تشير إلى أن من عوامل التمكين لهذه الأمة قيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال تعالى" كنتم خير أمة أخرجت للناس نأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله "([126])  " ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ([127]) ومن أهم صفات المؤمنين قيامهم بهذا الواجب قال تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" ([128]) .


وقد طبق الرعيل الأول من الصحابة هذا الأمر تمام التطبيق ففازوا بنصر الله والتمكين لهم فى الأرض ، وسجل تاريخ الأمة للحسبة وجهاز الاحتساب أثره في حماية المجتمع من الانحراف بجميع صوره ومنه الفكري ، ورأينا كيف تصدى الرسول r)  ) لرموز الانحراف الفكري ، وكيف تصدى الصحابة من بعده لرموز الإضلال العقلي والعقدي ، أمثال مسيلمة الكذاب وغيرة من المتنبئين ، وكيف تصدى علماء الإسلام للحركات الفكرية المضللة قديماً كالخوارج وغيرها وحديثاً كالعلمانية وغيرها ....


وتاريخ الأمة حافل بعلماء الاسلام خاصة في مقارنة الأديان ، والفرق والمذاهب ممن حملوا راية رصد الانحراف الفكرى والتصدي له في كل عصر ....


وفصل العلماء القول فى بيان أسباب هذا الانحراف وتصنيفها إلى داخلية وخارجية ، وذلك لتحديد سبل التعامل حال العلاج مع طبيعة السبب وحقيقته ، وبيان الجهات المشاركة فى مقاومة الانحراف وتحديد مسئوليات كل جهة، فقد يكون السبب أسرياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً ، وقد يكون سبباً خارجياً تسهل بعض الجهات عمله واقتحامه مجتمعنا ... ومن ثم فتحديد السبب يحدد كيفية العلاج ويحدد مسئوليات الجهات المشاركة فى العلاج .


 


 


المبحث الثالث


تحديد القائمين بالعلاج وبيان مسئولياتهم


يقول الله عز وجل "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "(1) قاعدة أصيلة ينطلق منها المسلم فى حياته كلها حتى يطمئن على دينة ونفسه ، وسؤال أهل الذكر ، ورد الأمور إلى أهل الاختصاص رافع للملامة والمؤاخذة عن العبد ومغلق أبواب الابتداع والهوى ، ويحفظ للعلم هيبته ، وللمجتمع أمنه.


وإذا قصد الناس أهل الاختصاص في أمراضهم البدنية فأولى قصدهم في أمراضهم الفكرية .


والمسئولية في علاج الانحراف الفكري مشتركة بين العديد من الجهات،ولابد من التكامل بينهما حتى يثمر العمل نجاحاً بإذن الله ، وأبرز الجهات المسئولة في هذا الباب:


 المؤسسات الدعوية : من أهم المؤسسات تحملاً لمسئولية معالجاً الانحراف الفكري في المجتمع فالدعاة هم نبض المجتمع وأصحاب التوجيه والإرشاد فيه،وهم أهل تحقيق الاستفادة الفكرية والسلوكية فى المجتمع بما يملكون من مكانة ومكان ،مكانة لها التقدير عند الجميع ، ومكان أكسب الثقة والاحترام في المجتمع، ومن ثم فتفعيل دور الدعاة في المجتمع بما يخدم الجوانب الفكرية فيه هو من أهم أبواب علاج الانحراف الفكري.


 إن الدعاة قبلة المتحيرين من أبنائنا والمتشككين فى أمور دينهم من مجتمعنا ، وتطرح عندهم هذه الهموم الفكرية كأول قبلة يقصدها المضللون إما بدافع ذاتي منهم خاصة إذا كانوا فى أول طريق الانحراف أو بدافع من ذويهم ممن لمسوا هذا الانحراف في الأقوال والأفعال ، وفى كلتا الحالتين فالداعيةُ مكلف بالاستعداد المستمر للتعامل مع هذه الانحرافات بحكمة وأناة، وعلى ذلك فإن صقل الدعاة بأدوات المناظرة والجدل ، ودراستهم التيارات الفكرية المنحرفة والمذاهب المناوئة للإسلام فضلاً عن فهم الإسلام بصورة واضحة وشاملة لمن أهم العوامل التى تساعد في معالجة الانحرافات الفكرية ،خاصة وأن لديهم القدرة على المعالجة بصورة غير مباشرة فى خطبهم ووعظهم ودروسهم،وبذلك يجمعون بين الدورين الوقائي والعلاجي للانحراف الفكري فى آن واحد. وتنوع صور ومظاهر الانحراف الفكرى داخل المجتمع مابين ابتداع في الدين وطعن فيه وفى رموزه وأعلامه وتاريخه وترديد الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام ،ومحاولة نشرها وإضلال الآخرين بها ، أو الانبهار بما عند الأعداء من تصورات فكرية وزعم أنها مما جاء به الإسلام ، أو إنكار مقررات الإسلام وماعلم من الدين بالضرورة بحجة عدم صلاحيته لهذا العصر أو الشك فى مشروعيته....، ونشر ذلك بالأساليب والوسائل المختلفة فى الأوساط المختلفة ضاقت أو اتسعت .


المؤسسات الإعلامية : وهى تلكم المؤسسات التى تمارس الاتصال الجماهيري عن طريق وسائلها المسموعة والمقروءة والمرئية ،ولا أخطر في توجيه الفكر والسلوك من هذه المؤسسات بما تملكه من عناصر النفاذ للمجتمع والتشويق لتواصل أفرادها معها، ومن ثم فعلى قدر اضطلاع هذه المؤسسات بمسئوليتها على قدر تحقيق الأمن الفكرى ، وعلى قدر انحرافها يكون انحراف الأفكار والسلوك .


إن الإعلام اليوم أصبح المؤسس الأول لركائز العقل والفكر لأبناء المجتمع وطغى على رسالة الأسرة وهمش دورها بعد أن ركن الأباء والأمهات إليه دورهم في التربية وأصبح الإعلام موجهاً ليس للأولاد فقط ، بل والآباء من الأمهات وقد وضع الإسلام ضوابط التوجيه أياً كان مصدرها: إعلامي أوغيره،وضبط نقل الأخبار وصناعتها ، وضبط بث مضامين التربية الاجتماعية في ضوء الإعلام وغيره، وأقام ذلك كله على غرس القيم والأخلاق ، ومحاربها الانحراف ، وضرورة الحفاظ على قيم الحياء والصدق والعفة والرجولة وغيرها مماتبنى به الأجيال، وأقام صور الاحترام للعقول وضرورة انضباطها،واحترام العلماء والانتفاع بهم ، وعلق ذلك كله بمراقبة الله فى السر والعلن ، والخوف منه عز وجل ، وتوزيع المسئوليات كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .


وتملك المؤسسات الإعلامية اليوم نصيب الأسد فى التوجيه والإرشاد بما تملكه من سعة انتشارها ومداخل تنفذ بها إلى العقول والأفكار ويقع على عاتقها النصيب الأكبر من المسئولية فى مقاومة الانحراف الفكري وغيره.


 المؤسسات التعليمية : إحدى المؤسسات الفاعلة في بناء عقل الإنسان وفكره ،ودفعه نحو الاستقامة أو الانحراف.


 وقوام المؤسسة التعليمية:مناهج تدرس ومعلمون يدرسون ولذا فإن الاهتمام بالمناهج التى تقدر على أبناء المجتمع المسلم ، وصقل المدرسين لقيامهم بواجبهم لهو من أهم أبواب مواجهة  الانحراف الفكري ، وقد أقام الإسلام التعليم على نبل الهدف والغاية ، وجعل من ضوابط العلم والنفع والخير والحفاظ على هوية المسلم والتمكين للدين فى المجتمع،أماإذا تغير الحال فاختلفت رسالة المعلم وغاب الهدف الأسمى عن الاثنين فسيفرخ التعليم بجميع مراحله منحرفين فكرياً ومنتكسين علمياً وروحياً، ولذا فإن الاهتمام بتفعيل رسالة التعليم فى جميع المراحل خاصة فى الجامعات من أهم عوامل الأمن الفكري  في المجتمع .


المؤسسات التربوية والثقافية وهذه من الموسسات التى تقوم على دعم الأسرة فى تربية أبنائها،وتقدم لها ألوان الغذاء الفكرى والثقافى كوزارات الثقافة والتربية والبحث العلمى وماتبعها من نشاطات فكرية فى المجتمع ، ولهذه المؤسسات دورها في دعم الفكر الصحيح والتوجيه نحو السلوكيات البناءة ، وهى الأخرى سلاح ذوحدين إما أن تدفع المجتمع نحو الأمن والأمان ، وإما أن تكون سهما صوب إلى أمن المجتمع إذا خرجت عن إطارها ورسالتها .


أصحاب القرار والثقل الاجتماعي :


 لن يتحقق لكل مؤسسة القيام بواجبها حق القيام بدون قائد يؤمن برسالة الإصلاح ويعمل لنشر ثقافة الاستقامة داخل مجتمعه ، فقد تضيع مجهودات مؤسسة بقرار معطل أو أهوج من رئيسها ،وقد تنشط أخرى بقرار من رئيسها .


 وعلى ذلك فأصحاب القرار فى هذه المؤسسات هم المنوط بهم علاج مؤسساتهم للانحراف الفكري بادئ ذي بدء وذلك بمنع الانحراف الفكري من أن يتسرب للمؤسسة أولاً ،                   ومنعها من المساهمة فى نشرها ثانياً، وثالثاً بالمشاركة الفاعلة بوسائلها المتاحة في مقاومة الانحراف الفكري بشتى  صوره.


 وأصحاب القرار السيادى فى الدولة عليهم العبء الأخطر فى هذا العلاج والتصدى              وذلك بحسن اختيارهم ومعاونيهم وتحرى صلاح بطانتهم ، وهذا من حسن الاستعانة بالله فى القيادة وسياسة المجتمع .


والبارزين من أهل العلم والصلاح ، والثقل الاجتماعي لهم دورهم بتفعيل نفوذهم لصلاح المجتمع والتصدى للانحرافات بما يبذلون من علم وتوجيه ، وجاه ونفوذ ، ومال وثراء ونحو ذلك مما يؤثر فى الناس ويستجيبون له ، فأولى مايبذل فيه العلم وينفق فيه المال ويوظف له الجاه إصلاح المجتمع واستقامته.


 وتعمل كل مؤسسة من المؤسسات بالاستعانة بالخبرات وأصحاب الفكر ضمن منظومة            داخلية ومنهج عمل ورؤية مستقبلية لمقاومة الانحراف الفكري الواقع ، فلا يأتِ العمل عشوائياً  أو ارتجالياً إنما يأتي منظماً ومدروساً ...


 


 


المبحث الرابع


استخدام الأسلوب الأمثل في علاج أصحاب الانحراف الفكرى


بعد رصد ظواهر الانحراف الفكري ، ومعرفة أسبابه ، وتحديد أصحابه ، ودراسة توجهاتهم وتصوراتهم ، وتحديد من يتصدى لهؤلاء من علماء متخصصين ، ومفكرين راشدين ، فإنه من المهم اختيار الأسلوب الأمثل المستخدم مع هؤلاء المضللين ، والنظر إليهم بعين الشفقة لابعين الازدراء ، فهم أفراد داخل المجتمع المسلم وهم فتنة لغيرهم ، وقد تكون إساءة التعامل معهم سبباً فى تعاطف غيرهم معهم ومظهر إفلاس المصلحين والعلماء من الحجة والبرهان لإقناعهم بالحق والتخلي عن انحرافهم ، ولذا فالأمر يتطلب تصحيح النية في ضرورة إعادتهم للصواب والاستعانة بالله في ذلك ، ورسم أمثل الطرق للنفاذ إلى عقولهم وإقناعهم بخطأ ماهم عليه  وذلك يتطلب مرحلتين :


مرحلة الهدم: وفى هذه المرحلة تتم مناقشة هؤلاء المنحرفين فكرياً فى أفكارهم وتصوراتهم ، وتتبع هذه الأفكار بنقض غزلها خيطاً خيطاً ، ويلتزم المصلح في ذلك تحرى الأدلة العقلية والشرعية وتحليه بالصبر والإخلاص ، وقد يكون ذلك على صعيد فردى أو جماعي ضمن لقاءات فكرية أو صالونات أدبية أو محافل ..... حسب مايتراءَى لأهل الصلاح ، ويستدعى ذلك إلماماً دقيقاً بعوامل الانحراف وصوره وأفكاره عند أهله حتى يحدد المختص نقطة الانطلاق ، ويستطيع هدم هذه الأفكار واحدة تلو أخرى .


مرحلة البناء:


بوقوع الشخص في الانحراف الفكري تتبلبل عنده حقائق الإسلام ، ويتشكك فى مصداقيته، ويصاب بناء الإسلام فى ذهنه بالتصدع الأمر الذى يحتاج معه إعادة بناء ، بتصحيح المفاهيم المغلوطة وبيان الحقائق المكتسبه ، وتفسير ما أشكل فهمه ، وإعادة المسار الإسلامي الصحيح لذهن الشخص .


 فالقضية إذاً هدم وبناء ، هدم لأشكال الانحراف وأسبابه وأعراضه، وبناء للتصوير الإسلامي الصحيح في ذهن الشخص المنحرف فكرياً .


ويأخذ مسار الهدم والبناء لدى من يقوم بالإصلاح لمن انحرف فكره أساليب مخصوصة أهمها :


1 – فتح باب الحوار والمناظرة بضوابطه :


إن اعتماد الحوار والنقاش والمناظرة لإصلاح من انحرف فكره لمن أقوم السبل فى علاج الانحراف الفكري في المجتمع ، لأن ذلك من صميم المواجهة ، إذا ما أحسن استخدامه وذلك يقتضى تخصيص من له أهلية القيام بذلك من علماء ومتخصصين ، ووضع ضوابط يتفق عليها، حتى لا يحول الحوار والمناظرة إلى صخب وهرج ، وقد أقام الإسلام ضوابط الجدل والمناظرة في أروع صورها، كما تضمن الدستور القرآني ذلك في نحو قول تعالى " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ....." النحل 125 ، وقد بين العلماء ضوابط الجدل مع المخالف والمعارض يقول الأستاذ سيد قطب " وبالجدل بالتي هي أحسن بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح ، وحتى يطمئن إلى الداعى ويشعر أنه ليس هدفه هو الغلبة فى الجدل ، ولكن الإقناع والوصول إلى الحق ، فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها وهى لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق حتى لا تشعر بالهزيمة ، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأى وقيمتها هي عند الناس فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها ، والجدل بالحسنى هو الذى يطأ من هذا الكبرياء الحساس .. ) ([129]) وقد انطلق الكتاب ممن كبتوا عن الجدل والمناظرة من القرآن والسنة وبينوا القواعد التي تراعى عند الجدل والمناظرة وضوابطها ،حتى تكون مجدية نافعة ، ودستورهم فى ذلك قولة تعالى "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي أحسن .....)النحل 125


وقد أوضح العلماء أن هناك ضوابط تراعى قبل الجدل ،وأخرى أثناء الجدل وثالثة                   بعدا انتهائه .


 وأهم الضوابط التى تسبقه تقديم أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، والبدء بهما وهذا مأخوذ من ترتيب الآية الكريمة ، وهذا من المناسب مع الشريحة التي نتحدث عنها من عقليات داخل المجتمع المسلم ممن ضُللت بسبب جهالتها فيها ، واستهدافها من أصحاب الفكر المنحرف فى الداخل والخارج ، فهؤلاء الذين أصابتهم لوثة الفكر المنحرف من أبناء المجتمع أغلبهم لايعلمون عن الإسلام إلا ظاهراً من القول ،  من ثم فهؤلاء عند بيان الإسلام لهم بصورة صحيحة ، ودعوتهم بحكمة وموعظة حسنة فسرعان ما يتوبون إلى رشدهم ، وبفضل الله يرفع عن قلوبهم الران وعن عقولهم الزيغ ، فما دام الرجل قابلاً للحكمة والموعظة الحسنة لها جميعاً لم يحتج إلى مجادلة ، فإذا مانع جودل بالتى هي أحسن " ([130])


فهناك الكثير من أصحاب الفكر المنحرف ممن غُرر بهم يعودون إلى طريق الهداية بمجرد إظهار الحق أمامهم ، وبيان طريق الهداية لهم ، وهؤلاء أدعى بدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، فإذا تنكب بعضهم رأسه وتمسك بغوايته ، وجاهر بفكره المنحرف فتلك شريحة أخرى لها منهج في التعامل وهو الجدل ، والجدل معهم له ضوابط ومنها :


 


 


1 – أهلية من يقوم بمجادلتهم 0


إن الحق قضية عادلة لكن من الممكن أن يدافع عنها كسول أو جهول، ومن ثم يضيع الحق بسبب ضعف المدافعين عنه ، وعلى ذلك فمن الضروري أن يقوم بالجدل والمناظرة مع أصحاب الفكر المنحرف من يملكون القدرة على المناظرة والجدل ويمتلكون القدرات المطلوبة لذلك من قدرة علمية فى موضوع المناظرة ، وقدرة ذهنية ، وفطنة في استدعاء الأدلة والردود المناسبة، وقدرة التعبيرية تحقق قوة العرض والاستدلال وبلاغته  ووجازته يقول شيخ الإسلام بن تيمية وقد ينهون – أى السلف – عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة  وجواب الشبهة فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف فى المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة ([131]) ويقول ابن عبد البر رحمه الله – " قال بعض العلماء : كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادل ، يعنى أنه ليس كل عالم يتأتى له الحجة ويحضره الجواب ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة ، ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء وأنفسهم مجالسة ومذاكرة ،والله يؤتى فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم([132]).


2 – إخلاص النية وصدق الوجهة في المناظرة والجدل :


إن العالم المناظر لأهل الزيغ والمجادل لأهل الباطل يعلم أنه في ميدان من ميادين الجهاد الفكرى للدفاع عن دينه وهو في ميدان الجهاد الدعوى يبتغى نصرة الحق وإظهاره وهداية الخصم وإلا فإقحامه حتى لا يكون سبباً في ضلال الآخرين ومن ثم فإنه يلتزم الإخلاص وحسن الاستعانة بالله ، ويَصدُق في وجهته بغلق أبواب الرياء والنفاق وطلب الشهرة وغيرها من آفات النفس البشرية التى تحبط العمل ، ويدلل الإمام الغزالي على صدق الوجهة وإخلاص العالم في المجادلة بتحقيق علامتين الأولى : أن يفرق بين أن ينكشف الحق على لسانه أو على لسان غيره ، والثانية أن يكون البحث فى الخلاء أحب إليك من أن يكون فى الملأ " ([133]) .


3 – الإنصاف مع الخصم وإعطائه الفرصة في عرض ماعنده، وعدم أسبقية الأحكام حتى لا يستشعر مصادرة الرأي والفكر خاصة أن الجدل جدل فكرى ،والعالم المسلم يلتزم فى ذلك التوجيه القرآني " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين" ([134]) وفى مجادلة أهل الكتاب ما أسقط القرآن عنهم وصفهم ومارذل فكرهم وما صادر آراءهم ،بل أعطاهم الفرصة كاملة لعرض ماعندهم على الرسول (r) وذلك أدعى للاستماع من الرسول بنفس درجة الاهتمام والإنصاف التي سمعهم بها(( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ..... ) آل عمران 64


4 – الاتفاق على مرجعية حال التنازع .


وهذا من أهم ضوابط المناظرة حتى لايكون الكلام مجرد سفسطة لا آخر لها ولا طائل من ورائها ، فلابد من تحديد مضمون المناظرة، ومرجعية الفصل حال النزاع والاختلاف مع من انحرف فكره وزاغ فهمه من أبناء المجتمع المسلم مرده إلى أمرين : إما كتاب الله وسنة نبيه           ( r ) إذا كان لديه إيمان بهما ولكن زاع فهمه لجهل بدينه وتقليد أعمى لتيارات الانحراف"  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) ([135])0


وإما أن نحتكم إلى صوت العقل والمنطق إذا تأصل الانحراف الفكري لدى الخصم ولم تكن لديه قناعة بالكتاب والسنة نظراً لتغلغل الفكر المنحرف فى نفسه ، وهذا يدعو إلى تحكيم صوت العقل والمنطق وفى كلتا الحالتين يتفق على دعوته إلى كلمة سواء ونقطة التقاء يتغالب الطرفان نحوها ويحتكمان إليها حتى لاتكون المناظرة مضيعة للوقت وكم من مناظرات اهتدى بسببها الكثير والكثير ، وتثبت بها الكثير من المتحيرين .


 


5 – الالتزام بالآداب الرفيعة والأخلاق الحسنة :


والتزام العالم في المناظرة والجدل الأخلاق الحسنة يكبره عند الناس ويجله عند خصمه ويبرز قوة حجته بهدوئه واتزانه وحكمته وصبره، والعالم في هذا الالتزام ليس التزاماً وقتياً وقت المناظرة والجدل إنما هو خلق مكتسب من دينه يعيش به حياته كلها، وفى أحواله كلها ،وهذا من أسباب قوته في المناظرة والجدل، وقد أكد القرآن على تحرى الأخلاق الفاضلة في مخاطبة الآخرين وإن كانوا من أهل الاختلاف في التوجه والفكر والاعتقاد قال تعالى " وجادلهم بالتى هى أحسن " ([136]) " ادفع بالتى هى أحسن "([137]) "وقولوا للناس حسناً ([138]) .


وقد سجلت كتب السيرة جملة من مجادلات الرسول (r) مع المشركين كمجادلته  r مع أهل الكتاب وكذالك  عتبة حيث أعطاه الفرصة كامله ليعرض ماعنده وأخذ عليه الإقرار بالانتهاء :أفرغت يا أبا الوليد ([139])، وكذا  فى مجادلته مع وفد نصارى نجران وغيرهم .


وبعد المجادلة والمناظرة مع أهل  الانحراف الفكري هناك من الضوابط التى ينبغى مراعاتها أيضا ،خاصة وأن هؤلاء من أبناء مجتمعنا ، وتنتهي المجادلة بأحد أمرين: إما بتسليم الخصم للحق الذى ظهر على يد العالم الفطن ،والذي هدم في مناظرته كل دعائم الانحراف في ذهن خصمه وأعاد في نفسه بناء الإيمان سليماً معافاً وهذا ما يأمله العلماء والدعاة ، وإما أن يكابر صاحب الانحراف والزيغ ويظل على الموقف المعاند وعندئذ يكون قد ظهر الحق أمام المتابعين للمناظرة ، وظهر لهم عناد أهل الفكر المنحرف وضعف حجتهم ، وقوة الحق وثباته ، وذلك يعطى رسالة الثبات للمتشككين والمتحيرين ، ويدخل فى إطار وقاية المجتمع من الفكر المنحرف


ومن الضوابط التي ينبغي مراعاتها بعد المجادلة احترام من سلم بالحجة وخضع للحق ، واعتماده مسلماً تائباً لله عز وجل بعد رفع الزيغ عنه ، وعدم النظر إليه نطرة دونية واتهام طالما عاد إلى رشده وحسنت توبته، فلا يعير بما كان من أمره ، ولا يزدرى بسبب اللوثة التي أصابته .


أما من لم يقبل بالحق بعد ظهوره ، وظل على انحرافه الفكري فذاك يَحذر الناس منه حتى لا ينخدع أحد بشره ويستتاب فإن اختار الضلال على الهداية فأهل العلم يقيمون انحرافه الفكري ، ويحكمون عليه بما يتناسب ودرجة الانحراف ، ويتخذ معه أولو الأمر ما يتناسب من الزواج والردع ما أوصى به أهل العلم وحتى يكون عبرة لغيره .






المبحث الخامس


 توجيه العقليات التائبة نحو الأهداف النبيلة والغايات السامية


عندما تثمر المجادلة والمناظر في عودة أهل الانحراف الفكري في المجتمع ينبغي النظر إليهم              بعين الترحيب لا الازدراء ، وعين الاحترام لا الدونية ، فبعد إفاقتهم من لوثتهم الفكرية يعودون للمجتمع المسلم مسلمين تائبين والله غفور رحيم ،وينبغى مراعاتهم على أنهم مرضى احتاجوا إلى فترة علاج وعافاهم الله من مرضهم ، ومن مراعاتهم ومتابعتهم غلق النوافذ التي تفتح عليهم نيران الانحراف الفكري مرة أخرى ، ومما يفيد فى ذلك توجيههم نحو غايات الإسلام وتعظيم الأهداف عندهم .


 فالانشغال بتحقيق ماعظم من أهداف وما نبل من غايات من أهم أبواب مواجهة الانحراف الفكري، خاصة وأن أغلب المضللين فكرياً داخل المجتمع شوهت صورة الإسلام أمامهم وغابت عنهم أهدافة العظيمة وغاياته السامية .


إن انشغال الفرد بهموم مجتمعه وقضايا أمنه ، وبيان دوره الذى يتحتم عليه القيام به ووضوح رسالته التي يجب أداؤها كل ذلك مشعر له بالمسئولية وتحقيق ذاته ويشعره بقيمته في المجتمع ويقوى عنده الانتماء لدينه ووطنه وأمته ، أما عند تجاهله وتهميش دوره فإنه يستشعر الدونية والهزيمة النفسية الأمر الذي يجعله عرضة لتيارات الإفك والافتراء.


و ما عانت مجتمعاتنا اليوم بمثل ماعانت من تجاهل الشباب وعدم الاكتراث به وبطموحاته وأفكاره ، فعندما يشعر الشباب بهذا التهميش والازدراء داخل مجتمعه فإنه يكتسب عداوته والثورة عليه ، فيرحب بأي جهة تشعره بذاته وتهتم به حتى لو تحالف مع الشيطان ، وما استطاعت تيارات التضليل من جماعات وأحزاب ومذاهب علمانية وليبرالية وغيرها استقطاب شباب المجتمع المسلم إلا مستغلة تهميشه داخل المجتمع ، وعدم الاكتراث به، ولا يفيق المجتمع إلا على بؤر إرهابية ، أو جماعات مناوئة ، أو أحزاب معادية للإسلام .


فتعظيم الهدف لدى شبابنا ، والاهتمام بهم ومساعدتهم نحو تحقيق غايات نبيلة تخدم دينهم وأوطانهم لهو من أهم أسباب علاج الانحراف الفكري .


 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 5:00 pm

المبحث السادس
 التوعية بضرورة تأديب المتطاولين وتنفيذ العقوبات الزاجرة
من أهم أبواب الفقه الإسلامي باب الحدود والعقوبات ، ذلك الباب الذي يقدم لنا جملة               من العقوبات الرادعة التي تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره ، وتبرز الثقافة الإسلامية مصطلحات كالحد والقصاص والتعزيز وتبين دلالاتها في العقوبة ، وتقدمها في صورة تحذيرية من أن يأتي المسلم مايتوجب تطبيقها عليه ، والثقافة إذ تبرز ذلك إنما تبرز ما لهذه العقوبات من دور           في تحقيق مقاصد التشريع من حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل ، ويأتي بيان           هذه العقوبات ودورها في تعظيم مسئولية الإنسان في هذه الحياة ، وتحديد واجباته تجاه نفسه ومجتمعه وأمته وقبل ذلك وبعده مسئوليته تجاه ربه وخالقه.
والانحراف الفكري لا يخفي خطره على ما قصد الشرع حفظه وحمايته من دين ونفس وعقل ومال ونسل ، وآثار التدمير لهذه الأمور بسبب الإنحراف الفكري واضحة وملموسة ،                     وعلى ذلك فإن تقديم الثقافة الإسلامية التأديب للمتطاول المعتدي على هذه الأمور ،  وتأكيدها على ضرورة تنفيذ العقوبات الرادعة على تلك الفئة المعتدية لهو عين الصواب ،    وهو حماية للمجتمع وتمكيناً للدين.
إن فئات الانحراف الفكري داخل المجتمع المسلم تحمل صورتين :
الأولى : فئة مضللّة سرعان ماتعود لرشدها وتتوب لربها بمجرد بيان الحقائق أمامها ، ودفع الران عن بصائرها ، وهؤلاء يفلح معهم الحوار والمناظرة والنقاش لاحتوائهم حتى يتعرفوا على الحق ويتكشفوا زيف ماكانوا عليه ، وعودتهم فضل من الله ونعمة.
الثانية : فئة عاتية تتمسك بضلالها، وتستميت في غيها ، وتتمادى في عماوتها جهلاً           وكبراً وغروراً ، لا يسمعون لحجة، ولا يخضعون لبرهان ولا تفلح معهم حوارات                ولا مناظرات ،... ويجاهرون بباطلهم وينشرون أراجيفهم في تطاول على الدين واعتداء على أمن الأفراد والمجتمع ، والتقاعس في صد هؤلاء ، وقطع دابرهم ينذر بخطر داهم ، والتغافل عن تطاولهم وتدبيرهم يشعل ناراً تأكل الأخضر واليابس ، لما لهؤلاء وأفكارهم المسمومة من مخاطر على العقول والأفكار ومن ثم على السلوك والأخلاق وعلى الدين والمجتمع كله.
والتأديب لهذه الفئة وقطع دابرها أنسب الحلول حماية للمجتمع وصوناً للدين ، ويعود تحديد الجرم الذي ارتكبوه ، ودرجة التطاول و الاعتداء الذي مارسوه لأهل الذكر من العلماء الأجلاء الذين يفهمون الأفكار المنحرفة ، ويقيسون الأقوال والأفعال بمقاييس الشرع والحكمة ، فليس الأمر مفتوحاً لكل أحد حتى يكفر هذا أو يفسق ذاك ، وإنما تجعل الثقافة الإسلامية سلطان تحديد الاعتداء والتطاول على الدين والمجتمع فكرياً لأهل الذكر والدراية لأن ذلك مسئولية أمام الله قبل الناس.
وبعد بيان المختصين والمخلصين من العلماء لدرجات الاعتداء الفكري على الدين والمجتمع من فئات الانحراف والاستكبار ، وفشل المحاولات السلمية في استتابتهم وإعادتهم للحق ، فإن أهل العلم يقدمون لأولي الأمر تقدير العقوبات الرادعة المناسبة مع حالة كل معتدي ومتطاول ، فمن بلغ حد الارتداد ضرب عنقه ، ومن بلغ درجة الفسق ونحوها قدم العلماء من ألوان العقوبات والتعزيرات مايضمن إخراس لسانه حال تنفيذ أولي الأمر الحكم المقدر.
وتخصيص أهل الذكر من العلماء بتحديد العقوبة لأنهم أكثر الناس فهماً لهذا الفكر المنحرف ، وأكثرهم وعياً بمخاطره ومن ثم كان من الأنسب أن يسند لهم ذلك لتكون العقوبة رادعة.
وباب التعزيز موسع أمام الحاكم وهو فيما دون الحد وذلك باستشارة أهل العلم من جلد وسجن وضرب ونفي وحرمان من بعض الحقوق ، ....
ويبقى تنفيذ العقوبة ونشرها في أوساط المجتمع عاملاً من عوامل اجتثاث هذا الفكر المنحرف  ليتخذ الناس العبرة ممن تنفذ فيهم هذه العقوبات.
ولك أن تتخيل قراراً بغلق مؤسسة فكرية لنشرها الفكر المنحرف ، وطرد شخص وحرمانه من بلده لنفس السبب ، أو سجنه ، أو جلده ، أو غلق قناة إعلامية لتبنيها فكراً منحرفاً ، أو فصل مسئول سهل لتغلغل هذا الانحراف ، ... لك أن تتخيل مردود ذلك في إصلاح المجتمع وأمنه.
 
المبحث السابع
مواجهة وسائل الانحراف الفكري
إن أصحاب الرؤى والأفكار – أفراداً كانوا أم مؤسسات وجماعات – يبحثون دوماً                 عن وسائل لنشر فكرهم ، وأبواق تردد تصوراتهم ، ومن ثم يحاولون جاهدين على سعة انتشار أفكارهم بشتى السبل ، إعلامياً وتعليمياً واجتماعياً واقتصادياً... ، واعتمد أصحاب الانحراف الفكري على وسائل عدة من أبرزها وسائل الإعلام المختلفة ، والتعليم ومؤسساته كمدارس وجامعات ونحوها ، واللقاءات المفتوحة كالندوات ، وعقد المؤتمرات ، وتنظيم الملتقيات الفكرية والثقافية ... وفي العصر الحاضر استخدموا وسائل التقنية الحديثة كالإنترنت والمواقع الإلكترونية المختلفة ، وسعت رموز الانحراف الفكري في بعض الدول الإسلامية للوصول للمواقع القيادية في الدولة لبث انحرافها وتسهيل تغلغله في المجتمع كبعض وزارات الثقافة والتعليم والمعارف والشباب والرياضة والإعلام ،...
والثقافة الإسلامية في مواجهة هذه الوسائل المتنوعة تقوم بدورين أساسيين :
الأول: تجفيف منابع الانحراف الفكري المستخدم لهذه الوسائل ، ويتم هذا التجفيف                 بتعقب الوسائل التي تنشر هذا الانحراف وتناصره ، وتضييق الخناق عليها مادياً ، ومصادرة أعمالها ، وغلق أبوابها وتحذير الناس منها.
ومن أهم ما ينفع في هذا الجانب تفعيل دور الرقابة على مثل هذه الوسائل الفكرية سواء  كانت إعلامية أو تعليمية أواجتماعية وغيرها ، وضبط أدوار هذه الوسائل ومؤسساتها بالقيام بنشر العلم النافع والفهم الصحيح ، ومن يخالف ذلك يتحمل عقوبات الحرمان من الدعم المالي والمعنوي والإقصاء من الساحة الاجتماعية فضلاً عما ينتظر أصحاب القرار فيها من عقوبات رادعة.
ومن صور التجفيف لمنابع الانحراف الفكري في هذه الوسائل هدم هذه الأفكار ودحضها ، وبيان زيفها وكشف عورها ، وهتك أستارها ، خاصة وأن هناك بعض هذه الوسائل يصعب غلقها كالإنترنت والمواقع الإلكترونية، ... ولذا فمن الأفضل نشر مايهدم هذه الأفكار في نفس الوسائل ليكون الدواء بجوار الداء.
الثاني : توظيف هذه الوسائل لخدمة الدين والمجتمع :
عظيم أن نوقف خطر الوسائل التي تواصل وتنشر الانحراف الفكري داخل المجتمع والأعظم منه تحويل هذه الوسائل لخدمة الدين والمجتمع ، لتتغير رسالتها ، وتصحح غايتها ويستقيم أمرها ، فالوسيلة في حد ذاتها تعمل لخدمة من يوجهها وإذا ما استقام الموجهون عادت الأدوات والوسائل بالنفع والخير على المجتمع.
إن توظيف الوسائل المختلفة التي تنشر الفكر المنحرف لخدمة الدين والمجتمع يقتضي تحولاً جذرياً لرسالة هذه الوسائل وإعادة صياغة لأهدافها ، والذي يعقبها صياغة في المضمون والأفكار ، وهذا الدور يئول لمن يملكها ويملك قرار توجيهها ، وتحديد رسالتها ومن هنا فإن الأمر يعود بالمقام الأول لأصحاب القرار ، ومن بيدهم توجيه هذه المؤسسات والهيئات... التي تقدم الفكر ، وتخاطب العقول ، وذلك يقتضي إيجاد روح جديدة في القيادات ، وعزيمة وقادة عند أصحاب القرار ينبغي أن يكون لديهم إدراك لواجبهم ، ولخطورة مسئوليتهم تجاه دينهم ومجتمعهم ، وإذا تحقق هذا التغيير عند أصحاب القرار ، بتغيير العابث ، وبإعادة تأهيل من لديهم حس إيماني ، فإنه يسهل بعد ذلك اتخاذ التدابير اللازمة لتحول رسالة الوسائل الفكرية المختلفة من السلب إلى الإيجاب ، من نشر الفساد وتيسير الانحراف إلى نشر الخير وتحقيق الاستقامة. ويتحقق هذا التحول طالما صدقت النوايا ، ووعت العقول  ، وعزت الأنفس ، قال تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ٍ} (سورة الرعد 11).
 
خاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ..وبعد,,
فإن السعي لتحقيق الأمن الفكري قاسم مشترك بين الأمم والمجتمعات ، وإن تغيرت نظرة كل مجتمع وأمة في هذا السعي،  وتتزايد أهمية هذا السعي ويعظم أمره خاصة في زمننا هذا، والذي نعاني فيه من أنواع المخاوف وصور الانفلات وآفات الانحراف بشتى صوره ، وأخطره الانحراف الفكرى مكمن كل خطر ، ومنبع كل ضرر.
 والثقافة الإسلامية بما تقدمه من أصول ومرتكزات ومعارف وخبرات ، وما تؤسسه من مناهج ، وتحققه كغايات ، تقدم صورة فريدة متميزة في تحقيق الأمن الفكري في المجتمع المسلم ، وما ذلك إلا لاعتمداها على الكتاب والسنة مصدرا وتستصحب بعد ذلك خبرات العلماء العارفين وسير الأعلام المخلصين ورؤى الفقهاء الراشدين ، ومن ثم يتميز ما تقدمه بالربانية والشمولية والواقعية والوسطية ، والثقافة الإسلامية لا تعالج خيالات ولا تعامل أوهاما، إنما قدمت مهجا في تحقيق الأمن الفكرى ومعالجة الانحراف الفكري بصورة اتسمت بالتوازن والإبداع ، وما على المجتمع اليوم إلا تفعيل معالم هذا المنهج وترسم خطاه ، والدراسة في سبيل عرض ذلك أكدت على عدة نقاط أهمها :
1- شمولية النظرة لدى الثقافة الإسلامية في تحقيق الأمن الفكرى والذي اشتمل على دورين يكمل بعضهم الآخر ،
الأول: وهو الدور الوقائي وفيه تضع الثقافة الإسلامية لبنات التفكير السليم والاسترشاد العقلي ، وتضع قواعد النظر والاستدلال والبحث والتعليم ، وتقدم منهجا في تربية العقل قوامه الكتاب والسنة المطهرة ، وتعرض الإطار السليم في طلب العلم وبذله ، وترفع من شأن العلماء والمتعلمين دفعا للمجتمع نحو العلم أخذا وفهما.
2- وإيمانا من الثقافة الإسلامية بضرورة النظرة الواقعية لمعالجة المشكلات قدمت ضرورة مراجعة التراث الإسلامي وتنقيته مما شابه من خلل كدر بعض صفوه ،وذلك في خطوه لنقد الذات وواقعية الحل
3- والثقافة الإسلامية إذ تقدم الحل لمشكلات الانحراف الفكري ، وكذا عندما تضع الأسس لتحقيق الأمن الفكرى اهتمت بضرورة تفعيل مقررات الإسلام في حياة المجتمع المسلم عمليا، حتى لا يفهم أن ما تقدمه شعارات ومجرد أفكار على أوراق ، أو أنه لا يرتبط بالجانب التطبيقي للإسلام ، وهى إذ تقدم ذلك فإنما تؤكد على ما للتطبيق العملي لمقررات  الإسلام من أثر في حياة المجتمع واستقامته
4- سلكت الثقافة الإسلامية جانبي الترغيب والترهيب في إرساء معالم الدور الوقائي في تحقيق الأمن الفكرى ، ففي الوقت الذى قدمت فيه الدعوة للعلم والحث على طلبه ، ورفعت قدر العالم والمتعلم ... قدمت على الجانب الآخر تحذيرا شديد اللهجة من آفات ومخاطر تعترض طريق هذا الأمن الفكرى وتقوض دعائمه ، من جهل وسيطرة عادات وخوف وتبعيه عمياء وحب شهوة وذياع صيت وتهميش لدور الإسلام وتجزئة الدين ، قدمت ذلك في إطار ما يعترض العقل والفكر ، وما يعترض طريق العلم ، وما يعترض طريق  تطبيق الإسلام عمليا.
5- قدمت الثقافة الإسلامية الدور الثاني في تحقيق الأمن الفكري وهو الدور العلاجي في إطار معالجة الانحراف الفكرى داخل المجتمع ، والذي كشف عن مصداقية الثقافة الإسلامية وواقعيتها في رصد الظواهر وعلاج المخاطر والتفاعل مع الأزمات ، وبدا تميز منهج الثقافة الإسلامية  في ذلك فاهتمت بعلاج المشكلة من الجذور فرصدت مخاطرها، وحددت أسبابها، وعينت أهل الذكر القائمين بالعلاج ، وأرشدت إلي الأساليب المثلى في التعامل مع أهل الانحراف الفكرى مصنفة إياهم بين مضل ومضلل ، وتابع ومتبوع  ،وحددت لكل طريقة خطابا وسبيل تعامل ، لتتكامل بذلك الأدوار بين وقائي وآخر علاجي في حكمة وبصيرة وصدق وواقعية واستعانة بالله ، وذلك لتصحيح المسار وتلمس طريق الهداية عسى أن يتحقق للمجتمع أمنه وللأمة مجدها ...والله المستعان
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    الثقا فة الإسلامية   ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع    Emptyالسبت 26 أبريل 2014, 5:00 pm

المراجع (1) 
*القرآن الكريم.
1- آثار تعليم القرآن على الفرد والمجتمع محمد غيلان، محمد سبتان.
2- الأثر الأمني لتعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع للنقيب عبد العزيز الريس.
3- أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي، عبد الله حمد القادري، ط دار المجتمع بجدة 1409هـ.
4- أثر الحلقات القرآنية في تحقيق الأمن الاجتماعي، د/ علي الزهراني.
5- أثر العلماء في توعية المجتمعات الإسلامية، د/ عبد الله الطيار.
6- أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف والعدوان، عبد العزيز الفوزان.
7- أحكام القرآن لابن العربي تحقيق عبد القادر عطا، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
8- إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ط دار الحديث بالقاهره
9- أدب الطلب ومنتهى الأرب للإمام الشوكاني، ط دار ابن حزم، ت عبد الله السريحي، 1419هـ/ 1998م.
10- إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم، ط دار الجيل، بيروت 1972م.
11- أيها الولد لأبي حامد الغزالي، ط دار الاعتصام، القاهرة 2/1405هـ.
12- تفسير الإمام ابن كثير، ط دار الفكر للطباعة.
13- الثقافة الإسلامية ثقافة المسلم وتحديات العصر، د/ محمد أبو يحيى، ط دار المناهج بالأردن، ط 6/2006م.
 
(1) مالم يذكر من الطبعة وتاريخها ورقمها فهو مجهول.
14- الثقافة الإسلامية في مواجهة الغزو الثقافي، د/ رائد طلال.
15- جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
16- الجامع الصغير للإمام السيوطي.ط مصطفى محمد
17- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، ط دار الكتب العلمية.
18- الخصائص العامة للإسلام، يوسف القرضاوي، ط مكتبة وهبة.
19- درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط دار الكنوز الأدبية، الرياض، 1391هـ.
20- دراسات في الثقافة الإسلامية، د/ رجب شهوان، ط مكتبة الفلاح بالكويت، ط 5
21- دراسات في الثقافة الإسلامية، د/ صالح ذياب ، ط جمعية عمال المطابع التعاونية بالأردن، 5/1984م.
22- دراسات وتحقيقات في أصول الفقه، د/ علي الضويحي، مكتبة الرشد بالرياض، ط 2004م.
23- الدر المنثورفى التفسير بالمأثور للحافظ السيوطى ط الميمنيه 0
24- الدعوة إلى الله بالمجادلة، د/ إبراهيم الحميدان.
25- رحلة العلماء في طلب العلم، ماجد إسلام البنكاني.
26- الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط دار المعرفة بيروت.
27- سنن الإمام ابن ماجه ط الحلبى 0
28- سنن الإمام أبي داود، ت عزت الدعاس 1391هـ سورية.
29- سنن الإمام الترمذي، ط دار الفكر.
30- سنن الإمام الدارمي.ط دار الكتب العلميه بيروت
40- السنة ومكانتها في التشريع د/ مصطفى السباعي، ط المكتبة الإسلامية، بيروت، 2/1978م.
41- سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، ط دار الحديث.
42- السيرة النبوية لابن هشام، ط دار الريان للتراث القاهرة، 1/1408هـ.
43- الشخصية الإسلامية المعاصرة، د/ باسم العسيلي، ط دار الفكر، بيروت.
44- شعب الإيمان للإمام البيهقي.ط دار الكتب العلميه بيروت
45- صحيح الإمام البخاري، ط دار الفكر القاهره 0
46- صحيح الإمام مسلم، دار إحياء التراث العربي، ت محمد فؤاد عبد الباقي.
47- العبادة في الإسلام، د/ القرضاوي، ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 8/1981م.
48- العلماء والميثاق، عبد العزيز الطريفي.
49- القاموس المحيط، للفيروز أبادي، ط الهيئة العامة المصرية للكتاب.
50- في ظلال القرآن، أ/ سيد قطب، ط دار الشروق، القاهرة.
51- كيف تطلب العلم للشيخ عبد الله بن جبرين، نشر سلمان أبو زيد.
52- لسان العرب للعلامة ابن منظور، ط دار الحديث، القاهرة.
53- مختار الصحاح للرازي، ط دار الحديث ، القاهرة، 1/2000م.
54- المربي والتربية الإسلامية محمد أحمد عبد الهادي، ط دار البيان العربي، جدة، 1404هـ.
55- المرتكزات الأساسية في الثقافة الإسلامية، د/ أحمد العيادي، ط دار الكتاب الجامعي العيني 2/2004م.
56- المستصفى من علوم الأصول للإمام الغزالي، ط الأولى.
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الثقا فة الإسلامية ودورها فى تحقيق الأمن الفكرى فى المجتمع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: