الأسود الكواسر تنتقم من نفسها ندما!!
قصة حقيقية حصلت في اواسط الثمانينيات من القرن الماضي ...
محمد الحلو مدرب الأسود في السيرك المصري، والذي امتهن هذا العمل منذ صباه, والأسود تدرب وهي أشبال صغيرة بحيث تألف مدربها وتطيعه لعمل العروض.
وفي أحد العروض وأمام جمهور كبير, وعندما أُخرجت الأسود الى العرض تحرش الأسد جبار بلبؤة الأسد سلطان، فضرب سلطان جباراً غيرةً، فانتصر المدرب الحلو لجبار فضرب سلطان مؤدباً، كعادته للفصل بين الأسود عند التشاجر فأسر سلطان هذه الإهانة أمام الجماهير في نفسه، وعندما انتهى العرض، وقف محمد الحلو يحيى الجماهير على هذه النوبات الناجحة، وأثناء التصفيق الحار من النظارة له، استغل الأسد سلطان الظرف وفي لحظة خاطفة قفز على كتفي المدرب الحلو من الخلف، وأنشب مخالبه وأنيابه في ظهره ورقبته.. وسقط المدرب على الأرض ينزف دماً، ومن فوقه الأسد الهائج يفترسه.. واندفع الجمهور والحراس يحملون الكراسي والأدوات ومن ضمنهم ابن الحلو الذي كان يحمل قضيبا من الحديد يضربون الأسد وتمكنوا ان يخلصوا المدرب من أنياب الأسد لكن بعد فوات الأوان لان الأسد كان قد قطع لحمه وشرايينه.
ومات المدرب الحلو في المستشفى بعد ذلك بعدة أيام.. وكان الحلو يكرر على زواره أوصيكم ما حدش يقتل سلطان.. وكانت آخر كلمة قالها قبل موته (وصيتي أمانة ما حدش يقتل سلطان).
فهل سمع الأسد سلطان وصية مدربه الذي عاش معه عمرا طويلا وهو يطعمه ويروضه ويلعبه منذ كان شبلاً، وهل فهم سلطان المعنى العظيم والكبير لوصية مدربه التي تمتليء وفاءً ورحمةً بعد هذه السنوات الطويلة من الصحبة.
أما الأسد سلطان فقد انطوى على نفسه في حالة اكتئاب شديد ورفض أن يأكل طعاما ندماً وحزناً.
وقرر مدير السيرك نقل سلطان الى حديقة الحيوان باعتباره أسداً شرساً لا يصلح للعروض في السيرك.
وفي حديقة الحيوان استمر سلطان على اضرابه عن الطعام، فقدموا له انثى لتسري عنه، فضربها بقسوة وطردها من حظيرته، وعاد الى انطوائه وعزلته واكتئابه وحزنه العميق.
وأخيراً انتابت سلطان حالة جنون هستيري فراح يعض جسده، وهوى على ذيله بأسنانه فقضمه نصفين، ثم راح يعض ذراعه، هذا الذراع نفسه الذي اغتال مدربه, وبذلك وضع سلطان خاتمة تراجيدية لقصة ندم فريدة من نوعها في التاريخ.
شيءٌ غريبٌ وعجيبٌ حيوانٌ أعجم يقتل نفسه ندماً وقصاصاً، هل لأنه ملك نبيل من ملوك الغاب أصابته نزوة انتقام لإعادة الهيبة له أمام الجمهور دون تقدير للعواقب الوخيمة لفعلته، ثم إنه لما خلا بنفسه وأعاد شريط الذكريات الحلوة مع مدربه الوفي ندم ندماً شديداً لتحطيمه لمعاني الوفاء والعشرة والصحبة فأنهى حياته بهذه العبرة البالغة في التاريخ لتكون درساً مؤثراً لكثير من بني البشر.
نعم درس جدّ بليغ من حيوان أعجم فيه عبرة وعظة للآدميين من بني البشر الذين يغتالون معاني الأخوة والمحبة والعشرة الطويلة والعيش المشترك، ويحطمون كل هذه المعاني الجميلة والأهداف السامية، ويغدرون بإخوانهم لمجرد نزوة انتقام وانتصار للنفس الأمارة بالسوء، ويكابرون، ولا يعترفون بخطأ، ولا يحسّون بذرة ندم، فهل يعتبر هؤلاء الآدميون من أبي الحارث ملك الغاب الذي عاقب نفسه أشد العقاب وفاءً للعشرة الطويلة.
نعم ثمة مسوخ بشرية لا تعرف معاني الرحمة ولا الشفقة ولا الأخوة الإنسانية إلى قلبها سبيلا، وتقتل وتنتقم بطريقة إجرامية بشعة لا تقرها وحوش الغاب فضلا عمن هم بشر وإنس، ولكن صدق الله العظيم في كتابه الكريم عندما قال:
"أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا"
(44 الفرقان).