الخطر القادم من القاع
6/3/2014
صورة الأطفال الذين يقفون مع معيليهم العاطلين عن العمل، في منطقة العقبة الخاصة، محزنة. بينما يجيب مدير سلطة العقبة بأنّ العمالة الأجنبية الوافدة تصل إلى حدود 10 آلاف عامل، في مهن متعددة.
قبل اعتصام العقبة، كانت هناك اعتصامات في محافظة معان لعاطلين عن العمل، يطالبون بتأمين وظائف ومهمات لهم. والحال لا تختلف لدى غالبية أبناء المحافظات في الشمال والجنوب، الذين يرحلون إلى عمان سعياً وراء فرص العمل المجدية، في ظل ضعف الاستثمار في المحافظات، وضعف شروط العمل اللائق.
الجواب الذي نسمعه من المسؤولين (عادةً) يتمثّل فيما يسمى "ثقافة العيب"، التي تمنع أبناء المحافظات والأردنيين عموماً من العمل في مهن وقطاعات متعددة؛ ويضربون قصصاً وأمثلة على معاناة الدولة في إقناع الشباب بذلك، لأنّ الغالبية العظمى منهم يريدون وظائف مريحة أو مكتبية، ورواتب عالية. لذلك، المشكلة في الأساس، وفقاً للمسؤولين، ليست في فرص العمل، بل في استعداد أبنائنا الشباب للعمل!
هذه الأسطوانة المشروخة غير صحيحة أبداً، بل تتم فبركتها للتغطية على فشل الدولة في توفير فرص عمل، وتوفير البيئة المناسبة للعاملين، من زاوية الحدّ الأدنى للأجور، كما ساعات العمل وحقوق العامل، والضمان الاجتماعي والتأمين الصحيّ، فلا قانون العمل الحالي يساعد على ذلك، ولا سلوك القطاع الخاص ولا رقابة الدولة تذهب بهذا الاتجاه!
من يذهب إلى الفنادق والمقاهي والمطاعم، سيجد نسبة كبيرة من الشباب الأردني يعملون في هذا القطاع، وليست لديهم مشكلة. ويمكن التفكير والتخطيط لإنشاء معاهد تدريب معتمدة، وتأهيل أبنائنا، تمهيداً لإغلاق قطاعات السياحة والخدمات لاحقاً، ما يمكن أن يوفّر آلاف فرص العمل، لكن على أن يكون ذلك متوازياً مع تحسين شروط بيئة العمل. فتفضيل العمالة الخارجية في كثير من الأحيان ناجم عن عدم وجود قوانين وأنظمة ورقابة تعطي الأولوية للعمالة الوطنية، فيفضل أصحاب العمل العمالة الأجنبية الوافدة بأجور أقلّ، وعدم تقيد بحقوق العمال الأساسية!
ردّ الحكومة على تقرير منظمة العمل الدولية الذي حدّد نسبة البطالة بـ30 %، غير مقنع؛ إذ إنّه من الطبيعي أن تكون البطالة بين جيل الشباب الجديد. وهذا الجيل هو مصدر الخطر في حال لم يجد فرص عمل، ووقع في حبال البطالة والفقر والفراغ. ولا نبالغ إن قلنا بأنّ جزءاً كبيراً من المشكلات الاجتماعية المقلقة الأخيرة ناجمة بدرجة كبيرة عن البطالة والفقر، وتخلّي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية والثقافية، وعدم وجود آفاق حقيقية للخروج من الأزمة الاقتصادية!
يمكن ملاحظة ذلك بسهولة في المؤتمر الصحفي لدى الأمن العام (قبل يومين)، والذي رصد انتشار الجرائم والخروج على القانون والمخدرات و"تجارة الآداب". كما يمكن ملاحظته عبر انتشار الفكر السلفي الجهادي المتطرف في أوساط العديد من شبابنا في المحافظات والمخيمات، وفي الأخطار القادمة من الأبعاد الاجتماعية للأزمة الاقتصادية والمالية؛ بما يهدد السلامة الوطنية، كما تنبأ بذلك تقرير لمؤسسة سيادية قبل أعوام!
المطلوب من الدولة الخروج من سياق الأفكار المعلبة والوصفات الجاهزة، وإجراء تقييم جوهري وحقيقي للمشروعات المعمول بها؛ مثل استراتيجية التشغيل الوطني، وصندوق تنمية المحافظات. وكذلك إعادة تحديد الأولويات وهيكلة سوق العمل، والاستعانة بخبراء والقيام بجهود جدية لتقديم تصور مدروس مع خطة عمل لمواجهة مشكلات البطالة. فما يطلّ برأسه علينا من أخطار ليس إلاّ طرف الخيط مما هو أخطر، مع تنامي شبح البطالة، وما ينتج عنها من تداعيات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية!
(الغد)