منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 التفسير الموضوعي لسورة التحريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التفسير الموضوعي لسورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: التفسير الموضوعي لسورة التحريم   التفسير الموضوعي لسورة التحريم Emptyالجمعة 20 يونيو 2014, 7:53 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7)




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (Cool يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(9ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التفسير الموضوعي لسورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الموضوعي لسورة التحريم   التفسير الموضوعي لسورة التحريم Emptyالجمعة 20 يونيو 2014, 7:55 pm

سورة التحريم
مدنية في قول الجميع
وهي اثنتا عشرة آية . وتسمى سورة " النبي " .
بسم الله الرحمن الرحيم
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم
قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا ، قالت فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال : " بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له " . فنزل : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا : ( لعائشة وحفصة ) ، وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله : " بل شربت عسلا " . وعنها أيضا قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ، فكان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل ، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة . فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول لك : لا . فقولي له : ما هذه الريح ؟ - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح - فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل . فقولي له : جرست نحله العرفط . وسأقول ذلك له ، وقوليه أنت يا صفية . فلما دخل على سودة - قالت : تقول سودة : والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي ، وإنه لعلى الباب ، فرقا منك . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ قال : " لا " . قالت : فما هذه الريح ؟ قال : " سقتنيحفصة شربة عسل " . قال : جرست نحله العرفط . فلما دخل علي قلت له مثل ذلك . ثم دخل على صفية فقالت بمثل ذلك . فلما دخل على حفصة قالت : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه . قال : لا حاجة لي به . قالت : تقول سودة : سبحان الله ! والله لقد حرمناه . قالت : قلت لها اسكتي . ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة . وفي الأولى زينب . وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه شربه عند سودة . وقد قيل : إنما هي أم سلمة ، رواه أسباط عن السدي . وقاله عطاء بن أبي مسلم . ابن العربي : وهذا كله جهل أو تصور بغير علم . فقال باقي نسائه حسدا وغيرة لمن شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير . والمغافير : بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة ، فيها حلاوة . واحدها مغفور ، وجرست : أكلت . والعرفط : نبت له ريح كريح الخمر . وكان عليه السلام يعجبه أن يوجد منه الريح الطيبة أو يجدها ، ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك . فهذا قول . وقول آخر : أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه ، قاله ابن عباس وعكرمة . والمرأة أم شريك . وقول ثالث : إن التي حرم مارية القبطية ، وكان قد أهداها له المقوقس ملك الإسكندرية . قال ابن إسحاق : هي من كورة أنصنا من بلد يقال له حفن فواقعها في بيت حفصة . روى الدارقطني عن ابن عباس عن عمر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة ، فوجدته حفصة معها - وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها - فقالت له : تدخلها بيتي ! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها :" لا تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها " . قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهي جاريتك ؟ فحلف لها ألا يقربها . فقال النبي صل الله عليه وسلم : " لا تذكريه لأحد " . فذكرته لعائشة ، فآلى لا يدخل على نسائه شهرا ، فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله عز وجل لم تحرم ما أحل الله لك الآية .
الثانية : أصح هذه الأقوال أولها . وأضعفها أوسطها . قال ابن العربي : أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته ، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها ، لأن من رد ما وهب له لم يحرم عليه ، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل . وأما من روى أنه حرم مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى ، لكنه لم يدون في الصحيح . وروي مرسلا . وقد روى ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم فقال : " أنت علي حرام ، والله لا آتينك " . فأنزل الله عز وجل في ذلك : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وروى مثله ابن القاسم عنه . وروى أشهب عن مالك قال : راجعت عمر امرأة من الأنصار في شيء فاقشعر من ذلك وقال : ما كان النساء هكذا ! قالت : بلى ، وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه . فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة فقال لها : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، ولو أعلم أنك تكره ما فعلت . فلما بلغ عمر أن رسول الله صل الله عليه وسلم هجر نساءه قال : رغم أنف حفصة . وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند زينب ، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه ، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك . ونزلت الآية في الجميع .
الثالثة : قوله تعالى : " لم تحرم " إن كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم ولم يحلف فليس ذلك بيمين عندنا . ولا يحرم قول الرجل : " هذا علي حرام " شيئا حاشا الزوجة . وقال أبو حنيفة : إذا أطلق حمل على المأكول والمشروب دون الملبوس ، وكانت يمينا توجب الكفارة . وقال زفر : هو يمين في الكل حتى في الحركة والكون . وعول المخالف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم العسل فلزمته الكفارة . وقد قال الله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فسماه يمينا . ودليلنا قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ، وقوله تعالى : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون فذم الله المحرم للحلال ولم يوجب عليه كفارة . قال الزجاج : ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله . ولم يجعل لنبيه صل الله عليه وسلم أن يحرم إلا ما حرم الله عليه . فمن قال لزوجته أو أمته : أنت علي حرام ; ولم ينو طلاقا ولا ظهارا فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين . ولو خاطب بهذا اللفظ جمعا من الزوجات والإماء فعليه كفارة واحدة . ولو حرم على نفسه طعاما أو شيئا آخر لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعي ومالك . وتجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة .
الرابعة : واختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته : " أنت علي حرام " على ثمانية عشر قولا : أحدها : لا شيء عليه . وبه قال الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ . وهو عندهم كتحريم الماء والطعام ; قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم والزوجة من الطيبات ومما أحل الله . وقال تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام . وما لم يحرمه الله فليس لأحد أن يحرمه ، ولا أن يصير بتحريمه حراما . ولم يثبت عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله هو علي حرام . وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله : والله لا أقربها بعد اليوم فقيل له : لم تحرم ما أحل الله لك ; أي لم تمتنع منه بسبب اليمين . يعني أقدم عليه وكفر .
وثانيها : أنها يمين يكفرها ; قاله أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - والأوزاعي ; وهو مقتضى الآية . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : إذا حرم الرجل عليه امرأته فإنما هي يمين يكفرها . وقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ; يعني أن النبي صل الله عليه وسلم كان حرم جاريته فقال الله تعالى : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فكفر عن يمينه وصير الحرام يمينا . خرجه الدارقطني .
وثالثها : أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين ; قاله ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه ، والشافعي في أحد قوليه ، وفي هذا القول نظر . والآية ترده على ما يأتي .
ورابعها : هي ظهار ; ففيها كفارة الظهار ، قاله عثمان وأحمد بن حنبل وإسحاق .
وخامسها : أنه إن نوى الظهار وهو ينوي أنها محرمة كتحريم ظهر أمه كان ظهارا . وإن نوى تحريم عينها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين . وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين ، قاله الشافعي .
وسادسها : أنها طلقة رجعية ، قاله عمر بن الخطاب والزهري وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون . وسابعها : أنها طلقة بائنة ، قاله حماد بن أبي سليمان وزيد بن ثابت . ورواه ابن خويز منداد عن مالك .
وثامنها : أنها ثلاث تطليقات ، قاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة .
وتاسعها : هي في المدخول بها ثلاث ، وينوي في غير المدخول بها ، قاله الحسن وعلي بن زيد والحكم . وهو مشهور مذهب مالك .
وعاشرها : هي ثلاث ; ولا ينوي بحال ولا في محل وإن لم يدخل ; قاله عبد الملك في المبسوط ، وبه قال ابن أبي ليلى .
وحادي عشرها : هي في التي لم يدخل بها واحدة ، وفي التي دخل بها ثلاث ; قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم .
وثاني عشرها : أنه إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى . فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا . فإن نوى ثنتين فواحدة . فإن لم ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته ; قاله أبو حنيفة وأصحابه . وبمثله قال زفر ; إلا أنه قال : إذا نوى اثنتين ألزمناه .
وثالث عشرها : أنه لا تنفعه نية الظهار وإنما يكون طلاقا ; قاله ابن القاسم .
ورابع عشرها : قال يحيى بن عمر : يكون طلاقا ; فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار .
وخامس عشرها : إن نوى الطلاق فما أراد من أعداده . وإن نوى واحدة فهي رجعية . وهو قول الشافعي رضي الله عنه . وروي مثله عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين .
وسادس عشرها : إن نوى ثلاثا فثلاثا ، وإن واحدة فواحدة . وإن نوى يمينا فهي يمين . وإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه . وهو قول سفيان . وبمثله قال الأوزاعي وأبو ثور ; إلا أنهما قالا : إن لم ينو شيئا فهي واحدة .
وسابع عشرها : له نيته ولا يكون أقل من واحدة ; قاله ابن شهاب . وإن لم ينو شيئا لم يكن شيء ; قاله ابن العربي . ورأيت لسعيد بن جبير وهو :
الثامن عشر : أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارا . ولست أعلم لها وجها ، ولا يبعد في المقالات عندي .
قلت : قد ذكره الدارقطني في سننه عن ابن عباس فقال : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن منصور قال : حدثنا روح قال : حدثنا سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي علي حراما . فقال : كذبت ! ليست عليك بحرام ; ثم تلا : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارات : عتق رقبة . وقد قال جماعة من أهل التفسير : إنه لما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه بعتق رقبة ، وعاد إلى مارية صل الله عليه وسلم ; قاله زيد بن أسلم وغيره .
الخامسة : قال علماؤنا : سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صل الله عليه وسلم نص ولا ظاهر صحيح يعتمد عليه في هذه المسألة ، فتجاذبها العلماء لذلك . فمن تمسك بالبراءة الأصلية فقال : لا حكم ، فلا يلزم بها شيء . وأما من قال إنها يمين ; فقال : سماها الله يمينا . وأما من قال : تجب فيها كفارة وليست بيمين ; فبناه على أحد أمرين : أحدهما أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها وإن لم تكن يمينا . والثاني أن معنى اليمين عنده التحريم ، فوقعت الكفارة على المعنى . وأما من قال : إنها طلقة رجعية ; فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه ، والرجعية محرمة الوطء كذلك ; فيحمل اللفظ عليه . وهذا يلزم مالكا ، لقوله : إن الرجعية محرمة الوطء . وكذلك وجه من قال : إنها ثلاث ، فحمله على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث . وأما من قال : إنه ظهار ، فلأنه أقل درجات التحريم ، فإنه تحريم لا يرفع النكاح . وأما من قال : إنه طلقة بائنة ، فعول على أن الطلاق الرجعي لا يحرم المطلقة ، وأن الطلاق البائن يحرمها . وأما قول يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا ، فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة . ابن العربي : وهذا لا يصح ، لأنه جمع بين المتضادين ، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاق في معنى لفظ واحد ، فلا وجه للاحتياط فيما لا يصح اجتماعه في الدليل .
وأما من قال : إنه ينوى في التي لم يدخل بها ، فلأن الواحدة تبينها وتحرمها شرعا إجماعا . وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته : إن الواحدة تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع ، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه . وأما من قال : إنه ثلاث فيهما ، فلأنه أخذ بالحكم الأعظم ، فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها . ومن الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم . والله أعلم .
وهذا كله في الزوجة . وأما في الأمة فلا يلزم فيها شيء من ذلك ، إلا أنه ينوي به العتق عند مالك . وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة يمين . ابن العربي : والصحيح أنها طلقة واحدة ، لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقله وهو الواحدة إلا أن يعدده . كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقله إلا أن يقيده بالأكثر ، مثل أن يقول : أنت علي حرام إلا بعد زوج ، فهذا نص على المراد .
قلت : أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة لما خلا النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بجاريته ; ذكره الثعلبي . وعلى هذا فكأنه قال : لا يحرم عليك ما حرمته على نفسك ولكن عليك كفارة يمين ، وإن كان في تحريم العسل والجارية أيضا . فكأنه قال : لم يحرم عليك ما حرمته ، ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفر عن اليمين . وهذا صحيح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ثم حلف ، كما ذكره الدارقطني . وذكر البخاري معناه في قصة العسل عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت : كان رسول الله صل الله عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسلا ويمكث عندها ، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل : أكلت مغافير ؟ إني لأجد منك ريح مغافير ! قال : " لا ، ولكن شربت عسلا ولن أعود له ، وقد حلفت ، لا تخبري بذلك أحدا " . يبتغي مرضات أزواجه . فيعني بقوله : ولن أعود له على جهة التحريم . وبقوله : حلفت ؛ أي بالله ، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك ، وحوالته على كفارة اليمين بقوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك يعني العسل المحرم بقوله : لن أعود له . تبتغي مرضات أزواجك أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن . والله غفور رحيم غفور لما أوجب المعاتبة ، رحيم برفع المؤاخذة . وقد قيل : إن ذلك كان ذنبا من الصغائر . والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى ، وأنه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التفسير الموضوعي لسورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الموضوعي لسورة التحريم   التفسير الموضوعي لسورة التحريم Emptyالجمعة 20 يونيو 2014, 7:56 pm

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (Cool


قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان . وقد تقدم بيانها والقول فيها في " النساء " وغيرها . توبة نصوحا اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ; فقيل : هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع ; وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم . ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : النصوح الصادقة الناصحة . وقيل الخالصة ; يقال : نصح أي أخلص له القول . وقال الحسن : النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره . وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها . وقيل : هي التي لا يحتاج معها إلى توبة . وقال الكلبي : التوبة النصوح الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود . وقال سعيد بن جبير : هي التوبة المقبولة ; ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط : خوف ألا تقبل ، ورجاء أن تقبل ، وإدمان الطاعات . وقال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم . وقال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، وإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئ الخلان . وقال سفيان الثوري : علامة التوبة النصوح أربعة : القلة والعلة والذلة والغربة . وقال الفضيل بن عياض : هو أن يكون الذنب بين عينيه ، فلا يزال كأنه ينظر إليه . ونحوه عن ابن السماك : أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك . وقال أبو بكر الوراق : هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت ، وتضيق عليك نفسك ; كالثلاثة الذين خلفوا . وقال أبو بكر الواسطي : هي توبة لا لفقد عوض ; لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة ; فتوبته على حفظ نفسه لا لله . وقال أبو بكر الدقاق المصري : التوبة النصوح هي رد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات . وقال رويم : هو أن تكون لله وجها بلا قفا ، كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه . وقال ذو النون : علامة التوبة النصوح ثلاث : قلة الكلام ، وقلة الطعام ، وقلة المنام . وقال شقيق : هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة ; لينجو من آفاتها بالسلامة . وقال سري السقطي : لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين ; لأن من صحت توبته أحب أن يكون الناس مثله . وقال الجنيد : التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا ; لأن من صحت توبته صار محبا لله ، ومن أحب الله نسي ما دون الله . وقال ذو الأذنين : هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح ، وقلب عن المعاصي جموح . وقال فتح الموصلي : علامتها ثلاث : مخالفة الهوى ، وكثرة البكاء ، ومكابدة الجوع والظمأ . وقال سهل بن عبد الله التستري : هي التوبة لأهل السنة والجماعة ; لأن المبتدع لا توبة له ; بدليل قوله صل الله عليه وسلم : حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب . وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه . وأصل التوبة النصوح من الخلوص ; يقال : هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع . وقيل : هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة . وفي أخذها منها وجهان : أحدهما : لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه . والثاني : لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم ; كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض . وقراءة العامة نصوحا بفتح النون ، على نعت التوبة ، مثل امرأة صبور ، أي توبة بالغة في النصح . وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم ; وتأويله على هذه القراءة : توبة نصح لأنفسكم . وقيل : يجوز أن يكون نصوحا ، جمع نصح ، وأن يكون مصدرا ، يقال : نصح نصاحة ونصوحا . وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر ، نحو الذهاب والذهوب . وقال المبرد : أراد توبة ذات نصح ، يقال : نصحت نصحا ونصاحة ونصوحا .
الثانية : في الأشياء التي يتاب منها وكيف التوبة منها . قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين . فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها . وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة . وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به . وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به . فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص . وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له ، قال الله تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان . وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه . وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم . وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم ; حسب ما تقدم بيانه . وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم . وإن رفعوا إليه فقالوا : تبنا لم يتركوا ، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا . هذا مذهب الشافعي . فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينا كان أو غيره - إن كان قادرا عليه ، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه . وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتي ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه . وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه - عرفه بعينه أو لم يعرفه - فذلك صحيح . وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق ، أو غمه أو لطمه ، أو صفعه بغير حق ، أو ضربه بسوط فآلمه ، ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه ، عازما على ألا يعود ، فلم يزل يتذلل له حتى طابت نفسه فعفا عنه ، سقط عنه ذلك الذنب . وهكذا إن كان شانه بشتم لا حد فيه .
قوله تعالى : عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم عسى من الله واجبة . وهو معنى قوله عليه السلام : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " . و " أن " في موضع رفع اسم عسى .
قوله تعالى : " ويدخلكم " معطوف على " يكفر " . وقرأ ابن أبي عبلة " ويدخلكم " مجزوما عطفا على محل عسى أن يكفر . كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار .
يوم لا يخزي الله النبي العامل في " يوم " : يدخلكم أو فعل مضمر . ومعنى " يخزي " هنا يعذب ، أي لا يعذبه ولا يعذب الذين آمنوا معه .
نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم تقدم في سورة " الحديد " .
يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين ; حسب ما تقدم بيانه في سورة " الحديد " .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التفسير الموضوعي لسورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الموضوعي لسورة التحريم   التفسير الموضوعي لسورة التحريم Emptyالجمعة 20 يونيو 2014, 8:10 pm

التفسير الموضوعي لسورة التحريم 
أ. د. مصطفى مسلم


بين يدي السورة:
1- أسماؤها: تسمى سورة التحريم
وتسمى سورة النبي [1].
وتسمى سورة (لم تحرم).
وتسمى سورة (اللِّم تحرم) بتشديد اللام.
والتسميتان الأخيرتان من قبيل تسمية السورة بأول كلمة فيها، ولا يشترط في ذلك ورود نص أو أثر عن الصحابة والتابعين.
 
2- عدد آيات سورة التحريم اثنتا عشرة آية بالاتفاق
وعدد كلماتها مائتان وسبع وأربعون كلمة، وحروفها ألف ومائة وستون حرفاً كحروف سورة الطلاق.
 
3- مرحلة النزول
سورة التحريم من السور المدنية، التي نزلت في مرحلة متأخرة، فقد ذكر في بعض روايات أسباب النزول أسماء لأمهات المؤمنين، ولم يكن رسول الله - صل الله عليه وسلم -  بنى بهن إلا في مرحلة متأخرة كزينب بنت جحش، وصفية بنت حيي وجاريته مارية القبطية رضوان الله عليهن جميعاً.
 
وكذلك ما ورد في كلام عمر بن الخطاب ما يتعلق باستعداد غسان لغزو المسلمين يدل على أنها نزلت في هذه المرحلة المتأخرة، فاحتكاك المسلمين بالقبائل والشعوب على أطراف الجزيرة العربية لم يكن إلا بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة ففي هذه المرحلة كانت آيات الذكر الحكيم تنزل لتوطيد دعائم المجتمع الإسلامي في الداخل، وامتداد آفاق الدعوة الإسلامية إلى الخارج فنزلت سورة الجمعة والحجرات والطلاق والتحريم والتوبة.
 
4- أسباب نزولها:
أ- روى الإمام البخاري في صحيحه - في عدة مواضع في كتاب التفسير:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صل الله عليه وسلم - يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيّنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير؟
 
إني أجد منك ريح مغافير[2]، قال: ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحداً، فنزلت ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1] إلى قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4].
 
ب- وردت روايات أخرى في سبب النزول منها ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره[3] وعبد الرزاق الصنعاني في تفسيره[4] ولم تصح رواية منها كما يقول ابن كثير في تفسيره[5] لذا نقتصر على ما ورد في الصحيح.
 
5- محور سورة التحريم: معالم وهدايات في تربية الأسرة المسلمة
 
6- المناسبات في سورة التحريم:
أ- المناسبات بين سورة التحريم وسورة الطلاق:
♦ المناسبات بين السورتين جلية فكلتا السورتين تتناولان المشكلات الزوجية وعلى الأخص مشكلة الطلاق وما يترتب عليها من تصرفات يقول الإمام الفخر الرازي: أما بما قبلها فذلك لاشتراكهما في الأحكام المخصوصة بالنساء، واشتراك الخطاب بالطلاق في أول تلك السورة مع الخطاب بالتحريم في أول هذه السورة.....)[6].
 
♦ أما البقاعي فيربط بين آخر سورة الطلاق وأول سورة التحريم حيث ختمت سورة الطلاق بعلم الله المحيط بما في السماوات والأرض ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]
 
ذكر في أول سورة التحريم عن علمه الذي أحاط بما جرى بين رسول الله - صل الله عليه وسلم - وبعض أزواجه: فيقول (لما ختم سبحانه وتعالى الطلاق بإحاطة علمه، وتنزل أمره بين الخافقين في تدبيره، دل عليه هذه بإعلاء أمور الخلق بأمر وقع بين خير خلقه وبين نسائه اللاتي من خير النساء)[7].
 
♦ لما تحدثت سورة الطلاق عن الأحكام المترتبة على إيقاع الطلاق من عدة ونفقة وسكن وإرضاع، جاء في سورة التحريم التهديد بالطلاق لتعلم كل من شملها التهديد أن هنالك مشكلات تنتظرها إن وقع عليها الطلاق، وفي ذلك تربية بالإيحاء، فمن أقسى الأمور على نفس المرأة تهديدها بالطلاق وتذكيرها بما يترتب عليه من هدم لعش الزوجية وتشريد وعوز.
 
ب- المناسبة بين افتتاحية سورة التحريم وخاتمتها:
افتتحت سورة التحريم بأمرين واختتمت بإشارتين إليهما
الأمر الأول يقول البقاعي:
وقد أتم سبحانه الأمثال في الآداب بالثيبات والأبكار الأخيار والأشرار فانعطف آخر السورة على أولها في المعاني والآداب، وزاد ذلك حسنا كونها في النساء في الذوات والأعيان بزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لآسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران في الجنة دار القرار السالمة عن الأكدار، الزواج الأبدي، فصار أول السورة وآخرها في أزواجه - صل الله عليه وسلم -[8].
 
الأمر الثاني:
افتتحت السورة بالحديث والتهديد للمتظاهرتين وهما قرينتا أحب خلق الله إلى الله وأشارت الخاتمة إلى زوجي نبيين عندما خالفتاهما في العقيدة ﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]
 
فلن ينفعهما قربهما من الصالحين- وفي ذلك إشارة وتهديد- يقول صديق خان (....يلوح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله فإن ذلك لا يغني عنهما شيئاً) [9].
 
ج- المناسبة بين اسم السورة ومحورها:
حادثة تحريم رسول الله - صل الله عليه وسلم - العسل على نفسه بمعنى الامتناع منه إرضاء لزوجاته جعلت منطلقاً لبيان معالم وهدايات تتعلق بالأسرة، فعادة القرآن الكريم في كثير من المواضع، ذكر جزئية أو حادثة معينة، ثم الانطلاق منها أو التوسع في تربية الأفراد أو الجماعات على ضوء الحادثة الجزئية.
 
وسنورد مزيداً من المناسبات بين محور السورة ومقاطعها، وبين كل مقطع والمقطع السابق له عند الحديث عن المقاطع استقلالاً.
 
 
المقطع الأول (عتاب ومغفرة ):
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1].
 
تأتي عتابات الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم في ألطف العبارات وأرقها، فقد جاء عتابه بشأن حادثة عبد الله بن مكتوم وعتابه في شأن أخذ الفداء من أسرى بدر بصيغة الغائب تجنباً للصدمة - وزاد في إباحة الفداء مباشرة ووصف الأخذ بالحلال الطيب وختم العتاب بالنص على المغفرة والرحمة-  وفي عتابه بعد إذنه للمنافقين بالتخلف يوم العسرة قدم ذكر العفو قبل ذكر العتاب تكريماً وتطميناً ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 43].
 
وفي هذا المقطع نجد العتاب بدأ بالنداء بوصف النبوة وفيه من التشريف والتطمين على أن ما يذكر بعد لا يؤثر على مقامه العالي فهو النبي المكرم. ثم يأتي العتاب في صيغة سؤال تلطف ﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1] ثم ذكر السبب الدافع للتحريم  ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾[التحريم: 1].
 
وهذا السبب غير معتبر في الامتناع وليس فيه مصلحة عامة ولا خاصة لأنه مبني على الغيرة بين الأزواج ولا اعتبار لها في التشريعومما خفف العتاب أيضاً هنا تذييل الآية بذكر المغفرة والرحمة
 
المناسبة بين افتتاحية السورة ومحورها:
افتتاحية السورة وثيقة الصلة بالمحور فرسول الله - صل الله عليه وسلم - وهو قدوة الأمة يعلم ويعاتب ولا يقرُّ على بعض اجتهاداته وفي كل ذلك معالم تربوية للأمة.
 
دروس وعبر من المقطع الأول:
أ- أقوال رسول الله - صل الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته مصدر تشريع للأمة لذا كانت المبادرة إلى تنبيه أن الامتناع عن المباح لغير مصلحة معتبرة سابقة تشريعية قد تؤدي إلى حرج الأمة فكان الأمر بالرجوع عن هذا الموقف الاجتهادي.
 
ب- عظيم مكانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ربه، ففي كل مقام هضم رسول الله - صل الله عليه وسلم - حظ نفسه إشفاقاً على من حوله، أو تواضعاً أو إيثاراً لرغبات غيره، تولى الله سبحانه وتعالى الدفاع عنه وعلمهم الأدب اللائق والتصرف الذي يتناسب مع مقام النبوة كما في افتتاحية سورة الحجرات، وتقديم الصدقة بين يدي نجواه في سورة المجادلة وعدم مناداته باسمه المجرد كما في سورة النور، وعدم إحراجه في بيته في أوقات راحته كما في سورة الأحزاب.
 
جـ- إن للكلمة في الإسلام وزنا، فلا ينبغي أن تخرج من فم صاحبها إلا ويعرف مكانها في ميزان الشرع هي له أو عليه، وباب الاستغفار والإنابة مفتوح لمن أراد الرجوع عنها، وإن تضمنت وعداً أو التزاماً في مستقبل الأيام كانت الكفارة والتحلل كل ذلك يرفع من شفافية الكلمة عند المؤمن، يقول رسول الله - صل الله عليه وسلم -: من حلف على شيء ثم رأى خيراً منه فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير[10] ويقول: "إن المرء ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في نار جهنم"[11].
 
المقطع الثاني (إفشاء سر الزوجية وعواقبه ):
﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم: 3 - 5]
 
المناسبة بين المقطع الثاني والذي قبله:
علاقة هذا المقطع بما تقدمه كالتفصيل للإجمال، فإن النفوس تتطلع إلى معرفة أسباب العتاب لرسول الله - صل الله عليه وسلم -، وتفاصيل ما جرى بينه وبين أزواجه.
 
المعنى الإجمالي للمقطع:
كعادة القرآن الكريم في التركيز على جوانب معينة من الأحداث مما له شأن في التوجيه والتربية، نجد أنه أهمل الحديث عن الشيء الذي حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسه، كما أهمل ذكر الشيء الذي أسره إلى بعض أزواجه ولم يتحدث عن جوانب الحديث الذي عرف به والجانب الذي أعرض عنه، إنما كان التركيز على إيداع السر وإفشائه وإطلاع رسول الله - صل الله عليه وسلم - على ذلك وكشفه جوانب منه، ولم يستقص ترفقاً وتكريماً وإبقاءً.
 
♦ فما استقصى كريم قط – واستغراب المستكتمة قولها ﴿ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا ﴾ [التحريم: 3].
 
وكل ما ذكر هنا من نقاط موطن عظات وعبر ومنطلقات للتوجيه والتربية.
 
ثم يفتح باب التوبة للمتظاهرتين اللتين كانتا السبب المباشر في امتناع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شرب العسل عند زينب بنت جحش، وكان شيئاً يحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعندما اتفقتا على حرمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، فقد مالت قلوبهما إلى ما يكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الميل كاف لأن يوجه إليهما الإنذار والوعيد الشديد، فإن تابتا غفر الله لهما وإن استمرتا على موقفهما من الإصرار على ما يكرهه رسول الله - صل الله عليه وسلم -، فإن الله في صف رسوله وناصره، ومع رسول الله جبريل وصالح المؤمنين بما فيهم أبوا المتظاهرتين والملائكة جميعاً فهل لهم قبيل في المجابهة والعناد؟!
 
ولم يكتف بالإنذار والوعيد للمتظاهرتين بالعقوبة الآجلة، بل جاء الوعيد بعقوبة.
 
عاجلة وهي الطلاق والاستبدال بهن خيراً منهن في الصفات الخُلقية والخِلقية ولا شك أن من أعظم المصائب على المرأة وأشدها أثراً على نفسها، إخراجها من عش الزوجية التي بنت لبناته من عواطفها، ونسجت خيوطها من ذكرياتها، وأشد من ذلك أن ترى أن غيرها حلت محلها في قلب زوجها واستمتعت بما كانت تستحوذه من مملكتها الخاصة.
 
ومن خلال التهديد بالاستبدال بهن أزواجاً خيراً منهن تأتي الصفات التي كانت سبب الخيرية فيهن: فهن مستسلمات لأوامر الله ورسوله، مؤمنات بما ينتظر المطيعات لأمر رسول الله - صل الله عليه وسلم - من المثوبة في الآخرة، مما جعلهن يلتزمن الطاعة، وإن بدر منهن شيء ووقعن في التقصير، تبن إلى الله ورسوله وندمن على ما وقع منهن، وعدن إلى العبادة وهجرن المخالفات والتقصير والتزمن النهج السوي هذه صفاتهن المعنوية وأخلاقهن وزيادة في تكريم رسوله سيكون منهن البكر والثيب فالبكر أنقى أفواها وعروبة تتحبب إلى الزوج، والثيب أوسع خبرة في خدمة الزوج وتوفير الراحة له.
 
المناسبة بين المقطع الثاني ومحور السورة:
لاشك أن هذا المقطع شديد الصلة بمحور السورة فقد اشتمل على أحكام وآداب وأساليب تربوية في غاية الجمال وسنتطرق إلى جملة منها في الدروس والعبر.
 
دروس وعبر من المقطع الثاني:
1- قوام الحياة الزوجية على الثقة المتبادلة بين الزوجين، ومما يدعم هذه الثقة ويوطد أركانها كتمان أحدهما لسر الآخر وعدم إفشائه وعند وقوع ما يخدشها فالعتاب الرقيق والمحاسبة الجزئية على بعض المآخذ، كفيل بإعادة المياه إلى مجاريها ويجتنب الاستقصاء والإلحاف في المساءلة والمعاقبة (فما استقصى كريم قط).
 
2- الطلاق شديد الوقع على نفوس أهل البيت جميعاً، ولكن الطرف الأكبر ضرراً وتأثراً هي المرأة، فهي ترى في الطلاق هدم لعش الزوجية الدافئ، وتدمير لمملكتها وعرشها التي تتربع عليه، وقطع لوشائح المودة التي نسجت خيوطها من عواطفها ومشاعرها ومما يضاعف التأثر والإزعاج لها إذا علمت أن أخرى ستحل محلها، وتكون خيراً منها وأقرب إلى قلب زوجها.
 
3- تكريم أمهات المؤمنين باستخدام ألطف العبارات وأخفها عند تهديدهن بالطلاق والاستبدال حيث جاء التعبير بـ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ﴾ [التحريم: 5] ودلالة عسى تفيد الترجي[12] أولاً ثم علق هذا الترجي بشرط - إن طلقكن - واستخدم في الشرط حرف - إن - وهو يفيد التشكيك بخلاف- إذا - التي تفيد تحقق الوقوع.
 
4- خير الأزواج ما توفر فيهن الصفات المذكورة في الآية الكريمة ﴿ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ [التحريم: 5].
 
فعندما هددت أمهات المؤمنين بالاستبدال بهن غيرهن خيراً منهن جاء تفصيل الخيرية في الصفات السبع التي ذكرت في الآية وكلها صفات تدل على المستوى الإيماني الرفيع والأخلاق النبيلة وإيثار الآخرة على الفانية وكأنها تفصيل لما رغب فيه رسول الله - صل الله عليه وسلم - "فاظفر بذات الدين تربت يداك"[13]
 
المقطع الثالث (الرعاية مسؤولية ومكافأة):
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التحريم: 6، 9].
 
المناسبة بين المقطع الثالث وما قبله:
بعد التهديد والوعيد للمتظاهرتين إن لم تتوبا عما وقع منهما، يأتي في هذا المقطع الدلالة على طرق الوقاية من الوقوع في غضب الله وعذابه، وتذكر الأساليب التربوية المختلفة لحماية الأسرة والمجتمع من الانحراف والضياع وهو أسلوب قرآني كثير الورود والدوران بأن تتخذ حادثة نقطة انطلاق للتعميم والتوسع لتشمل الهدايات المجتمع الإسلامي بل والإنسانية كلها فمن حادثة المتظاهرتين إلى مخاطبة الكافرين والناس عامة.
 
المعنى الإجمالي للمقطع:
لقد شبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسؤولين عن غيرهم بالرعاة، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..." [14] وهو تشبيه في غاية الجمال والدقة.
 
فإن الراعي يرتاد لبهيمة الأنعام التي يرعاها المرعى الخصب وكذلك المؤمن الذي يحرص على وقاية أهله من النار فإنه يسعى عليهم بالكسب الحلال.
 
♦ من شأن الراعي أن يداوي مرضاها ويهنأ جرباها....وكذلك رب الأسرة مسؤول عن دفع الأذى عن أهل بيته، يوفر لهم سلامة الأبدان والأديان ويرشدهم إلى الطريق القويم والسلوك المستقيم.
 
♦ والراعي يجنب غنمه المسبعة والمذأبة والمهلكة..ورب الأسرة يجنب أهل بيته مصارع السوء ومباءة الرذيلة والمفاسد الخلقية والمزالق العقدية.
 
ويعطي المؤمن من نفسه القدوة والمثل الأعلى لأهل بيته في حسن الخلق والوقوف عند حدود الله ومحاسبة النفس والمبادرة إلى فعل الطاعات واجتناب المعاصي ويكون في حاجة الصغير مع الإشفاق عليه، ويكون في خدمة الكبير مع التوقير والاحترام له.
 
وأول من يراعي في التوجيه والتربية الأزواج فقد تعددت الآيات الآمرة بحسن العشرة لهن يقول عز من قائل ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19] ويقول رسول الله - صل الله عليه وسلم - "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر"[15].
 
وتأتي في المرتبة الثانية في الرعاية الأولاد، ولما كانت الشفقة على الأولاد تغلب على حال الوالدين جاء التحذير في أكثر من آية من التمادي في تغليب العاطفة على الحكم الشرعي والتوجيه السديد في حقهم.
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التفسير الموضوعي لسورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الموضوعي لسورة التحريم   التفسير الموضوعي لسورة التحريم Emptyالجمعة 20 يونيو 2014, 8:11 pm

تابع ........


التفسير الموضوعي لسورة التحريم 
أ. د. مصطفى مسلم


يقول عز من قائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14].
 
وعلى الأب أن يراعي التوازن بين مهام العمل، والعبادة، والتفرغ للأهل، فيعطي كل ذي حق حقه فكما أن أهل البيت بحاجة للغذاء البدني والملابس للستر والزينة، فإنهم بحاجة إلى إشباع الجانب العاطفي من الحنان والاهتمام، وإلى تلبية حاجة الستر والعفاف، وعليه أن يرضي أنوثة الزوج بالتجمل لها كما يحب أن تتزين له. في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (...بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل فإن لجسدك عليك حظاً ولعينك عليك حظاً وإن لزوجك عليك حظاً...)[16] وكان هذا المنهج المتوازن معلوماً لدى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في حادثة مؤاخاة رسول الله - صل الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء[17].
 
إن مسؤولية المؤمن عظيمة تجاه أهل بيته فهو مسؤول عن وقايتهم جميعاً من اقتحام حفرة النار التي تنتظر المنحرفين عن جادة الصواب. إنه مسؤول عن عباداتهم وادائها على الوجه الصحيح، وعن سلوكهم واستقامته على النهج القويم، وعن أخلاقهم وحسن تعاملهم مع الآخرين...إنهم أمانة في عنقه.وأي إخلال في المسؤولية والرعاية تعقبها محاسبة وجزاء يوم لا ينفع مال ولا بنون.
 
ومن لطائف الإشارات القرآنية أن يأتي بعد خطاب المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم تلك النار الهائلة المذهلة أن يأتي خطاب الكافرين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾ [التحريم: 7] وكأن أي تفريط تجاه الأهل هو كفر أو من أعمال الكافرين فإن وصل التفريط إلى حد رد شرع الله وإنكاره فهو كفر بواح، وإن كان التفريط في الأعمال مع بقاء الاعتراف بما شرع الله في حقهم فهو من أعمال الكفار فإنهم يجازون على ما فرطوا في حق من استرعاهم الله وكلفهم بالقوامة عليهم.
 
ومن الأساليب القرآنية المطردة الجمع بين الترهيب والترغيب، فبعد أن هدد وأوعد من لا يجنب أهل بيته النار وأنهم على خطر الوقوع في الكفر، جاء الترغيب لمن يتدارك تقصيره ويرجع إلى هداية الشرع، ويجزم على اتباع الحق في رعاية الواجبات، والالتزام بالهدايات والقيام بالوفاء بالعهود والمواثيق، وما يترتب عليها، فجاء قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي... ﴾ [التحريم: 8] إنه التكريم على ملأ، إنه النور الذي يشع من قلوبهم وجوارحهم التي استخدموها في الخير والعمل الصالح، ويختم هذا المقطع بتوجيه الأمر إلى رسول الله - صل الله عليه وسلم - أن يتخذ الموقف الذي يتناسب مع كل حالة، فالمنافقون يحتاجون إلى غلظة من القول، وتحذير من العواقب ومجاهدة باللسان أما الكفار فجهادهم بالدعوة إلى الله أولاً فإن أجابوا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإن لم يستجيبوا، فعليهم الابتعاد عن طريق دعوة الله، وأن لا يكونوا عثرة في طريق انتشارها، فإن رفضوا فالجهاد بيننا وبينهم بالقتال. والمؤمن في سعيه في ذلك لا يكون يرجو إلا إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة أما هم فليس لهم إلا الخذلان في الدنيا أو في الآخرة ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73].
 
المناسبة بين المقطع الثالث ومحور السورة:
إن هذا المقطع يشكل العمود الفقري في السورة والعنصر الأساسي في محورها كما سنلقي مزيداً من الضوء على ذلك من خلال الدروس والعبر.
 
دروس وعبر من المقطع الثالث:
1- عظم مسؤولية تجاه من استرعاهم الله سبحانه وتعالى إياه. وعليه أن يحرص على مصلحتهم الدنيوية والأخروية حرصه على مصلحته الخاصة. ولا يكفيه صلاح نفسه ووقايتها من النار فمن شروط وقايتها من النار العمل على ما يقي أهله من النار أيضاً، وربما كانوا سبباً في إقحامه جراثيم جهنم لعدم رعايتهم كما أمر الله وترك الحبل لهم على الغارب في العقائد والأخلاق والسلوك.
 
2- من الأساليب التربوية المطردة في القرآن الكريم عدم التيئيس من رحمة الله وفتح باب التوبة للعائدين إلى الله مهما عظمت الذنوب ومهما كان البعد عن الطريق القويم بل ويبرز فرح ربه بعودة الآبق المتمرد إلى حظيرة الطاعة. فعن أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:  قال رسول الله - صل الله عليه وسلم - لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو به قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح[18].
 
3- من شروط التوبة النصوح التي قال الله سبحانه وتعالى عنها ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
 
♦ الإقلاع عن الذنب.
♦ الندم على فعله.
♦ العزم على عدم العودة إليه. وإن تعلق بحق آدمي فعليه أن يبرأ من حق صاحبه.
 
إن رحمة الله واسعة فلا ييأس مذنب من رحمة ربه ومتى صدق التوجه إلى ربه وجده تجاهه عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صل الله عليه وسلم - قال: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها[19].
 
4- من الأساليب التربوية الإشادة والتكريم على ملأ، فإن القيمة المعنوية للمكافأة أو الجائزة قد تكون أعظم من قيمتها المادية. فالتكريم على ملأ من وجهاء الناس يشعر المستحق للجائزة بمزيد من الاحترام والتقدير. هذا ما نستشفه من مكافأة التائبين المنيبين إلى ربهم، فلم يكتف بتكفير السيئات لهم، وإدخالهم الجنة، وإنما يأتي هذا التكريم في موكب كريم مهيب يشهده الأنبياء والمرسلون والشهداء والصالحون، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، على قدر إيمان كل منهم. وما أن يقتربوا من أبواب الجنة حتى تستقبلهم الملائكة بالحفاوة والتكريم ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73].
 
إنها السعادة الآخروية التي لا تضاهيها سعادة.
 
5- من الأساليب التربوية الغلظة أحياناً على من يرعاهم ويوجههم. وعدم الانسياق مع رغباتهم وتلبية مطالبهم، فإن الإكثار من التلطف معهم يجعلهم يتطلعون إلى الإكثار من المباحات بل والتجاوز إلى المكروهات والمحرمات وأسلوب الغلظة يتناسب مع الشخص والفئة التي تحتاج إلى الموعظة والتوجيه.
 
♦ فالأسلوب المتبع مع الأهل - الزوجة والأولاد - الترغيب والترهيب والموعظة الحسنة ولو بتقديم الهدايا والمنح.
 
♦ والأسلوب المتبع مع المنافقين التخويف بالنار والإنذار والغلظة في القول ببيان سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
 
♦ والأسلوب المتبع مع الكفار المستأمنين وأهل الذمة بالدعوة تارة، ورعاية مصالحهم أحياناً ومجادلتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كثيراً.
 
♦ والأسلوب المتبع مع الكفار المحايدين بالدعوة والحجج والبراهين.
 
♦ والأسلوب المتبع مع الكفار المحاربين الدعوة ثم التخيير بين الجزية والقتال.
 
إن المربي الحصيف يستخدم الوسيلة الأمثل للوصول إلى التأثير في نفس المخاطب.
 
المقطع الرابع (العظات والعبر من سير الأقدمين):
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 10 - 12].
 
المناسبة بين المقطع الرابع والذي قبله:
يأتي هذا المقطع بعد التهديد والوعيد والأمر بالغلظة على الكفار والمنافقين، وربما توهم بعض الكفار الذين كانت لهم قرابات بالمسلمين أنها تنفعهم، كما أن للمسلمين قرابات مع الكفار فربما توهموا أنها تضرهم، فضرب لكل طائفة مثلاً.
 
المعنى الإجمالي للمقطع:
إن مبدأ المسؤولية في الإسلام فردية ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]. إن لم يكن الفرد سبباً في تصرفات الآخر، فإن النسب لا يقدم ولا يؤخر إذا خالفه الاعتقاد والعمل. إن القرب من الصالحين مع مخالفة المعتقد لا ينفع، وكذلك الاقتران بالسيئين لا يضر ما دام لا مودة ولا ولاء يجمعهما.
 
وقد سيق مثلان من قصص الأقدمين على ذلك، فامرأة نوح عليه السلام خانته في العقيدة ولم تؤمن به وكانت عوناً لقومها على تسفيه رأيه بل أثرت على تربية ولدها ليتمرد على أبيه فلا يركب معه السفينة. ولا شك أن دور المرأة ذو أثر فعال في التربية داخل البيت وذو تأثير على المدعوين من خارج البيت، لأن الناس البعداء يقولون لو كان هذا الداعي صادقاً لصدقه أهل بيته فهم أعلم الناس به.
 
ونظيرتها امرأة لوط التي كانت تدل على أضياف زوجها وتخبر القوم عنهم فلم تحافظ على أسرار البيت الذي انتسبت إليه.
 
وفي ذكر هاتين الامرأتين تنبيه مبطن للمتظاهرتين وتحذير لهما من الاغترار بغناء الصلة الشريفة عنهما في الوفاء بحق ما يجب من الإخلاص للنبي - صل الله عليه وسلم -. فعن مقاتل: يقول الله سبحانه وتعالى لعائشة وحفصة لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في العصية، وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم، فالله يحقق وعيده ولا يمنعه من ذلك أنها زوجة نبي[20].
 
ومن المهم الالتفاف إلى أن خيانة الامرأتين لم تكن خيانة زنا وإنما خيانة في الدعوة والعقيدة فنساء الأنبياء معصومات عن الفاحشة لعصمة الأنبياء وحرمتهم، كما ورد عن ابن عباس وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم. ولا يقال كيف يصح الزواج بكافرة على غير دين الزوج؟ فإن في شريعتنا جواز التزوج بالكتابيات وهن كافرات ومصيرهن إلى النار في عقيدتنا إن متن على ملة النصرانية أو اليهودية.
 
والمثل الثاني الذي ضرب في هذا السياق لامرأتين، الأنموذج الأول امرأة فرعون التي تجسد في شخصيتها الشموخ والتسامي عن ملذات الدنيا ومتعها وأبهتها، وركلت كل ذلك برجلها وضحت في سبيل عقيدتها بالدنيا وما فيها لتظفر بما عند الله ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
 
يقول رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد. وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ))[21].
 
والأنموذج الآخر الذي ضرب به المثل من النماذج الحسنة مريم ابنة عمران عليها السلام إنها تمثل أنموذج الفتاة الصالحة التي نشأت في بيت الطاعة وفي بيئة صالحة في كنف نبي من أنبياء الله تعالى زوج خالتها نبي الله زكريا عليه السلام حيث قام بكفالتها ورعاية شؤونها إنها مثال النبل والطهر والعفاف والتقوى منذ نعومة أظفارها فكان تكريم الله تعالى أن يجعلها وابنها آية للناس ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91].
 
المناسبة بين المقطع الرابع ومحور السورة:
إن أكثر مزالق المرأة بالمال والزينة والجاه والتباهي بالمكانة الاجتماعية أو تكون بشهوة الفرج والانسياق وراء الغريزة البهيمية في الجنس.
 
والأنموذجان الصالحان يمثلان المترفعات عن هذين المنزلقين فاستحقا التكريم وخلود الذكر والثناء إلى يوم الدين. فالمناسبة بين المقطع ومحور السورة واضحة وثيقة، حيث التربية بضرب المثل بالنماذج المنحرفة لاجتناب التشبه بها وضرب المثل بالنماذج الصالحة للإقتداء بها.
 
دروس وعبر من المقطع الرابع:
1- من الأساليب التربوية سوق النماذج الإنسانية التي تتمثل فيها المباديء والقيم، فالقضايا الفكرية إذا ذكرت بشكل نظري تأتي باهتة لا تثير الأحاسيس ولا تطلق المشاعر، وقد يظن أنها غير قابلة للتطبيق في واقع الحياة، ولكن إذا عرضت من خلال سيرة أناس تمثلوها في حياتهم وعاشوها واقعاً عملياً لا شك أنهم سيكونون قدوة لمن بعدهم.
 
من يتصور أن تخون امرأة عقيدة زوجها وهي تعايشه ليلاً ونهاراً، والأصل فيها أن تكون مكمن سر الزوج ومستودع أماناته، وأن يجد الزوج عندها السلوة والعزاء في ما يلاقيه من عنت الناس وإيذائهم، ولكن صنفاً من البشر يبرز من خلال هذا الأنموذج السيء – امرأة نوح وامرأة لوط – لتتقرر الحقيقة الربانية: أن القرب من الصالحين لا ينفع من لم يهد الله قلبه للإيمان، فلا عبرة بالقرب المكاني أو النسبي ما لم يكن قرب في العقيدة والقلب وبالمقابل إن مباديء الرفعة والتسامي على متع الدنيا وزينتها وحطامها والرغبة في ما عند الله وإيثار الباقية على الفانية، تحفظ لأصحابها المكانة عند الله، ولا عبرة بالقرب من أهل السوء ما دام الفاصل الشعوري يبعدهم عن بعضهم وكذلك معاني العفة والطهر والنبل والكرامة والتي تتمثل في الأنموذجين الصالحين، امرأة فرعون ومريم ابنة عمران﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43].
 
 
2- إن في سير الأقدمين سلوة للدعاة في كل عصر كثيراً ما يعيَّر الدعاة إلى الله بأبنائهم ونسائهم وأقربائهم، لأنهم لا يلتزمون دعوة ولي أمرهم، ويحمِّلون الداعية مسؤولية ذلك نعم تكون المسؤولية عليه إن لم يبذل الجهد لإصلاحهم ولم يلتفت إليهم ولم يبين لهم الحق الذي يحمله للناس.
 
أما إذا بذل كل ذلك فلم يستجب له فلا ملامة عليه وهذا نوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل، ولوط عليه السلام نبي مرسل لم يستطيعا حمل أزواجهما على الهداية ولئن كانت سيرة نبي الله نوح ولوط عليهما السلام غير معروفة لنا بالتفصيل فإن سيرة رسول الله محمد - صل الله عليه وسلم - مع عميه أبي طالب وأبي لهب معروفة بوقائعها فقد تحقق فيهما سنة الله وحكمته ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56].
 
اخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبي - صل الله عليه وسلم - فقال: "يا عماه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله يوم القيامة0 فقال لولا أن تعيرني قريش، يقولون: ما حمله عليها إلا جزعه من الموت لأقررت بها عينك"، فانزل الله ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾[22] الآية.
 
إذن لا ملامة على الدعاة إن وجد في أسرهم من لا يلتزم دعوته، أو يحاربها، كما أنه قد يوجد في بيئة علم وصلاح من يغلب عليه الجهل والفساد فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
 
3- دور المرأة في الدعوة وتحمل أعبائها وتمثل المباديء في سيرتها الخاصة والعامة بارز في القصص القرآني، وفي أحداث سيرة رسول الله - صل الله عليه وسلم - وعلى الدعاة في العصر الحاضر أن يلتفتوا إلى هذا العنصر الهام في الدعوة ولا يغفلوه.
 
لقد اتخذ أعداء الإسلام ما سموه حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وغير ذلك من المزاعم مطية لمحاربة الإسلام وأهله، والآن يمارسون ضغوطاً هائلة على الحكام في بلاد المسلمين لتغيير ثقافة الأمة ومناهج التعليم، ومنطلقاتهم الأساسية في ذلك المرأة.
 
إن تهيئة المرأة المسلمة الداعية إلى الله، البصيرة بأحكام شرع ربها، الواعية لمخطط أعداء الإسلام السلاح الذي ينبغي أن تجابه به مخططات أعداء الإسلام.
 
وفي فتيات المسلمين ونسائهم من لا يقل وعياً وتضحية عن نساء السلف الصالح إن الأمر يحتاج إلى تخطيط وتوجيه لا غير.
 
الخاتمة:
لم تحظ مؤسسة اجتماعية في المجتمع الإسلامي بما حظيت به الأسرة في القرآن الكريم ولا غرابة في ذلك فهي اللبنة الأولى التي يتكون منها صرح المجتمع الإسلامي فمنها تستمد المجتمع قوته ونقاءه وصلابته، وضعفها يسبب ضعف المجتمع وتآكله وانهياره فلا غرابة أن نرى آيات القرآن الكريم تساير تكوين الأسرة من يوم الاختيار والخطبة إلى توثيق عرى النكاح وبيان حقوق الزوجين، ثم التعرض للعلاقة بينهما وبين ثمرة لقائهما وهم الأولاد.
 
ويضع الحلول المناسبة للمشكلات التي تنشأ بين أفراد العائلة إلى أن تنتهي العلاقة الزوجية طلاقاً أو وفاة، ثم تصفى هذه العلائق بالحقوق المادية والمعنوية لكل فرد من أفرادها.
 
لقد عرضت لنا سورة التحريم أحداثاً وثيقة الصلة بالأسرة بل أحداثاً تتعلق بأطهر بيت وأشرفه، بيت هو مصدر تشريع الأمة لتأخذ الأمة العظات والدروس مما كان يجري لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أمهات المؤمنين، وما كان يؤمرن به من توجيهات تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قدوة الأزواج المؤمنين، والتوجيه إلى الإنابة إن وقع منهن ما يدعو إلى التوبة والاستغفار والتلويح لهن أن قربهن من رسول الله - صل الله عليه وسلم - لا يشفع لهن إن خالفهن هديه وتشريعه.
 
ومن تلك الحوادث الجزئية يكون التوجيه العام للمؤمنين وبيان مسؤوليتهم عمن استرعاهم الله من الأهلين، وذكر ما ينتظرهم من العقوبة في حال التقصير وما ينتظرهم من تكريم في حال قيامهم بمسؤولياتهم.
 
ثم بيان سنة الله سبحانه وتعالى في المسؤولية الفردية، فلا ينفع القرب من الصالحين ما لم تختلط القلوب بشاشة الإيمان، ولا يضر القرب من الطالحين ما دام القلب عامرا بحب الله ورسوله، وما دام صاحبه يتطلع إلى جوار ربه ويترفع عن سفاسف الدنيا وزينتها.
 
لقد عشنا مع سورة التحريم وأساليبها التربوية التي جمعت بين التصريح والتلميح وبين الوعد والوعيد والخوف والرجاء وكل ذلك كان الهدف منه الأسرة الإسلامية وشؤونها.
 
والحمد لله أولاً وآخراً.
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التفسير الموضوعي لسورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الموضوعي لسورة التحريم   التفسير الموضوعي لسورة التحريم Emptyالجمعة 20 يونيو 2014, 8:12 pm

فهرس المصادر والمراجع




المتسلسل
الكتاب
المؤلف
1-
الإتقان في علوم القرآن
السيوطي
2-
التحرير والتنوير
الطاهر بن عاشور
3-
تفسير القرآن
الصنعاني
4-
تفسير القرآن العظيم
ابن كثير
5-
جامع البيان
الطبري
6-
الجامع الصحيح
الإمام البخاري
7-
الجامع الصحيح
الإمام الترمذي
8-
الجامع الصحيح
الإمام مسلم
9-
الجامع لأحكام القرآن
القرطبي
10-
حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة
صديق خان
11-
مسند
الإمام أحمد
12-
مفاتيح الغيب
الرازي
13-
منار الهدى
الأشموني
14-
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
البقاعي
15-
النهاية في غريب الحديث والأثر
ابن الأثير









[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18/177  ونظم الدرر للبقاعي 20/179 .
الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/55  وتفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 28/343
منار الهدى للأشموني ص284
[2] مغافير : بغين معجمة، وفاء بعدها ياء وراء، جمع مغفور بالضم كعصفور، صمغ حلو له رائحة كريهة، ينفحه شجر  يقال له : العرفط بضم العين المهملة والفاء، يكون بالحجاز له رائحة كرائحة الخمر انظر النهاية لابن الأثير 4/374.
[3] جامع البيان للطبري 28/100.
[4] تفسير القرآن للصنعاني 2/302.
[5] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/386.
[6] التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي) 30/41
[7] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي 20/179
[8] نظم الدرر 20/215.
[9] حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة ص104.
[10] صحيح مسلم الحديث رقم (1650) كتاب الأيمان 5/85.
[11] صحيح البخاري الحديث (6133).
[12] يقول اللغويون كل (عسى) من الله تفيد تحقق الوقوع إلا في هذا الموضع.
[13] صحيح البخاري الحديث رقم (4802) كتاب النكاح 6/123 وصحيح مسلم الحديث رقم (1466)- كتاب الرضاع 4/175.
[14] صحيح البخاري الحديث رقم (853) كتاب الجمعة 1/415 0 وصحيح مسلم الحديث رقم (1829) كتاب الإمارة 6/8.
[15] صحيح مسلم الحديث رقم (1469)0 كتاب الرضاع ومعنى يغرك : يبغض النهاية 3/4411
[16] صحيح مسلم الحديث رقم (1159) كتاب الصوم 3/166.
[17] انظر صحيح البخاري الحديث رقم (1968) كتاب الصوم 2/243.
[18] صحيح مسلم الحديث رقم (2747) كتاب التوبة 8/93 وقريب منه في صحيح البخاري الحديث رقم  (6308) كتاب الدعوات 7/146.
[19] مسند أحمد الحديث رقم (19547) وصحيح مسلم الحديث رقم (2759) كتاب التوبة 8/100.
[20] انظر التحرير والتنوير باختصار 28/374.
[21] صحيح البخاري الحديث رقم (3558) كتاب الأنبياء 4/132.
[22] صحيح مسلم الحديث رقم (25) وسنن الترمذي الحديث رقم (3188).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
التفسير الموضوعي لسورة التحريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: القرآن الكريم :: تفسير القرآن الكريم بلغة الإشارة-
انتقل الى: