الكرك في العصر الحديدي
( المملكة المؤابية )
ظهرت خلال العصر الحديدي ثلاث ممالك في الأردن هي: آدوم، مؤاب، عمون وقد ارتبطت هذه الدويلات بطرق التجارة ( الطريق السلطاني ) المار عبر أراضيها.
maishaوقعت خلال هذه الفترة عدة حروب ما بين المؤابيين والإسرائيليين، إلى أن حقق الملك ميشع انتصاراً على الإسرائيليين، وطهر المنطقة من النفوذ الاسرائيلي، وقد دوَن انتصاراته على مسلة عرفت بمسلة ميشع عثر عليها عام 1868 في منطقة ذيبان شمال الموجب، وشهدت هذه الفترة قيام علاقة وثيقة بالآشوريين وازدهار التجارة معهم، وسجلت الحوليات الآشورية أن ملك مؤاب قدم المساعدة لجيش سنحاريب (701 ق.م ) في حروبه ضد الممالك الإسرائيلية، كما شهدت هذه الفترة تعاونا ً مع الدولة الكلدانية (612 ق.م) ، ودلت بعض الشواهد الدينية في بعض المواقع على وجود تعاون تجاري كبير ما بين مؤاب ومصر وبلاد الرافدين.
فرسان مؤاب
فرسان مؤاب
الكرك في العصر النبطي
شهدت بلاد الشام في هذا العصر حروباً عديدة ما بين الفرس والدولة الكلدانية، ووقعت منطقة جنوب بلاد الشام تحت الحكم الفارسي حتى غزو الإسكندر المقدوني للمنطقة سنة (332ق.م )، وازدهرت في هذه الفترة صناعة الأواني الفخارية وخاصة فخار مدين، حيث زينت بالدهان الأحمر والبني، وبعد موت الإسكندر وحكم القائد بطليموس لمصر والقائد سلوقس لبلاد الشام، أصبحت منطقة جنوب بلاد الشام منطقة تنافس وصراع ما بين السلوقيين والبطالسة
وشهدت هذه الفترة عدداً من الثورات ضد السلوقيين في سوريا، كما شهدت ظهور عدد من الإمارات العربية منها أبجر في الرها والمكابية في فلسطين والأنباط في جنوب الأردن، حتى تمكن القائد الروماني بومبي عام(63ق.م ) من فرض سيطرته على بلاد الشام إلا أن دولة الأنباط استطاعت أن تحافظ على نفوذها على جنوب بلاد الشام ( من دمشق إلى إيلة ).
bustdetail[1]
فارس نبطي
ويذكر أن السلوقيين حاولوا السيطرة على البتراء عاصمة الأنباط إلا أن حملتهم بقيادة اثنايوس فشلت عام (312ق.م)، وبعد سيطرة الرومان على المنطقة أبقوا سيادة الأنباط على دولتهم مقابل مبلغ من المال.
وقد تمكن القائد الروماني بومبي عام(63ق.م ) من فرض سيطرته على بلاد الشام ، إلا أن دولة الأنباط استطاعت أن تحافظ على نفوذها على جنوب بلاد الشام ( من دمشق إلى إيلة ) ، إلى عام (106م) وقد ازدهرت منطقة جنوب الأردن في الفترة النبطية من خلال النشاط التجاري واستغلالهم مياه الأمطار في الزراعة، من خلال مهارة عالية في تجميع المياه، وأقيم في هذه الفترة عدد من المعابد الدينية، و الأبراج والتحصينات لحماية الطرق التجارية.
أهم المواقع الأثرية النبطية في الكرك التي تعود إلى هذه الفترة: الكرك، ذات رأس و شقيرا, خربة نشينش، الربة، القصر، و نخل.
الكرك في العصر الروماني
مع بداية القرن الثاني الميلادي تغيرت الحالة السياسية في منطقة جنوب الأردن وذلك مع سقوط الدولة النبطية (106م ) على يد الملك تراجان، وأصبحت الكرك خاضعة للاحتلال الروماني المباشر، ودخلت الكرك ضمن الولاية العربية ومركز إدارتها بصرى في جنوب سوريا، واهتمت الدولة الرومانية بهذه المنطقة وأقامت فيها عددا ً من التحصينات العسكرية، وقامت بتوسعة وصيانة الأبراج السابقة، واهتمت بإنشاء خط من الحصون والأبراج العسكرية في المنطقة الشرقية من الأردن.
وأهم التحصينات الموجودة في الكرك معسكر اللجون الذي أخذ أهمية بالغة في الفترة الرومانية كذلك حصون ( قصر بشير، معسكر الفتيان، برج ابن ياسر، برج أبو ركبة ). وبينت المسوحات الأثرية أن هضبة الكرك شهدت كثافة استيطان عالية وذلك من خلال المواقع الأثرية الكثيرة المتناثرة في محافظة الكرك.
الكرك في خارطة مادبا
الكرك في العصر البيزنطي
( 332-636م )
تمثل التاريخ البيزنطي امتداداً للتاريخ الروماني، حيث بقيت المفاهيم السياسية نفسها ما عدا انتقال مركز الدولة نحو الشرق في القسطنطينية بدلاً من مدينة روما، إضافة إلى انتصار المسيحية على الوثنية لتصبح الديانة الرسمية للدولة.
ظهر انحدار وتدهور في التحصينات العسكرية للدولة البيزنطية منذ القرن الخامس الميلادي وذلك لانشغال الجيش البيزنطي في حماية حدوده الغربية، مما جعل الدولة البيزنطية تعتمد على القبائل العربية في حماية خطوط التجارة وحماية حدودها، وتغيرت فترات النفوذ بين القبائل العربية في المنطقة وخاصة بعد غزو الفرس لبلاد الشام عام (614م)، ومع تحول الدولة إلى الديانة المسيحية نشطت العمارة الدينية متمثلة في بناء عدد كبير من الكنائس والأديرة وتم الكشف في الكرك عن عدد من المواقع التي وجد فيها كنائس ومعابد مثل خربة نخل، عين عباطة، الربة، و العدنانية ويبدو أن بلدة الربة أصبحت المدينة الأساسية المقامة على هضبة الكرك خلال العصر البيزنطي, و تحولت إلى مركز أبرشية بدلاً من مدينة البتراء.
الكرك في خارطة ام الرصاصالكرك في خارطة ام الرصاص
الـكرك والفتوحات العربية الإسلامية
100_9772بدأ تاريخ الكرك في العهد الإسلامي مع غزوة مؤتة 8هـ (629م ) التي تميزت بأنها:
1. أول معركة للرسول صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة العربية، لنشر الرسالة وإنهاء الاحتلال البيزنطي، وهي الغزوة الوحيدة التي لم يحضرها الرسول، صل الله عليه وسلم.
2. وقوف غالبية من قبائل الكرك المسيحيَه آنذاك وبخاصة قبيلة العزيزات مع جيش النبي (ص) ضد الروم ومن وقف معهم من العرب.
3. شكلت الكرك بوابة للفتح الإسلامي خارج الجزيرة العربية.
عاشت منطقة الكرك وجنوب الأردن أثناء فترة الخلافة الراشدة في مرحلة استقرار، ولم تشهد أية اضطرابات كالتي حصلت في العراق والحجاز ودمشق، مما شجع كثيرا ً من العلماء والفقهاء والسياسيين على الاقامة في جنوب الأردن ومن هؤلاء محمد بن الحنفية، و محمد بن عبد الله بن العباس (إيلة، الحميمة) والمؤرخ والمحدث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
واستمر الاستقرار والازدهار في منطقة الكرك وخاصة (إيلة، معان، الكرك، الربة، الحميمة، أذرح ) ونشطت ثقافيا ًوتجاريا ً في الفترة الأموية (634م ـ749م).
واستمر الاستقرار والازدهار خلال القرون الأربعة الأولى من العصر العباسي (749م ـ1098م)، واستخدم عدد من قادة العباسيـين (منهم بلشكين ( 982م ) حصنها المنيع.
الكرك تحت سيطرة الفرنجة (الصليبين)
(1142م ـ 1189م)
مع بداية الحملة الصليبية الأولى ونجاحها في تأسيس عدد من الإمارات في الرها (1097م) وإنطاكية (1098م ) ومملكة بيت المقدس اللاتينية (1099م) وطرابلس (1109م ).
وفي خضم الصراع السياسي والعسكري، كانت القبائل العربية في جنوب الأردن تشن الغارة تلو الغارة على مملكة بيت المقدس، وزادت هذه الغارات بالتعاون مع الفاطميين في مصر واتابكية دمشق السلجوقية.
Image1وكانت بداية الحملات الصليبية على منطقة الكرك بقيادة الملك بلدوين الأول (1100م ـ 1118م )، وبعد أن تسلم الملك فولك الأنجولي الأمر (fulk of Anjou)(1131م)، وسع اهتمامه بقـلعة الكرك, وأمر قائده باجان الساقي (payen) في الشوبك بالانتقال إلى قلعة الكرك وإعادة بنائها وتوسيعها ودعم تحصيناتها، وجعلها مركزه, وقد تم تأسيس بارونية في الكرك تتبع لمملكة بيت المقدس اللاتينية (1142م)، وتولى البارونية بعد باجان ابن أخيه موريس (1157م ـ1160م)، وبعد ذلك حكمها فيليب دي ميللي philipe de milly) ) 1161) م ـ 1168م ).
وقام الفاطميون والزنكيون في هذه الفترة بعدد من المحاولات لتخليص الكرك من يد الفرنجة ولكن كل هذه المحاولات لم تنجح في إخراج المحتلين من القلعة لتحصيناتها الكبيرة.
وقد شكلت بارونية الكرك بقيادة أرناط(Reginald de chatiillon) عام (1176م) خطرا حقيقيا ًعلى الحجاز ومصر وبلاد الشام، وارتبط باسمه أول نجاح كبير للإفرنج على صلاح الدين في معركة الرملة (1177م)، وقد هاجم حماة والحجاز، وبعد عقد هدنة ما بين صلاح الدين والفرنجة عام (1184م)، أغار أرناط على قافلة الحجاج المتوجهين إلى الحجاز. وقد قتل أرناط في معركة حطين(1187م)، وبعد حصار طويل للقلعة استسلم الإفرنج واسترجعها الأيوبيون
( 1188 م).
تأسيس إمارة الكرك الأيوبية
(1188م ـ 1250م)
بعد استرجاع مدينة الكرك، ونظراً لاهتمام السلطان صلاح الدين الأيوبي بها سلمها لأخيه المـــلك العادل، وشملت إمارة الكرك آنذاك مدينة الكرك و الشوبك والبلقاء والسلط، وبدا الملك العادل منذ عام (1188م) بإعادة ترميم القلعة وتحصينها خاصة بعد احتلال الإمبراطــور الألماني فردريك بربروسا مدينة عكا في عام (1191م), وهي بداية الحملة الصليبية الثالثة.
وبعد موت السلطان صلاح الدين تسلم الملك العادل إمارة دمشق وأناب عنه في إمارة الكرك ابنه الملك المعظم عيسى(1195م) الذي أجرى عدداً من الإصلاحات في اتجاهات ثلاثة:ـ
الأول: صيانة عيون المياه والاهتمام بالزراعة وتوطين المتنقلين من أهل المنطقة و إعادة الحرفيـين والصناع للمدينة.
الثاني: صيانة القلعة والأبراج والأسوار والاهتمام بتحصينات المدينة والمناطق المجاورة لها, وبناء قلعة في السلط.
الثالث: معالجة حالة الاضطراب التي شهدها الأمن بعد رحيل الصليبين وخاصة حماية خطوط التجارة وقوافل الحج من قطاع الطرق
وقد حرص الملك العادل وأبناؤه على إيداع كل ما يملكون في قلعة الكرك. وبعد وفاة الملك المعظم عيسى عام (1226م) ورث الإمارة الملك الناصر داود، ولأهمية الكرك عند الأيوبيين وأثناء مفاوضاتهم مع رجال الحملة الصليبية الخامسة(1221م) في دمياط، عرضوا عليهم إرجاع كافة الأراضي التي حررها صلاح الدين قائد الكرك مقابل رحيلهم عن دمياط ما عدا.
ويذكر أن السلطان الملك الكامل حاول إبعاد ابن أخيه الناصر عن إمارة الكرك، وحاول السيطرة عليها أثناء غيابه في دمشق، إلا أن التفاف أهل المدينة حول والدة الملك الناصر أدى إلى هزيمته.
ولكن بعد سنة تم الاتفاق على أن يتنازل الملك الناصر عن حكم دمشق، وان تبقى إمارة الكرك وجميع أعمالها التي كانت تضم (الشوبك، السلط، البلقاء، الأغوار جميعها، نابلس، أعمال القدس، بيت جبريل).
حاول الملك الناصر إضفاء الشرعية على حكمة بأن قام بزيارة الخليفة العباسي المستنصر بالله(1232م)في بغداد في جمع من علماء الكرك وشيوخها، واستقبله الخليفة ولقبه بالوالي المجاهد، و أرسل الخليفة رسله إلى السلطان الكامل يطلب فيها الاعتراف للملك الناصر في حكم الكرك.
في عام(1239) قاد الملك الناصر داود أبناء الكرك وحاصر الفرنجة في بيت المقدس، واستطاع تحريرها بعد ثلاثة أسابيع من الحصار
أصبحت الكرك في عهد الملك الناصر قبلة للعلماء والشعراء والأدباء، فقد عمل الملك الناصر على أذكاء روح الحوار والمناظرة وعقد المجالس العلمية وفتح أبواب الكرك للعلماء ومن بينهم المؤرخ ابن واصل، والمؤرخ سبط ابن الجوزي، و الشيخ عبد الحميد النحوي، و جمال الدين بن الحاجب وغيرهم الكثير.
إمارة الكرك والصراع الأيوبي المملوكي
(1250-1262)
Image4بعد وفاة الملك الناصر داوود وانتهاء حكم الأيوبيين في مصر على يد المماليك، استلم إمارة الكرك الملك المغيث عمر بن السلطان الملك العادل الثاني (1250)، وفي عام 1257 وبعد التجاء فرسان المماليك البحرية إلى الكرك بزعامة الأمير بيبرس، حاول الملك المغيث إزاحة المماليك المعزية عن حكم مصر.
قاد الملك المغيث والمماليك البحرية حملتين على مصر (1257- 1258) لكنه لم يوفق في هزيمة المماليك المعزية، و أصبحت الكرك مقرا للثوار والعسكريين الذين بدأو بحشد أنفسهم لمواجهة المغول بعد سقوط بغداد و دمشق، وشارك جيش الكرك بمعركة عين جالوت (1260م).
بعد معركة عين جالوت أصبحت إمارة الكرك الأيوبية تابعة لحكم المماليك في مصر, بعد أن قبل الملك قطز ببقاء الملك المغيث أميراً على الكرك والشوبك وانتزع منه السلط و البلقاء والخليل.
في عام 1262 انتهى حكم الأيوبيين لإمارة الكرك بتسليمها للملك الظاهر بيبرس من قبل ابن الملك المغيث.
عين جالوت
مملكة الكرك (1262-1382)
اجتمع الملك الظاهر بيبرس بأهل الكرك في اليوم الثالث من فتحه لها (27 جمادى الآخرة 661 /1262م) وخاطبهم قائلاً " اعلموا أنكم أسأتم إلي في الأيام الماضية، وقد اغتفرت لكم ذلك، واعلموا أنكم قد ازددتم محبة إلي“ أشارة إلى عدم خيانتهم للملك المغيث ووقوفهم إلى جانبه، ووفائهم له ـ و أمر الملك الظاهر بيبرس بصيانة القلعة وزيادة تحصيناتها وترميم أبراجها ومدارسها وعين نائب للسلطان ليكون أميرا للكرك.
بعد وفاة الظاهر بيبرس (1277) استلم الحكم ابنه الملك السعيد إلا انه أزيح عن السلطنة وسُمّي ملكاً لمملكة الكرك، ونائباً للسلطان.
برج%20الضاهر%20بيبرس2استلم الحكم بعده شقيقه الملك مسعود, وشيدت فترة حكمه صراعاً واضطرابات كثيرة مع السلطان المنصور قلاوون في مصر. وفي عام (1286 ) عين السلطان المنصور قلاوون الأمير عز الدين ايـبك نائباً للسلطان في الكرك وقد اهتم السلطان بزيارة الكرك أكثر من مرة.
ويذكر أن الأمير المؤرخ بيبرس الدوادار قد استلم نيابة السلطان في الكرك لعدة سنوات، وقام بكثير من الإصلاحات العمرانية والتعليمية في المدينة, وقد شارك جيش الكرك بطرد الإفرنج من عكا في عهد السلطان الاشرف خليل (1291) الذي خلف والده السلطان المنصور.
وبعد مقتل السلطان الأشرف خليل (1292) استلم السلطنة ابنه الملك الناصر محمد, وكان صغير السن لم يتجاوز عمره (9) سنوات، وبعد سنة خُلع وأرسل إلى الكرك مع والدته, إلى أن عاد بعد عام ليستلم السلطنة ثانية.
وبعد عدة سنوات عاد إلى الكرك ليمارس حكم السلطنة من الكرك لمدة عام (1308) وقد اهتم الملك الناصر محمد بمملكة الكرك طوال فترة حكمه للسلطنة (1310- 1340) وأمر بكثير من التحسينات للقلعة والمدينة وقراها (ضريح جعفر ), واتخذها منطقة لإقامة أولاده، جعل ابنه الملك الناصر احمد في أخر أيام حكمه نائبا للسلطان فيها.
مملكة الكرك خلال العقود الأربعة الأخيرة
من عهد دولة المماليك البحرية (1340م ـ1382م)
Image4شهدت هذه الفترة حالة من عدم الاستقرار وذلك بعد وفاة السلطان الناصر محمد واستلام أحد أبنائه السلطان المنصور أبي بكر سدة الحكم حتى انقلب عليه أمراء المماليك، وتسلطوا على الحكم، مما اثر على استقرار مملكة الكرك التي كان يحكمها الابن الأكبر للسلطان الناصر محمد وهو الملك الناصر احمد، وبعد عدة مناوشات قرب الكرك وقف أهلها ببسالة مع الملك الناصر احمد ضد الأمير قوصون مغتصب السلطة في مصر، واستطاع الملك الناصر احمد استعادة السلطنة ورجع سلطاناً على دولة المماليك، وبعد وصولة للقاهرة ومكوثه لفترة، عاد إلى الكرك ليمارس مهام السلطنة من الكرك.
ويذكر أن الملك الناصر احمد أعطى الكرك اهتماما كبيراً وقام بعدد من الإصلاحات، إلا أن ظروف المناوشات مع أمراء المماليك، لم تعطه الفرصة الكافية لإنجاز جميع ما خطط له.
مملكة الكرك
دولة المماليك الجراكسة (1382م ـ 1516م)
أسس هذه الدولة السلطان الظاهر برقوق، الذي اهتم بمملكة الـكرك، وفي عام (1388م ) خلع هذا السلطان ونفي إلى الكرك، وقد حافظ أبناء الكرك على الوفاء له فعاملوه أهل الكرك بلطف ولين، واهتموا به كما لو كان سلطانا، وخلال عام أجمع أهالي الكرك على نصرته ومبايعته وساروا معه إلى القاهرة حيث استعاد عرشه من يد خصومه.
اهتم السلطان الظاهر برقوق بأبناء الكرك لوفائهم وإخلاصهم، منحهم مواقع قيادية كثيرة في السلطنة منها كاتب سر السلطنة علاء الدين ابن عيسى الكركي المقيري وشقيقه عماد الدين قاضيا للشافعية في مصر وغيرهم، واهتم بالإصلاحات في مملكة الكرك وبالزراعة وعيون المياه، ولكن بعد وفاته في عام (1398م)واستلام ابنه صغير السن السلطان فرج، كثرت الفتن والحروب في السلطنة وانعكست انعكاسا مباشرا على مملكة الكرك، حيث أن اغلب الأمراء والقادة كانوا يحاولون إشراك الكرك في معاركهم لمعرفتهم بأهلها ووفائهم كذلك موقعها الحصين والمتوسط.
ويذكر المؤرخون أن آثار الدمار والخراب لم تعم الكرك وحدها بل شمل كافة أنحاء دولة المماليك حتى سقوطها على يد الأتراك في عام (1516م) في معركة مرج بن دابق
الكرك في العهد العثماني
(1516-1916)
بعد انتصار الأتراك العثمانيين على المماليك في معركة مرج دابق 1516 خضعت الكرك للسيطرة العثمانية، وأرسلت حامية عسكرية إلى قلعة الكرك وتأسيس لواء (الكرك والشوبك), ومركزه الكرك يتبع لولاية دمشق.
وبعد عدد من التغييرات الإدارية في الدولة العثمانية، تغيرت التقسيمات الإدارية للمناطق نتيجة الاضطرابات التي حدثت، وتغيرت تبعية لواء الكرك أكثر من مرة (صيدا وبيروت)، إلا أنها فيما بعد استقرت تبعيتها لولاية دمشق وأخذت اسم لواء الكرك، ومركزه الكرك، ويضم كلاً من السلط، البلقاء، الشوبك، ومعان، وتبوك، ومدائن صالح.
ونتيجة الفوضى والاضطرابات في الدولة العثمانية وعدم سيطرتها على منطقة جنوب الأردن، شهدت المنطقة الكثير من الحروب بين القيادات المحلية والمحيطة بالكرك، أثرت على عمرانها وزراعتها ومع ذلك فقد ذكر كافة المؤرخين الذين شاركوا بالحج الشامي أن أسواق الكرك كانت عامرة بالمنتوجات المختلفة.وظلت سيطرة الحكومة ضعيفة على منطقة الكرك إلى أن استولى عليها إبراهيم باشا (1831).
الدولة العثمانية
الكرك خلال حكم إبراهيم باشا (1831-1840)
محمد عليكان محمد علي باشا يطمح إلى تأسيس دوله كبيرة له في مصر وما حولها، لذلك خاطب السلطان عدة مرات لجعل بلاد الشام تحت حكمة، بحجج شتى، منها تأمين طريق الحج الشامي، تحسين الزراعة، زيادة الضريبة المدفوعة للسلطان، وكان يقول " الشام لازمة لسلامة مصر ".
حملات محمد عليويذكر أن كافة الحملات التي قادها إبراهيم باشا في بلاد الشام انتصر فيها إلا حملته الأولى على الكرك التي لم تنجح عام (1833)، رغم أنه دحر الجيش العثماني في معركة بيسلان (1832)وأخذ اعترافا رسميا من السلطان العثماني بحكمه لبلاد الشام، وبعد أن استطاع السيطرة على المدينة في حملته، بطش جنوده من الألبان والشركس وبقايا المماليك بأهالي المدينة، وبعد خروجه منها ثأر أهل المدينة على نائبه وعسكره فيها، وأجبروهم على الرحيل منها، وعادت المدينة إلى عهدها السابق معقلاً للثوار ضد ظلم إبراهيم باشا، واستقبلت كافة الثوار من بلاد الشام، ومنهم الشيخ قاسم الأحمد(فلسطين).إلا أن إبراهيم باشا جرّد حمله أخرى بقيادته لإخضاع الكرك.
الكرك والتنظيمات العثمانية
بعد انتهاء حكم إبراهيم باشا لبلاد الشام (1840م)عادت المنطقة للحكم العثماني، وحاول العثمانيون الاستفادة من التنظيمات الإدارية لحكم إبراهيم باشا خاصة إن الأهالي أخذوا يضغطون في هذا الاتجاه، مما دفع السلطان إلى إصدار مرسوم تشكيل الولايات العثمانية (1864م)، وتم تشكيل لواء الكرك ويتبع لولاية دمشق، يضم هذا اللواء ثلاثة أقضية (السلط، الطفيلة، و معان) وعدداً من النواحي (ذيبان، العراق، الجيزة، عمان، مأدبا، الشوبك، وادي موسى، تبوك، مدائن صالح)، وفي عام (1893م)تم تأسيس بلدية الكرك.
ثورة الكرك عام (1910م).
الثورة العربية الكبرىكان حكم الأتراك للبلاد العربية حكماً تعسفياً ظالماً، وفي المرحلة الأخيرة اتبعوا سياسة تتريك البلاد العربية، مما أدى إلى قيام عدد من الثورات في البلاد العربية، كان منها ثورة الكرك (1910م) التي جاءت نتيجة زيادة الضرائب على أهالي المدينة، و تطبيق قانون الخدمة العسكرية الإجبارية، وظلمهم الكبير لأبناء المدينة، إلا أن الأتراك أجهضوا هذه الثورة بعد معركة كبيرة قتل فيها عدد من الجنود الأتراك ومن أهالي الكرك، وتم إعدام معظم قادة الثورة وبقيت الثورة علامة بارزة في تاريخ الكرك تتغنى بها الأجيال.
ومنذ انتهاء ثورة الكرك أخذ أبناء الكرك بالاتصال مع الأشراف ليخلصوهم من الحكم التركي الجائر لما لأهل البيت من محبة في قلوب أبناء البلاد العربية، إلى أن جاء الفرج في عام (1916م)، حيث أعلن الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه الثورة العربية الكبرى على الأتراك.