منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رمضان.. تصحيح مفاهيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رمضان.. تصحيح مفاهيم Empty
مُساهمةموضوع: رمضان.. تصحيح مفاهيم   رمضان.. تصحيح مفاهيم Emptyالإثنين 07 يوليو 2014, 12:15 am

رمضان.. تصحيح مفاهيم
بلال حسن التل


مع إطلالة شهر رمضان الكريم نستطيع القول: إن كل المؤشرات تدل على اننا ما زلنا نبتعد أكثر فأكثر عن مفهوم العبادة في الإسلام، ومنها معنى عبادة الصوم. فقد شوهنا هذا المعنى، كما شوهنا معنى العبادات المرافقة لصيام رمضان وفي طليعتها مفهوما الزكاة والصدقة. وهنا لا بد من الإشارة إلى قضية هامة وهي خلط بعض الناس بين مفهوم الزكاة، ومفهوم الصدقة، ذلك انه من حق المتصدق أن يتصدق بما يريد، وبالكمية التي يريدها مالاً أو عينًا، بينما للزكاة شروطها وقيمتها المحددة ونوعها. فمن غير الجائز اعتبار ما ينفقه المرء على موائد الطعام أو طرود الخير من مصارف الزكاة. فقد حدد الشارع سبحانه وتعالى مصارف الزكاة ومادتها وكميتها مما لا يجوز الخروج عليه.
وهنا أيضًا قضية هامة لا بد من الإشارة إليها وهي أن الأصل في الزكاة أن تخرج مستحقها من حالة العوز والحاجة والتواكل، إلى حالة الاكتفاء والإنتاج والإعالة، من خلال توفير أسباب الإنتاج له. لذلك كان رسول الله صل الله عليه وسلم يستفسر من السائل المحتاج عن صنعته ليوفر له أسبابها وأدواتها ثم يدفعه إلى سوق العمل.. بينما صرنا نحن نفعل عكس ذلك؛ فقد صرنا نحول الزكاة والصدقة، إلى أداة من أدوات تنمية الخمول والتواكل والإعالة، من خلال إنفاقنا لملايين الدنانير سنويًا على ما صار يُعرف بموائد الرحمن وطرود الخير، بالرغم من بُعد الكثير منها عن معنى الخير والرحمة، لأنها تستغل آلام الناس وأوجاعهم وفقرهم لغايات دنيوية لا علاقة لها بالغاية الحقيقية للصدقة أو الزكاة. كما ان هذه الموائد والطرود كسرت عند الناس مفهوم العفّة وحواجز الحياء، عندما صاروا يستسهلون التسوّل وقبول المساعدات.. بل وأكثر من ذلك، فقد أوجد هذا الأسلوب من أساليب توزيع الزكاة والصدقات طبقة من اللصوص الذين يتاجرون بآلام الفقراء والمساكين، مثلما حولت الكثير من الشركات والمؤسسات آلام الفقراء والمساكين إلى وسيلة من وسائل الإعلان والتهرّب الضريبي.
ليس هذا فحسب، بل إن بعض الناس الباحثين عن دور ومكانة اجتماعية صاروا يجدون في المتاجرة بآلام الفقراء فرصة للظهور بمظهر المحسن البار، عندما يشاركون في توزيع الصدقات مشترطين حضور وسائل الإعلام، وهو ما يتنافى مع أصل الصدقة التي يجب ان لا تعلم اليد اليسرى للمتصدق بما تفعله يده اليمنى، حفاظًا على كرامة المحتاجين من الفقراء والمساكين.
إن توضيح هذه المفاهيم والمعاني للعبادة في الإسلام يجب ان تكون مهمة أساسية من مهام وسائل الإعلام.. فقد كان الأجدر بوسائل الإعلام وهي تستعد لشهر رمضان ان تخصص جزءًا من وقتها لتثقيف المسلم بدقائق دينه وأحكام عباداته، وهو ما لم يتم.. فكل المؤشرات تدل على أن الاستعدادات المعلن عنها لاستقبال الشهر الكريم تدل كم هي بعيدة عن معنى هذا الشهر. فوسائل الإعلام العربي، خاصة المرئي منها والمسموع حولت رمضان هذا العام كما هو في الأعوام القليلة الماضية إلى ميدان سباق بينها، على أيها الأكثر قدرة على إلهاء الناس عن العبادة، والانصراف عن روح العبادة.. والمتأمل في حملات الترويج لبرامج القنوات الفضائية، يجد بدون كبير عناء ان الجزء الأكبر، بل غالبية ما سيُعرض في رمضان من مسلسلات وبرامج، يكاد يخلو من المضامين الهادفة، ويزيد الطين بلّه برامج المسابقات التي تعوّد الناس على المقامرة، وتدفعهم إلى بناء القصور في الهواء، وهم يأملون بربح ما تعدهم به الفضائيات من عشرات آلاف الدولارات، وهم لا يعلمون ان هذه الفضائيات تسرق جيوبهم، فيزدادون هم فقرًا على فقر، ويزداد أصحاب هذه الفضائيات ثروة على ثروة.
خلاصة القول: إننا ننفق في كل شهر من شهور رمضان ملايين الدنانير عبر آلية لا تتفق مع روح الصدقة والزكاة وهدفهما. لذلك كان الحصاد هشيمًا. ولذلك لا بد من العمل على تصحيح مفهومي الصدقة والزكاة وتوجيههما وجهة إنتاجية.. فلو أنفقت هذه الملايين على إقامة مشاريع صغيرة لمستحقي الزكاة لكان ذلك أولى وأنفع، على قاعدة «بدلاً من ان تطعمني سمكة علمني كيف اصطاد السمك». لذلك كله فإننا نوجه نداء إلى كل المعنيين وفي مقدمتهم أصحاب السماحة وزير الأوقاف، وقاضي القضاة، والمفتي العام ومعهم كل أهل الخير ان يتدخلوا لتصحيح مفاهيم رمضان، وفي مقدمتها مفهوما الزكاة والصدقة. وان يمنعوا العبث بهذين المفهوميْن من خلال تحويلهما إلى وسيلة إعلانية، أو وسيلة نفاق اجتماعي عبر الموائد والطرود.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رمضان.. تصحيح مفاهيم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان.. تصحيح مفاهيم   رمضان.. تصحيح مفاهيم Emptyالإثنين 07 يوليو 2014, 12:15 am

رمضان.. تصحيح مفاهيم ليس شهرًا للكسل
بلال حسن التل


تحدثنا في المقال السابق عن مفهوم الزكاة والصدقة وعلاقتهما برمضان، وحجم التشوه الذي ألحقناه بمفهوم الزكاة، خاصة في رمضان، من حيث ان أصل الزكاة هو إخراج المحتاج من حالة العوز والحاجة، إلى حالة الاكتفاء والإنتاج، وهذا لا يتم من خلال تعويد الناس على الكسل انتظارًا لطرود «الخير» أو موائد «الرحمن»، بل من خلال توفير سُبل الإنتاج وأدوات العمل لهم، كما كان يفعل رسول الله عليه السلام. وعند الكسل نحب ان نتوقف طويلاً ونحن نتحدث عن تصحيح المفاهيم المرتبطة برمضان.. ذلك اننا خلال السنوات الأخيرة صرنا نتعرض لسيول من الضخ الإعلامي، التي تُكرس رمضان في عقولنا على انه شهر الكسل والتراخي، حتى صار من تقاليدنا الرمضانية تقليص ساعات العمل اليومي، بحجة ان الصائم يكون أقل قدرة على العمل والإنتاج، مما يغاير أبسط معاني رمضان ومغازيه التربوية، وتاريخه في حياة المسلمين خلال فترات صعودهم. ذلك ان رمضان ارتبط بتاريخ المسلمين بأكثر أنواع العمل مشقة، وهو العمل العسكري، بكل ما في هذا العمل من جهد ونصب. بل لعل اللافت في الأمر ان فرض الصيام وفرض الجهاد تزامنا بالتوقيت، فكلاهما فرض في السنة الثانية للهجرة، وكلاهما تحدثت عنهما سورة واحدة هي «سورة البقرة». وفي تاريخنا الإسلامي الطويل، خاصة في عهود النهضة والتقدم، لم يكن الكسل يعرف طريقه إلى المسلمين في رمضان، بل العكس هو الصحيح، ففي رمضان كانت أول سرّية في الإسلام، هي سرّية حمزة بن عبد المطلب المعروفة بسرية سيف البحر التي رفع فيها المسلمون ولأول مرة سيوفهم دفاعًا عن حقهم، وكان ذلك في رمضان حيث لم يتذرع المسلمون بالصيام ليتقاعسوا عن الخروج للدفاع عن حقهم.
إن المتأمل في تاريخ الإسلام والمسلمين لن يحتاج إلى طويل عناء وتأمل، ليكتشف ان الانتصارات الكبرى في تاريخ الإسلام والمسلمين وقعت في رمضان، ومع هذه الانتصارات العسكرية الكبرى حدثت التحولات الحضارية الكبرى في تاريخ هذه الأمة، كل ذلك في رمضان. ففي السابع عشر من رمضان للسنة الثانية للهجرة وقعت معركة بدر الكبرى معلنة ولادة القوة العسكرية القادرة للدولة الحديثة التي أسسها رسول الله عليه السلام في المدينة المنورة.. ويومها لم يتذرع المسلمون بالصيام ليتكاسلوا عن الجهاد.
وفي رمضان من السنة الخامسة للهجرة وقع حصار المدينة المنورة في غزوة الخندق، بكل ما رافقها من ضيق وعنت عانى منه المسلمون، ولم يفتَّ الصيام بعضدهم ليتكاسلوا عن الجهاد، بل على العكس من ذلك، فإن الصيام لم يمنعهم من المضي مع رسول الله لمعاقبة بني قريظة على خذلانهم للمسلمين وخيانتهم للعهود والمواثيق قبل ان ينفضوا عنهم غبار الخندق.
ولم تمض على غزوة الخندق ثلاث سنوات حتى كان الصائمون من صحابة رسول الله عليه السلام يزحفون في أكبر جيش عرفته جزيرة العرب، ليدخل هؤلاء الصائمون في السابع عشر من رمضان من العام الثامن للهجرة مكة مُنهينَ كيان الشرك والوثنية في مكة، ومن ثم في جزيرة العرب دون ان يتذرع الناس بالصيام ليتكاسلوا عن الفتح والجهاد.
وبعد ثمانِ سنوات من فتح مكة، وفي رمضان من السنة السادسة عشرة للهجرة كانت معركة القادسية التي زلزلت عرش الأكاسرة، وأخرجتهم من العراق، فأطفأت القادسية نار المجوس مثلما حطم فتح مكة أصنام قريش كل ذلك حدث في رمضان.
وفي رمضان عام 31 للهجرة فتح المسلمون مدينة دنقلة عاصمة بلاد النوبة، ولم يتذرع المسلمون بصيام رمضان ليتكاسلوا عن الجهاد والفتح، تمامًا مثلما لم يتكاسلوا في رمضان لعام 53 للهجرة من ركوب البحر لفتح جزيرة رودس، مثلما لم يتكاسلوا في رمضان عام 92 للهجرة عن ركوب البحر لفتح الأندلس، الذي تلاه في رمضان عام 94 للهجرة فتح السند والهند، دون ان يتكاسل الصائمون لبعد المسافة عن الجهاد في رمضان، فقد كان رمضان شهر عمل وإنتاج وفتح ونصر، يوم كان المسلمون يفقهون معاني دينهم ومقاصد عباداتهم.
ومثلما ارتبط رمضان في تاريخ المسلمين بالجهاد والفتح، فقد ارتبط أيضًا بقدرتهم على صدّ الغزو والعدوان وتحرير الأوطان، ففي السادس من رمضان لعام 223 للهجرة دخل المعتصم بالله مدينة عمورية ملبيا استغاثة امرأة مسلمة تعرضت لعدوان جندي رومي، وفي رمضان من سنة 559 للهجرة حرر نور الدين محمود حصن حارم من الفرنجة، ليمهد الطريق أمام صلاح الدين ليدخل القدس في رمضان من عام 584 محررًا.
حافلة أجنداتُ المسلمين الرمضانية بالانتصارات والإنجازات، ففي رمضان عام 658 للهجرة وبعد اثنين وأربعين عامًا من المعارك، تمكن المسلمون في عين جالوت من إنهاء التتار وإفناء جيشهم الذي اكتسح العالم، ونكل بالمسلمين قبل ان يستعيدوا ذواتهم، وفي رمضان فتح المسلمون القرم والكثير من البلاد الأوروبية، فأين رمضان الآباء والأجداد من رمضان الأحفاد الذين شوهوا معنى رمضان فجعلوه شهر لهو وكسل وتكاسل؟ فصار لا بد من تصحيح المفاهيم لديهم. ليفهموا مغازي عباداتهم، وانها ليست مجرد طقوس، وان رمضان ليس شهر لهو وكسل..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رمضان.. تصحيح مفاهيم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان.. تصحيح مفاهيم   رمضان.. تصحيح مفاهيم Emptyالإثنين 07 يوليو 2014, 12:16 am

رمضان.. تصحيح مفاهيم (3) شهر التحولات الكبرى
بلال حسن التل


تعرضنا في المقال السابق إلى المفهوم الخاطئ الذي يمارسه البعض عندما يعتبر شهر رمضان شهر كسل؛ وهو مفهوم يتعارض مع الوقائع التاريخية الكبرى التي شهدها شهر رمضان على امتداد تاريخ أمتنا، خاصة في مراحل فعلها الحضاري، وهي الوقائع التي أوجدت حقائق كبرى على الأرض، وفي ذاكرة الأمم. فقد ارتبط رمضان في تاريخ المسلمين بالجهاد العسكري الذي مارسه المسلمون على مدار تاريخهم باقتدار.. فوصلت جيوشهم إلى أسوار الصين في أقصى الشرق، والى أسوار فينا في أقصى الغرب، ولم يتذرعوا يومًا بالصيام ليتكاسلوا عن أداء فريضة الجهاد، مهما كانت ظروفها شاقة، وهل أكثر مشقة على النفس من القتال في الحر الشديد كما هو الحال في بلاد النوبة؟ وهل أكثر مشقة على النفس أيضًا من القتال في البرد القارس كما هي الحال في جبال الألب وسهول أوروبا؟ ففي كلا الحالتين الحر شديد، والبرد قارس، قاتل المسلمون في رمضان وحققوا انتصارات كاسحة وفتوحات مبينة. ولم يتذرعوا بالصيام ليتكاسلوا عن الجهاد.
إن ما يلفت النظر ان الانتصارات التي كان المسلمون يحققونها في رمضان، كانت تسفر عن تحولات كبرى في مسيرة البشرية.. ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة كانت بدر الكبرى التي أسفرت عن تحول كبير في التاريخ، تمثيلاً في ولادة القوة العسكرية للدولة الإسلامية الناشئة، معلنة ان الحق بحاجة إلى قوة تحميه. اما التحول الثاني الذي أسفرت عنه بدر الكبرى هو اعتماد العلم كقاعدة أساسية من قواعد بناء الدولة القوية. لذلك كان تعليم أبناء المسلمين بابًا من أبواب فداء أسرى قريش الذين وقعوا بأيدي المسلمين في بدر الكبرى، وهذا تحول على مستوى الأمة كلها، جعل من العرب أمة علم وتعليم.
أما فتح مكة في رمضان من السنة الثامنة للهجرة، فقد أنهى وجود الشرك في جزيرة العرب ووحدها تحت راية واحدة لأول مرة في تاريخ العرب لتخرج من الجزيرة العربية جيوش الفتح، تزلزل عروش روما وفارس، بعد ان كانت مفاصل العرب ترتعد من مجرد ذكر اسم القيصر أو كسرى، وفي أحسن الأحوال كان بعضهم ينوب عن كسرى وقيصر في إذلال بني قومه، كما هي حال المناذرة في العراق والغساسنة في الشام.
أما معركة القادسية التي لم يفصلها عن فتح مكة أكثر من ثمان سنوات، فقد أنهت المجوسية في بلاد الرافدين، كما أنهى فتح مكة الوثنية في الجزيرة العربية، ووقع التحول الكبير حيث أخذ العرب المسلمون زمام المبادرة من الإمبراطورية الفارسية، وهكذا أوجدت معركة القادسية تحولاً كبيرًا في العلاقات الدولية، وفي علاقات الأمم ببعضها البعض.
وعلى طريق القادسية كان فتح الأندلس في رمضان من سنة 92 للهجرة مدخلاً جديدًا لتحول تاريخي في العلاقة بين الشرق والغرب، فبعد ان كان الغرب ممثلاً بروما وبيزنطة يحتل بلاد الشرق ويذل شعوبها، وينهب ثرواتها، كان فتح الأندلس تحولاً كبيرًا قلب المعادلات والموازين، إذ انساحت جيوش المسلمين القادمة من شرق المتوسط في ربوع أوروبا وسهولها لا لتذل شعوبها، وتنهب ثرواتها، بل لتنشر بينها العدل والحرية والمساواة، ولتخرجها من ظلمات الجهل إلى ضياء العلم والعلوم، فصارت الأندلس والشرق المسلم من ورائها محجًا لكل طلاب العلم من الغربيين، وصار من مقاييس التقدم لدى الغربي ان يتقن اللغة العربية باعتبارها لغة العلم والحضارة.
ولأن للتاريخ دورته، وللانتصار شروطه، وللنهوض أدواته، فقد حدث وأن تخلى المسلمون عن شروط النصر وأدوات النهوض، فعاد الغرب إلى هذه البلاد غازيًا محتلاً فيما عرف بالحروب الصليبية، التي اسماها المسلمون حروب الفرنجة احترامًا لنبي الله عيسى وظل الفرنجة يعيثون في هذه البلاد فسادًا وخرابًا بعد ان حولوا المسجد الأقصى إلى إسطبل لخيولهم، حتى حل رمضان من سنة 584 للهجرة عندما كان العرب والمسلمون قد استعادوا شروط النصر وأدوات النهوض، فدخل صلاح الدين القدس محررًا، تتويجًا لحجم كبير من التحولات الكبرى ليس في علاقة بلادنا بالغرب الذي انكفأ عنها، ولكن في حجم التحول العلمي والحضاري الذي شهدته هذه البلاد، والذي مهد لدخول صلاح الدين إلى القدس محررًا.. وهو تحول صنعه العلماء، وحصد ثماره المجاهدون، الذين عرفوا للعلماء مكانتهم وقدروا لهم رأيهم ومشورتهم، فبلقاء العالم والسلطان تتحقق التحولات الكبرى التي شاء الله العلي القدير ان يكون رمضان مدخلاً للكثير منها في تاريخ أمتنا.
ومثلما أنهى المسلمون الوجود الصليبي في رمضان من عام 584 هـ فقد كسروا في رمضان من عام 658 أشرس اندفاعه دموية عرفها التاريخ البشري، يوم اندفع التتار من منغوليا مكتسحين الصين وتايلند وكوريا وكمبوديا وأفغانستان وكزخستان وأوزبكستان وإيران وصولاً إلى عاصمة الخلافة في بغداد، يدمرون كل شيء ويقتلون كل أحد، حتى لقيهم الجيش المسلم في «عين جالوت» لينهي أسطورتهم صانعًا تحولاً حضاريًا جديدًا في تاريخ العالم، ليس فيه دموية جنكيز خان ولا همجية هولاكو، ومثلما لعب العلماء دورًا رئيسًا في إحداث التحولات التي أدخلت صلاح الدين إلى القدس محررًا، كذلك فعلوا ليحصد قطز وبيبرس ثمار النصر في عين جالوت، ولتدخل أمتنا مرحلة نهوض جديدة.
خلاصة القول: إن أمتنا شهدت على مدار تاريخها الكثير من التحولات الكبرى في شهور رمضان المتتالية، وكانت هذه التحولات تتم عندما تفهم الأمة معنى عباداتها، ومغازي هذه العبادات، ومنها معاني صوم رمضان الذي هو ليس شهر كسل ولا شهر خمول، ولا شهر لهو ولا شهر امتناع عن الطعام والشراب الذي هو أقل درجات الصيام، لكنه شهر التحولات الكبرى العسكرية وغير العسكرية.. فهل نصحح مفاهيمنا عن رمضان؟.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رمضان.. تصحيح مفاهيم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان.. تصحيح مفاهيم   رمضان.. تصحيح مفاهيم Emptyالخميس 10 يوليو 2014, 12:01 am

[rtl]رمضان.. تصحيح مفاهيم (4) تحرير الإرادة[/rtl]
[rtl]

استعرضنا في المقال السابق بعض التحولات الكبرى التي شهدها المسلمون على أرضهم خلال شهر رمضان عبر تاريخهم الطويل، منذ فرض صيام شهر رمضان، ورأينا كيف ارتبطت هذه التحولات سلبًا أو إيجابًا بواقع المسلمين الحضاري صعودًا أو هبوطًا، وهو الأمر الذي يؤكد العلاقة الطردية بين البناء المعنوي للأمة وبنائها المادي، مصداقًا لقوله تعالى:»إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وتغيير النفس لتكون أهلاً للفعل الحضاري القادر على صنع التحولات الكبرى في تاريخ البشرية أحد أهم أهداف صيام رمضان، الذي يحرر النفس البشرية من أسر شهواتها، وأولها وأقلها شهوة البطن من الطعام والشراب، كجزء من عملية تغيير النفس الإنسانية وتحريرها مما اعتادت عليه، ومن ثم تدريبها على تحمل الجوع والعطش، ومقاومة تأثيرهما إغلاقًا لواحد من أهم أبواب الضعف والاستسلام البشري، فلطالما استخدم الجوع سلاحًا لتركيع الضعفاء من الناس أفرادًا وجماعات، من هنا تأتي حكمة التدريب على تحمل الجوع والعطش من خلال شهر رمضان، الذي قضت حكمة الله ان يدور مع دوران الفصول، ليتدرب المسلم على الجوع في حر الصيف القائظ، وفي برد الشتاء القارس وما بينهما، وهذا جزء من بناء القوة الروحية للإنسان لينتصر على شهواته، فلا يكون عبدًا لها ولا تكون منفذًا لاستعباده وإذلاله، وهذا هو المدخل الحقيقي لتحرير إرادة الإنسان التي هي أساس حريته في كل خياراته، عبر مراحل حياته المختلفة ومواقفه في الحياة.
ومثل تحرير النفس البشرية وتحرير إرادتها أمام شهوة الطعام والشراب، فإن في رمضان تحريرًا للإنسان من سيطرة المال وسلطانه، من خلال حث المسلم على الصدقة، نافلة عن الزكاة، التي هي حق معلوم للسائل والمحروم، وتحرير الإنسان من سلطان المال عنصر مفصلي من عناصر تحرير إرادته. فطالما كان المال وسيلة لسلب إرادة الإنسان ومن ثم لسقوطه الأخلاقي، خاصة على الصعيد الوطني.
ومثلما يدرب صيام رمضان الصائم على التحرر من شهوة البطن، وسلطان المال، فإن في صيام رمضان تحريرًا للنفس من شهوة الفرج، التي طالما كانت هي الأخرى مدخلاً لكسر إرادة الإنسان، وانحلال الشعوب ثم هزيمتها.. من هنا كان الصوم مدرسة لتدريب الفرد والجماعة على مقاومة هذه الشهوة، لإغلاق منفذٍ آخر من منافذ سلب الإرادة، ومدخل من مداخل الاستعباد، وفتح باب من أبواب الحرية ليس في رمضان، بل في كل أيام السنة عندما تقضي الضرورة. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فانه له وِجاء». وعند غض البصر نتوقف لنستجلي بُعدًا آخر من أبعاد رمضان ودوره في تغيير النفس البشرية وتحرير إرادتها وتهيئتها لتكون قادرة على إحداث التحولات الكبرى في واقعها، وهذا البُعد يتجلى بما يجب ان يرافق امتناع المسلم عن الطعام والشراب من شروط اكتمال الصيام.. وبعضها ما لخصه الحديث القدسي الذي قال:»إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب» والرفث هو ما دق وصغر من التصرفات السيئة، سواء كان في علاقة الرجل بالمرأة، أو في علاقته بمحيطه، جاء في لسان العرب «الرفات الحطام من كل شيء» وذهب مفسرون إلى ان الرفث يبدأ من الامتناع عن الكلمة الصغيرة التي قد تفتح باب الشهوة بين الرجل والمرأة، ويمتد ليشمل كل الأفعال السيئة التي يجب ان يمتنع عنها المسلم خاصة في رمضان، ومن نافلة القول إذن ان يمتنع المسلم، عن الصخب والسُباب، وهذا يعني تحرير الإنسان من شهوة اللسان وزلاتّه، وهذا هدف أساس من أهداف صيام رمضان؛ فما بال أقوام منا يزداد خُلقهم سوءًا في رمضان، بدعوى تأثير الصيام عليهم، وما شرع الصيام إلا لتهذيب النفس البشرية وتحريرها من عاداتها السيئة، ومن الاستسلام لهذه العادات وهو ما فهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولخصه جابر بن عبد الله الأنصاري بقوله:»إذا صمت ليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم وأذى الجار، ليكون يوم صومك عليك سكينة ووقارًا، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء» وهذا القول للأنصاري هو شرح وتفسير لقول رسول الله صل الله عليه وسلم:»من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة في ان يدع طعامه وشرابه» وهذا الحديث النبوي وقبله الحديث القدسي يبينان لنا ان شهر رمضان ليس مجرد شهر للامتناع عن الطعام والشراب، ولكنه مدرسة لتجديد أخلاق المسلم وتدريبه على الخُلق الحسن–لسانًا وبصرًا وسمعًا وفعلاً–من خلال تحرير إرادته أمام شهوات اللسان والبصر والسمع. فأين نحن من فهم السلف الصالح لمعاني الصيام وقد حولنا أيام رمضان ولياليه إلى أيام صخب وليالي لهو، ابعد ما تكون عن السكينة والوقار؟ تضج أسماعنا بالبذيء من كلمات الأغاني الهابطة، وتجرح عيوننا بالفاضح من الدعايات والإعلانات التي تدفع الناس إلى الاستسلام لعبودية الشهوات، التي شرع صيام رمضان لتحرير الإنسان منها. قبل ان تتولى وسائل الإعلام تحريف مفاهيم رمضان، وحرف الصائمين عن معاني الصيام ومغازيه الكثيرة، في أبشع علمية تزوير وتحريف للمفاهيم السامية. وأولها أننا حولنا رمضان من شهر تحرير الإرادة أمام كل الشهوات إلى شهر الاستسلام لكل الشهوات. وأولها شهوة البطن التي يشكل الصوم عنها أخف درجات صيام رمضان. والدليل هو في هذا الحجم الهائل من الإعلانات والبرامج عن الطعام والشراب التي تدفعنا للاستسلام لعبودية شهوة البطن، بدلاً من التحرر منها كهدف رئيس من أهداف رمضان، شهر التدريب على تحرير الإرادة والتأسيس لها قبل ان يظلنا زمن تحريف المفاهيم.
[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رمضان.. تصحيح مفاهيم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان.. تصحيح مفاهيم   رمضان.. تصحيح مفاهيم Emptyالأربعاء 16 يوليو 2014, 1:35 pm

رمضان.. تصحيح مفاهيم (5) .. شهر بناء القوة الروحية
بلال حسن التل


قلنا في المقال السابق: إن من معاني شهر رمضان أنه شهر الحرية بمفهومها الشامل، التي تبدأ بتحرير إرادة الإنسان أمام شهواته، التي شكلت عبر التاريخ البشري مدخلاً من مداخل الاستعباد للإنسان أفرادًا وجماعات، فكم من فرد فقد حريته ومعها كرامته واحترامه لذاته، واحترام الناس له، عندما استسلم لشهواته. فكان هذا الاستسلام مدخلاً لضياعه. وكم من مجتمع انهار بسبب سيطرة الشهوات على أبنائه، فكانت هذه الشهوات مدخل أعدائه إليه. لذلك شرع الله الصيام لتحرير إرادة الإنسان وليربي الفرد المسلم، ومن ثم المجتمع المسلم على معنى الحرية، ويزوده بأدواتها وأولها: بناء القوة الروحية التي تحصن الفرد والجماعة أمام إغراء الشهوات.
والقوة الروحية شرط أساس من شروط انتصار الإنسان في المجالين - المادي والمعنوي-. فبدون هذه القوة التي تُعرف عند الجيوش بالروح المعنوية، ويعبر عنها بالعقيدة القتالية، التي تُؤسس لبنائها الأجهزة، وتوفر لها الإمكانيات، والتي تتجلى في العقيدة القتالية للجيش، لا يمكن لجيش أن ينتصر مهما توفر له من عدد وعُدة، والشواهد على ذلك كثيرة على امتداد التاريخ البشري، ويكفي ان نستعرض عدد وعُدد جيوش المسلمين في كل المعارك الفاصلة في تاريخ أمتنا، ونقارنها مع جيوش الأعداء عددًا وعُدة، لنجد انه ما من مرة تفوق المسلمون على عدوهم بالعدد والعُدة، لكنهم كانوا ينتصرون في كل مرة بعقيدتهم القتالية التي تعكس قوتهم الروحية. وفي المرة الوحيدة التي فرح بها المسلمون بعددهم في معركة حُنين كادوا ان يهزموا لولا ثبات رسول الله، والقلة القليلة من أصحاب الروح المعنوية العالية، التي صمدت مع رسول الله ومنعت الهزيمة، وحققت الانتصار بفعل روحها المعنوية وعقيدتها القتالية.
وإذا كانت القوة الروحية شرطًا من شروط الانتصار العسكري، فإنها شرطٌ أكثر ضرورة لتحصين المجتمع وحمايته من الانهيار، فبدون القوة الروحية يصبح المجتمع كله هشًا خواء يسهل اختراقه. وكم من مجتمع انهار بفعل ضعف البناء النفسي لأبنائه، الذين صار اختراقهم ومن ثم هزيمتهم سهلاً، عبر الدخول إليهم من شهوات الجسد وحظوظ النفس. وكل الذين قرأوا قصص الجاسوسية، وكل ألوان الخيانة الأخرى، التي أودت بالمجتمعات يعرفون ان الشهوات كانت مدخل الأعداء للمجتمعات التي تفقد مناعتها وقوتها الروحية، التي شكل صيام رمضان على حقيقته أحد مكونات هذه القوة الروحية. ذلك ان أحد مقاصد صيام رمضان تعويد الصائم على الصبر، خاصة على شهوات الجسد كلها، ابتداءً من شهوة البطن، مرورًا بشهوة السمع والبصر، وصولاً إلى شهوة الفرج.. فمتى صبر الإنسان على شهوات جسده أغلق أبوابًا كثيرة من أبواب الضعف والاستسلام والهزيمة المادية والمعنوية.
ومثلما يدرب الصيام المسلم على الصبر، فانه يدربه على تحمل الشدائد، وأقلها شدة المواجهة مع الجيش المعادي ذلك أنه في كثير من الأحيان يكون الصبر على أذى ابن الملة والوطن أشد على النفس من مواجهة العدو في المعركة العسكرية، خاصة إذا كان هذا الأذى بابًا من أبواب الظلم؛ لذلك قال الشاعر: 
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً 
 على النفس من وقع الحسام المهند
وحتى يجنب الإسلام المجتمع من عواقب ظلم ذوي القربى فانه لا يكتفي بتدريب المسلم من خلال الصوم على الصبر والتحمل، بل يرتفع به إلى درجة أسمى وأرفع، هي درجة الصفح والحلم، ومقابلة الأذى بالتسامح، بل والإحسان لمن أساء. وهذه درجة متقدمة من درجات إعداد وبناء القوة الروحية للفرد، ومن ثم للمجتمع، من خلال تعويده على الصفح الذي يصل في كثير من الأحيان حدَّ التنازل عن بعض الحقوق الشخصية، ما لم يكن في هذا التنازل مساس بحق من حقوق الله، أو إذلالٌ للمتنازل، بل لا بد من ان يشعر المتنازل بعظمة فعل العطاء الذي يمثله، دون ان يكون ذلك مصحوبًا بشيء من مشاعر الزهوّ والرياء. ذلك ان من أهداف صيام رمضان تطهير النفس البشرية وتحريرها من مظاهر الرياء. لهذا كان الصيام بين العبد وخالقه. ولذلك قال الله عز وجلّ عن الصيام: إنه لي وأنا أجزي به. 
إن تحرير النفس البشرية من مظاهر الرياء، يقودها إلى التحرر من النفاق، وما يجره على المجتمع من مصائب، خاصة عندما يتعلق هذا النفاق بأولي الأمر، وأصحاب القرار، فيزين لهم المنافقون السيء من الأعمال، ولا يبادلونهم النصيحة. وكم من أمم هُزمت، ودول اختفت بسوء فعل المنافقين، الذين أعمى نفاقهم أولي الأمر عن الحقيقة. لذلك كان غضب الله على المنافقين كبيرًا، وكانت مدرسة رمضان من مدارس تدريب المسلم على التخلص من آفة النفاق. تحصينًا للفر والمجتمع، وبناء لقوته الروحية..
إن الصيام بسده لأبواب الرياء والنفاق، يدرب المسلم على الانتصار على شهوات النفس لتكتمل دائرة إغلاق أبواب الضعف والاستسلام للهزيمة المادية والمعنوية، بإغلاق أبواب شهوات الجسد والنفس التي تُشكل كل منهما مدخلاً لضعف الفرد والمجتمع، ومدخلاً من مداخل الأعداء للفتك بالأمة.
خلاصة القول: إن رمضان بمفاهيمه الصحيحة كما بينها رسول الله، هو مدرسة ليتعلم فيها المسلم فن بناء الإرادة، وفن بناء القوة الروحية، وفن الفوز في الحياة الدنيا والآخرة، فهل نعي هذه المفاهيم لرمضان فنتخلص من كل الانحرافات التي ألحقناها بشهر رمضان في حياتنا المعاصرة؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رمضان.. تصحيح مفاهيم Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان.. تصحيح مفاهيم   رمضان.. تصحيح مفاهيم Emptyالأربعاء 16 يوليو 2014, 1:37 pm

رمضان.. تصحيح مفاهيم (6)
بلال حسن التل


هل نحن فاعلون؟
ونحن نتحدث عن تصحيح المفاهيم المتعلقة برمضان، علينا أن لا ننسى أن رمضان جزء من منظومة عبادات متكاملة، لا يكتمل إسلام المرء ما لم يقم بها عن قناعة ووعي وفَهْم، وهذه العبادات يكمل بعضها بعضًا، وتشترك جميعها في صياغة الشخصية المسلمة، تحديد ملامحها وصفاتها، من خلال فهمها لمغازي العبادات الإسلامية، التي هي ليست مجرد طقوس وحركات تؤدى، لكنها مدرسة تربوية متكاملة تفضي جميع أركانها لذات الهدف، إن أحسن المسلم فهمها. وأول ذلك أن يلتفت المسلم إلى مغازي ارتباط العبادات الإسلامية بمواقيت دقيقة، ابتداءً من الصلوات التي لكل منها وقتها المحدد. وكذلك الصيام الذي فرض على المسلم أيامًا معدودات، فعبادة الصيام المفروضة لا تجوز بغير شهر رمضان، إلا إذا كانت نافلة أو قضاء، كما هي حال الصلاة في غير وقتها الشرعي المحدد، ومثل الصلاة والصيام كذلك الحج الذي لا يجوز بغير وقته المحدد من شهر ذي الحجة، ومثل الصلاة والصيام والحج، كانت الزكاة ركنًا سنويًا مشروطًا بتمام الحول على المال، الذي تجب عليه الزكاة.
إن هذه الدقة في مواقيت العبادات الإسلامية تنبه المسلم، بل تربيه على أمرين جوهريين في حياته، أولهما: أهمية الوقت، وضرورة استثماره بقيام الإنسان بشروط خلافته على الأرض وإعمارها، واستثمار كل لحظة من حياته في أداء مهمة الإعمار. لذلك فإن من أول ما يسأل عنه المرء يوم الحساب: عمره فيما أفناه. فأين هذا المغزى من مغازي العبادات في الإسلام مع تعاملنا مع الوقت في حياتنا اليومية، وقد شاع على لسان شرائح واسعة منا مصطلح «تضييع الوقت». وما علم من يضيع وقته أنه يضيع عمره، ويصرف رأس ماله الحقيقي بما لا يفيده، بل بما يضره؟.
لقد سبق الإسلام المدنية الغربية في التنبيه لأهمية الوقت وقيمته، فإذا كانت المدنية الغربية قد رفعت شعار «الوقت هو المال» فإن الإسلام قد سبقها، وتقدم عليها في مفهوم الوقت وقيمته عندما جعل استثماره في الإعمار عبادة، فهل يفقه المسلمون دينهم، ويرتقون إلى مستوى مفاهيمه، ومن بينها احترام الوقت وهم يؤدون عباداتهم؟.
أما الأمر الجوهري الثاني الذي تعلمنا إياه دقة المواقيت في العبادات الإسلامية، فهو النظام والانضباط. ذلك ان التزام المسلم بمواعيد صلاته وصيامه وحجه وزكاته، يلزمه بأن يكون منظمًا في كل شؤون حياته وحساباتها وأوقاتها، حتى لا تفوته مواقيت عباداته، ولا تختل موازين أنصبتها مثل الزكاة.
غير دقة المواقيت التي تتصف بها العبادات في الإسلام، وهي الدقة التي تدرب المسلم على حسن استثمار الوقت وعلى النظام والانضباط، فإن العبادات الإسلامية أيضًا تربي المسلم على روح الجماعة، بكل ما في هذه الروح من معاني التضامن والتكافل والتواصل. لذلك كانت صلاة الجماعة أفضل بدرجات من صلاة الفرد. وصلاة الجماعة تمتّن أواصرَ العلاقة بين رواد المسجد الواحد، وتنشر بينهم المودة والتراحم القائم على التعارف، الذي هو مقصد من مقاصد الجعل البشري، وعندما تنشر علاقة التواصل والتوادد والتراحم بين رواد المسجد، تصبح سمة المجتمع كله.
ومثل الصلاة، فإن الصيام هو الآخر ينمي روح الجماعة في الأمة كلها، عندما تمسك عن الطعام والشراب في لحظة واحدة، وعندما تقبل على فرحة الإفطار في لحظة واحدة، وما بين الإمساك والإفطار يشعر غنيهم بفقيرهم، وسليمهم بسقيمهم، وهو أمر آخر يعزز مع روح الجماعة روح التواصل والتراحم في المجتمع، وبين أبناء الأمة، ومثل الصلاة والصيام. كذلك الحج.. هذا الموسم السنوي الذي يتنادى إليه المسلمون من كل فج عميق في نفس المواقيت، وفي نفس المشاعر، ليغرس فيهم روح الجماعة وينمي بينهم أسس التعارف وقيم التراحم.
على أن أهم ما يجب أن نفهمه ونحن نؤدي عباداتنا كمسلمين، أن العبادة في الإسلام ليست حركاتٍ وطقوسًا، لكنها مدخل لنظام أخلاقي يجب ان ينعكس في سلوكنا اليومي، آناء الليل وأطراف النهار. لذلك ارتبطت العبادات في الإسلام بالنهي عن الرفث، والفسوق، والجدال، والصخب، وقول الزور.. وقبل ذلك كله الابتعاد عن أذى الناس، وفي الأحاديث النبوية: انه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له، وفي الآيات والأحاديث نهي واضح عن الرفث، والفسوق، والجدال في الصيام والحج.. كل ذلك يؤكد أن العبادات في الإسلام تشكل مدخلاً لنظام أخلاقي متكامل يجب ان يلتزم به المسلم في كل تفاصيل حياته.
كثيرة هي مغازي ومفاهيم العبادات في الإسلام التي ترتقي بها من مجرد حركات وطقوس، إلى قيم ومفاهيم تشكل نظامًا أخلاقيًا متكاملاً يرتقي بسلوك الفرد والمجتمع. غير أنه يجب أن لا يفوتنا ونحن نتحدث عن العبادات في الإسلام الوقوف عند ارتباط العبادات في الإسلام بشرطين أولهما: شرط القوة والقدرة والاستقرار.. فليس عبثًا أن الإسلام يخفف عن المسلم جزءًا من عباداته بل ويسقط بعضها كليًا إن لم يكن المسلم قويًا قادرًا على أدائها، أو انه غير مستقر كقصر الصلاة في حالتي السفر والخوف، وتأجيل صيام المريض والمسافر وكعدم الحج لمن لا يستطيع. أما ثاني الشرطين فهو: النظافة كشرط أساس لكل العبادات الإسلامية، وهو الشرط الذي لا تقوم عبادة إسلامية بدونه، ابتداءً من ركن الشهادتين، مرورًا بالصلاة، والصيام، والحج، وهذا الشرط من شروط العبادة في الإسلام لا يقتصر على النظافة الخارجية للمسلم وبيئته. بل لا بد من ان يمتد إلى طهارة النفس من خبائث الحقد واللؤم والضغينة والحسد وزلاّت اللسان، وهذا يعني ان من بين أهداف العبادة في الإسلام، قيام المجتمع القوي النظيف الذي يساهم رمضان في بنائه إن نحن صححنا مفاهيمنا عن مقاصد الصيام. فهل نحن فاعلون؟.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
رمضان.. تصحيح مفاهيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: رمضان كريم-
انتقل الى: