جهاد جبارة - حسناوات العالم اللواتي يتباهَيْن بشالات الحرير الملساء، ورجال الأعمال الموسرون المهووسون، بجمع أكبر عدد ممكن من ربطات العُنُق الحريرية الباذخة، لا يدرون أن ذات صباح قبل أكثر ما يزيد عن أربعة آلاف عام كانت امبراطورة الصين «زايلتش» تُعِد الشاي لزوجها الامبراطور أسفل شجرة توت، فسقطت في ماء الابريق شرنقة من شرانق الدود المُدمِن على التهام أوراق تلك الشجرة.
لم تشأ «زايلتش» أن تُنقذ الشرنقة الغارقة في الماء الذي كاد أن يغلي، بل راحت تعبث بها فما كان من الشرنقة: ذات الخيوط المتشابكة إلا أن تستسلم لموتها المُحقق، تاركة خيوطها تتفكّك وإذا بها الحرير اللامع الأملس الثمين!!.
تلك الامبراطورة أبهرت العالم عندما حاكت ذلك القميص الهفهاف الذي كان ملمسه يشابه ملمس رقيق جلد خد طفلة مولودة للتو!.
ذلك الحرير، صار أمنية العاشقين، والعاشقات من أغنياء العالم، فكان لا بُدّ من طريق تسير بها القوافل، أو تبحر بمائها السفن لتحمله دواءً لداء «الفخامة والبَذخ» الذي كان يُعاني منه أثرياء زمان!، فصارت الطريق تحمل اسم «طريق الحرير».
وزمان أيضاً كان أحد المهووسين بالصيد يحملُ سهامه المسمومة ليصطاد في أعالي الجبال فرأى وَعلاً يستمتع بلعق صخرة، لكن الوعل الحذر فر هارباً قبل أن يمكّن الصياد من رميه تاركاً له الصخرة ليلعقها، ففعل وإذا بها مالحة المذاق فصار يُفتتها على لحم طرائده، قبل الشواء، فطابَ له مذاقها وكان الملح، ذلك الأبيض الذي غيّر مَذاق العالم حتى أدمنه، وعندما راحوا يحملونه عبر الطريق سموها «طريق الملح».
وللنحل ايضا طرق يسلكها في العودة الى خلايا مملكته مُحملاً بالرحيق، تلك الطرق كان الانسان قديما يرصدها متابعا النحل ليتمكن من السطو على عسله.
وللطيور طرق في أعالي الفضاء يحفظ معالمها ويسلكها مُحلقاً في مواسم هجرته، وصار الصيّادون يوقتون بنادقهم لتغتال الطيور المتعبة أثناء هبوطها من تلك الطرق لتأخذ قسطاً من الراحة على الاراضي التي يتربص عليها موتهم المحتوم.
وللسُحُب طرق تسلكها مُرغمة لكنها قد تُجبر على سلوك طرق أخرى لأن الريح هي صاحبة الجناح الذي يحملُ السُحُبْ.
وللأسماك طرق تسلكها في أعماق البحار، مثلما للحيتان، لكن طرق الأسماك لا يرصدها الصيادون بشباكهم فحسب بل تُشاركهم في ذلك النوارس البيضاء فتنهالُ مناقيرها على أجساد الاسماك الفضية بكل ما أوتيت من شراسة لا يُنبئ عنها لونها الأبيض البريء.
إن طريق الحرير، والملح، والنحل، والطير، والأسماك على الأغلب تضج بالحركة، والضوصاء، والعَرَق، والدم، إلا طريقنا هذه فلا يسلكها سوى الصمت في طريقه اليومي نحو الهدوء.