اتهام الغير وتبرئة النفس !!
د. علي خلف حجاحجه
خبير التطوير الإداري والتدريب
قلّ ما تجد شخصاً يعترف بتقصيره وخطأه وقدر مساهمته في الوصول الى هذا الوضع المتردي أو ذاك، فكلما التقيت بأحدهم ودار حديث عن وضع ما جرّك بالحديث الى الفاسدون وعن الفاشلون في تربية الأبناء وعن الأخطاء في سلوكيات الناس، وبدا متحمساً بل ويملأه الغيض على « الناس « وذكر لك قصصاً واستدل بمواقف عديدة يثبت لك فيها أن الناس غارقون في الفساد وأنهم مقصرون وأنهم أبعد ما يكونون عن الالتزام بالاخلاق وضوابط العرف والعادات والتقاليد، فتفهم من حديثه انه مٌبرأ من كل عيب، ولكن المصيبة تكمن في « الناس « ، .. أبناء «الناس» لم تحسن تربيتهم، السائقون لا يحترمون من يقابلهم سائا كان أو راجلا، ولا يلتزمون بقواعد المرور، ولسان حاله يقول أنه هو الأفضل والأنقى والمنزّه والأكثر التزاما واحتراماً، مع انه في كثير من الحالات لو خلا بمحارم الله انتهكها، ولم يدرك بٌعد حديث رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إذا قال الرجل هلك القوم فهو أهلكهم )، وأهلكهم هنا تأتي بأنه اسرعهم هلاكاً، أو أنه سبب في هلاكهم.
من هنا نقول أنه لزاما على كل واحد منا أن يقف ابتداء عند محاسبة نفسه ونقدها وتأنيبها إذا ما قصّرت، وإذا ما رأى في أخيه عيبا عرض الامر على نفسه فلربما هي اسبق لهذا الخطأ واكثر التصاقاً بهذا العيب.
روي عن بعض السلف أنه كان إذا ما همّ بالخروج من في الصباح من بيته عمد الى حصاة ووضعها تحت لسانه فإذا ما عرض له أمر ما وهمّ بالحديث حسب الأمر جيداً، هل يستحق الأمر الحديث أم يسكت فيسلم!!، وهذا مدعاة له حتى ينشغل بنفسه ولنفسه عن غيرها.
والشاعر يذكرنا انه:
لو نظر الناس الى عيبهم ما عاب انسان على الناس
وفي هذا الباب، أيضاً، ذكر بعض السلف، فقال:
ادركت أناساً ليس بهم عيب، ولكنهم يتحدثون في عيوب الناس، فما ماتوا حتى ابتلوا بعيوب وافتضح أمرهم بين الناس، وادركت أناساً عندهم عيوب كثيرة ولكنهم لا يتحدثون عن عيوب الناس فماتوا ولم يفتضح شيء من أمرهم.
هذه المواقف كلها تدعونا بقوة أن نلتفت لأنفسنا وننشغل بعيوبها لإصلاحها لأنها إذا ما استساغت ذم الآخرين ونقدهم فسيكون مبرراً لها للسير في ذات الطريق والتعامي عن الضلال والتيه الذي تعيشه، ولا يدرك حقيقة نفسه الا بعد فوات الأوان واستعصائها على الحل.
والله أسأل أن يبصرنا بعيوبنا ويعيننا على تجاوزها، والحمد لله رب العالمين