« 3 » انفجارات داخل الذات العربية..!
حسين الرواشدة
ثلاثة انفجارات تعرض لها عالمنا العربي في السنوات الثلاث المنصرفة، الاول انفجار مخزون “المظلومية”، والثاني انفجار مخزون “الكراهية” اما الانفجار الثالث فقد كان من نصيب محزون التطرف.
اذا دققنا في “الخزانات” الثلاثة سنلاحظ أنها مرتبطة مع بعضها بقنوات متداخلة،وأنها كانت حصاداً لتجارب تاريخية متراكمة،وبأن كل محاولات التنفيس التي قمنا بها لمنع وصولها الى درجة الامتلاء والفيضان او الغليان فشلت تماماً،ونلاحظ ايضاً بأن “المصادر” التي غذتها تراوحت بين الاستبداد والفساد والقهر، سواء في المجال الديني او السياسي، ومن جهة “الداخل” الوطني او “الخارج” الاجنبي.
في لحظة ما وبشكل مفاجىء، انفجر مخزون “المظلومية” فخرجت الشعوب الى الشوارع والميادين، ولانها لم تعد قادرة على احتمال “الظلم”، لم يكن أمامها الاّ خيار واحد وهو “التغيير”، وقد حصل، لكنه كان مجرد ردة فعل مؤقتة “للانفجار”، وبالتالي لم يدم طويلاً، ذلك أن المسافة بين حدوثه وبين عودة الناس الى بيوتهم كانت كافية “لازالة” آثار الانفجار واعادة عقارب الساعة الى الوراء، حيث استعادتالانظمة التي استهدفت بالتغيير زمام المبادرة، وتمكنت من وضع اليد على “المتورطين” في الانفجار، بعضهم تم قتله، والاخرون توزعوا بين التهجير او السجون او الهروب والعزلة او التسليم بالامر الواقع.
انفجار خزان “المظلومية” تم تصريفه في اتجاه معاكس تماما لارادة المتحمسين لتغيير الواقع او اصلاحه على الاقل،وبدل ان يفضي الى شيء من الامل،او أن يتمكن الذين راهنوا عليه من “قطف” الثمرة، فوجئوا بعكس ذلك تماما، فقد انتهت محاولتهم الى الفشل كما ان الذين “ركبوا” الموجه كانوا من الذين استهدفهم الانفجار ايضا.
على ايقاع عودة “التأريخ “ الى الوراء، كان لا بد من انفجاز مخزون “الكراهية”،وهو انفجار متعمد ومقصود من قبل الذين اجهضوا الانفجار الاول،وذلك لسببين اثنين: احدهما يتعلق بمحاولة “الاطباق” على المجتمع وانتزاع الشرعية منه بالقهر،والآخر يتعلق باستيلاد مناخات مناسبة لتخويف الناس من التغيير، واشغالهم بالهدم المتبادل،وتشويه صورتهم امام انفسهم، ومع ان الذين فجروا برميل الكراهية يدركون ان شظايا هذه “الكراهية” ستصيبهم ايضاً،الاّ ان “مفعولها” في اخضاع المجتمع والسيطرة عليه كان مغرياً بما يكفي لصناعة هذا الانفجار والاستثمار فيه الى ابعد ما يمكن.
اسوأ لحظة في تاريخ بلداننا كانت لحظة انفجار مخزون “الكراهية”،فقد كانت كفيلة باخراج “احط” مالدى الذات العربية من رذائل وموبقات وانحرافات وصراعات،وهذه كلها غذتها –للأسف- تجارب تاريخية ممتدة على تخوم السياسية وهزائمها،والدين وحروبه المذهبية،والاخلاق وما وصلت اليه من “تسفل” وحالة المجتمع العامة بكل ما أصابها من آفات الفقر والخوف وانعدام الثقة وانسداد ابواب الخير والامل.
من هنا دقت ساعة انفجار مخزون “التطرف”،ولم تكن مفاجئة بالطبع،فهي “استحقاق” طبيعي لفشل الانتقال من المظلومية الى الشراكة والمسؤولية،وفشل التسامي عن الاختلافات وادارتها بمنطق الاحترام المتبادل، كما انها نتيجة طبيعية لانسداد قنوات “السياسة” وجفاف شرايين “التدين” الصحيح ويباس الروح الوطنية الجامعة، وافتقاد المشروع الضامن لوحدة الجماعة الوطنية والقادر على مواجهة المشروعات الاخرى او محاورتها على اساس الندية والتكافؤ لا الخضوع والاستلام.
من لطائف “مكر” التاريخ،ان الانفجارات الثلاثة التي خرجت من رحم العالم العربي،وشكلت اسوأ لحظة في تاريخ امتنا، وتسببت في حرف بوصلتنا فلم نعد نعرف من نحن، ولا ماذا نريد ،ولامن هو الشقيق ومن هو العدو...هذه الانفجارات “تولدت” وبشكل مفاجىء في “غزة”، لكن في سياقات مختلفة تماماً - واعتقد انها كانت ضرورية لتصحيح مساراتنا واعادة تجاه بوصلتنا - فبدل ان تنفجر المظلومية والكراهية والتطرف ضد الشقيق انفجرت –بفضل غزة ومقاومتها- بوجه العدو، وبدل ان تصب في مصلحة “التفتيت” والاحساس بالهزيمة صبت في اتجاه الوحدة والشعور بالاعتزاز والاستعلاء..وبدل ان تغذي الذات العربية المجروحة والمقهورة بمزيد من الكراهية والغبن والانتقام من ذاتها...أعادت لها قيم التعاطف والتكامل والاحساس بالخطر المشترك وارادة المقاومة والتغيير... وهي احوج ما تكون الى مثل هذه القيم لتجاوز تداعيات ما اصابها من زلازل وانفجارات.