توفيت يوم الإثنين مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، التي تعد إحدى الوجوه البارزة في السياسة العالمية للقرن العشرين حتى أنها لقبت بـ"صاحبة المعجزات السياسية والأرقام القياسية".
كانت تاتشر أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ بريطانيا العريقة، وهي أكثر الشخصيات شعبية بين رؤساء الحكومة البريطانيين حسب استطلاعات رأي متعددة، وهي أيضاً أول رئيسة للوزراء يتم انتخابها ثلاث مرات متتالية، وكان فوزها في كل مرة ساحقاً، وهي أيضا صاحبة أطول مدة على كرسي الحكم، إذ استمرت أحد عشر عاماً متصلة، ولذلك أطلق على حقبة الثمانينات عقد "التاتشرية" نسبة إليها.
"ابنة البقال" عاشقة السياسة والاقتصاد
إضافة إلى الأرقام القياسية في السياسة، فإن تاتشر صاحبة الكثير من الألقاب التي أطلقت عليها طوال مسيرتها السياسية الحافلة. وأول تلك الألقاب كان لقب "ابنة البقال" الذي أطلقته عليها الصحافة البريطانية.
ولدت تاتشر سنة 1925، واسمها بالكامل مارغريت هيلاروبرتس، وهي الابنة الثانية لوالدها صاحب دكان البقالة أسفل بيت العائلة الذي قضت فيه تاتشر ثمانية عشر عاماً.
وكان والدها البقال مهتما بالحياة السياسية ويحمل معه اهتمامه وأفكاره إلى البيت، وما إن وجد اهتماما من الصغيرة مارغريت بالسياسة هي الأخرى، حتى أخذ يوفر لها كل احتياجاتها من الكتب والجرائد وأخذ يشجعها على القراءة ومتابعة الأحداث التي تشهدها البلاد.
وإضافة إلى السياسة، فقد تعلمت تاتشر أمور الاقتصاد والتدبير من أبيها البقال، فموارد الأسرة المالية كانت ضعيفة ونادرة مما جعلها شديدة الاقتصاد، حريصة على تدبير أمور حياتها بصورة دقيقة.
وقد كان التنظيم الشديد في حياة تاتشر أحد اسباب تفوقها في الدراسة الابتدائية بمدرسة "غراتنام" وهي مدرسة حكومية عادية وليست مثل المدارس الخاصة التي يقصدها أبناء النبلاء والأغنياء، ولذلك كانت أول رئيسة للوزراء تتخرج من المدارس الحكومية، فأغلب رؤساء الوزراء الذين سبقوها ينحدرون من أسر ثرية.
ابنة البقال تميزت أيضاً في مجالات الرياضة والموسيقى خاصة آلة البيانو، وإذا كان أبوها لقنها السياسة والاقتصاد، فإن أمها علمتها الخياطة وأشغال البيت عموما مما جعلها تنمي حسها العائلي في وقت مبكر.
وبعد الدراسة الابتدائية والثانوية، التحقت تاتشر بجامعة أكسفورد العريقة حيث درست الكيمياء، وقد بدأ اهتمامها بالسياسة يتشكل أكثر خلال دراستها الجامعية من خلال دورها البارز في نادي المحافظين. وفي سنة 1951 تزوجت من دينيس تاتشر وكان يعمل ضابط مدفعية سابق قبل أن يتولى إدارة عدد من شركات البترول، وأنجبت منه توأمان هما مارك وكارول.
محاولات سياسية فاشلة
المسار السياسي الأسطوري لتاتشر بدأ بمحاولتين فاشلتين، ثم بعدهما نجحت في الانتخابات البرلمانية لتصبح عضواً في مجلس العموم البريطاني، وهناك أخذت مواهبها السياسية تتفتح، فجلسات مجلس العموم أصبحت مجالا لتظهر فيها براعتها الخطابية وأسلوبها المؤثر وصوتها الرزين وشخصيتها الآسرة. كل هذه المواهب جعلتها عضوة متميزة في مجلس العموم البريطاني "البرلمان" وواحدة من الأعضاء البارزين في حزب المحافظين ليتم تعيينها متحدثة باسم الحزب.
أما أول منصب هام تولته تاتشر فكان المنصب الذي أسنده إليها ماكميلان رئيس الوزراء البريطاني في وزارة التأمين الاجتماعي، وقد برزت مواهبها بشكل واضح عندما ألقت أول خطاب بخصوص العمل في الوزارة، حيث تميز بالدقة والحيوية واتساع الرؤية.
وفي حكومة "إدوارد هيث"، تولت منصب وزيرة التعليم، وقد تركت بصمات هامة على السياسة التعليمية البريطانية، حيث اهتمت بالتربية وبالمراحل الأولى من التعليم، كما عملت على زيادة أعداد المعلمين المؤهلين وإعادة تدريبهم وتكوينهم.
وكانت خسارة "إدوارد هيث" للانتخابات ثلاث مرات من أربعة خاضها حزب المحافظين تحت قيادته، هي التي دفعت تاتشر لأن ترشح نفسها ضده في انتخابات زعامة الحزب، وقد حققت انتصاراً ساحقاً وتأهلت لخوض المعركة الانتخابية في 1979، حيث حققت انتصاراً تاريخياً وأصبحت أول رئيسة للوزراء في تاريخ بريطانيا.
حينما تم انتخابها، كانت مؤشرات الاقتصاد البريطاني سيئة للغاية، فمعدلات النمو كانت منخفضة والتضخم في ازدياد وأعداد العاطلين في ارتفاع، فبدأت تاتشر مراحل الإصلاح الطويل الذي أتى بثماره بعد أعوام لتصبح بريطانيا في طليعة الدول الصناعية الكبرى، وليرتفع معدل الدخل بها إلى حد كبير بعد انخفاض معدلات التضخم والبطالة.
وكان الانتصار الكبير الذي حققته القوات البريطانية على الأرجنتين سنة 1982 عاملاً هاماً في إعادة انتخاب تاتشر رئيسة للوزراء في 1983 و في1987 أعيد انتخابها رئيسة للوزراء وكان العامل الأساسي لنجاحها سياستها الاقتصادية الناجعة.
تميزت مارغريت تاتشر بالعناد والصلابة والتمسك برأيها حتى النهاية، مما أدى إلى استقالة عدد كبير من وزرائها ومعاونيها، وكان من الطبيعي أن ينقلب عليها حزبها متهماً إياها بالديكتاتورية والتصلب. وخوفاً من حدوث انقسامات خطيرة تهدد كيان الحزب آثرت تاتشر الانسحاب.
ففي 22 نوفمبر سنة 1990 أعلنت تاتشر استقالتها من منصب رئيس الوزراء، ولم تكن هذه الاستقالة مفاجأة لأحد إذ جاءت بعد تصاعد الصراع داخل الحزب والحكومة في بريطانيا، وتم انتخاب جون ميجر خلفًا لها.
وظلت تاتشر بمجلس العموم البريطاني حتى سنة 1992، وفي العام نفسه منحت لقب "البارونة"، وأصبحت عضواً بمجلس اللوردات، ثم اعتزلت السياسة فيما بعد لتعيش تقاعدها المريح صحبة أسرتها حتى يوم إعلان وفاتها.