درس غزة الأول..انقلاب ليبرمان!
<< الخميس، 14 أغسطس/آب، 2014 حسن عصفور
لا يبدو منطقيا أن يتم تخصيص مقالة لمناقشة أفكار شخصية مصابة بكمية من «الهوس السياسي» تصل الى درجة عجيبة، وخاصة أن صاحبها يمتلك «كراهية» للفلسطيني تفوق كراهية كثيرين من أمثاله الفاشيين الجدد في دولة الكيان، رغم أنه يحمل حقيبة تسم عرفا بحقيبة «الديبلوماسية»، وهو لا صلة له بالتسمية أو المضمون، وماضيه الجنائي والسياسي معلوم كرجل نبت على ثقافة المافيا الروسية داخل الكيان..
الا أن «انقلاب» ليبرمان السياسي المفاجئ تجاه «المبادرة العربية»، لا يمكن أن يترك اغراء الكتابة عنه تذهب وكأنها خبر، فالحقيقة أن ما أعلنه يمكن استخدامه استخداما كاملا في ملاحقة الموقف الرسمي الاسرائيلي، خاصة حكومة نتنياهو، التي ترفض أي اتفاق سياسي يؤدي الى «حل سياسي شامل»، بكل الصيغ التي تم عرضها سابقا، سواء اتفاق اوسلو بكل منتجاته، في غزة اريحا، أو اتفاق انتقالي عام 1995، وما تلاها من بروتوكلات خاصة لبعض القضايا، الى جانب رفض التعامل مع «المبادرة العربية للسلام»، والتي عرضتها العربية السعودية، في شهر مارس آذار عام 2002 في قمة بيروت، خلال فترة حصار الخالد ياسر عرفات..
مبادرة قيل أنها تمت بفكرة من صحفي يهودي معلوم باسمه «توماس فريدمان»، كمحاولة التفافية لكسر «الجمود السياسي»، والحقيقة أنها استبقت خطة الرئيس الأميركي بوش الابن للخلاص من ياسر عرفات في شهر يونيو عام 2002، ولذا لم تحتل المبادرة مكانتها السياسية كما اعتقد النظام الرسمي العربي، واستهترت بها دولة الكيان، ورغم أن المبادرة باتت جزءا من قرار لمجلس الأمن – 1515-، الا أن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تركت المبادرة جانبا، مع أن بعضهم أشار اليها ايجابا، دون البحث الجاد في مضمونها، والذي اعتبر أول تصور عربي كامل للحل السياسي في المنطقة والتوصل الى «سلام شامل»، وهو ما لم تكن تحلم به دولة الكيان سابقا..
انقلاب ليبرمان نحو الموافقة على اعتبار المبادرة العربية «السعودية» تشكل اطار لترتيبات سلام، يشكل الخطوة الأكثر اثارة في السنوات الأخيرة اسرائيليا، وقد تحدث من «الضجيج السياسي» كثيرا داخل الكيان، وخارجه، ولعل الجامعة العربية أولا، والقيادة الفلسطينية ثانيا تمسك بهذه التصريحات السياسية لتلاحق بها حكومة نتنياهو، خاصة وأن قائل تلك الأقوال هو أحد أكثر شخصيات الحكومة تطرفا، وهو «بيضة القبان» في بقاء الحكومة، وقد يكون لتلك التصريحات الكثير..
وبعيدا عن تصريحات ليبرمان الخاصة بالرئيس عباس، وترحيل سكان المثلث في نظريته الخاصة بتبادل الاراضي، فذلك هوس لا ضرورة منحه أي زمن سياسي، لكن الجوهري هنا، كيف يمكن استغلال تصريحاته حول المبادرة العربية كاساس للحل الشامل..
لعل الحرب على قطاع غزة، كشفت لقيادات اسرائيلية، أن الحرب لم تعد كافية لضمان دولة الكيان كما تروج، وأن الأمن والآمان لن يكونا سمة لها مستقبلا، وأن كل مكان فيها باتت مكانا لاستقبال الصواريخ، وهنا تبدأ رحلة كسر نظرية الأمن الاسرائيلي السابقة..فصواريخ غزة، والتي لا يمكن مقارنتها بصواريخ بلد أو حتى صواريخ حزب الله، ألحقت ما ألحقت لكسر نظرية الأمن الاسرائيلية، ولعل ليبرمان المتطرف جدا، والمتعصب ليهوديته وصهيونيته، يدرك أن وجود دولته لم يعد قائما على «الأمن والعسكر»، بل يرتبط بأشياء غيرها..
دروس صواريخ غزة السياسية لم تنته بعد، ولكن أول دروسها ظهر في أقوال ليبرمان، الذي أدرك قبل غيره أن لا مستقبل لدولة الكيان الا بالتعايش عبر سلام شامل، وهو ما يتوفر بشكل عملي ومقبول عربيا ودوليا في المبادرة العربية للسلام..
تصريحات ليبرمان تشكل انقلابا جوهريا لفئة المتطرفين والمتعصبين والكارهين للعرب، كما ليس غيرهم، وعندما يقول مثله ما قال فلا يجب أن تمر مرورا عابرا، وهي برسم الأمين العام للجامعة العربية وفريقه السياسي، وايضا عند الرئيس محمود عباس وفريقه السياسي، الذي عليه الا يقف عند البعد الشخصي في تصريحات ليبرمان ويذهب للجوهري ويعلن فورا قبوله بتصريحات ليبرمان لتنفيذ مبادرة السلام العربية..
هل يتم التعامل الجاد مع تلك الأقوال الانقلابية لفكر صهيوني متطرف، أم يرى منها الخاص ويتم الرد عليه بأن شرعية الرئيس لا تنتظر قرارا من ليبرمان وغيره..السطحية ليس وقتها..وشرعية الرئيس عباس بالتأكيد ليس بيد ليبرمان أو «أم ليبرمان»..الأهم هو المطلوب!
ملاحظة: «ايواء النازحين»..تعبير ينتشر في قطاع غزة بكل ألم وحسرة..هل بات الانسان بحاجة لإيواء داخل بلدته..يا زمن قاس وفرجة أهل الحكم!
تنويه خاص: أخيرا وصل وزير من حكومة التوافق الى قطاع غزة..صحيح أنه ابن منها، وجاء بعد نهاية الحرب التدميرية، لكنها خطوة علها تحرك دماء حكومة..لتكتشف أن قطاع غزة جزء من «بقايا الوطن» سياسيا وليس اغاثيا.!
عن موقع أمد للإعلام