خريف العمر.. بلا رفاق!

خريف العمر.. بلا رفاق!

خريف العمر.. بلا رفاق! S2_-------------------

تنامت في الفترة الاخيرة ظاهرة ترك كبار السن من الاهل ليعيشوا وحدهم فيما يشكل تغييرا واضحا على نمط الاسر الكبيرة التي عرفتها مجتمعاتنا العربية والاسلامية لعقود مضت.
في خريف العمر، يحتاج الانسان الى رفيق به وله، ويطلب «المسن» بكل جوارحه ان يكون هذا الشخص، من دمه ولحمه، وذلك لخصوصية هذه المرحلة التي يكون فيها الانسان بحق رقيقا حساسا، سهل الانكسار، تماما مثل اوراق الخريف.
وبعيدا عن جدالات الاسرة النووية والممتدة وما شابهما من تغييرات، تبقى من واجبات الاسرة الواحدة ان تراعي جميع افرادها في صغرهم وفي كبرهم، دون تنصل او ترك.

ايقاع الحياة ورياح التغيير
ظروف الحياة تغيرت، وخرج الجميع للعمل بسبب الاوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، يقول الثلاثيني «فراس عبد الحميد». ويضيف»يعيش والدي في منزلهما، ونعم لوحدهما، ولكن لذلك مبررات واسباب». ويزيد»منازلنا صغيرة، ونخرج للعمل انا واشقائي وزوجاتنا، ولكننا نواظب على زيارة والدنا ووالدتنا بانتظام». يقول «عندما تستدعي الحاجة، نحن معهما ولهما».
تؤيد منار عبدالله حديث فراس، وتضع اللوم على تسارع وتيرة الحياة، والتي فرضت ظروفا قصرت من واجب الابناء اتجاه اهاليهم في مرحلة خريف العمر».
وترى الاربعينية ميسر حماد ان « خروج الناس للعمل، والمنازل الصغيرة» ، مجرد حجج واهية للتذرع بها وعدم ايلاء المسنين الاهتمام المطلوب، سيما الوالد والوالدة.
وترحمت ميسر على فترة زمنية كان الانسان يقدم فيها واجب الرعاية لعمته وخالته وحتى جارته المسنة، فيما اليوم يعجز كثيرون عن الاهتمام بوالديهم في فترة خريف العمر». وتضيف: «قوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما»، هي دليلنا عرب ومسلمين للتعامل مع ذوينا في صباهم وكبرهم».
ونوهت « انه رغم انتمائنا إلى المجتمع العربي الإسلامي إلا أن الامر لا يخلو من تقصير بعض الابناء في حق الآباء المسنين.
ومن وجهة نظرها» فان أكبر دليل على هذا التقصير هو وجود دور الإيواء والرعاية للمسنين بمختلف الدول العربية والمسلمة، وتزايد استقدام عاملات اجنبيات بهدف العناية بكبار السن ومجالستهم وحتى رعايتهم طبيا».

رفيق من نوع اخر
مشهد بات يتكرر ان ترى مسن او مسنة برفقة خادمة، تذهب به الى الطبيب او السوق او حتى لزيارة قريب او جار. تقول «رندة روحي» اخصائية اجتماعية، لربما فرضت الحاجة والضرورة علينا الاستعانة بالخدم للاهتمام بشؤون احبائنا من آباء وأمهات وجدود وجدات، ولكن لابد من وضع ضوابط لواجباتنا وواجباتهم اتجاههم. وزادت روحي: «واجب هؤلاء علينا بالدرجة الاولى، وليس على الخادمة وهو واجب مقدس حضت عليه جميع الديانات السماوية والاعراف المجتمعية، وعلينا القيام به بحب وأمانة».

ملتقى الرواد الكبار
والى تجربة اردنية رائدة في التعامل مع كبار السن بعيدا عن «دور الرعاية والمبيت» تأتي فكرة ملتقى الرواد الكبار وهو الاول من نوعه في المنطقة ويهدف الى وجود مكان يجمع كبار السن ولا يلزمهم المبيت فيه، بل يمكنهم من قضاء النهار وحتى المساء. يغذي هذا الملتقى عطاءهم وفكرهم ، والأهم يراعي تلك الأحاسيس التي تصبح في مثل هذا العمر أرق من الزجاج.
تقول هيفاء البشير مديرة ومؤسسة الملتقى انه جاء ضمن التطلعات الى التعزيز الايجابي وزيادة سنوات الانتاج لدى كبار السن لتحقيق الأمن النفسي والاجتماعي وخلق تفاعل ايجابي بين أعضاء المنتدى ومع المجتمع عموما وفتح افاق جديدة لحياتهم وعطائهم واعتبارهم مصدر كفاءات وخبرات تستفيد منها الاجيال.
وقالت البشير ان المنتدى يقدم وجبات صحية مناسبة مغذية لكبار السن وبسعر التكلفة وتحت اشراف امهر الطباخين الى جانب خدمات صحية ومتابعة من اطباء من مختلف التخصصات.وكذلك برامج ومحاضرات ثقافية مختلفة ونشاطات رياضية ولياقة جسمية والعاب تسلية مثل الشطرنج وطاولة الزهر ونشاطات ترويحية حسب المناسبات الاجتماعية. وعن شروط الالتحاق بالملتقى قالت البشير ان الشروط بسيطة وتتماشى مع مواصفات هذه الفئة من مجتمعنا فمثلا ان يكون أردني الجنسية وقد أتم الستين من عمره وان يقدم طلب انتساب توافق عليه هيئة ادارة الجمعية ودفع رسوم الانتساب ورسم اشتراك سنوي.

الموت المبكر.. ضريبة ترك المسنين
الى ذلك اكدت دراسة بريطانية أن كبار السن الذين يعانون من الوحدة والعزلة عن وسطهم الاجتماعي يموتون مبكرا. وقال باحثون إن الدراسة التي أجروها على 6500 رجل وامرأة أظهرت أن العزلة الاجتماعية تحدث أكثر مع طبقات السكان الأقل تعلما والأقل رخاء في المستوى المعيشي.
وبدأت مع أشخاص في سن أكثر من 52 عاما، حيث تابع الباحثون مسار حياتهم بدقة ، وقاس الباحثون درجة الوحدة والعزلة باستخدام مؤشر معتمد دوليا بين العلماء، ووجدوا أن 21.9% من بين الـ 918 رجلا وامرأة الذين ماتوا حتى عام 2012 كانوا ضمن مجموعة كبار السن الأكثر عزلة، وأن 12.3% فقط من حالات الوفاة كانت من أشخاص المجموعة الأقل عزلة.
وأوضح الباحثون أن دراستهم تبين أن الوحدة المفرطة في الكبر تساعد على تراكم المشاكل الصحية مثل أمراض القلب والأمراض المزمنة للرئة والتهاب المفاصل، وأن العزلة الاجتماعية لا تشجع هذه الأمراض بنفس هذه القوة، ورأوا في ذلك دليلا على ضرورة النظر لهذين التأثيرين بشكل منفصل، ويأمل الباحثون في استخدام نتائج الدراسة مستقبلا في تطوير مساعدة لكبار السن.