وصيّة من رسول الله صل الله عليه وسلّم لسيّدنا أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه، وقبل أن أشرع في شرح هذه الوصيّة، لابدّ من كلمة بين يدي هذه الوصيّة. قالوا: من استشار الرّجال استعار عقولهم، فكيف إذا اسْتشرْت حبيب الحق وسيّد الخلق ؟ قد تستشير إنسان له خبرة في الطبّ، أو في المحاماة أو في الاقتصاد أو التجارة، فتربح كثيرًا جدًّا من استشارته، ونصيحته، لكن الإنسان حينما يجد أنّ خير خلق الله قاطبة، والإنسان الأوّل الذي وصل إلى أعلى درجة من السعادة، وأنتم حينما تصلّون على النبي عليه الصلاة والسلام، تقولون: وعلى أسعدنا محمّد، فهذا الرسول العظيم الموصول بربّ كريم، سينصحُنا فالإنسان الموفّق يأخذ هذه النصيحة بكلّ خليّة في جسده، وبكلّ قطرة في دمه. عن أبي ذر قال:((دخلت المسجد فإذا رسول الله صل الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال: يا أبا ذر! إن للمسجد تحية، وتحيته ركعتان فقم فاركعهما، قال: فقمت فركعتهما، ثم قلت؛ يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ ))
كلكم يعلم أنّ هناك في أركان الإسلام صلاةً وصيامًا وحجًّا وزكاةً وشهادةً، فالشهادة مرّة، والحجّ والزكاة والصيام تسقطان عن الفقير والمسافر على اختلاف فيما بينهم، أما الفرض المتكرّر الذي لا يسقط بحالٍ إطلاقًا هو الصلاة، وأوّل ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة الصلاة فإن صحّت صحّ عمله، وإن فسدَت فسد عمله. قولـه: فما الصلاة ؟ أي ما قيمتها ؟ وما حقيقتها ؟ وما مكانها في الإسلام ؟ والنبي يقول:((الصلاة عماد الدّين))
وهذا الشبيه لا يعرفه إلا أهل البادية، خيمةٌ كبيرة جدًّا، وبيت من الشعر، قوام هذا البيت عمود في الوسط، فإذا سحبتهُ أصبحتْ الخيمة قماشًا ملقى على الأرض، كانت بيتًا فأصبحت قماشًا. قال: خير موضوع، أي خيرُ شيءٍ كلّفنا الله به هو الصلاة، لأنّ خالق الأكوان سمحَ لك أن تتّصل به، كما - ولله المثل الأعلى - وعظيم من عظماء الأمّة سمح لمواطن أن يدخل عليه متى أراد، مع أنّ أكبر الشخصيات لا يستطيعون الاتصال به إلا بعد شهر أو شهرين، أما واحد فمسموحٌ له أن يتّصل به كلّما شاء، اتّصال هاتفي أو زيارة. قال: فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، إن استكثرت بها فنِعِمّ ما تفعل وإن استقللْت، فالحدّ الأدنى الفرائض، والحد الأعلى النوافل، أي كما شئت، فالخير كلّه في الصلاة، وحينما مرّ النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه على قبر، قال عليه الصلاة والسلام: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفّلكم خيرٌ لكم من دُنياكم كلّها، كلمة دنياكم كبيرة، فهناك شركات أرباحها ألوف ملايين الدولارات، وهناك بيوت ومحلاّت تجاريّة وشركات أدوية، وشركات غذائيّة، وأساطيل بحريّة وجويّة، وثرواتٍ باطنيّة، وبترول، قال: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفّلكم خيرٌ لكم من دُنياكم كلّها، خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ الإنسان طموح، والإنسان يحبّ الكمال، والأكثر، والأكمل والأقوى، والأدوم والأطول، قال: إيمان بالله لأنّ الإيمان بالله يبنى عليه كلّ شيء وجهاد في سبيله وهذا هو الدّين كلّه ؛ آمنتَ بالله، وضبطْت أهواءك ونواتك وشهواتك، وكسبك للمال، وعلاقاتك بالنساء، وبأفراحك وأتراحك، أنت آمنت بالله وسرْت على منهجه، وهذا أعظم عمل، لذلك هذا الذي يأتي إلى بيوت الله ويجلس على الأرض لِيتَعرّف إلى الله وإلى كتابه وسنّة نبيّه، هذا ماذا يفعل ؟ يفعل أعظم عمل، وكلّ إنسان له بيت وجلسات مريحة في بيته، وله غرفته الخاصّة، وقد يطلب من أهله شايًا أو قهوة، ويجلس مع أهله ؛ قد يمزح ويضحك، راحته الجسميّة والنفسيّة مؤمّنة في بيته أما حينما يدع بيته ويأتي إلى بيت من بيوت الله ليتعرّف إلى الله، وإلى كتابه وسنّة نبيّه صل الله عليه وسلّم، هو يقوم بأعظم عمل على الإطلاق لأنّ هذا الحضور والاستماع يجعل القناعات متراكمة بعضها فوق بعض، هذه القناعات المتراكمة شئْت أم أبيْت، لابدّ من أن تُتَرجم إلى سلوك، صادق أمين، لا يكذب، ولا يغشّ، ولا يستعلي، ولا يتكبّر، ويغتاب، ولا ينمّ، ما سبب هذه المواقف ؟ لأنّه مستقيم على أمر الله تعالى. قلت: فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا، مؤمن يصلّي، وآخر يصلّي، أيّهما أفضل ؟ من كان خلقه أفضل، مؤمنان حجّا بيت الله تعالى أيّهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، مؤمنان يؤدّيان زكاة أموالهما أيهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، مؤمنان يعتمران في الشتاء، أيّهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، مؤمنان يحضران مجالس العلم، أيّهما أفضل ؟ من كان أحسن خلقًا، الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان، فالعبادات تؤدّى وهي فرائض، ولكنّ الذي ترقى به عند الله هي عملية الضبط، فإذا قلت لي: ما تعريف الخلق ؟ قلت لك الضّبط، من هو الحليم ؟ ضبط نفسه من أن يغضب، ومن هو الكريم ؟ ضبط نفسه من أن تبخل، ومن هو الشّجاع ؟ ضبط نفسه من أن تهرب، من هو المنصف ؟ ضبط نفسه من أن ينحاز، فالإنسان ينحاز أو يهرب من الخطر، أو يحرص على المال، من هو المؤمن ؟ هو الذي ضبط هذه الشهوات، ووقّعها وفق منهج الله تعالى، الإيمان هو الخلق، وهناك فكرة مهمّة جدًّا، وهي أنّ الله عز وجل يعطينا خصائص، أحيانا يلفت نظري أنّ امرأة تحبّ أولادها حبّا لا حدود له، فإذا كان لِزَوجها ابن لغيرها، وكان عندها في البيت، تقسو عليه قسوة لا حدود لها، ماذا نستنبط ؟ هي ترحم أولادها رحمةً لا حدود لها، وتحرصُ على صحّتهم ودراستهم، وعلى راحتهم، وعلى شبعهم، وعلى كسوتهم، هي نفسها تقسو على ابن زوجها قسوةً لا حدود لها، هناك استنباط خطير جدًّا، وهي أنّ تلك الرحمة التي أودعها الله في قلب الأمّ ليستْ من كسبها، إنّما أودعها الله من أجل أن تستقيم الحياة، ومن أجل أن يربّي الآباء أولادهم ومن أجل أن تربي الأمهات أولادها، فهذه رحمة أودعها الله في المرأة، لا فضل لها في كسبها، بل تجد امرأة سافرة وفاسقة، وامرأة ماجنة، وامرأة ملتزمة، وكلّ هؤلاء النسوة يحبّون أولادهم، فهذه الرحمة الخاصة التي أودعها الله في قلوب الأمهات من أجل أن تستمر الحياة، ومن أجل أن تربّي النساء أولادهنّ، هذه رحمةٌ أكاد أقول لا ترقى بها المرأة، ولكنّ الرحمة التي ترقى بها هي الرحمة العامّة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ولكنّها رحمةٌ عامّة، قصّة ذكرتها لكم كثيرًا، رجلٌ لا أعتمد على المنامات، ولكن يُستأنس بها، رجل صالح له قريبة، توفّيت، فقال لي رأيتها مرات عديدة لفترات متباعدة تشتعل نارا، وبعد ثماني سنوات فيما يذكر رآها في هيئة طيّبة جدًّا، ترتدي ثياب بيضاء ومشرق، فقال يا فلانة لعلّها عمّته أو خالته: ما فعل الله بك ؟ فقالتْ: يا بنيّ الحليب، كان لها ابن زوج وأولاد، فإن صبّتْ الحليب لأولادها ملأتهُ، أما كأس ابن زوجها فتضع ثلثه حليبًا، والباقي ماء ! إذًا رحمتها بأولادها لا أجر لها بها لأنّه شيءٌ أودعه الله في القلب، أما حينما ترحم الناس، وترحم المرأة ابن زوجها كما لو كان ابنها، هنا ترقى، فأنا لا أُقلّل من رحمة المرأة بأولادها، ولكن هذه فطرة، لذلك لا تجد في القرآن كلّه آيةً واحدة تحضنا على أن نرحم أولادنا، ممكن أن يصدر مرسوم تشريعي على كلّ مواطن أن يلتزم بتناول طعام الفطور مثلاً ! مستحيل لأنّ هذا الكلام لا معنى له، وهو تحصيل حاصل، وكلّ إنسان يشعر بالجوع فيأكل، فالشيء الذي أودع في أصل فطرة الإنسان لا يكلّف به، ولكن هناك آيات كثيرة توصي الأبناء بالآباء لأنّه لم يودع الله في أصل الإنسان بِرّ الوالدين، فبِرّ الوالدين تكليف، أما محبّة الأولاد طبْع، ليس في القرآن آية تؤكّد أو تكلّف الإنسان بما أودعه الله في طبعه، تحصيل حاصل، هذه اللّفتة وهي رحمة الأمّ بأولادها، يعني بطعامهم، وشرابهم، وكِسْوتهم، وصحّتهم، ونومهم، هذا شيء ليس من كسبها، ولكنّه فطريّ أما حينما ترحمهم فتُعَرّفهم بالله عز وجل، هذه كسبيّة، وحينما تحرصُ على آخرتهم، وعلى دينهم، وصلاتهم واستقامتهم، وصدقه، وأمانتهم، هذه الأم ترقى عند الله بشيءٍ من كسبها، أما الشيء الفطري، انظر إلى أمّ لا تحبّ أن توقِظَ ابنها على صلاة الفجر، تقول: دعهُ يرتاح، حرصها على بقائه مرتاحًا في السرير هذه رحمتها الفطريّة لا الكسبيّة، أما حرصها على أن يستيقظ ويصلّي الفجر في وقته، هذه رحمة كسبيّة، فالأب والأم لا يرقى في تربية أولاده إلا إذا حرصت على آخرتهم وطاعنهم لربّهم، أما إذا حرصت على طعامهم وشرابهم وريّهم فهذا الحرص من رحمة أودعها الله في قلبك الآباء والأمهات، وهناك أمثلة صارخة جدًّا أمّ تخبز على التنور، وابنها على طرف التنور، فكلّما وضعَت رغيفًا ضمّت ابنها وشمّته وقبّلته وعانقته مرّ سيّدنا موسى فعجِبَ من هذه الرحمة، قصّة رمزيّة، قال يا موسى هذه رحمتي أودعتها في قلب هذه الأمّ وسأُنزعها، فلما نزِعَتْ الرحمة من قلبها، بكى ابنها فألقتهُ في التنور، ألا تروْن قطّة تأكل أولادها ؟ شيءٌ معروف، ترحمهم ثمّ تأكلهم، رحمتهم بِرَحمة أودعها الله في قلب هذه الحيوانات، حينما نزِعَت هذه الرحمة أكلتهم، فقلت يا رسول يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال: أحسنهم خلقًا، فأنت بالخلق ترقى إلى اعلى عليّين، لذلك الإسلام مجموعة قِيَم بنيَت على عبادات، بني الإسلام على خمس، مجموعة قيَم بنيَت على عبادات، ولكنّ الإسلام ليس هو هذه العبادات فقط، بناء بني على خمس دعائم، هذه الدعائم ليست هي البناء، البناء شيءٌ آخر، أمرنا بصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدّماء، فصاحب الخلق الحسن ذهب بالخير كلّه، وبالنهاية أنت كائن عباداتك فرائض، أما أخلاقك فهي مكتسبات، وبالمناسبة وهذا شيء أعلّق عليه أهمية كبرى، لا يجذب إلى الدّين عباداتك، ولكن معاملاتك، الذي يجذب الناس إلى الدّين أخلاقك العليّة لا عباداتك الشعائريّة. قلت: فأي المسلمين أسلم، قال: من سلم الناس من لسانه ويده، ضبط لسانه وعدّ الإمام الغزالي أربعة عشرة آفة من آفات اللّسان، وقال أحد أصحاب النبي يا رسول الله: أومُؤاخذون بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ ! وهل يكبّ الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفًا. فالمؤمن لا يؤذيهم لا بلسانه ولا بيده. قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، أي صلاة هادئة، صلاة متقنة، وفيها اطمئنان وخشوع، هذه أفضل صلاة. قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات، بالمناسبة نحن في ذكرى الهجرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: عبادة في الهرْج كهجرة إليّ وحقيقة الهجرة أن تهجر ما نهى الله عنه، فأفضل الهجرة هي هجر السيّئات، طبعًا قال عليه الصلاة والسلام لا هجرة بعد الفتح، لكنّ الهجرة قائمةٌ بين كلّ مدينتين تشبهان مكّة والمدينة، فإن كنت في مدينة لا تستطيع إعلان إسلامك فيها، وفي مدينة لا تستطيع أن تصلّي ولا أن تحجّب بناتك، ولا أن تربّي أولادك، ولا أن يكون دخلك حلالاً، والدخل في هذه المدينة فلكي، أما في مدينة أخرى الدخل قليل جدًّا، ولكن بإمكانك أن تصلّي وأن تربي أولادك، وأن تحجّب بناتك، وأن تقيم أمر الله في بيتك وعملك، يجب أن تهاجر من تلك المدينة التي فيها دخل فلكي، إلى المدينة التي تستطيع إقامة شعائر دينك، وإلا فالعقاب هو النار، ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، هذا الذي لم يهاجر وآثر الدنيا العريضة على حساب دينه، هذا جزاؤه جهنّم خالدًا فيها أبدًا، هكذا نصّ الآية الكريمة: ﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾
[ سورة النساء ] فالهجرة بين مكّة والمدينة أُغلق بابها بعد الفتح، ولكن بين مدينتين تشبهان مكّة والمدينة قائمةٌ إلى يوم القيامة، بل إنّ أفضل أنواع الهجرة أن تهجر ما نهى الله عنه. قلت: فما الصيام؟ قال: فرض مجزيء وعند الله أضعاف كثيرة، الصيام يقوّي لك إرادتك، أنت في الصّيام تدع المباح، وتدع الطعام والشراب، وهما مباحان، فلأن تدعَ بعد الصيام المحرمات من باب أولى، فكأنّ الصيام يقوّي لك إرادتك. قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه، أي من قدّم حياته في سبيل الله تعالى، لكن هناك أنواع ثلاثة من الجهاد، هناك جهاد النفس والهوى، وهذا في مكنة كل واحد منا، في أيّ مكان، وفي أيّ زمان، غضّ البصر جهاد، وضبط اللّسان جهاد، وحمْل النفس على طاعة الله جهاد، وكفّها عن الحرام جهاد، فكلّ فعْلٍ تبتغي به وجه الله فهو جهاد، هذا الجهاد جهاد النفس والهوى، وهو أوّل شيء، لا تنتظر من إنسان مهزوم أمام نفسه أن يفعل شيئًا في الأرض، ولا أن يهدِيَ طفلاً لأنّ حال واحد في ألف أفضل من قول ألف في واحد، فألف واحد مهزومين أمام أنفسهم، ألف واحد فصيح اللّسان، بليغ العبارة، قويّ البيان، ولكن مهزوم أمام نفسه، ألف واحد من هؤلاء لا يستطيعون إحداث تأثير في طفل، بينما واحد انتصر على نفسه حالهُ يؤثّر في ألف،فحال واحد في ألف أفضل من قول ألف في واحد، فالحال الاستقامة والورع والنزاهة والإخلاص، هذا الجهاد الأوّل، وهو متاحٌ لكلّ إنسان في كلّ زمان ومكان كائنًا من كان، وفي أيّ ظرفٍ كان، والجهاد الثاني سمّاه الله جهادًا كبيرًا، هو الهدف من الجهاد القتالي جهاد الدعوة، أو الجهاد الدعوي، قال تعالى ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾
[ سورة الفرقان ] أن تتعلّم القرآن وأن تعلّمه فهذا جهاد كبير، وبنصّ الآية الكريمة، ولعلّ النبي عليه الصلاة والسلام عناه حينما قال: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه فالذي يتعلّم القرآن ويعلّمه هو عند رسول الله صل الله عليه وسلّم خير الناس قاطبة، وهذا هو الجهاد الدعوي متاحٌ لكلّ إنسان في كلّ زمان، والجهاد القتالي يتاح أحيانا، ولا يتاحُ أحيانا أخرى، أما الأصل فهو الجهاد الدعوي، لأنّ الجهاد القتالي تمهيد للجهاد الدعوة. قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل تسر إلى فقير، قصّة أرويها دائمًا، آذن مدرسة فقير، ورثَ أرضًا، رجلاً من أغنياء هذه البلدة الطيّبة غنيّ ومحسن، أراد أن يبني مسجدًا فكلّف أحد إخواننا المهندسين أن يبحث له عن أرض فيها أطراف دمشق ليجعلها مسجدًا، فهذا المهندس استقرّ رأيُه على هذه الأرض، صاحبها حاجب عندهُ ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف بالشهر، هذه الأرض ورثها منذ شهر عن قريب له، فلمّا استقرّ رأيُ المهندس على شرائها لتكون مسجدًا، جاء المحسن ليرى الأرض، وليتّفق مع صاحب الأرض، صاحبها رضي أن يبيعها بثلاثة ملايين ونصف، جاء المحسن الكبير وتفحّص الأرض وأعجبته الأرض وكتبَ شيكا بمليونين ليرة، فقال له صاحبها: ومتى البقيّة ؟ فقال له: عند التنازل، فقال صاحب الأرض: أيّ تنازل ؟ قال: هذه الأرض سوف تكون مسجدًا، ولابدّ من أن تذهب معنا إلى الأوقاف كي تتنازل عنها، فهذا الآذن الفقير، الذي لا يكفيه الراتب للخبز والشاي، مزّق الشيك وقال له: أنا أولى بك أن أُقدّمها لله عز وجل، وقدّمها أخونا المهندس جزاه الله خيرًا إكرامًا له عيّنه ناطور لهذا المشروع، وأعطاه الأجر المألوف أربعة آلاف، فرفض أن يأخذها، فهذا الذي لا يملك من هذه الدنيا إلا هذه الأرض وقدّمها لله تعالى، فلو كان الواحد يملك سبعة مائة ملايين ليرة، وقدّم أرضًا بثلاثة ملايين، هل هو مثل الأوّل ؟ ذاك جهد المقلّ، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: ربّ درهم سبق ألف درهم، ودرهم تنفقه في إخلاص خيرٌ من مائة ألف درهم تنفق في رياء، ودرهم تنفقه في حياتك خير من مائة ألف درهم تنفق بعد مماتك أنا عندي بالبيت إضبارة، وكلّما كلّفني أحدهم بوصيّة تبقى معي نسخة في هذه الإضبارة، من حينٍ لآخر أفتحها، الشيء الذي لا يصدّق أنّ معظم هذه الوصايا لم تنفّذ، ترك أربعة بنايات، فأهله ما دفعوا من أجل آخرته شيئًا، أكثر الوصايا لم تنفّذ، لذلك درهم تنفقه في حياتك خير من مائة ألف درهم تنفق بعد مماتك. فهذه وصيّة النبي عليه الصلاة والسلام لسيّدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ((قلت: يا رسول الله! أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله))
العلماء قالوا: التوحيد نهاية العلم، أعلى درجة في العلم التوحيد، فلو كان مع الواحد بورد، فهو أقلّ من هذه بكثير، لأنّ البورد تحتاج إلى ذكاء، وقد يكون حامل هذه الشهادة غير مستقيم، فالذكاء غير العقل، وكلّ إنسان تفوّق في اختصاصه ذكي، ولكن كلّ إنسان عرف الله وعرف سرّ وجوده، وغاية وجوده هو عاقل، وشتان بين العاقل والذكيّ، فالعاقل من عرف الله تعالى، ونهاية العلم التوحيد، وأن لا ترى مع الله أحدًا، وأن ترى يد الله تعمل في الخفاء، وأن ترى أنّ الله قبل كلّ شيء، وبعد كلّ شيء، وفوق كلّ شيء، ووراء كلّ شيء، وأن ترى أنّ الله وحده المتصرّف لا رافع ولا خافض ولا معزّ ولا مذلّ، ولا معطي ولا مانع ولا خافض ولا رافع ولا قابض إلا الله عز وجل، نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى.
قلت:
((زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، هذا الذي عناه النبي عليه الصلاة والسلام فعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أزكاها عند مليككم وأرفعها لدرجاتكم وخير لكم من إعطاء الورق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربون رقابكم وتضربون رقابهم ذكر الله عز وجل))
[رواه أحمد] إن تلوت القرآن فأنت ذاكِرٌ، وكذا إن صلّيت، وفكّرت في الكون، ودعوت إلى الله، وأمرت بالمعروف، فأوْسع نشاط على الإطلاق هو الذِّكر، وبتعبير آخر: الذِّكْر هو الطاقة، فسيارة من دون طاقة عبء، ومكيّف من دون كهرباء لا قيمة له، وغسالة من دون كهرباء لا قيمة لها فالذّكر للمؤمن طاقة، فالطاقة موحّدة ولكن آثارها متباينة، والذِّكر طاقة، وبه يفعل المستحيلات، وبلا ذكر لا يقوى على أداء الصلوات، تضعف نفسه، تماما كالشّحن، أنت تشحن هذه البطارية فإذا بها ذات مفعول مخيف، أما إن لم تُشحن فقَدَت قيمتها. قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه، على الإنسان أن يضحك باعتدال، كان النبي بسّامًا ضحّاكا، وكان يمزح ولا يمزحُ إلا حقّا، أما أن يكون الضّحك هدفًا أساسيًا، وأن يجعل الضحك سلوكًا يوميًا، هذا يتناقض مع الإيمان، لم يقل النبي: إيّاك والضّحك، ولكن كثرته، ولأنّ الله عز وجل أضحك وأبكى، وكلّما الإنسان ضحك يجب أن يذكر أنّ الله الذي أضحكه قادرٌ على أن يبكيَهُ ولا يوجد إنسان يضحك إلا لأنّ الله عز وجل سلّمه، ولا توجد عنده مشاكل، عنده بعضها ومقبولة، أما هناك أخبار ينتهي الضحك كليًا. لو سافر ثلّة من الشباب أو جلسوا جلسة، ذهبوا إلى نزهة، وكان الضحك ديْدنهم، في النهاية ينقبضون، أما إذا ابتسموا، وضحكوا وذكروا الله عز وجل، ذكْرُ الله عز وجل يلقي عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحفّهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده. قلت: زدني، قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك، فلو اختلفوا على الأسعار، اسكت، اختلفوا على أسعار الدولار ؛ صعد أو نزل ! أنت اسكت، اختلوا على أنواع البيوت وعلى ما سيكون، فكلّ قضيّة دنيويّة ترفّع عنها، عليك بالصّمت إلا من خير، إن طرح شيءٌ بالدّين، وكنت تعرف الحق أنت، حينها تكلّم لأنّك إن سكت فأنت شيطان، الساكت على الحق شيطان أخرص، عليك بالصّمت إلا من خير، لأنّ الصامت في سلام، والمتكلّم إما له أو عليه، قد يتكلّم الإنسان بكلمةٍ لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم سبعين خريفًا. وأنا ألاحظ في المجالس، واللقاءات، وفي السهرات، الصامت له هيبة كبيرة جدًّا، فأحيانا كلمة مرتجلة وغير مدروسة تندم عليها أشدّ النّدم، وقد تتألّم ألمًا لا حدود له، أما لو بقيت ساكتًا فأنت في سلام، والمتكلّم إما له أو عليه، والإنسان قد يسقط بكلمة واحدة، والقصّة المشهورة أنّ أبا حنيفة النعمان لما كان يلقي درسا عن صلاة الصبح، دخل شخصٌ، وكانت رجل أبا حنيفة تؤلمه، فمدَّها بين إخوانه وتلاميذه، فدخل إنسانٌ طويل القامة، عريض المنكبين، يرتدي جبّة وعمامة، فاستحى منه ورفع رجله جلس في الدرس، سأل هذا الرجل الداخل سؤالاً قيّما، فقال له: كيف نصلّي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟! فقال أبو حنيفة:أن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه ! فالواحد قد يسأل سؤالاً يسقط من عين الناس، فالصامت يبقى مستورًا، أما المتكلّم إما أن يفتضح وإما أن يعلو، الصامت في سلام، والمتكلّم إما له أو عليه، قال: قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك. قلت: زدني، قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي، قلت: زدني، قال: أحب المساكين وجالسهم، أقول لكم هذه الملاحظة: تلبية دعوة الأغنياء والأقوياء من الدنيا، أما تلبية دعوة الضّعفاء والفقراء فهي من الآخرة، إنسان دعاك إلى عقد قران في أطراف دمشق، وهو فقير جدًّا فتلبية هذه الدعوة من أعمال الآخرة لأنّه من دُعِيَ ولمْ يلبّي فقد عقّ أبا القاسم، ولكن غنيّ كبير دعاك حينها تجد نفسك في أوّل المدعوّين، لا تقل: هذا جبر خاطر ! لا، هذه دنيا، حتما هناك ضيافة جيّدة جدًّا، ووجاهة، تجد شخص يحبّك إن زرْتهُ يشرف بك، ويهشّ لك، ويرحّب بك، وآخر لا قيمة لك عنده سواء زرته أم لم تزرهُ، أنا أقول لكم: لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له، صاحب من يحبّك ويحترمك، ويقدّرك، إن زرته كان عيدًا عنده، أما إذا صاحبْت من هو أعلى منك يزْورّ عنك، ويقيّمك لمالك، ولا قيمة لعملك عنده مثل هذا اعرِضْ عنه. قلت: زدني، قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، أحد إخواننا الأطباء دعِيَ إلى متمر في الهند، تحدّثنا من أيام، فقال لي: إذا الواحد سافر نحو الشرف يرى نفسه ملك، البيت هناك في نيودلهي، قطعة من ثياب داخلية عتيقة، مع قطعة من كيس نايلون، وخيش، وكارتون مخيّطين كلهم ! فالأرض هناك تراب، أسرة خمسة أشخاص ينامون في هذا البيت، فإذا الواحد رأى مثل هذا البيت يرى بيته قصر، فكلّ إنسان يذهب نحو الغرب يقول نحن ما عندنا شيء، فالواحد بحاجة للذهاب إلى المكانين حتى يكون توازن، فأنت عندك غرفة نوم، وغرفة ضيوف، ومفتاح بيت، وتأكل وتشرب، وهؤلاء الذين يخبر عنهم كلّ يوم، عظمٌ على جلد، ويموتون جوعًا، أنت عندك أكل تأكله وماء نقي تشربه، لذا انظر إلى من هو تحتك، فإذا الواحد دخل على الأغنياء غير المؤمنين المتكبّرين، والمتعجرفين، خرج من عندهم وهو على الله ساخط، قال أحدهم: هذه الثريّة ثمنها ثلاثة ملايين ونصف، والمستمع عنده بلورة فقط ! وهذه السجادة ثمنها ثمانمائة وخمسون ألفًا، وهو عنده سجادة وطنية ثمنها ثلاث آلاف، فكلّ واحد سكن ببيت، ومرتاح، ومبسوط، فإذا دخل على أهل الدنيا المستكبرين، والله لا أبالغ الغنيّ المؤمن تشتهي الغنى منه، ومن تواضعه، ورحمته، وسخائه فإذا قلت أنا أغنياء فأقصد غير المؤمنين، والشاردين، أما الغني المؤمن فالمال قوّة له، وأنت بالمال قد تفعل كلّ شيء، وتمسح الدموع عن آلاف الأُسر، وقد تزوّج الشباب وتعين الفقراء والمساكين، وتعالج المرضى، فالمال قوّة كبيرة جدًّا، ولكن ما دام الحديث قد طرح، إليكم هذه الحقيقة، فإذا الطريق سالك وفق منهج الله تعالى، اسْعَ إليه لأنّك إن حصلْت على المال فأنت أقوى في العمال الصالح من الفقير، إذا الطريق إلى منهج رفيع سالك وفق منهج الله تعالى اسْعَ إليه، وأنت في هذا المنصب أقدر على خدمة الخلق مما لو كنت ضعيفًا، أما إذا كان الطريق إلى الغنى معاصي وآثام، وشبهات وربا، وبضاعة محرّمة، ونشر الفساد في الأرض، فلو احتاج طريق الغنى إلى تأسيس ملهى، فالفقر يكون وسام شرف، ولو كان دخلك لا يكفي لخمسة أيّام، إذا طريق الغنى سالك وفق منهج الله تعالى حينها كُنْ غنيّا، أما إذا طريق الغنى محفوف بالمعاصي والآثام كن فقيرًا ولك وسام شرف على هذا الفقر، وإن كان طريق القوّة سالكًا وفق منهج الله تعالى اجْعلني على خزائن الأرض، رئيس وزارة، قال تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾
[ سورة يوسف ] أما إذا كان طريق القوّة يبني على معصية الله تعالى فالضّعف وسام شرف، وهذا هو المنهج الإسلامي، فالواحد يتمنّى أن يكون غنيًّا، يقول عليه الصلاة والسلام: أتمنّى أن يكون أحدٌ ذهبًا، ولا يمضي عليه ثلاثة أيام إلا أنفقه في سبيل الله تعالى، تؤمِّن بيتًا لإنسان، وزواج وعمل، أنعشْتهُ، مرّة دخلتُ بيتًا، أحد إخواننا أُصيب بأزمة قلبيّة حادّة، فزُرتهُ بالبيت، وعنده خمسة أولاد، وجدتُ الحزن مخيّم على هذا البيت، هو فقير، وعمله متعب، وأزمة قلبية حادّة يقول لي: تلقَّيْتُ اتِّصالاً هاتفيًا من جهة قيل له: اذْهب إلى الطبيب الفلاني، وسوف تجرى لك العمليّة من دون مقابل، اتّصل بالطبيب فقال له: أنا جاهز، وبعد أيّام أُجريَت له عمليّة قلب، وكانتْ ناجحةً جدًّا، كلّفتْ حوالي أربعمائة ألف، رجع للبيت وزُرته بعد العمليّة. والله أيها الإخوة وجدتُ أولاده يكاد الواحد منهم يرقص من شدّة الفرح، لأنّ أباه صحّ من مرضه، فهذا الذي قدّم مبلغًا هكذا ماذا فعل ؟ أسْعَدَ أسرة، لذا قد تسعد أنت أمّة، وحي، وأُسرة وإنسان، فإذا كان طريق الغنى سالك وفق منهج الله تعالى فمرحبًا بالغنى لأنّ الغني أقدر على العمل الصالح من الفقير، وكذا طريق القوّة إن كان سالكًا وفق منهج الله تعالى، فالقويّ أقدر على خدمة الناس من الضعيف، أما إذا كان طريق القوّة ممرُّه الإجباري معاصي وآثام ونفاق، وكذب ودجل، أقسم لي أحدهم أنّ كازينوا ربح ثمانية ملايين بأربعة وخمسين يوما ! فالناس كلّها وراء الكازينوهات !! فهذه المشاريع المربحة فيها غضب الله وسخطه، فإذا أنت طريق الغنى محفوف بالمعاصي فكُن فقيرًا واجعل الفقر وسام شرف لك، وهذه حقيقة مهمّة، اختار ؛ ممكن أن تكون غنيًا وفق منهج الله، وهذا لا مانع فيه، ولكن إذا كان الطريق معاصي وآثام، فالله هو الغنيّ. قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك،فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك. قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا، قلت: زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ينتقد الناس وهو فيه علل لا تنتهي، ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي، فأنت تزكّي نفسك وتسامحها، وتمدحها، وتتغاضى عن عيوبها، وتحاسب الناس عن أدقّ الهفوات، فهذا إنسان مهزوز، ومتناقض، ولولا أنّ قصّة وقعت ما رويْتُها، ولكنّها وقعت لأناس لي معهم صلة، إنسانة لها بيت، ومتزوّجة، ولها في البيت ابن متزوّج، فابنها جاء بغسالة أوتوماتيك لزوجته، أقامتْ عليه النكير، وقالت: سوف تعلّمها على الكسل، إلخ... بنفس اليوم أتى صهرها بغسّالة بابنتها فقالت: رضي الله عنه فلان !! شيءٌ غير معقول، انحياز أعمى، إذا الشيء لمصلحتك تمدحه فالتناقض أبشع صفة بالإنسان، والله كنت يومًا بِمَحّلّ تجاري، يوم عطلة، وكان يوم عيد، وكان عنده صانه بسِنّ ابنه تماما، فحمّل هذا الصانع أوّل ثوب، وثاني ثوب وثالث، إلى أن قال: لا أستطيع الحمْل، فقال صاحب الدكان: أنت شابّ، حمل ابنه ثوب واحد وقال له: إحذر ظهرك !!! ما خجل ! أحيانًا تجد شخص عنده صانع يتيم يطلب منه أن يلتحق بمدرسة ليليّة كي يأخذ مثلاً كفاءة فلا يتركه ! ولكن لابنه يقيم له مليون ليرة من أجل الدروس الخصوصيّة كي يكون طبيبًا، أما ابن الناس، وهذا اليتيم ممنوع عليه الشهادة، يحبّ أن يتركه جاهلاً، أرأيتم كيف أصبح المسلمون ؟ فالله تعالى لمّا يرى هذا الحال يمقتنا جميعًا، البطولة ألاّ تتناقض مع نفسك، عامل الناس كما تحبّ أن يعاملوك، فإذا الكنّة لم تفق باكرًا يسبّها، أما ابنته فيقول هي متعبة ! فهذه المواقف كلّها في بيوت المسلمين، وهذا التناقض كلّه يجلب سخط الله عز وجل، عامل الناس كما تحبّ ان يعاملوك، فكيف تحبّ أن تعامل ابنتك عامل زوجة ابنك كما تحبّ أن تعامل ابنتك، ثمّ ضرب بيده على صدري وقال: يا أبا ذر! لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق فأعلى نسب أن تكون حسن الخُلق، وأعلى ورع أن تمتنع عن المعصية، وأعلى عقل أن تستخدم عقلك في شؤون آخرتك. أعيد عليكم نص الحديث، عن أبي ذر قال:(( دخلت المسجد فإذا رسول الله صل الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال: يا أبا ذر! إن للمسجد تحية، وتحيته ركعتان فقم فاركعهما، قال: فقمت فركعتهما، ثم قلت؛ يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله، قلت: فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا، قلت: فأي المسلمين أسلم، قال: من سلم الناس من لسانه ويده، قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات، قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر، قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قلت: فما الصيام؟ قال: فرض مجزيء وعند الله أضعاف كثيرة، قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل تسر إلى فقير، قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه، قلت: زدني، قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك، قلت: زدني، قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي، قلت: زدني، قال: أحب المساكين وجالسهم، قلت: زدني، قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك، قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا، قلت: زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي، يا أبا ذر! لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق))
عن أبي ذر قال:((دخلت المسجد فإذا رسول الله صل الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال: يا أبا ذر! إن للمسجد تحية، وتحيته ركعتان فقم فاركعهما، قال: فقمت فركعتهما، ثم قلت؛ يا رسول الله! إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير موضوع، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله، قلت: فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا، قلت: فأي المسلمين أسلم، قال: من سلم الناس من لسانه ويده، قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات، قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر، قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قلت: فما الصيام؟ قال: فرض مجزيء وعند الله أضعاف كثيرة، قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل تسر إلى فقير، قلت: فأي آية ما أنزل الله عليك أفضل؟ قال: آية الكرسي؛ ثم قال: يا أبا ذر! ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة، قلت: يا رسول
الله! كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وعشرون ألفا، قلت: كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا، قلت: من كان أولهم؟ قال: آدم، قلت: أنبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه ثم سواه وكلمه قبلا، ثم قال: يا أبا ذر! أربعة سريانيون: آدم وشيث وخنوخ - وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم - ونوح، وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك؛ يا أبا ذر! وأول الأنبياء آدم وآخرهم محمد، وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى، وبينهما ألف نبي))
قلت: يا رسول الله! كم كتاب أنزل الله؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنزل على خنوخ ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالا كلها: أيها الملك المسلط المغرور المبتلى! إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد على دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وكان فيها أمثال: على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب؛ وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث: تزود لمعاد ومرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه؛ قلت: فما كان في صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار: ثم هو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها لأهلها ثم اطمأن إليها، عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل، قلت: يا رسول الله! هل فيما أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: يا أبا ذر! تقرأ {قد أفلح من تزكى - إلى قوله: صحف إبراهيم وموسى}. قلت: يا رسول الله! أوصني، قال:((أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه، قلت: زدني، قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك، قلت: زدني، قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي، قلت: زدني، قال: أحب المساكين وجالسهم، قلت: زدني، قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك، قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا، قلت: زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي، يا أبا ذر! لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق ))
والحمد لله رب العالمين