المشافي والمستشفيات عبر التاريخ البشري
د. عميش يوسف عميش
كان الانسان منذ الازل يعتقد بان للأعشاب قوة في شفاء الامراض والجروح والكسور. واستخدم ايضاً السحر بكل اشكاله، وجاءت شعوب كثيرة اهمها الفراعنة – الذين مارسوا الطب بمهارة 4000 عام ق.م واول من اوجدوه وكان لديهم اطباء في جميع الاختصاصات كما ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوتس (485 – 425 ق.م). وانشأوا المدارس الطبية – واهمها الاسكندرية. ووضعوا نظاماً لها واول من قام بالتشريح لمعرفة اعضاء الجسم واول من استنبط التحنيط ، وهناك معلومات مهمة كتبت على ورق البردي وكذلك القراطيس الطبية الثمانية وهي الواح مغلفة تحتوي على مخزون كبير من العلوم الطبية واهمها:قرطاس هيرست، وبرلين، ادوبن، ايبرس ، وزويجا (مرجع: كتاب الطب المصري القديم: تأليف الدكتور حسن كمال – مكتبة مديولي) يذكر المؤلف ان ابقراط استمد كثيراً من الطب الفرعوني والفراعنة اول من اسس الطب ودونوه. واقاموا المشافي في دور العبادة او بجانبها. بعد هذه الحقبة ظهر العالم وابا الطب اليوناني (ابقراط – Hippocrates) (460ق م –377 ق م) كأول من انشأ مستشفى في تاريخ البشرية. فلقد جعل من الحديقة التابعة لداره مكاناً يأوي اليه المرضى طلباً للراحة والمعالجة. وجعله سكناً مقسماً لعدة قاعات. وعين فيه خدماً لخدمة المرضى واطعامهم ومداواتهم. واطلق اسماً يونانياً عليه (اخسندوكين) ويعني (مجمع المرضى). ويعتبر اول مجمع للمرضى في تاريخ الطب البشري، ثم انتشر استحداث المستشفيات وتطورت هندسة عماراتها لتلائم راحة المرضى وتطبيق اصول المعالجة الطبية. ففي فترة الحكم الفارسي، وقبل الفتح الاسلامي بثلاثة قرون بدأ انشاء المستشفيات والتي سميت (بيمارستانات) ومفردها (بيمارستان) كلمة فارسية من كلمتين (بيما) ومعناها مريض او مصاب و(ستان) بمعنى دار. فهي تعني «دار المرضى». وتعتبر مستشفيات تعالج فيها جميع الامراض، اما اكبر واهم بيمارستان فشيد في (جنديشابور) وانشأه كسرى الاول واقام فيه مدرسة طبية جلب اليها المعلمين من اليونان والسريان. وظلت حتى الفتح الاسلامي حيث تخرج منها اطباء ابدعوا في مهنتهم، وقام الخلفاء الراشدون بالاستطباب في هذا المستشفى. ثم بدأ الخلفاء العرب ببناء المستشفيات على شاكلة بيمارستان جنديشابور وقد اصبحت لعلاج المرضى وايضاً لتعليم الطب السريري (بينما بقي التعليم النظري للعلوم الطبية في الجوامع والكتاتيب) وقد اقيمت المستشفيات بعد ذلك في عصر الحضارة العربية الاسلامية بالتتابع خلال عصور الخلافات المتعاقبة: (1) العصر الاموي. فقد اقيم اول مستشفى عام (88هـ / 707م) وقام بإنشائه الخليفة الوليد بن عبد الملك في دمشق وكانت البيمارستانات نوعان: ( أ ) المحمول – الذي ينقل من مكان لاخر حسب انتشار الاوبئة والحروب ويعرف اليوم (الاسعاف الميداني) ويكون مجهزاً بكل ما يحتاجه المرضى من معدات المعالجة والادوية والطعام. وكان للأطباء والصيادلة وجهاز التمريض ملابس مخصصة. (1) الثابت. وقد كثر وجوده في القاهرة وبغداد ودمشق. كبناء مثل قلاون بالقاهرة، والنوري بدمشق وارغون بحلب. وعمل فيه عدة علماء مشهورين. (2) العصر العباسي. حيث بنيت مستشفيات ارقى واحدث. وشيد (26) مستشفى نذكر بعضها: بيمارستان علي بن عيسى، العضدي، اصفهان، شيراز، حران، المدينة والمستنصري. (3) تونس. وسمي المستشفى (دمنة) نسبة الى حارة في طرف مدينة القيروان. وقام بتأسيس اول مستشفى (زيادة الله الاول الاغلبي) وسماه مستشفى دمنة، ثم اقيمت عدة مستشفيات وعمل فيها اطباء كثر وعين مديراً لكل (دمنة). نذكر منها سوسة وصفاقس وتونس. (4) مصر. وكانت الارقى مقارنة بما اقيم قبلها. ذات مساحة واسعة، ونظام كوادر، وموازنات مالية من الخلفاء ورواتب للموظفين وتوفر كل العلاجات. اهمها: العتيق، الاسفل، القطيين، الناصري، الاسكندرية، المنصوري، واستمر فيها العمل حتى(1284) م. وضمت عدداً من الاطباء المشهورين. (5) بلاد الشام. كان اول مستشفى بناه في دمشق الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك (88هـ/707م). ثم اصبح عددها (20) نذكر منها: النوري الكبير بدمشق، انطاكية، والموصل وحماه، والقدس، وعكا والصالحية، نابلس، صفد، الكرك. (6) المغرب والاندلس. واهمها بيمارستان مراكش واسسه المنصور بن يوسف الامير الموحدي (1184م – 1199م) وبيمارستان غرناطة اسسه محمد بن يوسف بن فرج (1365م / 761هـ) ثم سلا وفاس وقرطبة. ان دراسة تأسيس المستشفيات وتطورها عبر التاريخ خاصة عبر الحضارة العربية الاسلامية والتقدم في مجال العلوم خاصة الطب يعكس لا شك الصورة المشرقة لنشأة العلوم الطبية في عصر الحضارة العربية الاسلامية وتطورها.