لا ندم على فراقك
رنا حداد
دائما كنت احاول بل اتجنب الخوض في جزئية «مضار التدخين»، فهي اي هذه المضار ستجبرني انا أولا على ترك عادة التصقت بي وصارت مني منذ سنين.
لم يكن هذا ذنبي الوحيد، بل انني اتذكر عبارات التحريض على الكذب التي اقترفتها في حق نفسي مدافعة عن عادة اقترفها بفرح لا مبرر له، واقبال منقطع النظير .
كنت اقول: «شي بنحبه ليه نتركه»، وكنت دائما اردد قول نزار قباني في احدى قصائده :
«واصل تدخينك .. يغريني
رجلٌ .. في لحظةتدخين
ما أشهى تبغك .. والدنيا
تستقبل أول تشرين
والقهوة .. والصحف الكسلى
ورؤىً .. وحطام فناجين
دخن .. لا أروع من رجلٍ
يفنى في الركن .. ويفنيني ..
رجلٌ .. تنضم أصابعه
وتفكر .. من غير جبين ..»....
لم تستوقفني يوما عبارات جد في إعدادها من عانى من هذه الآفة واضرارها، كنت اقفز عن مقالات واستطلاعات ودراسات طبية وعلمية تتناول هذه الافة واضرارها وسبل التخلص منها، فكنت فورا اتخلص منها، اي النصائح والمقالات، كنت اقنع نفسي انني بغنى عن خوض معركة يخوضها ضدي النيكوتين، وبأنني مستمرة بمهادنة معه الى نهاية المصير.
بالمختصر، كنت افتقد الرغبة والهمة في قراءة اي تحذير لهذه «السيجارة» التي كنت اقبلها صباحا حتى قبل جبين طفلتي.
اتذكر ذات سفر، انني قطعت مسافة خيالية لأصل منطقة «التدخين» واحظى بفرصة جرعة نيكوتين، وفكرت حينها أنني ما كنت لاقطعها لو كان الهدف مغايرا، واللقاء مع غير السجاير.
ذات صباح، طلبت من طفلتي ان تحضر لي صديقي «اللدود»،( باكيت الدخان)، فإذا بالصغيرة تعود، وفي فمها احد محتوياته !!!
اي قدوة حسنة اقدمها لطفلتي انا؟؟
هذا السؤال الذي طرحته بيني وبين نفسي في تلك اللحظة؟
وللامانة، لم افكر حتى لحظتها باضرار التدخين علي انا شخصيا، لم تكن بشرتي ولون اسناني في الحسبان، لم يكن انقطاع نفسي في كثير من الاحيان، فقط استفزني مشهد طفلة تضع السيجارة في فمها، لاعود واتخيل منظر النيكوتين يسري في عروق صغيرتي ولو بعد اعوام.
قررت حينها ان اكتب اليه، اي النيكوتين رسالتي الاولى والأخيرة .
«لن اسمح لك»، هذا عنوان رسالتي اليه.
وكتبت « لن أراك تسبح في دم ابنتي،هذه الحسناء تستحق ان اميتك اليوم من اجلها، طفلتي : مسالمة جدا، احب جمالها، احب ان تبقى نظيفة، يانعة، مشرقة، لذا سأهجرك واشتري نقاء رئتها وشفاهها وحياتها».
وداعا بلا عودة، ولا ندم على فراق.
صديقتي وسجائري
نزار قباني - ديوان:حبيبتي
واصل تدخينك يغرينــــي
رجل في لحظة تدخيـــــن
هي نقطة ضعفي كإمـرأة
فإستثمر ضعفي وجنوني
مأشهى تبغك والدنيـــــــــا
تستقبل أول تشريــــــــن
والقهوة والصحف الكسلى
ورؤى وحطام فناجيـــن
دخن لاأروع من رجــــــل
يفنى في الركن ويفنيني
رجل تنضم أصابعـــــــــــه
وتفكر من غير جبيــــن
أشعل واحدة من أخـــــرى
أشعلها من جمر عيوني
ورمادك ضعه على كفــــي
نيرانك ليست تؤذنــــــي
فأنا كإمرأة يرضينــــــــــــي
أن ألقى نفسي في مقعـــــد
ساعات في هذا المعبــــــــد
أتأمل في الوجه المجهــــــد
وأعد أعد عروق اليـــــــــد
فعروق يديك تسلينـــــي
وخيوط الشيب هنا وهنــــا
تنهي أعصابي تنهينــي
دخن لاأروع من رجـــــــل
يفنى في الركن ويفيني
أحرقني أحرق بي بيتــــي
وتصرف فيه كمجنــون
فأنا كإمرأة يعجبنــــــــــي
أن أشعر أنك تحمينــي
أن أشعر أن هناك يــــــداً
تتسلل من خلف المقعـــــد
كي تمسح رأسي وجبيني
تتسلل من خلف المقعـــــد
لتداعب أذني بسكونـي
ولتترك في شعري الأسود
عقداً من زهر الليمـون
دخن لاأروع من رجــــــل
يفنى في الركن ويفنيني