بين إعمار وإعمار
كانت قبائل قريش مستعدة ربما أن تأخذ من قوت عيالها وتقطع من لحمها ان جاز التعبير لتحتفظ بعمارة المسجد الحرام بكل نشاطاته
من سقاية وسدانة ورفادة فالأمر كان من القدسية بمكان ومن التشريف بمكان جعلهم يقتتلون بل ويريقون دماء بعضهم البعض
قبل الوصول الى صيغة تشاركية في توزيع مهام اعمار البيت الحرام الذي جلب لهم الاحترام والقوة والتشريف والغنى.
ولكن بعد مجيء الاسلام جاء قانون فاصل سحب بساط العز والقوة الدنيوية من تحت المشركين وسلمه لأصحاب الحق
مطلقا حملة تغييرية كبيرة في المفاهيم والممارسات ما بين الإعمار المادي الذي قد يتطاول في البنيان
ولكن دون روح وبين ما بين الإعمار الروحي الذي يحفظ قواعد وأركان المباني ولوكانت حجارة مصفوفة اوأنقاضا مهدمة تفترش الأرض وتلتحف السماء!!
نزل القانون الالهي للاعمار ليميز الخبيث من الطيب ويضع أرضية أخلاقية للبناء المادي فقال تعالى
"ما كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ، إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ"
بل زاد على ذلك أن خرج من إطار المباني الى إطار الأعمال التي تحفظ للبنيان قوته وصموده فذكر الصفات الايمانية لمن يقومون على الإعمار
وقرنها بالجهاد في سبيل الله لتكتمل المعادلة في صفات مهندسي العمارة والإعمار،
هذه المعادلة هي التي ترفع تاريخ المباني ولوكانت أنقاضا أوتضع القصور والقلاع ولوبناها النماريد!
يتناقل العالم اليوم أنباء مؤتمر إعمار غزة الذي تقوم عليه دول عربية وغربية بعضها ساهم مباشرة وبشكل غير مباشر في الحرب على غزة
وهي الآن كمن قتل القتيل ومشى في جنازته ليضع وردة على قبره، والمؤتمر جمع نظريا وأمام وسائل الاعلام مبلغا ربما يكفي لاعمار غزة
الا أنه لم يجرم الاحتلال ولا الدول التي ساندته فكانت مسؤولة عما حل بالقطاع من كارثة انسانية ومادية،
مؤتمر للشحدة يتقن السارقون إقامته فيضيع المال ما بين أزقة العمالة والرشوة ولا يصل المستحقون سوى الفتات ان وصل
ليعود المحتل لهدمه مرة أخرى في حلقة مفرغة لا توقف أسباب الاعتداء والهدم ولا توفر أركان وأساسات الحماية للبناء قبل إقامته!!
ولكن الله في حلقة المدافعة بين الحق والباطل لا يترك المشهد ليرتع فيه المضلون بل يدفع بعباد له يقدمون النموذج
فسبق مؤتمر الاعمار العربي الدولي مؤتمرا شعبيا للهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة الذي جمع في اسطنبول في اغسطس الماضي
جميع الشخصيات والمؤسسات العاملة في ميدان الإغاثة بالاضافة لحضور رسمي ورعاية كريمة لمؤسسة قطر الخيرية وممثلي الحكومة التركية والتونسية، ممثلي بلاد تتمثل القيم وتنتصر للانسان والحق ولا نخاف أن نجلس معها على طاولة عمل ثم تقوم لتطعننا في ظهورنا!
هذه المؤسسات ليست مصطنعة ولا حديثة عهد بالعمل الاغاثي بل يعرفها أهل غزة وتعرفها غزة على مدى عقود المأساة حاضرة على الأرض
وبين الشعب تصلح ما أفسدته الخيانات العربية والتآمر الدولي وتبقي الشعب صامدا لا تلين له قناة ولا تسقط له راية،
جهد بشري أهلي جبار شريف ومتجرد لا يقايض أهل غزة على مبادئهم ولا جهادهم مقابل لقمة خبز وشربة ماء وسقف وحبة دواء!!!
هذا المؤتمر خرج بحملة لجمع مليار دولار للاعمار وبمساعدة عاجلة بمائة مليون دولار ولكنه ينتظر جهود ومساهمة كل البنائين
من الشعوب التي تؤمن بالحق وتراه اللبنة الأبقى والاقوى في البناء فقد ذهبت أعمدة البيوت الاسمنتية في غزة ولكن بقيت الأعمدة البشرية المؤمنة
وهذه لا تُهدم أبدا ولا تصلها يد الخراب ولا الة الجيوش، فبيوت غزة ليست من حجارة الأرض
إنها من حجارة السجيل للأعداء ومن رمل البحر للاخوة والأشقاء!
كم نستدين ونقترض لبيوتنا ونقسط على سنوات ممتدة ترهق أرواحنا وأجسادنا حتى السداد ولكننا نفعلها فالبيت أمان وحاجة أساسية
وبيت متواضع في غزة يكلف 3 الاف يوروفهل من مقترض لله إن لم يجد ومقرض لله ان وجد ليكون مهندس الله في أرضه
يعمرها بأمر الله كما يحب الله ويرضى ولا يتركها لمقاولين جهلة يسمسرون على المبادىء ويبيعون الأرض والانسان.