اقترح يوسف يعقوبسون، وهو مزارع برتقال وفيما بعد مٌستشار لوزارة الدفاع، على بن-غوريون أن يأخذ مصنعاً لإنتاج الأحذية في يافا من أصحابه وأن ينقله الى ملكية مصنع ((منعال)) في غفعات هشلوشاه. سأل بن-غوريون وزير المالية عن رأيه فقال كابلان أنه يجب عدم أخذ ممتلكات خاصة للعرب بالقوة في يافا. اعترض بن-غوريون عليه قائلاً: ينبغي لنا ألا نأخذ الممتلكات الموجودة داخل البيوت السكنية. لكن ذلك لا ينطبق على ممتلكات اُخرى!
أعلم يعقوبسون [بن-غوريون] أن الجيش يخلي من يافا . يومياً ممتلكات بقيمة 30 ألف ليرة.
ابلغ المحامي نفتالي ليفشيتس من حيفا أنه في مصارف حيفا ودائع بقيمة 1,5 مليون ليرة إسرائيلية خاصة بالعرب. فقال بن-غوريون : ((المصارف مُستعدة لتسليم هذه الممتلكات)). وهكذا نالت أيضاً مؤسسات الحكم نصيبها من الغنائم. كتب وزير الزراعة، تسيزلينغ، الى بن-غوريون:
((نحن نكرر البحث في جلساتنا، مرة بعد الأخرى، في مسألة مُعالجة الأملاك المتروكة. والكل [من أعضاء الحكومة] أعربوا عن قلق ومرارة وخجل مما يحدث. ولغاية الآن لم نصل الى حل. وإذا كنا نتحدث، بصورة عامة، عن هذه الظاهرة من ناحية الفسق الخلقي للجنود ومواطنين ... الخ، فالأخبار تتكاثر عن عمليات تثبت، طبقاً لحجمها وطوابعها، أنها لا يمكن أن تتم إلا بموجب تعليمات [حكومية]. إنني أسأل، على أي أساس اُعطيت التعليمات؟ - لقد سمعت انه تأخر تنفيذها - لتفكيك مُحركات ديزل (لمضخات المياه) في بيارات عربية- ... مع ذلك استمر النهب الشخصي)).
ورد في تقرير القائم [على أملاك الغائبين]: ((إن عملية واسعة الحجم لتفكيك المحركات جرت في كل المناطق. نظراً الى الضرورة الملحة، نفذت المكومة عملية لتجميع كل المحركات الموجودة في مضخات المياه في البيارات المتروكة بسبب السرقات الهائلة، وكي يصبح تشغيلها ممكنا وقت الحاجة)). وفي جلسة الحكومة أيضاً تحدث تسيزلينغ عن نهب المضخات في البيارات. إن تسيزلينغ من جانبه سيمثل، كالآخرين، مصالح محددة جداً. لقد اقترح عليه وزير العدل، روزين، التوجه الى المزارع - ومن بينها مزارع حزبه - ومطالبتها بالتعاون مع القائم [على أملاك الغائبين] طبقاً للأنظمة التي نشرت في هذا الأثناء، والتي توجب على كل من يحتفظ بممتلكات متروكة إبلاغ السلطات بذلك غضون اُسبوعين.
رد وزير الزراعة، وهو من أبناء عين حرود [المقامة على أنقاض قرية قومية الفلسطينية]، أنه ((ليس من السهل)) عليه التوجه الى المزارع بهذا الشأن. وفي جلسة للجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة أوضح تسيزلنغ بعدم اتخاذ إجراءات ضد رجال المزارع الذين ((سيتأخرون)) في تسجيل الممتلكات خلافاً للأنظمة. وتمت الموافقة على توصيته. وقد كلفه زملاؤه الاجتماع مع أمانات السر القطرية لمنظمات الاستيطان، ومع وزير المالية كابلان ((للتحادث في شان هذا الموضوع)).
أفلح الجيش حين وصول شفرير الى بئر السبع، بعد يومين من احتلالها، في أن ينقل من المدينة بضعة جرارات، وترك البعض الآخر في مكانه لينقلها رجال القائم على أملاك العدو ((للتخزين)) في المزارع المجاورة. وذكر شفرير في اللجنة الوزارية: ((يجب الافتراض أن وزارة الزراعة لا تريد إخراجها [الجرارات] من منطقة النقب، وستكون هنالك حاجة الى توزيعها على المزارع)). وذكر في تقريره أن أدوات وأجهزة زراعية بيعت بموجب توصيات من وزارة الزراعة. وبعد فترة وجيزة أصدر بن غوريون تعليمات ((للتحقيق في كل مزارع الجليل الأعلى والجليل الأسفل - كيبوتسات، وموشافيم، وموشافات- عن قطعان (بقر وغنم) متروكة والممتلكات الأخرى التي أخذت من القرى العربية في أيام الاحتلال وبعدها -كالغلال، والمفروشات، وكل انواع الحاجات- وتقديم قائمة مُفصلة بها الى وزير الدفاع)).
بعد بضعة أيام من احتلال يافا خرج غيورا يوسفتال، المسؤول عن قسم الاستيعاب في الوكالة اليهودية، لتقدير عدد المهاجرين الذين يمكن توطينهم في المدينة. كان الكثير من شوارع المدينة خالياً من الناس لدى وصوله، والبيوت مهجورة، والحوانيت مقفلة. الأجواء لا تزال مشبعة برائحة الحرب وبشيء من أثر الحياة التي ازدهرت هنا من قبل. كان يوسفتال، ((ييكه [لقب يطلق على المهاجرين اليهود من ألمانيا النازية])) طويل القامة، صارماً ومستقيماً، تزود بوثائق مختلفة بينها واحدة من القائم على أملاك العدو وأخرى من بن-غوريون نفسه، الذين وافقا على تخصيص يافا لإسكان المهاجرين اليهود. وقد سجل بن-غوريون في مذكراته: ((ستكون يافا مدينة يهودية، الحرب هي الحرب)). وقد شكل يوسفتال في مكتبه ((لجنة إسكان)) كلفها توزيع منازل المدينة على المهاجرين طبقا لمعايير ومقاييس حددها (مُسبقا)ً. لكن الوقت لم يكن وقت لجان ومقاييس، لقد سقطت بيوت يافا في أيدي الذين وصلول إليها أولاً.
يقول شفرير:
((مع تزايد الهجرة في صيف 1948، بدأت المؤسسات المعنية بها، وكذلك المهاجرون أنفسهم، المطالبة بتحرير أجزاء من المدينة التي كانت مُحتلة والتي لم تخل منها البضائع، بعد، من مخازنها وحوانيتها، بالإضافة للورش والمصانع: في حيفا بدأ مكتب المراقب تسليم مساكن لقسم الاستيعاب التابع للوكالة اليهودية في شهر تموز/يوليو. وكان المقصود أن تسلم المساكن والمتاجر، منطقة بعد منطقة، كلما اُخليت البضائع منها. لكن هذا النظام لم يدم، فقد اُرشدت مئات العائلات من المُهاجرين الى غزو المساكن، الأمر الذي تسبب بفوضى سواء في جمع البضائع أو في توزيع المساكن. وفي يافا كان الوضع أسوأ أضعافا، فقد تقرر فتح جزء من المدينة في 10 أيلول /سبتمبر، وتقرر أيضاً توزيع معين للمنازل على قسم الاستيعاب، وعلى مؤسسات الجيش، وعلى موظفي الحكومة الذين نقلوا الى القدس، وعلى أبناء المزارع المُخلاة الذين أقاموا حتى ذلك الحين في المدارس بتل أبيب، وعلى عائلات الجنود. لكن قسم الاستيعاب في تل أبيب خرق النظام، ونظم قبل الموعد الذي تحدد لفتح المدينة لاستيعاب المواطنين. وكلفت الحكومة لجنة لمعالجة توزيع المساكن في يافا، وعقدت هذه اللجنة جلسات توصلت بعدها الى استنتاجات موثوق بها، لكن الضباط الذين كُلفوا بالمساعدة خرقوا النظام، فسمحوا لمئات من عائلات الجنود بغزو المدينة، وهكذا تعرضت يافا لغزوات وغزوات مضادة)).
نفى قسم الاستيعاب هذه الأمور بشدة. وبحسب قوله، فإن وزارة الدفاع هي التي حاولت السيطرة على المنازل التي خصصت للمهاجرين.
صورة نادرة لقرية يازور (محافظة يافا) بعد احتلالها ويظهر مُهاجرين يهود فيها. 1949
وطبقا لما كان مألوفا، من ينجح في وضع سرير في غرفة ويمضي ليلة فيها، يستولي عليها. وذات يوم ظهر إبراهام عامشاليم، 19 عاما، في منزل محمد أبو صيرا في حي العجمي. وبعد أن هدد العربي برشاش، اقتحم المنزل. وقدم هذا الشاب الى المحكمة، حيث شرح للمحكمة أنه على وشك الزواج ولا يملك منزلاً. فحكم علية بالسجن خمسة أيام.
وقبل ذلك ببضعة أسابيع، غزا بضع عشرات من الجنود مساكن العرب في حي النسناس وشارع عباس في حيفا. فقد خرجوا في الساعة السادسة فجراً، مُدججين بالأسلحة، وأخرجوا السكان العرب بالقوة وألقوا أمتعتهم في الشارع ثم أدخلوا أمتعتهم في منازل العرب. وكان بينهم جنود من مشوهي الحرب. وقد أخرجتهم الشرطة، لكنهم عادوا في المساء فغزوا مساكن اُخرى، هم أيضاً لم يكن لهم منازل.
لم يتوقف العنف على البيوت العربية: فموشيه يوفيطار أخذ مسكنه من القائم على أملاك العدو، ومع ذلك بقي يتعرض للإزعاج كما روى، أشخاص يأتون الى المساكن جماعات من اثنين أو ثلاثة، يقدمون أنفسهم كموظفين في الوكالة اليهودية، ويطلبون رؤية الغرف، ويعاينون عقد الإيجار، ويطرحون أسئلة: كم نسمة تقيم في هذه الغرقة وكم في تلك. عرف يوفيطار أنهم ليسوا من موظفي الوكالة. وانتهت زيارتهم، في غير مرة، بالشتائم والتهديدات. خاف يوفيطار: ((لا يوجد من أتوجه إليه)). وشكا: ((لا يوجد شرطة مدنية، والشرطة العسكرية بعيدة عن هنا)).
وكتب القائم على أملاك العدو، شفرير، ما يلي: ((مُساعدة الشرطة محدودة، والشرطة العسكرية كأنها غير موجودة)). وجند شفرير، بموافقة وزارة الشرطة، عدة أفراد من الشرطة على حساب مكتبه)).
في الإجمال سكن المنازل المتروكة بين 140 ألف و160 ألف مُهاجر يهودي وسكن المنازل المتروكة في يافا نحو 45 ألف مُهاجر، والمدينة السفلى في حيفا 40 ألف، وعكا نحو 5 آلاف. كان الشخص الذي كُلف بإسكان عكا مُرخاي ساريد، الذي روى فيما بعد:
((انكببنا على إحدى الخرائط، وعُرفت البيوت التي سأستلمها. عملت مع مهندسين، وقررنا ما نفعله في كل مسكن. هنا أحواض، وهناك تبييض. هناك تبليط، وهنالك مجارير)). لقد نفذت أعمال الترميم على حساب الوكالة اليهودية. وألزم القائم على أملاك العدو إعادة الأموال من إيجار المسكن الذي يجبيه من المهاجرين ويذكر ساريد انه في إحدى الأيام اهتم بسلامة المهاجرين، واُبلغ أنهم ((يتدبرون أمرهم)). أجاب حسناً، فليتدبرو أمرهم. وشرح له أحد مُساعديه معنى ذلك: ((إنهم يسحبون الطاولات والخزائن من البيوت المتروكة)). وهذا ما سُمي عندهم بتدبير الأمر. ((ذهل ساريد كثيراً)) على حد قوله، واستدعى النافذين من المُهاجرين وطلب منهم إعادة كل الممتلكات المسروقة. وعلى حد قوله، اُعيد ((كل شيء تقريباً)).
أكد بن-غوريون في إحدى جلسات الحكومة، أنه على علم بخطة إخلاء عكا من سكانها العرب ((لمناسبة اقتراب الجبهة)). وقال ان الحكومة كلها ستجبر على أخذ قرار بتنفيذ الإخلاء. إن قرار إسكان عكا بالمهاجرين اتخذ في اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة قبل نحو عشرة أسابيع.
أرسل مُرداخاي ألكاييم لتنظيم توطين المهاجرين في الرملة. وكانت خطوته الأولى ان بتفقد المدينة برفقة عاملين اجتماعيين. ثم نظم بعد ذلك عملية التوطين، بالتعاون مع حاكم المدينة العسكري، في منطقة تلي الأخرى. وروى فيما بعد:
((قررنا ان نبدأ بمنطقة مُعينة، لم يكن هنالك كهرباء لكن المياه كانت مُتوفرة. ولم تكن المنازل في حالة سيئة. والترميم لا يحتاج الى وقت طويل. بعد ثلاثة أيام وصل أوائل المهاجرين 36 عائلة من أصل بلغاري. أتى ألكاييم الرملة من دون طاقم، عدا مُساعدين اثنين. وجند موظفيه من المهاجرين أنفسهم. كانت مهمتهم التجول بين المنازل الخالية، لتسجيل عدد الشقق في كل بيت وتحديد العائلات التي ستسكنها. وعندما وصل المُهاجرون كان رجال ألكاييم يقودونهم الى الشقق، ويوزعون عليهم الغرف، ويحددون استخدام الخدمات. قال ألكاييم: ((أُلصق على كل باب اسم العائلة وعدد الغرف التي في عهدتها، كي لا تتمكن من غزو غرف اُخرى)). وطبقاً لأقواله أشترى المهاجرون أثاثهم من القائم [على أملاك الغائبين] وهناك من حمل معه شيئاً ما من خارج البلد. لكن عندما سُئل عما إذا كان هناك من سرق من أثاث العرب أجاب: ((طبعاً كانت هناك فوضى غير قليلة. اشتروا وصادروا، وفي اية حال تدبروا أنفسهم. ووجدت طلائعهم بقايا أثاث هنا وهناك، في حين لم يجد المتأخرون ما يبحثون عنه)). هناك مهاجرون دخلوا عنوة غرفاً لم تكن مُخصصة لهم. بمساعدة الجيش، أجبرنا على إخلائهم بالقوة.
حتى نهاية السنة وُزع على المُهاجرين في الرملة نحو 600 حانوت. لم يكن لدى ألكاييم فكرة عما تحتاج إليه المدينة، وبناء على ذلك ذهب الى تل أبيب. وروى فيما بعد: ((تجولت في الشوارع، وأعددت قائمة بكل أنواع الحوانيت، وقدرت عدد محلات البقالة التي يجب أن نفتحها، وكذلك الملاحم، وصالونات الحلاقة، والمقاهي)). ووزعت المحلات، طبقا لقوله، بناء على قرار اللجنة وأخذ في الاعتبار الجنود ومشوهي الحرب بصورة خاصة، لكن بعضها تم تأجيره لمن يستطيع دفع الإيجار.
وحتى أيار/مايو 1949، كان قد أُسكن في الرملة نحو 8,000 شخص وفي اللد نحو 8,000 شخص. في أيار/مايو 1949 أيضاً، كان تيار الكهرباء مقطوعاً، وكان هناك نقص في المياه، لكن معظم الأحزاب أفلحت في فتح فروع وأندية لها في المدينة. ومن الأملاك التي سُلمت للمهاجرين أيضاً، مصنع لصنع الأزرار، ومعمل للمرطبات، ومصانع لإنتاج السجق والثلج والأقمشة والمعكرونة.
صورة نادرة لإسرائيليين وهم ينهبون حي المُصرارة في القدس الشريف- نهاية 1948
هذا ما حدث في القدس أيضاً، ففي نيسان/إبريل تقرر تخصيص 400 مسكن لموظفي الحكومة الذين سينقلون الى القدس. لقد مُنحوا أولوية السكن في حي البقعة وفي الحي الألماني والحي اليوناني. وتسلم قسم الاستيعاب منازل حي المُصرارة وقرية لفتا. وقد عُين شاؤول أفيغور،أحد مساعدي بن-غوريون المقربين، حكماً نهائياً في حال الخلافات.
لم يرد في وثيقة التوزيع هذه، كما درجت العادة، ذكر للمنازل الموجودة في حي الطالبية الفاخر التي وزعت على موظفين كبار ومقربين وذوي علاقة على مُختلف أنواعهم: موظفي الحكومة، قضاة، أساتذة في الجامعة العبرية وأمثالهم.
وفي القدس أيضاً ((دُفع مئات الأفراد الى غزو)) المنازل الفارغة. مركز المُهاجرين في البقعة أرسل المهاجرون للاستيلاء على مساكن خصصت لموظفي الحكومة وأمثالهم. غزا المئات من الأفراد مساكن من تلقاء أنفسهم. وتحفظ في ملفات قسم الاستيعاب أسماء الغزاة والى جانبهم توصيات بالسماح لهم بالبقاء في المساكن التي صادروها، كمن نالها قانونيا: ((كلاين موشيه: تاريخ الهجرة 22/7/1949، بلد الأصل هنغاريا، عدد الأنفس 4، دخل عنوة في 21/12/1949 المجموعة رقم 160، قسيمة رقم 302، عدد الغرف 2، تاريخ التوصية 25/1/1950، عميرام مسعود: هاجر في 1/3/1949، بلد الأصل الجزائر، عدد الأنفس 8، دخل عنوة في 23/8/1949 المجموعة رقم 112 قسيمة رقم 13، عدد الغرف 2، تاريخ التوصية 24/1/1950)). ويبدو أن التوصية كانت في الأساس إجراء شكلياً. وحذر يتسحاق بن تسيفي:
(( إذا ذهبنا الى رؤساء الطوائف اليهودية لجمع التبرعات في خارج البلد سيُطرح السؤال أيضاً عن كيفية استغلال المساكن العربية التي اُخليت. فقد اُخلي أكثر من 400 ألف مسكن، واُسكن فيها 70 ألفاً من المُهاجرون فقط. قد يُفسر هذا كإهمال من جانبنا، فاستغلال الأماكن المتروكة ضروري)).
إن عشرات الآلاف من الإسرائيليين، جنوداً ومدنيين، نالوا قسطهم من الغنائم. واحد صادر مقعد وآخر بساطاً، وواحد أخذ آلة حياكة والثاني آلة حصاد، وواحد استولى على مسكن وآخر على كرم زيتون. وبسرعة فائقة ومن دون صعوبة، ولدت خلال ذلك طبقة -بالتأكيد صغيرة جداً- من الأغنياء الجدد، والتجار، والسماسرة، والمقاولين، والوسطاء على أنواعهم، والصناعيين والزراعيين. هناك ما أخذ ما أخذ بالسرقة، وهناك من نال من نال بالقانون، عُقد جزء كبير من هذه الصفقات في إجراءات لم يبت بها القانون (ما بين المحظور والمسموح به، ما بين ما هو منهوب وما بين ما هو مصادر).
كانت هناك لجنة لأملاك العرب عينتها الهاغانا قبل تعيين القائم على أملاك العدو. ومع احتلال حيفا وطبرية وصفد ويافا والقدس، عينوا مُحاميين محليين للإشراف على الأملاك المتروكة. لقد قرروا تركيز الرقابة في يد واحدة وزيادة نجاعتها نتيجة كثرة الأملاك وتكاثر النهب: في عهد الانتداب كان في البلد قائم كان يشرف على ممتلكات ألمانية وغيرها. وفي الأشهر الأولى رأوا في القائم على أملاك الألمان وصيا ذا مهمة مؤقتة فقط: كانت وظيفته الحفاظ على الأملاك التي تركها اللاجئون الألمان وصيانتها جيداً الى أن يعودوا وتعاد أملاكهم اليهم. إن أنظمة الطوارئ التي استخدمت اساسا لأعمال القائم على أملاك العدو، قيدت صلاحياته. فكان محظوراً عليه بيع الممتلكات التي احتفظ بها، [ويجوز] له فقط تأجيرها لفترة لا تزيد عن خمسة سنوات، ولم يُنتزع من اللاجئين حق الملكية. لكن في معظم الحالات لم يسمح لهم بالعودة، ولم تعتزم إسرائيل أن تعيد اليهم ممتلكاتهم. صحيح أن الدولة أعلنت استعدادها لتعويضهم من ممتلكاتهم، لكن في إطار اتفاق سلام شامل فقط. وقد انشغل ديفيد بن-غوريون أيضاً، قبل إنشاء الدولة، بمصير ممتلكات العدو، وقرر آنذاك أن ((الممتلكات هي للحكومة)). لقد اهتم رئيس الحكومة كثيرا بطرق مصادرة حق مِلكية الأملاك المتروكة، وأكثر من استدعاء مستشارين قانونيين وخبراء آخرين وبحث معهم في مختلف الاحتمالات. وسجل في مُذكرته: