مبادرة سلام عربية أم وعد بلفور عربي؟
يبدو أن الافتقاد إلى معنى قوة الحق والرضوخ لمنطق حق القوة قد فتح الطريق
أمام إمكانية تناسل وعد بلفور وعدا جديدا، يضاف إلى وعد بوش الابن لأرييل شارون
في 14/4/2004، على أن يكون وعدا عربيا هذه المرة
يتيح لإسرائيل التخلص من أخطر أشكال النضال الفلسطيني،
لإلغاء طابعها العنصري كـ"دولة يهودية" وهما حق العودة والنمو الديمغرافي.
قابلية إنتاج الوعد
لا يتوافر النظام الرسمي العربي على قابلية إنتاج وعد بلفور جديد، فحسب، بل إنه شق المجرى وهيأ المناخ، ووفر الفرصة اللازمة لأجله، بتخففه المبكر من أعباء القضية الفلسطينية، وبتخليه عن طابعها القومي وإلزامها الشعب الفلسطيني وحده، لتصبح قضية قطرية محضة، من خلال إعلانه أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حيث دفع بهذا الاتجاه وبقوة كل من الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، والرئيس المصري أنور السادات في قمة الرباط 1974، لغايات اتضحت -بالطبع- لاحقا، ومن ثم سيادة مقولات أقل ما يقال فيها أنها فاسدة: نقبل ما يقبل به الفلسطينيون، لن نكون ملكيين أكثر من الملك.
"لا يتوافر النظام الرسمي العربي على قابلية إنتاج وعد بلفور جديد فحسب، بل إنه شق المجرى وهيأ المناخ ووفر الفرصة اللازمة من أجله بتخففه المبكر من أعباء القضية الفلسطينية وبتخليه عن طابعها القومي وإلزامها الشعب الفلسطيني وحده"
وقد شارف هذا المجرى على النهاية بإقرار المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002، لكن عدم الاكتراث الإسرائيلي بالمبادرة، أوقف الأمور عند حدود ما قبل النهاية، إلى أن جاءت قمة الرياض، وما رافقها من حديث عن تفعيل للمبادرة العربية، بمعنى إنتاج الأليات اللازمة للوفاء بالشروط الإسرائيلية حتى تكون المبادرة بمثابة وعد حقوقي وتشريعي وتنفيذي، كما هو حال رسالة آرثر بلفور إلى المتمول الصهيوني اللورد روتشيلد.
وبذلك يكون النظام الرسمي العربي قد دخل الطور الثالث في سلوكه تجاه المشروع الصهيوني، وهو طور البحث في كيفية الاستجابة للإستراتيجية السياسية الصهيونية، وبالتالي تجسيد مقولة بنيامين نتنياهو بأن "العرب يتكيفون" واقعا معاشا.
وظيفة الوعد
من المعروف أن وعد بلفور منح اليهود فلسطين لإقامة "وطنهم القومي"، ووعد بوش صادق بصورة نهائية على نتائج وعد بلفور، فضلا عن منحه الشرعية اللازمة لـ"اللاءات" الصهيونية الشهيرة:
-لا للعودة إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
-لا لتقسيم القدس العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل.
-لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.
-لا لإزالة الكتل الاستيطانية الكبرى.
وهكذا فوعدا بلفور وبوش وبينهما اتفاقات أوسلو كان عنوانهما تهويد الجغرافية الفلسطينية وبالتالي تحويل الديمغرافية الفلسطينية إلى فائض سكاني على أرضها، يفترض أن يتم استيعابها خارج جغرافيتها، وهذا هو وظيفة وعد بلفور العربي.
ولا شك أن ذلك يتكئ على غطاء فلسطيني وفرته القيادة الرسمية، حين أبدت عدم اكتراثها بحق العودة خلال مباحثات أوسلو ورحلته إلى مفاوضات الوضع النهائي أولا.
وثانيا في سلسلة الاتفاقات الموقعة بين شخصيات إسرائيلية نافذة وأخرى فلسطينية مقربة من دوائر القرار في السلطة الفلسطينية، مثل اتفاق يوسي بيلين ومحمود عباس، وسري نسيبة وعامي أيالون، ووثيقة جنيف والبحر الميت، والتي أسقطت حق العودة إلى الديار والممتلكات التي طرد منها الفلسطينيون عام 1948، لصالح خيارات أخرى كما تجاهلت المرجعية القانونية لهذا الحق ونعني بذلك القرار 194.
وتجدر الإشارة إلى أن القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948 والذي يؤكد في المادة الحادية عشر على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها والتعويض عليهم، يواجه مصيرا كالمصير الذي واجهه قرار الجمعية الأممية رقم 3379 الصادر عام 1975، والذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، حيث تم شطبه عام 1991، وبموافقة معظم الدول العربية.
مظاهر الوعد
ويمكن في هذا الصدد التطرق إلى المظاهر التالية:
المظهر الأول: لقاء العاهل الأردني عبد الله الثاني وفد الكنيست الإسرائيلي برئاسة داليا إيتسك رئيسة الكنيست والقائمة بأعمال الرئيس الإسرائيلي.
إذ -بحسب ما نقلته الصحف الإسرائيلة وبالتحديد صحيفة هآرتس عن أعضاء الوفد- إنهم أكدوا للملك رفض الإسرائيليين على اختلاف مشاربهم سياسة عودة اللاجئين إلى ديارهم، باعتبار ذلك "انتحارا لإسرائيل" فإن الملك رد على ذلك بالقول: "إن بنود المبادرة العربية خاضعة للنقاش والحوار" وإن "التوصل إلى تسوية لن يتم إلا بالتوافق ولإسرائيل حق الفيتو على كل شيء".
"هناك مشروع لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم مقابل رصد ميزانية مالية ضخمة لإقامة مشروعات جديدة لهم في بلدانهم الجديدة، وهي ميزانية يقولون إنها بإسهامات دولية لكن العبء الأكبر منها يقع على كاهل الدول النفطية الغنية"
أضاف أن "المبادرة ليست خطة بقدر ما هي نقاط للبحث". وبحسب عضو الوفد ريفلين فإن العاهل الأردني قال إنه" بدلا من الحديث عن حق عودة اللاجئين يمكن الحديث ربما عن حقهم في التعويض، وهذه لن تكون مشكلة إسرائيل وحدها، إنما تشارك في حلها دول عربية غنية".
المظهر الثاني: أنه وبالتحديد بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم 18/4/2007 للبحث في كيفية تفعيل المبادرة العربية، بدأ الحديث عن أن صفحة الصراع العربي الصهيوني قد شارفت على النهاية، وأنه قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح في خبر كان.
على ضوء ذلك يصبح من الطبيعي أن يأخذ حق العودة شكلا آخر من أشكال المعالجة غير ما ينص عليه القرار 194، قد يكون التوطين جانبا من جوانبه المختلفة، بالإضافة إلى تبرع الدول الأعضاء في لجنة اللاجئين المنبثقة عن المفاوضات المتعددة الأطراف معالجة مشكلة فلسطينيي الشتات عن طريق الاستيعاب في الدول المتمكنة مع تسهيلات مغرية تشمل حق الإقامة وحق التملك والعمل والطبابة والتعليم.
وفي هذا الصدد يشير الكاتب المصري الأستاذ صلاح الدين حافظ إلى أن هناك مشروعا لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم في سوريا ولبنان والأردن ومصر والخليج العربي وبلاد الغرب الأوروبي والأميركي، مقابل رصد ميزانية مالية ضخمة (قدرت من قبل بعض المصادر بنحو مائة مليار دولار) لإقامة مشروعات جديدة لهؤلاء اللاجئين في بلدانهم الجديدة، وهي ميزانية يقولون إنها بإسهامات دولية، لكن العبء الأكبر منها يقع على كاهل الدول النفطية الغنية.
المظهر الثالث: تخاذل النظام الرسمي العربي في كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 والذي يتضافر بالتأكيد مع الأوضاع الأمنية المتردية.
حيث الشعب الفلسطيني بين شقي الرحى: الاحتلال وملحقاته والاقتتال الداخلي، ما جعل الهجرة الحل الأمثل لدى قطاع من شبان فلسطين، وتتوارد أرقام خطيرة عن حجم هجرة الشباب، مما يدق ناقوس الخطر على الرهان على العامل الديمغرافي في تحقيق النصر على إسرائيل.
هاني الحسن القيادي الفلسطيني، في محاضرة له في جمعية الشؤون الدولية الأردنية في 12/4/2007 تحدث عن عشرة آلاف مهاجر شهريا من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الخارج عبر مصر والأردن.
صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت النقاب عن أن الهجرة من أراضي الضفة والقطاع ازدادت في العام 2005، حيث وصل عدد المهاجرين الفلسطينيين إلى ما بين 10 و16 ألف مهاجر، وفق المعطيات الإسرائيلية.
وذكرت الصحيفة أنه وبحسب معطيات الخارجية الفلسطينية، فقد تم التقدم بـ45 ألف طلب للهجرة منذ أواسط العام 2006، للممثليات الأجنبية في المناطق الفلسطينية المحتلة، جلهم من المثقفين وأصحاب رؤوس الأموال.
الدكتور محمود الزهار وزير الخارجية السابق والنائب في البرلمان الفلسطيني والقيادي في حركة حماس أوضح في ندوة عقدت في غزة أن الإحصاءات المتوافرة تشير إلى أن 31% من شباب الضفة يرغبون في الهجرة، دون الإشارة للرقم بالنسبة لشباب قطاع غزة.
وعلى الرغم من تعدد أسباب الهجرة، فإن الدراسات تقول إن العامل الاقتصادي هو الأساس في الهجرة، فالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع تحول إلى شعب مفلس خلال السنوات الست الماضية.
فقد وصل مستوى المساعدات التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى أعلى رقم في العالم قاطبة، وأكثر من مليون ومائتي ألف فلسطيني يتلقون ضمان دخل ومخصصات، في حين أن نسبة البطالة اجتازت 35% منذ مدة طويلة.
رجع الصدى
"شوفال السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن يطالب بتوطين اللاجئين عبر خطة عربية دولية واسعة لأن ما سوف يتبقى من أرض للفلسطينيين لن يكون كافيا للموجودين فيها الآن، بل إن نسبة اللاجئين الموجودين في الضفة والقطاع تمثل أكثر من 30% من عدد السكان حاليا"
يشكل رد العاهل الأردني عبد الله الثاني على وفد الكنيست بخصوص حق عودة اللاجئين، رجع صدى لدعوة كانت وجهتها رئيسة اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط ووسط آسيا في الكونغرس الأميركي النائبة إليناروز ليشتاين يوم 11/5/2006 إلى الرئيس بوش الابن، دعته إلى مطالبة الدول العربية باستيعاب الفلسطينيين المقيمين على أراضيها.
إضافة إلى اقتراح حل "الأونروا" ومعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين بواسطة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كما دعت النائبة المذكورة الدول المانحة المعنية بملف اللاجئين الفلسطينيين المنبثقة عن مؤتمر مدريد برئاسة كندا إلى تولي مهمة التعويض، وتقديم الدعم المالي اللازم للدول التي ستتولى استيعاب الفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن دعوة روزلشتاين ليست بعيدة عن رؤية السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن زلمان شوفال المتضمنة في دراسته الصادرة في 1/3/2006 والتي يحدد فيها مصير قضية اللاجئين بطريقة يريد من خلالها تحقيق هدفين:
الأول: التخلص منها.
الثاني: ربط التخلص منها بالتخلص من الدولة الفلسطينية.
ويطالب شوفال بتوطين اللاجئين عبر خطة عربية دولية واسعة لأن ما سوف يتبقى من أرض للفلسطينيين لن يكون كافيا للموجودين فيها الآن، بل إن نسبة اللاجئين الموجودين في أراضي الضفة والقطاع تمثل أكثر من 30% من عدد السكان حاليا.
وبهذه الطريقة يمكن لإسرائيل الإعلان أنها حلت جزءاً من مشكلة اللاجئين في الأراضي المحتلة، وبقي على العرب حل الجزء الآخر من المشكلة.
جغرافية التوطين
ثمة تقديرات تنطلق من أن لبنان الشريك في مجموعات عمل" تفعيل المبادرة العربية" يواجه اليوم خيار" شبعا مقابل التوطين"، وعلى الرغم من أن الميثاق الوطني اللبناني واتفاق الطائف يرفض التوطين، فإن ضروروات يفرضها الواقع الطائفي في لبنان تستدعي توطين اللاجئين الفلسطينيين.
وهذا بالطبع يقودنا بالضرورة إلى فدرلة لبنان، والضرورات المقصودة هي التوازن الديمغرافي في لبنان وأن تنفيذ حكومة السنيورة مبدأ الأكثرية مقابل الأقلية، جعل لبنان يخرج على مبدأ الميثاق الوطني والمشاركة ليدخل في مسألة العدد.
وبالتالي فإن توطين 400 ألف فلسطيني في غالبيتهم من الطائفة السنية يهدف إلى زيادة عدد السنة الذين يتساوون حاليا مع عدد الشيعية، ليصبح عدد السنة 1.8 مليون نسمة، مقابل 1.4 مليون شيعي، و800 ألف مسيحي.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى مشروع بلدة القريعة على طريق صيدا والتي كانت الحكومة اللبنانية ستشتريها لتوطين الفلسطينيين الساكنين في الجنوب، حيث أن أراضي مخيمات عين الحلوة والبص والرشيدية تساوي 8 مليارات دولار، يمكن للحكومة أن تستعيدها عبر الاستملاك في حين أن التوطين سيأتي تمويله من مؤتمرات عربية ودولية.
وفي سياق تصفية حق العودة وتوطين اللاجئين، نشير إلى المحاولات الجارية لإحياء الخيار الأردني الذي لا يعني فقط عودة الدور الأردني في القضية الفلسطينية، وإنما يعني حل القضية على حساب الأردن.
"لو قُيض لخيار وعد بلفور العربي أن يبصر النور فإن إسرائيل ستكون قد استكملت شرعية وجودها أولا، وثانيا اندماجها في نسيج المنطقة العربية الإسلامية لتنتقل للمرحلة الثانية مرحلة إسرائيل فوق الجميع كما هو حال شعار النازية"
اللافت في الأمر أن هناك أصواتا فلسطينية تحتل مواقع في هرم القيادة الفلسطينية مثل السيد هاني الحسن أخذت تدعو علانية إلى الخيار الأردني، وفي هذا السياق يمكن قراءة لقاء الملك عبد الله الثاني مع شخصيات فلسطينية عشية لقائه وفد الكنيست.
تجدر الإشارة إلى أن إحياء الخيار الأردني كان عنوانا لدراسة غير رسمية عقدت مطلع يونيو/حزيران 2006 برعاية معهد "أميركان إنتر برايز" تحت عنوان "إقامة الفدرالية الأردنية الفلسطينية والعودة إلى خيار وحدة الضفتين" شارك في أعمال الورشة وفد أردني برئاسة السيد عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأسبق، ومن الجانب الفلسطيني نصر يوسف وزير الداخلية الأسبق، إضافة إلى المستشرق الصهيوني برنار لويس، إلى جانب عشرات الباحثين الأميركيين والأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي المعلومات التي رشحت عن أعمال الورشة أن الجانبين الأميركي والصهيوني ركزا على خيار الفدرالية باعتبارها يمكن أن تشكل البديل لـ"خريطة الطريق" لأنها تتيح حل مشكلة اللاجئين داخل حدود "الدول المضيفة" ومنها الأردن.
لو قيض لخيار وعد بلفور العربي أن يبصر النور ويتحول واقعا معاشا، فإن إسرائيل ستكون قد استكملت شرعية وجودها أولا وثانيا اندماجها في نسيج المنطقة العربية الإسلامية لتنتقل المرحلة الثانية مرحلة إسرائيل فوق الجميع، كما هو حال الشعار النازي ألمانيا فوق الجميع!
ــــــــــ
كاتب سوري
المصدر : الجزيرة